التقت عيناه بعينيها وهي تحدّق فيه مذهولة، وأحسّ بجفاف في حلقه. فابتلع ريقه على عجل ثم تكلّم ببطء:
“فكّرت أنّه من الأفضل أن نُقرِّر مسبقًا.”
“……ماذا تقصد؟”
سألت لويسا وهي توسّع عينيها دهشة. فألقى رافاييل نظرة سريعة إلى يدها قبل أن يتابع:
“إن كان من الصعب التنسيق على وقت لتناول الطعام، فربما يكون من المناسب أن نلتقي هنا في الكنيسة كما حدث اليوم.”
“ماذا؟ لكنني لا أزور الكنيسة كثيرًا…… بل نادرًا. ألن يكون مرهقًا لك أن تنتظر كل مرة؟”
“بل سيكون الأمر أبسط، فطالما كانت الزيارات قليلة، يمكنكِ فقط تنسيقها مع أوقات حضوري.”
أدار ظهره متجاهلًا علامات التردّد التي بدت على لويسا، عابرًا بجانبها وهي تنظر إليه بذهول، وأضاف بحزم:
“إذن فليكن الأمر كذلك، وسأنصرف الآن.”
وكان في داخله يبرّر لنفسه بغير منطق: بقدر ما أزعجتني، فلتذوق هي أيضًا شيئًا من الإزعاج.
***
آه، لقد صار عبئًا عليّ مستقبلًا.
تمتمت لويسا بضيق وهي تتابع ظهر رافاييل يبتعد.
لم تفهم ما الذي تغيّر فيه حتى أصبح يطلب لقاءها باستمرار، لكنها رأت أنّ تجاهله بهدوء سيجعله يبتعد من تلقاء نفسه.
لم يخطر ببالها أنّ الأمور ستتعقّد إلى هذا الحد، ولو علمت لبقيت في العاصمة دون أن تأتي.
“أنستي، البرد يشتد، فلندخل إلى الداخل.”
“نعم. لكن، ما الذي كنت تتحقق منه قبل قليل؟”
“أردت أن أتأكد إن كنتِ تستجيبين للقوة المقدسة الخارجية.”
دخلت لويسا مع الكاهن يوران إلى قاعة الصلاة، فألقت نظرة متفحّصة من حولها ثم خفضت صوتها:
“وما النتيجة؟ هل يشكّل ذلك مشكلة؟”
“لا، بل على العكس، إنه أمر إيجابي. فمع أنّ شرب ماء المقدس مفيد، إلا أن امتصاص القوة المقدسة النقيّة مباشرة يمنح أثرًا أعظم.”
“آه…… لكن أليس امتصاص القوة المقدسة أمرًا يرهق الطرف الآخر؟”
“نعم، ولهذا تساءلت. كنت أريد أن أعرف إن كان مجرد التقرب منك يكفي لإحداث التأثير.”
أمالت لويسا رأسها متحيّرة.
“إنّ جسدك الآن مكبّل بشيء ما يقيّد القوة المقدسة داخله، ولهذا حين تلامسين طاقة شيطانية، يرفضها جسدك بالفطرة فتتقيئين دمًا. غير أنّ المشكلة أنّ تلك القوة المقدسة تزداد شيئًا فشيئًا.”
“ماذا تقول؟!”
“لقد ازدادت أكثر من المرة السابقة. بل والأدهى أنّكِ حين كنتِ برفقة قائد فرسان الهيكل، كانت طاقتك أكثر استقرارًا.”
“مستحيل…… أأكون قد امتصصت قوته المقدسة……؟”
“أبدًا. بل الأدق أن نقول إن قوّتكِ تتجاوب مع القوة المقدسة الخارجية وتستمدّ منها ما يقوّيها.”
هذا تطوّر لم يخطر ببالي قط……
“وعليه، فإن لقاءك المتكرر بقائد الفرسان سيكون نافعًا لك.”
فغرت لويسا فمها اندهاشًا.
أيُطلَب منها أن تقترب منه أكثر وهي بالكاد تطيق وجوده؟ لقد كانت هي نفسها ترى فيه عبئًا يثير الضيق.
هزّت رأسها بسرعة وقالت بحدة:
“ألن يكفيني أن أداوم على شرب الماء المقدس؟”
“حتى لو ساعد، فقد يمتد العلاج لعشرات السنين. الماء المقدس لا يفعل أكثر من إبطاء التدهور، لا القضاء عليه.”
إذن فالأمر ليس كما ظنّت؛ فخطة اعتمادها على الماء المقدس وحده لم تكن كافية. وربما تغيّر كل شيء لأنها جاءت إلى الشمال مع رافاييل، ولأن الكاهن يوران شهد وجودهما معًا؟ حقًا، ما أعجب تقلّبات الحياة.
“لكن أليست القوة المقدسة الخارجية مثلها؟ لا نعلم كم سيستغرق الأمر إن بقيت بقربه.”
“إلا أن قائد الفرسان يملك طاقة نقية لا تقل عن طاقة رئيس الأساقفة، وهي أضعاف الماء المقدس. مجرد قربك منه أحدث استجابة فورية في داخلك.”
“آه……”
إذن فليس أمامها إلا رافاييل إن أرادت علاجًا فعليًّا.
كادت أن تضحك ساخرًة، لكنها تماسكت.
قد يُقال إن يوران يبالغ، لكنه حتى في الأصل كان من الذين حاولوا مساعدتها.
“والأجمل أنّ خطيبك هو ذاك الرجل نفسه، فملازمتك له ستثمر أسرع بكثير من الماء المقدس.”
أمعنت لويسا النظر في ابتسامته الدافئة وحرصه الصادق، ثم رفعت طرف فمها بابتسامة جافة.
يبدو أنّها لن تعرف في حياتها طريقًا للراحة أينما كانت.
كوووووع──!
لم تهتزّ حتى حين دوّى الرعد كأنه يشقّ السماء.
جلست على حافة النافذة تحدّق في زهرة بيضاء في يدها.
“ما العمل بهذه…….”
لقد أعاد إليها يوران الزهرة المقدّسة مؤكدًا أنّها طُهِّرت تمامًا من دنس السحر الاسود، بل واتفق معها أن يتظاهر بحفظها بين أزهار الكنيسة لئلا يثير أحد شكوكًا.
هطلت الأمطار بغزارة، وصوتها يقرع زجاج النافذة بإيقاع متواصل، فالتفتت لويسا بشرود نحو الخارج.
مع أنّ الشمس لم يحن غروبها بعد، إلا أنّ السماء الملبّدة بالغيوم جعلت الأفق مظلمًا كأن الليل حلّ مبكرًا.
لم يكن يسعها أن تُخفي الزهرة طويلًا، إذ قد تذبل وتفسد. كان الأجدر التخلّص منها لتطمئن، لكنها ترددت؛ فالكاهن يوران أعادها إليها بنفسه، وهذا يعني أنّ الاحتفاظ بها له مغزى ما.
ثم إنّها لم تعرف أصلًا كيف تُعتنى بها، وكل ما تستطيع فعله هو محاولة حفظها قدر الإمكان. لكنها زهرة مقدسة لا يمكن وضعها ببساطة في مزهرية، وهنا يكمن المأزق.
ماذا لو زرعتها في الخارج؟ ستحصل على ماء المطر تلقائيًا…… نعم، تبدو فكرة مناسبة.
قفزت من مقعدها بعزم، وما إن خرجت من غرفتها حتى التقت بماري التي كانت تحمل لها الشاي.
“ماري، أين الدوق؟”
“لم يعد بعد، لكن السيد الشاب موجود.”
“حقًا؟ في غرفته؟”
سارت بخطوات حثيثة، لكنها ما لبثت أن توقفت فجأة.
كانت ماري تتبعها فأطلّت برأسها وسألت:
كهل أرافقك يا آنستي؟”
“……نعم.”
اعترفت لويسا في سرّها بخجل:
‘أنا حتى لا أعرف أين غرفة ديميان… لا في العاصمة، ولا هنا في الشمال.’
قادتها ماري إلى الجهة الأخرى من الممر، وطرقت الباب برفق.
“من هناك؟”
لوّحت لويسا لماري أن تنصرف، ثم أجابت بنفسها:
“أنا يا أخي.”
“لويسا؟”
فتح الباب على مصراعيه، وصوته يحمل الدهشة:
“لويسا! ما الأمر؟ لم يسبق لك أن جئتِ إلى غرفتي…!”
“جئت لأسألك شيئًا.”
“حقًا؟ وما هو؟! تفضلي أدخلي. هل تشربين الشاي؟”
“لا داعي، أريد إجابة فقط.”
جلس ديميان مستفسرًا:
“إذن ما الذي يشغلك؟”
“رأيت في الحديقة الخلفية أرضًا خالية تمامًا… لماذا تركتموها بلا زراعة؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات