بحسب ما قاله الكاهن يوران، فإن النقاء العالي لقوة رافائيل المقدسة كان يحفّز قواها المقدسة ويزيدها قوة.
غير أنّ استمرار ذلك على هذا النحو قد يجعل القوة المتزايدة تنفلت بلا ضابط وتنهك جسدها.
“بهذه الصورة لن يصلح الأمر. لا بدّ أن تتعلمي طريقة للتحكم في قواك المقدسة.”
قالها الكاهن يوران كمن يتخذ قرارًا مصيريًا في سبيل إنقاذ الأمة، بصوتٍ لا يقبل مساومة ولا يترك مجالًا للتردد.
ولم يكن كلامه غير مفهوم، فهي في كل مرة تتعرض فيها لملامسة السحر الاسود، تُطهِّره قسرًا بشكل تلقائي.
وإن كان هدف الكاهن هو القلق على صحتها، فإن لويسا وافقت على قوله لا من باب القناعة، بل خوفًا من انكشاف قدراتها.
فحتى الآن حالفها الحظ ولم تُفضَح، غير أنها تعلم أن هذه القدرة إذا ما انطلقت من تلقاء نفسها أمام آخرين، فلن يعود من السهل إخفاؤها.
لقد كانت تتمنى فقط أن تستعيد صحتها وتعيش بهدوء، لكن الأمور كانت تنجرف إلى منحدر آخر أثقل قلبها بالهم.
فإذا استمرت قواها المقدسة في التنامي، فلن يتوقف الأمر عند حدود التعلّم على التحكم فيها، بل سيتطور تلقائيًا إلى تعزيز قدرة التطهير أيضًا.
وعندها، كيف لها أن تحافظ على هذا السر طويلًا؟
كان القلق ينهشها.
لم يكن لديها أي شعور نبيل بالتضحية أو الرغبة في إنقاذ الآخرين من السحر الاسود، لكنها خافت أن تجد نفسها يومًا في موقف لا مفر فيه من استعمال هذه القدرة الغريبة.
‘ليس بسبب رافاييل فقط، بل حتى من أجل هذا الأمر سأضطر للذهاب إلى الكنيسة كثيرًا. آه، يا للثِقل…’
أرجعت رأسها إلى الوراء وأغمضت عينيها.
وقد عقدت العزم على أنها كلما قصدت الكنيسة، ستستعمل قوتها المقدسة في تطهير التربة الملوثة، لكن فقط في حدودٍ لا تُرهق جسدها.
غير أن الشرط الذي أضافه الكاهن يوران زاد الوضع تعقيدًا.
‘أن أظل قريبة من رافاييل قدر الإمكان؟! هذا مستحيل!’
بما أنه تبيّن أن وجودها إلى جانبه يزيد قواها المقدسة ويقيها إنهاك التطهير، فقد رأى الكاهن أن ملازمته ضرورة.
“هاه…… يا للحياة.”
أرادت أن تعيش في كسل وراحة، لكن يبدو أن العالم لا يتركها وشأنها.
ليتها لم تُبعث في هذا الجسد، بل وُلدت من جديد فحسب.
نهضت مترنحة ودخلت الغرفة مقتنعة بأن النوم أفضل من الانغماس في التفكير أو احتساء الشاي كمن يندب حظه.
وأثناء ما فكرت أن تغطّ في نوم عميق ثم تعاود التفكير، دوّى طرق خفيف على الباب.
“……ادخلي.”
“آنستي، وصلتكِ رسالة!”
“رسالة؟”
ألبيرت روزيه؟
أخذت لويسا الرسالة من ماري وفضّتها بسرعة.
“آه؟”
“آنستي؟ هل ثمة مشكلة؟”
“لا، لا شيء. يمكنك الانصراف.”
لوّحت بيدها لتصرف ماري، ثم جلست على طرف السرير بلهفة.
لم تتوقع أن تردّ عليها الكونتيسة داليو بهذه السرعة.
“أهذا نوع من تعويض السماء عن البلاء الذي ألقت به عليّ…؟”
والأجمل أنّ مضمون الرسالة جاء كله في صالحها.
فقد أبدت الكونتيسة داليو التي كانت قد ساعدتها في شراء مادة لاصقة اهتمامًا خاصًا بالنبيذ الجديد وأرسلت تقول إنها تودّ معرفة المزيد عنه.
ورغم أنّ عبارتها جاءت عابرة، إلا أن صدورها عن أسرة ذات نفوذ تجاري لا بد أن يعني أنها تفكر جديًا في أمر التوزيع.
فما كان من لويسا إلا أن أمسكت القلم وأرسلت ردًا سريعًا، تعدها فيه بإرسال عينات من النبيذ لتقييمها، فإن أعجبها يمكن عقد اتفاق توزيع.
كان ألبيرت روزيه قد أنهك نفسه في جمع العمال والقيام بأعباء الإنتاج والإدارة، أما التوزيع فكان فوق طاقته، وهذا الحلّ جاء في وقته.
وإذا أبرمت الصفقة مع بيت داليو، فسيفتح لها باب التصدير أيضًا، ومن ثم أرباح طائلة تفوق ما ورد حتى في القصة الأصلية.
“ها هو طعم الحياة الحقيقي……. إذا كانت الراحة بعيدة المنال، فلأجلس على وسادة من ذهب على الأقل.”
سلمت الرسالة إلى ماري، واتجهت بخطى خفيفة إلى الحديقة الخلفية.
لقد قررت أن لا تبقي الزهرتين المقدستين اللتين منحها إياهما الكاهن يوران حبيستين في صندوق، بل تغرسهما بعناية في حديقتها السرية.
“هاها، حتى الطقس يبدو جميلًا اليوم!”
ضحكت وهي تحدق في السماء الملبدة بالغيوم الرمادية، كأن صدرها انشرح دفعة واحدة.
***
حين بدأ الغروب تلاشت الغيوم وانكشف الأفق بلون قانٍ متألق كالجمر. وبينما كانت لويسا تتقلب بتكاسل على سريرها، فتحت عينيها ببطء وقالت وكأنها لم تسمع جيدًا:
“قال والدي إنه يريد أن نتناول الطعام معًا؟”
“نعم! حتى السيد الصغير عاد إلى البيت منذ قليل، وسيستعد للنزول.”
“همم……. حسنًا.”
لم يكن عجيبًا أن تجتمع العائلة إلى مائدة واحدة، لكن الأمر بدا غير مألوف حين يتعلق بالدوق.
فمع أنّها اعتادت أن تتناول الطعام مع ديميان أحيانًا، فإنها لم تجلس يومًا إلى مائدة واحدة مع الدوق منذ أن جاءت إلى الشمال.
بالنسبة إليها، كان الأمر دعوة مباغتة تمامًا.
( اعتقد يمكن قصدها وقت العشاء ووقت الغداء ما يجتمع الدوق معهم عكس الفصل 28 تقريبًا يوم كان معهم رافاييل؟ )
ربما لأنه عاد مبكرًا على غير عادته.
فقد عهدت به يفوض أغلب شؤون بيت الدوق إلى ديميان ويقيم أغلب وقته عند حدود المملكة في مواجهة الوحوش.
أما ديميان فمع انشغاله بمهامه لم يكن يذهب يوميًا، لكن الدوق نفسه بدا كأنه لا يقوى على مغادرة خط المواجهة.
“إذن فلا بد أن المائدة عامرة الليلة بمختلف الأطباق.”
ولم يكن الاستعداد يتطلب أكثر من غسل سريع والنزول. فنهضت ببطء تتمطى وتفكر في أن الطعام، الذي هو لذيذ عادة، سيكون ألذ الليلة لا محالة.
وما إن فتحت باب غرفتها وخرجت إلى الممر، حتى اصطدمت بخادمة مسرعة.
“آه!”
ترنحت قليلاً وكادت تفقد توازنها، لكنها تداركت نفسها مستندة إلى الجدار.
رفعت عينيها، فإذا بالفتاة الشاحبة ترتجف أمامها.
“آسف، آسفة جدًّا…… أرجو المعذرة……”
استسلمت الخادمة فجأة وجلست على الأرض وكأن ساقيها فقدتا قوتهما.
“هل أنتِ بخير؟”
“أخطأت، أرجوكِ سامحيني! هيك─”
“…هاه؟”
تسلل ضحك قصير من بين أسنان لويسا.
يبدو وكأن الخادمة تتوسل وتستجد كأنها تتعرض للاضطهاد من قبلها.
كانت تعرف أن سمعتها ليست جيدة، لكنها تركتها لتهدأ الأمور بدون عناء، فربما كان تقييم الناس لها أسوأ مما كانت تتوقع.
وشعرت لويسا بحزن خفيف وهي ترى ملامح الخادمة التي ذكّرتها بشيء من الماضي.
“هل ستجلسين هكذا طوال الوقت؟”
“هيك، عذرًا!”
قامت الخادمة فجأة وكأنها أصيبت بنوبة خوف، فيما كانت لويسا تتفحص جسدها مرة واحدة ثم التفتت بعيدًا.
“اذهبي وضعي الدواء على يديك.”
“عذرًا! سأحضر الدواء فورًا! كيف أجرؤ على لمس يديك الثمينة…”
“لا.”
توقفت لويسا فجأة في مشيها.
حاولت الخادمة وضع يدها على فمها كأنها ارتكبت خطأ، لكن كلمات لويسا جعلتها تتجمد.
“لأن يدك مجروحة، عليكِ وضع الدواء.”
“هيك، هب…”
انفجرت الخادمة بمصّ الحنجرة عن طريق الدهشة، فغطّت فمها سريعًا بيديها.
وهي تحدق في ظهر لويسا الذي يبتعد شيئًا فشيئًا، اختلطت في عينيها المشوشة مشاعر متعددة وكأنها لا تصدق ما حدث وتساءلت إن كانت قد سمعت الكلام بشكل صحيح.
كما أن بقية الخادمات اللاتي كن يراقبن الموقف عن بُعد ظهر عليهن نفس الدهشة، بينما لم تهتم لويسا وواصلت طريقها بلا مبالاة.
***
كما توقعت، كان الطعام لذيذًا للغاية.
كانت الوجبة مثالية؛ الطعام قد تم تحضيره بكميات أكبر وألوان أكثر بريقًا مما اعتادت، وكل لقمة كانت كافية لإشباع المعدة، حتى رائحته كانت تجعلها سعيدة.
والأجواء أيضًا كانت ممتازة؛ التحية كانت قصيرة عند الجلوس، وبعد بدء الطعام لم يكن هناك سوى أصوات الأدوات دون أي ضغط للمحادثة وكان هذا شيئًا مريحًا للغاية.
‘يبدو أنّ رافاييل تأخر قليلًا… لعلّه يتولى الحراسة في طريق العودة.’
أعطت لويسا نظرة سريعة إلى المقعد الفارغ، ثم تابعت طعامها.
ومع اقتراب وقت تقديم الحلوى، سمع صوت الدوق بليك يسألها:
“هل جسدكِ بخير؟”
رمشت لويسا عدة مرات قبل أن تجيب:
“نعم، أنا بخير.”
ومع ذلك، عمق النظر في عيني الدوق للحظة فارتجت موجة خفية من المشاعر في عينيه البنفسجيتين، لكن لم يلاحظها أحد.
“…ستصلنا أخبار جيدة من الشرق قريبًا. تحمّلي قليلًا.”
“آه…”
تذكرت لويسا شيئًا كانت قد نسيته.
الآن تبدو الأمور تحت السيطرة، لكن إذا أحضروا من الشرق علاجات مختلفة، فلن تعرف ماذا تفعل.
حتى لو كانت الأدوية مفيدة، هل يمكن تناولها بلا تروٍ؟
عضت لويسا شفتيها الداخلية بتوتر.
“لا تقلقي، فلا شيء مستحيل علينا.”
“نعم يا لويسا، لماذا تبدين متشائمة منذ البداية؟”
لم تكن إلا مجرد ملاحظة عن أن المتاعب ستأتي مجددًا، لكن الأب والابن فسّراها على أنها فقدان للأمل.
“متى قلت هذا؟ أنا بخير حقًا. وأبي، جسدي يتحسن بالفعل! تأثير المياه المقدسة واضح!”
“لويسا…”
“إذا كان هذا يجعل قلبك مطمئنًا، سأحضر المزيد من المياه المقدسة. لكن يجب أيضًا الاهتمام بالعلاجات الأخرى.”
“لا، تلك المياه…”
“المياه المقدسة؟”
“إن أعطيتني المزيد، سأكون شاكرة.”
“حسنًا، سأعطي تعليماتي لبراون.”
“شكرًا لك.”
هاها، عذرًا، لا يمكنني البقاء مع رافاييل طوال الوقت، لذلك سيكون من الجيد الاحتفاظ بالمياه المقدسة تحسبًا لأي طارئ…
***
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات