“يبدو أن مصارحتهم أفضل من أن يسيئوا الظن بي ويظنوا أنني مصابة بمرض ميؤوس منه.”
كان صوتها هادئًا لا يحمل أي انفعال.
“وهل تحسبين أن الأمر يُحل بهذه البساطة؟ الأعراض التي تعانينها الآن لا تقل خطورة أبدًا.”
“ما دمتُ أستطيع التحكم في قوتي المقدسة، فحتى لو تكرّر ما حدث البارحة، يكفي أن أرتشف قليلًا من الماء المقدس وينتهي الأمر. هذا ليس كمرض مميت لا يُعرف متى يقضي على صاحبه.”
وخلال حديثها، أدركت لويسا أنها لا بد أن تُخبر عائلتها على الأقل بقدر ما أخبرت رافاييل.
لكنها كانت تعلم أيضًا أنّ الأمر قد يتعقّد لو سعت عائلتها إلى رفع المسألة إلى البطريرك في الكنيسة الكبرى، غير أن ظهور القديسة جعل ذلك احتمالًا بعيدًا، فالكل منشغل بها الآن.
ثم إنها رأت أن أعراضها ستزول تلقائيًّا بعد أن تُطهّر القديسة الإمبراطورية، فالأفضل أن تُصارح أقرب الناس إليها بدل أن يتيه الجميع في القلق والمعاناة على مرض لا وجود له أصلًا.
ولولا ظهور بيلا لما باحت بشيء مطلقًا، غير أن رافاييل قد لمح بعض الأمر بالفعل، وكان في داخلها يقين غامض بأن عائلتها وحدها تستحق أن تعلم، فبدأت تغيّر رأيها.
قال رافاييل محتدًا:
“نحن في زمنٍ يضجّ بالسحر النجس. لا أحد يعرف متى أو كيف ستقع الأخطار، فهل تظنين أنك ستنجين في كل مرة بهذه السهولة؟”
أخذت لويسا تميل برأسها مستغربة:
‘ما بال هذا الرجل يستشيط هكذا؟’
لم تعد تفهم.
“لكن القديسة ظهرت بالفعل. السلام سيعمّ الإمبراطورية قريبًا، وكل ما عليّ فعله هو التزام الحذر إلى ذلك الحين.”
فقال وهو يزفر بعمق:
ةهاه…… ومن يدري متى يحين ذلك؟”
فابتسمت بخفة:
“مهما طال الوقت، فذلك اليوم سيأتي لا محالة. لكن لماذا تتصرف هكذا؟ آه، لا تقلق، أنا لا أسيء الظن فأظن أنك قلق عليّ… أنا فقط مُستغربة.”
لقد بدا وكأنه يُبدي اهتمامًا مفرطًا، حتى إن الشك راودها:
هل يحاول التمسك بضعفها ليجد ذريعة للانفصال عنها؟
لكنها ما لبثت أن فكّرت أنّها لن تتضرر لو كان الأمر كذلك، إنما الخشية أن يفشي سرّ أعراضها للكنيسة.
كانت قد اندفعت البارحة فذكرت له بعضًا من أمرها، والآن بدأت تندم.
تساءلت وهي تراقبه خفية: هل أخطأت بإفشائها؟ كانت ترى رموشه الذهبية الطويلة ترتجف ارتجافًا خفيفًا.
فقال بصوت خفيض لكنه عميق:
“ولماذا تظنين أنني لا أقلق عليكِ؟”
تسمرت في مكانها:
“ها؟ لكنك…لا تحبني أصلًا.”
“لم أعد كذلك الآن.”
“……ماذا؟”
كانت ملامحه مثقلة بالهم، غير أن نبرته كانت صارمة جازمة.
كلامه جاء من فرط غرابته صاعقًا، حتى إنها لم تستطع أن تجيب إلا بعد فترة.
ساد صمت ثقيل، ولمّا وضعت فنجان الشاي الذي كانت تمسكه منذ البداية على الطبق بصوت خافت، تنفس رافاييل بعمق وقال:
“كما قلت لكِ البارحة… أنتِ تشغلين بالي.”
“……”
“كأنكِ صرتِ شخصًا آخر تمامًا، وهذا ما يثير فضولي.”
“…….!”
‘ما هذا الكلام؟’
عقدت لويسا حاجبيها مدهوشة وهي ترمش سريعًا.
وبينما هي غارقة في الارتباك، أخذت ملامح رافاييل تستعيد هدوءها شيئًا فشيئًا، كأنما اكتشف الحقيقة بنفسه وهو يصرّح بها.
“أشعر وكأنكِ حقًا إنسانة أخرى.”
حدجته لويسا طويلاً ثم أزاحت نظرها جانبًا.
‘……ليس غريبًا أن يحسّ بذلك، فأنا لستُ لويسا الحقيقية.’
اهتزّت عيناها البنفسجيتان لحظة، ثم سرعان ما سكنت كبحيرة عميقة.
‘لكن قوله إنه مهتم بي… أكان الأنسب أن يقول إنني أزعجه؟’
لقد أرهقها التظاهر المتواصل.
حتى مع رباطة جأشها، فإن التصرف في المواقف المفاجئة له حدود.
لم تستطع أن تفهم بالضبط إلى أي درجة يبلغ اهتمامه بها.
ما الذي جعله يتعلق بها إلى هذا الحد؟
باتت الأقاويل التي لفقّتها لإقناعه من قبل تثقل كاهلها.
فقالت بجفاء:
“صحيح، أنا بالفعل شخص آخر.”
لمعت في عينيها نظرة لا مبالية، وكأنها تقول: صدّق إن شئت أو لا تصدق، لا يعنيني.
كان رافاييل يتحسس أذنه المحمّرة من قبل، ثم أوقف يده ببطء، وأخذ يحدق فيها بوجه متصلّب.
ضاقت عيناه وهو يزفر بعمق، وقد ارتسمت على محيّاه مشاعر مختلطة من خيبة وندم وشيء من الذنب، وكأنه استُهزئ بصدق مشاعره.
قال أخيرًا بصوت متحشرج:
“لا عذر لي فيما بدر مني وأنا أعلم ما في قلبك. سامحيني.”
كان اعتذارًا صريحًا يحمل من الندم ما لا يدع مجالًا للشك.
عضّت لويسا شفتها السفلى في حرج.
‘لو أنه انفجر غاضبًا لكان أسهل عليّ، لكن وهو يعتذر هكذا، لم يعد بوسعي أن أقول كلامًا أجوف.’
قالت بهدوء:
“لا، ليس عليك الاعتذار. أنا المخطئة فيما جرى.”
وانسلت من أنفاسها تنهيدة خفيفة.
لقد تعقد الموقف قليلًا، لكنها رأت أن الوقت قد حان لتضع مسافة بينهما، ما دامت بيلا قد ظهرت.
“ربما ما تراه من تغير فيّ سببه أن مشاعري هي التي تبدلت. لم أعد أحبّك يا سمو الأمير.”
“……كنت أعلم.”
تحركت شفتاه مرات قبل أن ينطق أخيرًا بصوت مبحوح ومرتجف قليلًا رغم صلابته الظاهرة.
أما لويسا، فلم يظهر على ملامحها أي انفعال.
لقد كانت تتوقع أن يكون قد أدرك ذلك بالفعل، لذا لم تفاجأ.
إلا أنّ ما أظهره من اضطراب في مشاعره جعلها غير مرتاحة، حتى إنها وجدت صعوبة في النظر إليه.
‘الآن وقد صارحتُه، فلن يبقى لديه أي تعلق. كان مجرد فضول منه، ولا أظنه سيتمسك بامرأة تصرّح أمامه بأنها لم تعد تهتم به.’
أحسّت بشيء من الارتياح.
فلو لم تنته الأمور هنا، لاضطرت إلى المناورة ثانية وإشعال المواقف.
أمّا الآن، فبإمكانها إنهاء العلاقة ببساطة.
كانت من قبل تفكر أن رافاييل هو من سيطلب فسخ الخطوبة، ومع التعويض المالي الوفير لن يضيرها شيء. لكن بما أنها الآن تملك مصدر دخلها، فلم يعد يهمها المال.
‘يبقى فقط، كيف أفتح موضوع الفسخ؟’
كانت تفضّل لو أن رافاييل هو من يبدأ بالحديث، فهي إن فعلت بعد أن رتّب الأمر مع الإمبراطور ومضى فيه رغم كل شيء، فقد يغضب بشدة ويعتبرها إهانة للأسرة المالكة.
ولو اتهمها بإهانة الدم الإمبراطوري، فستكون ورطة حقيقية.
فقال رافاييل بمرارة:
“لقد تبدّلت الأدوار فيما بيننا.”
لكن لويسا لم تنخدع.
كانت واثقة أن اهتمامه لم يكن سوى دهشة عابرة أمام امرأة كانت تبدو فاقدة لعقلها ثم صارت متزنة.
وربما بحكم بروده تجاه الآخرين قد بالغ في تفسير مشاعره الجديدة.
ومهما يكن، فهي قالتها صراحة: قلبها لم يعد معه. وسرعان ما سيخبو فضوله.
‘حسنًا… طالما تبدلت الأدوار، فلننهي الأمر هنا، وبلا تعقيد.’
قبضت لويسا كفيها فوق فخذيها تشجيعًا لرافاييل، ثم حدّقت بترقّب في شفتيه الوسيمتين وهما تنفرجان ببطء.
فقال:
“يسرّني أن تكون قواي المقدسة عونًا لكِ. كنت أحتاج إلى ذريعة لأبقى بقربكِ حتى تتأكد مشاعري.”
‘…هاه؟ ماذا يقول؟’
“لو وصفتِني بالجبان فلن أعترض. لذا، إن كان في الأمر ما ينفعكِ، فاستخدميه كما تشائين.”
ثم نهض واقفًا كأنه قال كل ما أراد قوله، ورغم نظراته المتشابكة بالاضطراب فقد بدا ملامحه مرتاحة على نحو غريب.
جلست لويسا مذهولة تحدّق إليه وهو ينحني محييًا باحترام ثم يستدير منصرفًا.
تابعت بعينيها مؤخرة رأسه غير مصدّقة.
“أ…أي جنون هذا…؟”
ولم يبقَ في قاعة الاستقبال الخالية سوى صدى صوتها المبهوت يتردّد في الفراغ.
***
“سيدي القائد، هل انتهت المسألة العاجلة؟”
سأل آندي وهو يلحق برافاييل الذي كان يدخل الكنيسة في تلك اللحظة.
كانت الكنيسة لا تزال مضاءة صاخبة بالحركة على الرغم من حلول الغسق في الخارج.
فقد كانت الكنيسة تعيش فترة من الاضطراب الشديد مع ازدياد تدفق السحر الاسود وظهور القديسة التي تستطيع تطهيره، فلم يهدأ فيه الليل والنهار.
ولا سيما الفرسان المقدسين الذين أرهقتهم ترتيبات متلاحقة: إرسال البعثات المتكررة، تنظيم الحراسة، ووضع خطط حماية القديسة، حتى إنهم لم يجدوا وقتًا لتناول وجباتهم.
أمّا أكثرهم انشغالًا على الإطلاق كان رافاييل، فقد اعتاد أن يختفي ساعتين أو أكثر كل يوم.
“نعم. لم يحدث شيء يستحق الذكر.”
قالها باقتضاب.
فأجابه آندي:
“المستشار الأعلى يطلب عقد اجتماع قصير في الثامنة. يريد التشاور بشأن توزيع الفرسان وحماية القديسة يوم مراسم تعيينها.”
أومأ رافاييل برأسه دون أن يحوّل نظره عن الأمام.
لمح آندي حدة جديدة في خط فكه، كأن وزنه قد خفّ، فارتسمت على وجهه أمارات قلق.
لم يكن معتادًا أن يرى رافاييل شارد الذهن على هذا النحو، يتنهد طوال اليوم غير قادر على التركيز.
في الحقيقة، هذه لم تكن إلا المرة الثانية.
كانت الأولى قبل ذهابه إلى الشمال قبل بضعة أشهر.
قال آندي بتردد:
“عليك أن تتناول طعامك أولًا. لقد تجاوزت وجبة الغداء أيضًا.”
“لا بأس.”
“…هل حدث شيء يا سيدي؟”
للمرة الأولى، التفت رافاييل نحوه.
بدا وجهه أكثر سوءًا مما كان حين اندفع خارج الكنيسة قبل قليل وكأنه عقد عزيمة على أمر خطير.
انفرجت شفتاه قليلًا ثم انغلقت من جديد.
ثبت نظره في عيني آندي للحظة، ثم هزّ رأسه نافيًا وكأن لا شيء يستحق القول، قبل أن يفتح باب مكتبه.
“نلتقي في قاعة الاجتماعات لاحقًا.”
“…أمرُك سيدي!”
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات