“الشائعات القديمة لا أعلمها لأني لم ألتقِ بالآنسة آنذاك، لكنني التقيت الآنسة مرارًا في الآونة الأخيرة، ولذا أجد كلام البارون روزيه مفهومًا.”
“أن تقول الكونتيسة ذلك بنفسها! هل وقع أمر ما؟”
أومأت كونتيسة داليو برأسها بوجه جاد.
“هو أمر شخصي يصعب أن أبوح بتفاصيله، لكن المؤكد أن الآنسة إذا فتح قلبها لشخص ما، تكون أرقَّ وألطف مما يُتصوَّر.”
ارتسمت الحيرة على وجوه الحاضرين، فليس أحدًا آخر بل الكونتيسة داليو هي من دافعت عنها.
وبما أنها شخصية تبوأت مكانة موثوقة لسنين طويلة في عالم التجارة، فإن تصريحها المباشر هذا لم يكن يسيرًا على الآخرين أن يتجاهلوه.
“ليس سوى ما شعرت به أنا فحسب. غير أن النظر إلى شخص بعين التحيّز لا يُظهر إلا عيوبه. لكل إنسان جوانب متعددة، ولكلٍ مَن ينسجم معه. فلِمَ لا يجرب المرء بنفسه ويحتكّ بالآخر قبل أن يصدر حكمه؟ أظنه خيارًا حسنًا.”
ابتسمت الكونتيسة داليو ابتسامة رفيعة متألقة، فارتبك بعض النبلاء وأخفى بعضهم أنظاره.
فالواقع أنّ هؤلاء النبلاء أنفسهم، وإن تظاهروا بالنقاء، فقلّ من يجهل كم الدناءات التي يقترفونها في الخفاء.
ولذا بدا لهم محرجًا أن يستندوا دائمًا إلى الشائعات للنيل من فتاة يافعة.
وظلّت الأنظار متتبعة لوقت طويل عائلة بليك وآلبيرت روزيه وهم يغادرون الكنيسة معًا.
ولاسيما أن عيني الإمبراطورة، التي كانت آنذاك تتحدث مع بيلا تعلقت بهم بإمعان.
***
طَق… طَق.
أنامل تدق الطاولة بإيقاع منتظم بدت متوترة على الرغم من بطئها المتعمد.
“إذن تقولين إن الكونت داليو هو من ضبط تجار العبيد؟”
“نعم. بل وسارع إلى التبليغ وساهم في التحقيق أيضًا.”
“هاه… لقد أسعفه الحظ إذن.”
“غير أن…….”
توقف الصوت.
ساد الصمت.
ارتعشت أنفاس الوصيفة وهي تترقب رد فعل هالين.
“ثبت أن الكونتيسة بعثت رسالة عاجلة قبل إبحار الكونت بلحظات. واللافت أن توقيت الرسالة جاء عقب لقائها بالآنسة بليك مباشرة.”
“لويسا بليك؟”
“نعم. دعيت في الواقع إلى شاي نسائي، غير أن الآنسة بليك انفردت وقتًا قصيرًا بالحديث مع الكونتيسة على حدة.”
“ثم على إثر ذلك أرسلت الكونتيسة الرسالة العاجلة؟”
“نعم.”
“……عجيب أن نكتفي بالقول إن ذلك محض صدفة. لويسا بليك التي لا يُعرف كيف علمت بالأمر، والكونتيسة التي بعثت رسالة غامضة في ذاك التوقيت تحديدًا… كل ذلك مثير للريبة.”
“أعتذر. حاولتُ الاطلاع على محتوى الرسالة لكن الكونت داليو أحرقها في الحال، فتعذّر استردادها.”
غير أنّ عينيها بلون الأرجوان الغامق كانتا تلمعان ببرود لا سبيل إلى إخفائه.
“……يزداد الأمر إزعاجًا.”
كانت مراكز القوى في هذه الإمبراطورية أكثر مما هو لازم.
ففي القمة يقبع الإمبراطور، أما أسفل منه فثمة أشخاص كثر لا يقلّون إقلاقًا، وهؤلاء لا يبدو أنهم سيمهّدون لها الطريق.
كانت قد أقرّت سرًّا بتجارة العبيد لتجميع القوة التي تستمد منها رجاء مستقبلها الوحيد، غير أنها ما كانت لتتردد لحظة في التخلص من أي عائق يعترضها.
فلذلك، حين بلغها أن تجارة العبيد كُشفت في دولة أجنبية، سارعت فورًا إلى استغلال الحدث لانتزاع السلطة من أحد هؤلاء النافذين.
فالمشاريع السرية التي تخطط لها كثيرة، لكن نصيب نقابة غلوريا في التجارة كان ضخمًا أكثر من اللازم.
وقد ظلّت لسنوات طويلة مهيمنة على السوق، حتى بات من المتعذّر على نقابة جديدة أن تشق طريقها، وجعلت الأنشطة السرية كذلك مرهقة عسيرة.
في البدء خطرت لها فكرة استقطابهم إلى جانبها، غير أنّ من تمكّن من الحفاظ على مكانته كتاجر عظيم طوال هذه العقود بلا شبهة، فلا بد أن يغدو يومًا سمًّا قاتلًا.
لذلك رأت أنه وإن لم يمكن إسقاط الكونت داليو تمامًا، فإن مجرد تعثره تحت تهمة الاتجار بالعبيد يكفيها إما لتقوية نقابة أخرى على حسابه، أو لاحتوائه وهو يائس فتستعمله كما تشاء.
هكذا خططت.
غير أن……
“أسمعتِ أن الآنسة بليك قيل إنها مصابة بمرض عضال؟”
“نعم. لكن بعد تلقيها علاجًا على الطريقة الشرقية تحسنت حالتها كثيرًا. غير أننا لا ندري إن كان الأمر مؤقتًا أم أنه ناجع بالفعل، ونحتاج لمزيد من التحقق…….”
“وإلى متى ستبقون في التحقق فقط؟”
“أستميحك عذرًا.”
“وبينما أنتم تتحققون، يبدو أن ولدي الأكبر توثّقت صلته بتلك الفتاة. ما رأيك في ذلك؟”
“……أستميحك عذرًا.”
رفعت هالين ذقن الوصيفة المنحنية بخفة بسبابة يدها.
كانت ابتسامتها الملكية المهيبة لا تزال تغطي وجهها كقناع، أما نظراتها المتعالية فلم تحمل أدنى أثر للرحمة.
“لا بد أن أتدخل بنفسي إذن، حفاظًا على ولدي الأكبر ذي القلب الضعيف.”
لم تكن لتتوقع أن يغيّر رافاييل الذي كان يعلن كراهيته بل واحتقاره للويسا موقفه بهذه السرعة الفجائية.
ظنّت أنه سيبادر بإنهاء خطوبته معها من تلقاء نفسه، لذلك امتنعت عن التدخل تفاديًا لتعقيد الأمور، غير أن حسابها كان خاطئًا.
“أن يجرؤ على رفض طلبي! أخشى إن استمر الحال أن يفقد ولدي الأكبر قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ.”
لقد كانت القديسة بحاجة إلى ظلّ رافاييل لتزداد مكانتها بروزًا، ولهذا كتبت هالين بنفسها رسالةً ترجوه فيها.
لكنها لم تتصور أنه سيرفضها بذلك البرود والقسوة.
إذ لم يحدث مثل هذا قط، بدأت كل التفاصيل تثير ضيقها.
“لا بد من المضي في فسخ الخطوبة. هل تقدرين على ذلك؟”
وهكذا عزمت هالين على إزالة أكثر ما يزعجها أولًا.
ففتحت الوصيفة وشفتيها ترتعشان قائلة ببطء:
“نعم. سأقتلها في الحال.”
“حماسة لطيفة منكِ. لكن القتل… فلنؤجله. فالتوقيت ليس مناسبًا.”
“……إذن سأنشر الشائعات. سأقول إنها أخفت عمدًا عيبها المتمثل في مرضها العضال، وإنها تطمح مع ذلك إلى مقعد بين العائلة المالكة.”
قطرت حبة عرق من وجه الوصيفة حين أبعدت هالين إصبعها عنه، وارتطمت بالأرض.
رفعت الإمبراطورة فنجان الشاي مبتسمة برضا وقالت:
“لقد فتر الشاي بالقدر المناسب.”
إشارة صامتة بالإذن.
ألقت لويسا بنفسها على السرير وأغمضت جفونها المثقلة.
‘آه… يبدو أن الموقف قد تضخّم أكثر مما توقعت. ومن بين جميع اللحظات، اختار ألبيرت أن يكشف معرفته بي أمام ذلك الجمع!’
كانت قد توقعت أن لا يُفصح، لكن مع اتساع الأعمال التجارية بينهما ازدادت اللقاءات والرسائل سرًّا، وصارت الأمور مرهقة.
وفوق ذلك، صارت شهرتها متعاظمة، وإن تسرّبت كلمة عابرة فسيصعب تداركها.
لذا، قبل مدة قصيرة، لمحت لألبيرت بأنه لا بأس أن يتحدث إليها علنًا أحيانًا.
لكن لم يخطر ببالها أنه سيفعلها في مكان مكتظ بالناس.
‘هممم… لعلّي كان عليّ أن أكون أوضح وأقول “لا أمام جمع كبير”.’
فألبيرت وإن كان قليل الفطنة، صديق طيب القلب.
ومع ذلك، لم تستطع لويسا أن تؤنبه قائلة: “أما كان عليك أن تختار وقتًا أفضل؟”، فآثرت أن تجاريه نصف مجاراة.
على أي حال، سيسألها الناس أسئلة كثيرة، لكنها تعلم أن معظمهم يخشونها ولا يجرؤون على الاقتراب منها، أما من سيتحمّل العناء فهو ألبيرت وحده.
“آنستي، لا بد أن تجففي شعرك قبل أن تنامي!”
خرجت ماري من الحمام مذعورة واقتربت منها.
“أما يمكنني أن أنام هكذا؟”
“لا! إن أصابك البرد فسيكون أمرًا خطيرًا.”
“برد في هذا الصيف؟”
“وهل تعلمين كم هو مخيف برد الصيف بالذات! هيا، بسرعة.”
كانت ماري حازمة، فسحبت ذراعي لويسا لتنهض من السرير، فجلست لويسا على حافته متثاقلة.
“آه… كدت أموت.”
“لا تقولي ذلك يا آنستي!”
قفزت ماري فزعة وهي تجفف شعرها برفق بالمنشفة.
“ماري… كأنك تزدادين ثرثرة يومًا بعد يوم.”
“ألا تعرفين السبب برأيك؟”
“……لعلّك محقّة.”
أشاحت لويسا بوجهها هربًا من عيني ماري الجادتين وهي تسألها كأنها لا تفهم.
“آه! بعد غد يبدأ مهرجان الصيف!”
“حقًا؟ هل تريدين إجازة إذن؟”
“لا! لم أقصد ذلك، بل أسألك إن كنتِ ترغبين بالذهاب لرؤيته بنفسك.”
“لا أظن أنني بحاجة لذلك.”
“آنستي، إنما تقولين ذلك كسلًا، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“لكن هذه السنة يقام المهرجان أكبر من أي عام، احتفاءً بظهور القديسة! لا بد أن نذهب.”
“إذن اذهبي أنتِ، وأخبريني بمقارنة بين هذا العام والعام الماضي.”
“الرؤية تختلف عن السماع. قد تجدين الأمر ممتعًا أكثر مما تتوقعين.”
“لكنني لا أرغب….”
تمتمت لويسا بتململ.
“آنستي، أرجوكِ، ولو لمرة واحدة… نعم؟”
شبكت ماري يديها أمام صدرها متوسلة، وعيناها البنيتان تلمعان برقة كعيني قطة تتوسل.
فخدشت لويسا خدها بإصبعها في حرج.
‘هل تتوسل هكذا لأنها لا تريد أن تذهب وحدها؟ لِمَ تُلح بهذا الشكل على ذهابي إلى المهرجان؟’
كانت حيرتها واضحة، فماري لم تعتد أن تتوسل إليها بهذه الطريقة.
وكانت لويسا قد قررت أن تمكث في المنزل حتى يحين موعد سفرها إلى الشمال بعد انشغالها مؤخرًا.
لكن ملامح ماري الآن جعلتها تشعر أنها ستنفجر بالبكاء إن رفضت.
****
رح انشر فصل كل يوم لين اشوف تفاعل، عم حس اني اترجم لنفسي ، عل اي حال الفصول عندي جاهزين، ترجمت 10 فصول وما اشوف انكم تستحقون ، 50 مشاهده و 6 نجوم وكومنت واحد الا لمه يبي يأمرني ويبي فصل؟ نو حبايبي مو هيك🤍عنجد زعلت كتير كتير ، قولو اذا ترجمتي معفنه ترا يمديني اوقف واقرا الروايه مع نفسي
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 51"