“يا أخي، لقد فاجأتني برسالتك الأخيرة، كانت أقرب إلى أمرٍ مفاجئ. كيف تكلّفني فجأة بمرافقة القديسة؟ أليس هذا من مهامك أنت بالأصل؟”
أجابه رافاييل ببرود:
“موقعي يفرض عليّ السيطرة على الوضع من حولي، وذلك أمر لا يمكن أن أتهاون فيه.”
“آه…… صدقت. حتى إنّ والدتي تأسفت، إذ رأت أنّها كلّفت رجلًا مشغولًا فوق طاقته.”
“سأزور والدتي لاحقًا وأوضّح الأمر بنفسي.”
“ليكن كذلك. ولكن مهلاً، أهذا وجهٌ أعرفه؟ أليست هذه الآنسة البهيّة لويسا؟”
سمعت لويسا النداء المليء بالمزاح، فشدّت على أسنانها متظاهرة باللامبالاة.
لحسن الحظ لم يلتقط الدوق بليك الكلمات، لكن يبدو أنّ ديميان سمعها.
فتح عينيه متفاجئًا وأرسل إليها نظرة مستفهِمة، فما كان منها إلا أن هزّت كتفيها ثم التفتت بفتور.
“جلالتك، الأمير الثاني…….”
فقاطعها مبتسمًا:
“دعينا من الرسميات. حتى أنت يا صغـير بليك، لسنا بحاجة إليها الآن. يا له من سرور أن أرى وجوهًا مألوفة!”
لويسا التي كانت قد رأت فيه وجهًا وسيماً في البداية، لم تعد ترى في ابتسامته سوى استفزازٍ منفر.
قال رافاييل بصرامة:
“ساينف، هذا تعدٍّ. ما معنى هذه المخاطبة غير اللائقة للويسا؟”
ضحك ساينف بخفة:
“هاها، المعذرة. غلبتني المودّة من دون قصد. إن كنتِ قد ضقتِ بها ذرعًا فأنا أعتذر.”
تمتمت لويسا:
“……لا بأس.”
في أعماقها كانت تتمنى أن تصرخ في وجهه: بل هو مزعج، فارحل! لكنّها أطبقت على لسانها خشية أن يُعدّ ذلك إهانة لدمٍ ملكي.
قال رافاييل بلهجة آمرة:
“اذهب الآن إلى القديسة. المراسم ستبدأ قريبًا.”
أجاب ساينف وهو يضحك:
“أوه، بهذه السرعة؟ كنت أتمنى أن تطول اللحظة…….”
ورغم أنّه بدا متأسفًا بالفعل، إلا أنّ لويسا أيقنت أنّه إنما يتحسر على انقطاع ثرثرته.
في المقابل كان وجه رافاييل يزداد تصلبًا أكثر حتى مما كان عليه في حضرة بيلا.
شدّت عضلات فكه وكأنّه يكبح شيئًا في داخله، قبل أن يقول بحدة:
“أنا ذاهب إلى هناك أيضًا. فلنذهب معًا.”
ارتفع حاجبا ساينف دهشة:
“لكن لا بأس إن تمهّلت قليلًا، أليس لديك وقت كافٍ؟”
“أبدًا.”
ثم دفعه رافاييل برفق على ظهره ليتحرك.
“هناك أمور ينبغي التأكد منها مسبقًا.”
“أتستدعي كل هذا الحرص؟”
“بلا شك.”
تنهّد ساينف وهز كتفيه ثم تقدّم صامتًا مكتفيًا بالتلويح بيده بخفة خلفه، الأمر الذي أثار ضيق لويسا أكثر.
‘لولا أنّه أمير لأظهرت له وجهًا عابسًا كما لو ابتلعت ثمرة لاذعة.’
فاكتفت بالابتعاد بنظرها كأنها لا تراه.
وفجأة وهي تظنّ أنّ الأمر انتهى، بلغها صوت منخفض قريب جدًا من أذنها، يكاد يكون همسًا:
“……لم ألتقِ بالقديسة إلا مرة واحدة في الحفل السابق.”
كان الهمس صادرًا من رافاييل، إذ مرّ بجوارها متجهًا إلى الباب الجانبي.
لم ينتبه أحد آخر وكأنّه قصدها وحدها بالكلام.
حدّقت لويسا بدهشة في ظهره المبتعد.
‘وماذا يعني أن يخبرني بهذا؟’
حبست كلماتها في صدرها على عتبة الخروج.
***
أقيمت مراسم تنصيب القديسة باحتفال مهيب.
كان هناك طقوس لا تنتهي: غسل اليدين بالماء المقدس، الصلاة، البركة…… إجراءات بسيطة في ظاهرها لكنها امتدت لأكثر من ساعتين.
ومع طول الوقت، بقي الجميع ثابتين في أماكنهم.
فرغم أنّ العاصمة لم تشهد يومًا ظهور وحوش، فإن شبح ذلك الاحتمال يخيّم على القلوب كظلٍّ ثقيل.
أخيرًا ختم الكاهن الاكبر بقوله الجليل:
“إن كنيسة الحاكمة إيانا يعلن من الآن أنّ القديسة بيلا مرسلة من قِبَل السماء لتفيض بخيرها على العالم.”
ثم رشّها بالماء المقدس.
ارتجفت كتفيها للحظة من برودته، لكنها حافظت على ابتسامتها المشرقة.
وما إن التفتت نحو الحشود وانحنت قليلًا بابتسامة مضيئة كالشمس، حتى ارتجّ المكان بصيحات الإعجاب والتهليل.
صفّقت لويسا بخفة مع بقية النبلاء ثم نهضت من مقعدها.
‘آه، كم أنا متيبّسة! الجلوس طويلًا هكذا مرهق فعلًا……’
أخيرًا العودة إلى المنزل؟ لكن حتى الوصول إلى العربة يبدو رحلة شاقة.
قال يدميان وهو يلمح تعبها:
“أرهقك الأمر، أليس كذلك؟”
ثم ربت برفق على ظهرها فهزّت رأسها شاكرة وأرسلت نظرة نحو الدوق بليك.
التفت إليها الدوق ببرود وسأل:
“أتريدين المغادرة؟”
أومأت سريعًا، لكنها توقفت حين رأت أنّ أحدًا لم يتحرك بعد.
مسحت القاعة بعينيها.
“لكن…… لماذا لا يغادر أحد؟”
فأجابها ديميان:
“قالت القديسة إنها ستوزع البركة في النهاية، لذلك ينتظر الجميع.”
رمشت لويسا في حيرة.
أكانت قد قالت ذلك فعلًا؟ يبدو أنّها كانت غارقة في الملل فلم تعِ شيئًا.
“وكيف ستوزع هذه البركة؟”
“عادةً بتقديم الطعام الدافئ للفقراء، أما بالنسبة للنبلاء…… فكل ما يطمعون فيه هو لحظة يلتقون فيها عينيها عن قرب.”
‘آه، إذن كل هذا الحماس سببه مجرد التقرّب من السلطة الجديدة……’
لكن هل يجوز أن تغادر وحدها الآن؟ الجو يوحي أنّ أقلّ ما عليها هو البقاء متماسكة مثل الآخرين.
قال الدوق وكأنّه قرأ أفكارها:
“إن رغبتِ في الانصراف، فافعلي. نحن من بيت بليك.”
لكن اليد التي مدّها الدوق بليك نحو لويسا لم تكن كذلك؛ فقد كانت يده في غاية الحذر.
وأمام تلك اليد الممدودة، ترددت لويسا قليلًا كمن يواجه أمرًا غريبًا لم يعتد عليه.
“لنذهب يا لويسا.”
رمقها ديميان بعينين دافئتين وصوتٍ رقيق.
وفيما لا تزال لويسا مترددة، ارتفعت يدها الصغيرة والناعمة ببطء فوق كف الدوق القاسي المليء بالندوب.
وما إن التقت بشرتُهما حتى ضاق ما بينهما من مسافة.
وبشعورٍ غامض لم تفهمه تمامًا، مشت لويسا بجوار الدوق إلى أن استوقفها صوتٌ ينادي من الخلف.
“ي-يا آنسة!”
“نعم؟ آه.”
لم تستطع لويسا إخفاء ابتسامتها حين التفتت.
وكان البارون ألبيرت روزيه الذي بدا أنه لحق بها مسرعًا حتى لهث أنفاسه، يبادلها الابتسام.
“يا بَارون، ملامحك تبدو أفضل من ذي قبل. هل صحتك بخير الآن؟”
انهمرت الأنظار عليهم من كل جانب. وجوه الناس كانت متحجرة بالذهول:
هل ما يسمعونه ويشاهدونه حقيقي؟ لويسا بليك تلك الشريرة القاسية تتحدث بهذه النبرة الرقيقة وتسأل عن حال أحدهم؟
أم لعلها تقصد العكس، كأنها تسأله بتشفٍّ: هل لا تزال قادرًا على الأكل والعيش؟
“بفضل عنايتكِ الدافئة تحسّنت كثيرًا. ولا أعلم كيف أستطيع رد هذا الجميل، فما أشعر به من الامتنان يتجاوز قدرتي على التعبير.”
‘ماذا؟!’
انعقدت وجوه الحاضرين على صدمة ممزوجة بالخوف.
هل يتعرض للتهديد؟ أم أخطأوا في التعرف عليه؟
لويسا بليك وعناية دافئة في جملة واحدة؟! إن كانت ستنال كلمة شكر، لكان يوم دخولها القبر هو اليوم المناسب لذلك.
ومع ذلك، ها هي الكلمات تصفع رؤوس المتفرجين واحدة تلو الأخرى.
“أليس هذا البارون ألبيرت روزيه؟ ما الذي يجري هنا؟”
“أترون؟ إنه يبدو مقرّبًا منها بشكل غريب… أأنا وحدي من يلاحظ؟”
وبينما تتقاطع النظرات من بعيد، اتجهت إليها حتى بيلا نفسها وهي تبتسم بين الحاضرين وقد شدّها الجو المحيط إلى متابعة المشهد.
ألبيرت روزيه… كان اسمًا لا يكاد يُعرف من قبل، لكنه الآن يتردد على كل لسان.
فلو سُئل أحدهم عن أكثر شخصين مثيرين للحديث في العاصمة لقال بلا تردد: القديسة بيلا، والبارون ألبيرت روزيه صاحب شراب “الروزيه” الذي غزا القصور.
في البداية لفت الانتباه بدافع الفضول، لكن بعد أن تذوقه النبلاء في الحفلات، أصبحوا يتهافتون عليه بجنون.
بل إن تلك الاثارة بلغت حد أن بعض الممالك البعيدة راحت تطلب شرابه.
وكان سرّ نجاحه الأكبر أنه لا ينتج إلا كميات محدودة، مؤكدًا أن زيادة الإنتاج تفسد الجودة.
وهكذا، ازدادت الرغبة فيه أضعافًا، واشتعلت المنافسة للحصول عليه.
الناس لم يعلموا أن هذه الخطة المحكمة، من الإعلانات في الحفلات إلى تقليل الإنتاج للمحافظة على الجودة، كلها كانت بإشارة من لويسا نفسها.
أما وقد ظهر روزيه بهذه الصورة، فقد صار النبلاء يتسابقون للتقرب منه بعدما عجزوا عن نيل مكان بجوارها.
لكن أن يجتمع هو ولويسا بليك؟ هذا كان أبعد ما توقعه أحد.
“أبي، هذا هو البارون ألبيرت روزيه، وهو يساعدني كثيرًا في بعض شؤوني الخاصة.”
“همم. تقصدين عملك ذاك.”
“آه، يا دوق بليك! إنه لشرف عظيم أن أحييك! لكن يا آنسة، رجاءً لا تقولي إنني أساعدكِ. فأنتِ صاحبة الفضل، وأنا من أدين لكِ بالكثير، ولن أوفيكِ حقكِ حتى لو قضيت عمري كله في السداد.”
عمل؟ فضل؟!
تلبّدت الوجوه بالحيرة.
ثم رأوا على ملامح الدوق بايك مسحة ابتسامة خفيفة، ورأوا ديميان يضحك بفخر ورضا كأن الأمر طبيعي.
في تلك اللحظة، شعر الحاضرون أنهم يكادون يفقدون عقولهم.
“ما الذي يحدث هنا بحق خالق السماء؟ أأنا الوحيدة التي لا تفهم شيئًا؟”
*****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 50"