أومأت لويسا ببرود، ثم استدعت الخادم وطلبت شايًا سهل الشرب مع قطعة كعك بالكريمة الطازجة.
كانت قد أسرعت بالدخول إلى الغرفة الخاصة خشية أن يتعرف أحد على بيلا ويثير المتاعب بالاقتراب منها، ثم أضافت متأخرةً أن يوجّهوا رافاييل إلى هذه الغرفة حالما يصل.
‘هل أوشكت الشمس على الغروب؟’
كان الأفق قد تلون بالبرتقالي، فمدّت لويسا يدها لاشعوريًّا إلى الظرف الموضوع بجانبها حيث الهدية.
إن ازداد الغروب لونه، فسيكون بتمام لون حجر الحماية بداخل الظرف.
ولولا وجود بيلا، لكانت أخرجته لتتأمله قليلًا، لكنها اكتفت بالحسرة.
رفعت نظرها تجاه المقابل، فرأت وجه بيلا متجهمًا كما كان منذ انفصالهم عن رافاييل، دون أي تغيير.
‘ليته يأتي سريعًا ويأخذها.’
بدا هذا النوع من الأشخاص متعبًا أكثر مما توقعت، فلم تكن ترغب بالاقتراب.
وما إن همّت لويسا بإدارة رأسها متجاهلةً نظرة بيلا الخاطفة، حتى جاء الشاي في اللحظة المناسبة.
لكن بيلا لم تُرِد أن تدع الصمت يسود، فتمتمت متذمرة:
“من الصعب أن أكون في مكان غريب… الجميع لا يفكر إلا بالمسؤولية فقط….”
تنهدت فجأة!
طرفت لويسا بعينيها بفتور، وعلى محيّاها اللامبالاة.
“طبعًا، أنا سعيدة بلطف الناس معي! وسعيدة أيضًا لأنهم يعتبرونني مهمة. لكن الكنيسة ضيقة وخانقة……”
حقًا، كانوا أناسًا متشددين، قد نذروا أنفسهم للآلهة، فكانوا أكثر من يُعرض عن الحرية.
غير أن……
‘ألم تمكث في العاصمة إلا أيامًا قليلة، فكيف شعرتِ بالاختناق بهذه السرعة؟’
مالت لويسا رأسها قليلًا في استغراب.
“آه، لكن لا يعني هذا أني أكره الكنيسة! فقط أردت أن ألتقي مزيدًا من الناس…وكما هو متوقع من العاصمة، ففيها أشخاص رائعون. خصوصًا السيد رافاييل فهو الأروع! لكن…….”
لم يكن سيئًا أن تثرثر وحدها بلا توقف، ما دامت لا تُلزمها بالرد.
ولو أنها سكتت لكان أهدأ، لكن ما دام الأمر بلا إلحاح، فهو مقبول.
“يبدو أنه خجول كثيرًا.”
“……ماذا؟”
خرجت الكلمات من فم لويسا بلا وعي، حتى إنها لم تصدق نفسها.
لم يكن ردًّا بقدر ما كان تعبيرًا عن دهشة منطقية.
‘ما هذا التفاؤل الغريب…أن تنعتي ذاك الوجه البارد بالخجل!’
قلة الإحساس تلك لم تكن سهلة، بل كانت مذهلة بحد ذاتها.
“ربما لو اقتربنا أكثر سيصير صريحًا معي؟ لكن حينها ينبغي أن نلتقي كثيرًا… على ذكر ذلك، لقد رأيتك معه المرة الماضية أيضًا، هل أنتما مقربان؟”
“امم، يمكن القول إننا مقربان.”
على الأقل في نظر الآخرين.
رفعت لويسا فنجانها، وأضافت بلا مبالاة:
“فنحن مخطوبان.”
ثم ارتشفت الشاي بهدوء وهي تتأمل ارتجاف الخضرة في عيني بيلا.
****
“قديسة، عودي معنا.”
“الجميع قلقون أشد القلق.”
ظهر الفرسان المرافقون لرافييل في الغرفة بوجوه شاحبة، وكأن الدم قد فارقها.
وكانت نظراتهم القلقة إلى قائدهم دليلاً على أنهم قد تلقوا بالفعل توبيخًا شديدًا.
‘ومع ذلك ما زالت تماطل ولا تتحرك…….’
ألقت لويسا نظرة جانبية على بيلا التي كانت تتلكأ خلفها.
كانت تعض شفتيها وكأنها تتجاهل الأمر عمدًا.
لكن لماذا كل هذا العناد؟
لم تستوعب لويسا السبب.
“الفرسان الذين وُكلوا بحمايتكِ سيُعاقَبون.”
لعلّ رافاييل قد ضاق ذرعًا بتلك العنيدة، إذ تسلّل الضجر إلى نبرته.
فعادةً ما كان يتحدث فقط عن الأضرار التي تلحق به شخصيًّا، أما أن يستشهد بخسائر الآخرين فذلك لم يكن من طبعه.
إذا لم تكن هذه الحكاية في الأساس عن علاقة متوترة، فلا يوجد أي أمل لهذين الاثنين معًا.
فمع أن الناس قالوا على سبيل السخرية إن الأمر أشبه بعلاقة كراهية، فإن لويسا التي تذكر تمامًا أن رافاييل في الرواية الأصلية كان قد وقع في حب البطلة من النظرة الأولى ثم طلب فسخ خطوبته منها لم تستطع إنكار أن احتمال تطوّر علاقة بين الاثنين ضعيف للغاية.
قالت بيلا بصوت متردد:
“أولئك الفرسان لم يخطئوا! لقد كنتُ أنا من أراد التنزّه بمفردي، فابتعدوا عني فحسب…”
وما إن تنحّت لويسا جانبًا حتى واجهت بيلا رافاييل مواجهة مباشرة، وهي تضم كتفيها بانكماش.
“هذا صحيح. لكن مهما كانت الأسباب، فهم لا يستطيعون التنصل من مسؤوليتهم عن عدم ملازمتكِ حتى النهاية يا قديسة.”
“أما كان في الإمكان التغاضي عن الأمر ليومٍ واحد فقط؟ لن أتمكن من الخروج بعد الآن……أليس لديكم رحلات كثيرة بعيدًا عن هنا؟”
لكنها لم تجرؤ على مواجهة رافاييل حتى النهاية، فاتجهت نظراتها المرتبكة نحو لويسا.
“ثم إنكِ قلتِ إنه لا بأس أن أبقى معك، أليس كذلك يا لويسا؟”
وفجأة تشبثت بيلا بذراعها.
“هاه؟” رفعت لويسا حاجبًا متفاجئة، ثم أنزلت عينيها نحو يدها الممسكة بذراعها بإلحاح.
“أحقًّا هذا صحيح؟”
وانتزعت لويسا ببطء نظراتها نحو رافاييل، فاشتدّ ضغط بيلا على ذراعها.
“لا. لم أقل شيئًا كهذا، وهذا يربكني قليلًا.”
“لويسا؟” قالتها بيلا بارتباك.
لم تفهم لويسا لِمَ تظن بيلا أن من الطبيعي أن تدافع عنها.
هل تظن أنها ستتظاهر بالتسامح والطيبة كما تفعل بعض الفتيات تحت أنظار الآخرين؟
ربما غيرها كان سيفعل ذلك، لكنها لم تجد داعيًا.
‘ولِمَ أفعل أنا ذلك أصلًا؟ ليست لدي صورة عليّ المحافظة عليها.’
لقد اختارت الشخص الخطأ.
دفعت لويسا يدها برفق وأبعدت ذراعها عنها.
“كنت أودّ لو أسعفك بما تريدين، لكن ألا ترين أن من الأفضل لكِ أن تعودي قبل أن يتضرر المزيد من الفرسان؟”
لو كان ثمة أمل بأن يتقارب الاثنان، لتحمّلت لويسا العناء وأبقتها إلى جانبه.
لكن بيلا وحدها من أبدت اهتمامًا مفرطًا، وما دامت الأمور على هذا الحال فسيكون وجودها بينهما مجرد عبء.
تغيّر مشاعر رافاييل بهذه السرعة جعلها تدرك أن قلقها من فسخ الخطوبة كان بلا معنى.
وبعد أن رأت ما رأت، استنتجت أن الأفضل لها أن تبعد نفسها عن أي حماقات.
وهكذا بقي وجهها باردًا غير مبالٍ.
صرخت بيلا:
“أيّ ضرر تعنين؟! إنني فقط….أنا…!”
فقاطعتها لويسا ببرود:
“تلك الكلمات لا داعي أن تقوليها لي، بل ردّديها في الكنيسة. فأنا لستُ سوى دخيلة.”
“لويسا!”
مدّت بيلا يدها وعيناها تلمعان بالدموع، محاولةً أن تمسك بها مجددًا، فزفرت لويسا بامتعاض وتراجعت جانبًا.
عندها وقف رافاييل أمامها نصف خطوة كمن يحول بينها وبين بيلا.
“ثم إنني لم آذن لكِ بمناداتي باسمي. رجاءً ناديني بلقب الآنسة بليك من الآن فصاعدًا، وبما يليق من مسافة.”
لم تكن تكترث إن ناداها باسمها أم لا، لكن محاولتها المتكررة لاستغلالها كانت أمرًا مختلفًا.
ارتسمت على فم لويسا ابتسامة خفيفة.
في تلك اللحظة، بدت في عيني بيلا غمامة من لومٍ ومرارة، لكن رافاييل دفعها بحزم نحو الفرسان المقدسين، فاختفت سريعًا من أمام أنظارها.
***
مضى وقت، وكانت ألوان الغروب قد ذوت تمامًا.
شعرت لويسا وكأن طاقتها قد استُنزفت قبل أن تبدأ الألعاب النارية حتى. فلم يبق في نفسها سوى الرغبة في أن ترتاح بأسرع وقت ممكن، فسارت بفتور خلف رافاييل.
تذكّرت كلام ماري عن مكانٍ مثاليّ للمشاهدة، لكنها الآن لم تعد ترغب سوى في أن تتمدد أيًّا كان الموضع. وزاد إرهاقها إذ بدا الطريق أكثر انحدارًا، بينما حتى المشي على أرضٍ مستوية صار متعبًا لها.
سألها رافاييل وهو يمشي بجوارها بخطوات متناسقة:
“هل أنتِ بخير؟”
كادت تجيب بما معناه “ألا يكفي أن نرى من هنا؟”، لكنها تماسكت وقالت:
“…… أشعر ببعض التعب. أبعيدٌ ما تبقى من الطريق؟”
“علينا أن نصعد قليلًا بعد. أكثر الأماكن مزدحمة، لذا أعددت موضعًا هادئًا بعيدًا.”
“آه…….”
حتى لو كان قريبًا لأرادت التوقف، فكيف وهو يقول إن عليهم أن يصعدوا أكثر؟ خطرت لها فكرة أن تتوقف هنا أو أن تعود أدراجها. ومع ذلك تماسكت ونظرت إلى رافاييل.
كان يحرك شفتيه بتردّد كأنه يستجمع الشجاعة لقول شيء.
وفي اللحظة التي همّت فيها لويسا باقتراح التوقف لالتقاط أنفاسها، قال:
“ما رأيكِ لو أحملُكِ؟”
“تحملني؟”
“طبعًا، إن كان الأمر لا يزعجك……”
‘أيعني أن يحملني كما تُحمل الأميرة؟’
صحيح أن حملها على الظهر سيصعب بثوبها، لكن حمل الأميرة……
“لا بأس.”
إن كان في ذلك راحة، فما الضير؟
ليس ثمة أحد يراهما على أية حال، ولا مجال للعودة الآن.
فلتكن الرحلة مريحة إذن.
جمعت يديها أمام صدرها بجرأة وأغمضت عينيها قليلًا.
“هل هكذا يكفي؟”
حدّق فيها بعينيه الزرقاوين المتسعتيْن ووجهه متجمّد من الدهشة، كأن قبولها المفاجئ صعقه.
حتى فمه ظل نصف مفتوح وهو يرمقها.
“رافاييل؟”
“آه…… نعم، أرجو المعذرة للحظة.”
“تفضل.”
“يمكنك أن تضعي يديك حول كتفيّ، أو تبقي هكذا إن كان أريح لك.”
“همم…… حسنًا لحظة فقط.”
وبينما كان يرفعها بخفّة إلى صدره، مدّت ذراعها اليسرى لتطوّق عنقه كي تستقر وضعيتها، لكنها سرعان ما انتبهت إلى قرب وجهه الشديد منها.
“……!”
لفحتها نسمات الليل الباردة ممتزجة بأنفاسه الدافئة وهي تلامس خدّها.
تلاقت نظراتهما من مسافة أنفاس، فارتجف نفسها وهي تستشعر حرارة جسده.
وفجأة بات كل شيء يشتت انتباهها.
على عكس برودتها قبل قليل، غمرها الآن اضطراب غريب لم تستطع إخفاءه.
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 55"