“……بما أن لعائلة داليو نفوذًا واسعًا في عالم التجارة، فإن التقرب منهم خيار حكيم. وقد ازداد صيتهم مؤخرًا بفضل نوع النبيذ الجديد حتى صار لهم اسم معروف خارج حدود الإمبراطورية.”
قال ذلك بعد تردد قصير وبنبرة خافتة.
لم تكن لويسا تتوقع منه أن يتحدث في أمور المجتمع أو الصلات بين النبلاء، فإذا به يفاجئها بنصيحة عملية.
وخصوصًا أنه هو من بادر بذكر موضوع النبيذ.
فاستوت في جلستها والتفتت إليه بكليتها.
كانت تظنه مجرد فارس يملك قوة مقدسة بلا دهاء دنيوي، فإذا به يثبت أن له نظرة أبعد مما ظنّت.
‘حقًّا، لقد صار النبيذ شهيرًا. صادراته بلغت أرقامًا هائلة.’
ارتسمت على شفتيها ابتسامة راضية.
“لقد وضعت شركة غلوريا التجارية أسسًا قوية جدًا في مجال التصدير. لا بد أنهم أناس على قدر كبير من الكفاءة.”
“صحيح أنّ أسرة داليو عريقة في التجارة، لكن قيل إن ازدهارها الحقيقي تحقق في هذا الجيل تحديدًا. آه… وعلى ذكر التجارة، فقد وصلت إلى فرسان الهيكل تقارير عن عمليات احتيال كبيرة تخص سفنًا تجارية في قارة أخرى. ولهذا ستُشدَّد الرقابة على التهريب داخل الإمبراطورية في الفترة القادمة. لا بد أن شركة غلوريا ستنشغل كثيرًا بهذا الأمر.”
‘ماذا…؟ احتيال في السفن التجارية؟’
لمع بريق خاطف في عيني لويسا البنفسجيتين اللتين اعتادتا أن تنضحا دفئًا.
وفجأة عادت إلى ذهنها تفاصيل من القصة الاصلية التي كادت تنساها، فانتفض جسدها كما لو سرى فيه تيار بارد.
‘صحيح! في القصة الأصلية تعرّضت أسرة داليو لمحنة بسبب عقد احتيالي! كيف لم أتذكر هذا؟’
كان الاحتيال على هذا المستوى يعني أن القضية ضخمة، والأرجح أن هذا ما سيقود إلى تلك الأحداث.
مالت بجسدها للأمام وعيناها متسعتان:
“هل يمكن أن تخبرني عن طبيعة هذا الاحتيال؟”
كان اندفاعها مباغتًا، فتراجع رافاييل قليلًا وأسند ظهره إلى المقعد، محدّقًا فيها بعينين متسعتين.
“آه…”
“أهو أمر سري…؟”
“لا أظن أنه سر بالغ، فشؤون التجارة غالبًا ما يجري تبادل أخبارها بين التجار. الفرق فقط في سرعة وصول الخبر….”
تلألأت عينا لويسا بانتظار.
ازداد توتره، وارتفعت تفاحة حنجرته قبل أن ينطق:
“……إنها تجارة العبيد المحظورة.”
“العبيد؟!”
“نعم. ورغم أن نظام العبيد أُلغي، فما زال بعضهم يتاجرون سرًّا.”
“آه…”
عاد كل شيء إلى ذاكرتها.
أولئك الأوغاد الذين كانوا يزيفون السجلات ويخفون العبيد في الصناديق بعد تخديرهم، ثم يشحنونهم سرًا على متن السفن التجارية…
وكان الكونت داليو في الأصل قد سقط في فخهم. إذ استغل المحتالون ثغرة أنه لا يفتّش كل الصناديق، فأرسلوا سفينة تحمل عبيدًا مخبئين، ومع أن داليو كان يظن أنه استورد بضائع مشروعة تمامًا، اتُّهم ظلمًا بأنه متاجر بالعبيد، وكاد أن يُجرّ إلى محاكمة نبلاء.
‘هذا هو! هذا الخيط الحاسم.’
أشرق وجه لويسا بابتسامة عريضة كزهرة متفتحة.
“أشكرك جزيل الشكر على هذه المعلومة!”
“…ألا يوجد… شيء آخر تودّين معرفته؟”
سأل رافاييل بصوت متوتر على غير عادته كأنه يخشى انتهاء الحديث.
‘هل عادةً ما يلمس أذنه؟ أم أن دماءه تجري أسرع حين ينفعل؟’
تساءلت لويسا في سرها وهي تلاحظ كيف يعبث بطرف أذنه المتورد.
لكنها اكتفت بأن هزت رأسها.
“لا، هذا يكفيني.”
“إذن، إن خطرت لك أسئلة أو احتجتِ إلى شيء، فأخبِريني في أي وقت.”
“حسناً، شاكرة لكرمك.”
“كرم…؟”
تمتم بالكلمة بصوت خافت، لكن لويسا تظاهرت أنها لم تسمعه، وحوّلت نظرها إلى النافذة حيث كان الأفق الأزرق يتبدّل سريعًا.
***
وما إن وصلت لويسا إلى قصر الكونت داليو حتى عضّت على طرف لسانها أسفًا.
“يبدو أن الإشاعات ليست مجرد إشاعات بعد الآن.”
“صدقتِ. من كان يظن أن علاقتك بسمو ولي العهد الأول على هذا القدر من القرب! أن يتفضل بمرافقتك شخصيًا… أمر مذهل بالفعل.”
لقد قدّمت لهم أول موضوع ثرثرة بنفسها!
من فرط اعتيادها على أن يسير رافاييل بجانبها في الشمال، فتقبّلت مرافقته اليوم بلا تفكير ونسيت أن العاصمة ليست كالشمال.
وجوده معها كافٍ ليثير الأقاويل في أي مكان، فكيف بحفل شاي للسيدات.
وما أثار ضيقها أكثر أن هؤلاء النسوة كنّ قد بدا عليهن التوجس حين دخلت، ثم سرعان ما ألقين ذلك القناع وأظهرن فضولهن الثرثار، لا يتركن سؤالًا إلا قذفن به وكأنهن عصافير صاخبة.
صحيح أن الترحيب الحار من الكونتيسة نفسها هو ما جرّأهن على ذلك، لكن الوضع برمته لم يكن مريحًا.
‘لا أستطيع نفي الأمر، لكن لا يروق لي الاعتراف به أيضًا…’
آثرت لويسا الصمت وهي تدرك أن أي كلمة منها قد تُفسَّر على أنها انفعال زائد فقررت أن تدع الكلام يدخل من أذن ويخرج من الأخرى.
عندها سألت الكونتيسة بنبرة ودودة:
“هل كانت رحلتكِ إلى الشمال موفقة يا آنسة لويسا؟”
فإذا بزوجة أحد النبلاء التي كانت قبل قليل تسهب في الحديث عن رافاييل تصمت فجأة.
أما لويسا فاكتفت بأن تدير رأسها قليلًا وتبتسم.
“نعم. لقد كان تغييرًا لطيفًا في الأجواء بعد طول غياب.”
“ما زلت لم أزر الشمال قط. سمعت أنه بارد حتى في الصيف، أحقًّا هذا؟”
“صحيح. بالنسبة إلى العاصمة يمكن اعتباره خريفًا متأخرًا، فالصيف هناك خالٍ من الثلج لكنه يظل باردًا دائمًا.”
“يا للعجب! أما أنا فضعيفة أمام الحر وأقوى أمام البرد، لذا ربما أجعل إجازتي القادمة هناك.”
“إن تكرمتِ بالزيارة فسأحرص على أن أعدّ لاستقبالك كما يليق. فمثل هذا الضيف الكريم يستحق أفضل ترحيب.”
“هاهاها! ما أطيب هذه الكلمات!”
غطّت الكونتيسة أسفل وجهها بمروحتها وانطلقت في ضحكة صافية تلمع معها عيناها الزيتونيتان بصدقٍ لا رياء فيه.
وتبعتها سيدات أخريات بضحكات خفيفة.
وبينما كانت تتأمل كل واحدة منهن، أطبقت الكونتيسة مروحتها فجأة، ورسمت ابتسامة يكسوها الأسف.
“منذ لقائي بالآنسة لويسا قررت ألّا أحكم على الناس استنادًا إلى الشائعات. كيف يمكن لمثل هذه الآنسة الودودة أن تلاحقها أقاويل قاسية كهذه؟ لا بد أن وراء تلك الأحاديث أسبابًا ما.”
‘صحيح أنّ معظمها حدث بالفعل… لكني لم أكن أنا الفاعلة.’
قررت لويسا أن تكتفي بالتظاهر بالبرود واللامبالاة.
وحتى لو حاول أحدهم مساءلتها مستقبلًا، فلن يجرؤ كثيرًا، إذ إن الذين ذاقوا بطشها في الماضي يخشون أن يعيدوا التجربة، ولن يخاطروا بذلك.
نظرت لويسا بثبات في عيني الكونتيسة داليو.
وفوجئت قليلًا حين أمسكت بيدها فجأة، لكنها لم تُظهر ما شعرت به للخارج.
قالت بابتسامة هادئة:
“أشكركِ.”
كانن بعض سيدات النبلاء يرمقنها بنظرات فيها استغراب، وكأنهن لم يصدقن ما يرَين، غير أن عيني لويسا لم ترَ إلا كونتيسة داليو وحدها.
فصداقة حقيقية واحدة أصدق وأنفع لها بكثير من عشرات العلاقات السطحية.
لكن لا بد من فتح الحديث، غير أن الجو لم يكن مناسبًا لقول ما تريد أمام هؤلاء النسوة. فتلفتت لويسا من حولها بنظرة حذرة، كأنها تتحيّن فرصة مناسبة.
وبينما لم تجد السيدات ما يصدقنه أو ما يوافقن عليه، بدا أنهن قررن صرف الحديث، فانشغلن بتذوّق الشاي الفاخر الذي جلبته الكونتيسة من الخارج، وأخذن يتبادلن أطراف الحديث حوله.
لم تفوّت لويسا تلك الفرصة، فرفعت بصرها إلى كونتيسة داليو.
ويبدو أن الكونتيسة كانت تنظر إليها بدورها، وحين تلاقت نظراتهما، لمّحت لويسا بحركة صغيرة مقصودة وهي تتظاهر بالنظر إلى الجوار.
قالت لويسا:
“كنتُ أظن قصرَكِ مدهشًا منذ حفلة الحديقة الأخيرة، لكن الآن وقد رأيته مجددًا، فأنا أكثر اقتناعًا بروعة تصميمه. والحديقة… كم هي خلابة!”
ابتسمت الكونتيسة ابتسامة فخر وهي تجيب:
“يسعدني أنكِ لاحظتِ ذلك، وشكرًا على كلماتكِ الطيبة. ما رأيكِ أن نقوم بجولة قصيرة في الحديقة معًا؟”
ابتسمت لويسا:
“اقتراح يسعدني كثيرًا.”
فما كانت الكونتيسة وهي سليلة أسرة تجارية عريقة لتفوّت مثل هذه الإشارة فنهضت فورًا بمكر لَبِق.
ضحكن ضحكات متكلفة بعض الشيء، لكن لويسا رأت في ذلك فرصة مناسبة.
وفكرت في نفسها: ‘لا بأس، فالأرجح أنهن لا يردن عناء التجوّل.’
ثم نهضت لترافق الكونتيسة نحو الممر المؤدي إلى الحديقة.
وما إن خرجتا من ظل السقف حتى هبطت عليهما أشعة الشمس اللاهبة. فسارعت الخادمات إلى مدّ المظلات فوق رأسيهما. وهكذا تابعتا السير بهدوء، غير عابئتين بحرارة الجو.
قالت الكونتيسة وهي تتبسم:
“هل تحبين الورود؟”
فأجابت لويسا:
“نعم، إنها من أزهاري المفضلة. لقد تفتحت هنا بشكل رائع.”
وبينما كانتا تتبادلان حديثًا عابرًا عن الأزهار، راحت لويسا تفكر في كيفية فتح موضوعها الأساسي.
فتذكرت كلام الخادمة ماري حين فرحت لقِصر موسم الأمطار هذا العام، وكيف اشتكت من طول المطر العام الماضي. فاغتنمت الخيط وبدأت:
“يبدو أن المطر هذا العام أقل من المعتاد. أذكر أن هذه الفترة من العام كانت تشهد هطولًا متواصلًا.”
أجابت الكونتيسة:
“صحيح، غير أنّ غياب الأمطار يعني أيضًا انعدام خطر الأعاصير، مما يجعل رحلات البحر آمنة، وذلك أمر حسن للغاية.”
حينها شدّت لويسا قبضتها من غير شعور.
“حقًا. لا بد أن الأمر راح يثير قلقك كثيرًا، بما أنني سمعت أن الكونت يتابع شؤون الموانئ بنفسه باستمرار.”
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 48"