لستُ مصابة بمرض عضال! [ 16 ]
استدارت لويسا برأسها فجأة نحو رافاييل، وعلى وجهها ملامح شخصٍ ضُبط متلبّسًا، تبدو عليه الدهشة الصادقة للوهلة الأولى.
قال رافاييل بهدوء:
“ظننتُ أنكِ تبعتِني إلى هنا، لكن من تعابيرك يبدو أنني كنت مخطئًا.”
فأجابته بسرعة:
“بالطبع لا!”
‘لقد جئتُ من أجل التحف الأثرية التي ستشتريها، لا من أجلك أنت!’
لكن لويسا كتمت هذا الاعتراض في صدرها، رغم إحساسها بالغبن.
“ما الذي تنتظرينه حتى تتحمّلي كل هذا التعب؟”
فردّت بحذر:
“ولمَ تسأل؟”
“أليس من حقي أن أسأل؟”
“ليس الأمر كذلك، ولكن…”
“أسأل لأني أخشى أن نرغب في الشيء نفسه.”
قالت بابتسامة ساخرة:
“وهل ستتنازل عنه لي إن حصل ذلك؟”
“أشكّ أن نرغب في الشيء ذاته، لكن… إن حدث فسأتنازل بشرط.”
أرادت أن تحتج على فكرة وضع شرطٍ وهي من سيدفع ثمن ما تشتريه، لكنها لم تكن في موقع يسمح لها بمجادلة أمير، فاكتفت بالقول:
“وما هو شرطك؟”
“إن وقع التعارض فعلًا، سأخبرك بالشرط حينها.”
“لا يمكنك قوله الآن؟”
“سأقوله بعد انتهاء الأمر.”
لم يعجبها الغموض في رده، ونظرت إليه بوجه متجهم وهي تدرك أن الاصطدام بين رغبتيهما في المزاد أمر شبه مؤكد.
حين التفتت للأمام زفرَت تنهيدة خفيفة، فالتقط ديميان الذي كان يراقبها بصمت اللحظة وسألها بخفوت:
“ما الأمر؟”
“شخص أعرفه… سأخبرك لاحقًا.”
“حسنًا.”
ابتسم ديميان ابتسامة باهتة، وألقى بنظرة خاطفة إلى رافاييل الجالس بعيدًا، بعينين بنفسجيتين كانتا تحملان عادة دفئًا نحو لويسا، لكنهما الآن بدتا باردتين.
وفجأة، قالت لويسا بحماس:
“ها هو!”
كان الدور قد وصل إلى عرض تحفة جديدة في المزاد، جوهرة شفافة متلألئة.
وبمجرد رؤيتها، عبس رافاييل بدهشة واضحة.
“حقًا… تزامن الأمر!”
تظاهرت لويسا بالاستغراب وهي تقول:
“أتقصد أنك كنت ستشتريها؟”
“نعم.”
“يا للمصادفة!”
“ولماذا تريدينها؟”
بدت عليه نفحة من القلق وهو يميل بجسده نحوها:
“قد تكون خطيرة.”
ضيّقت لويسا عينيها:
“ألستَ ناويًا التنازل كما وعدت؟”
“سأتنازل، لكنني أحذرك فقط، فهذه ليست قطعة يمكن التعامل معها باستخفاف.”
كادت تضحك من التناقض، وهي تفكر:
‘وكيف تهديها لاحقًا للبطلة إذن؟’
قالت ببرود:
“سأتعامل معها بحذر، وشكرًا على التنازل.”
عضّ رافاييل شفته السفلى ثم قال:
“سأشتريها لكِ أنا، لكن اسمحي لي بفحصها لبضعة أيام.”
“لا داعي لأن أُثقل عليك… أنا سأحتفظ بها. لكن…”
“لكن ماذا؟”
“سأسمح لك بفحصها، لكن بحضوري فقط.”
أصرّ:
“لن تكفي معاينة واحدة، أحتاج بضعة أيام.”
“إذًا يمكنك زيارتها كل يوم إن شئت.”
صمت قليلًا قبل أن يقول بنبرة متثاقلة:
“ألهذا الحد ترغبين بلقائي كثيرًا؟”
لم تنتبه لويسا إلى ما في عبارته من إيحاء، فاكتفت بهز رأسها وهي تتابع ما يجري على المنصة.
“كما تشائين.”
ثم أعلن المقدم على المزاد:
“نور الأعماق، قطعة أثرية غامضة!”
بدأت المزايدات، ولم تكن القطعة تثير اهتمام الكثيرين لصغر حجمها، حتى رفعت لويسا صوتها فجأة:
“مئة مليون!”
ساد الصمت، ثم أعلن المزاد فوزها:
“بيعت نور الأعماق بمئة مليون!”
ابتسمت لويسا ابتسامة مريحة وهي تفكر:
‘أخيرًا… إلى المنزل!’
***
ما إن رُسِيَ المزاد عليها حتى توجَّهت لويسا إلى مؤخرة القاعة لتسديد الثمن، ثم غادرت دار المزاد برفقة ديميان.
قالت مبتسمة:
“شكرًا لك يا أخي.”
فأجاب:
“أكانت هذه أكثر ما أعجبك؟”
“نعم، وإن كنت أحببت غيرها أيضًا!”
فهي تدرُّ المال في النهاية.
انعطف طرفا عينيها بابتسامة تدل على الرضا، رغم الإرهاق الذي بدا فيهما.
وبعد أن تأكدت من أن جميع المقتنيات الثمينة التي ابتاعتها بالمزاد من مجوهرات ولوحات وزهريات قد وُضِعَت في العربة، سارت مع ديميان نحوها.
أما الجوهرة الصغيرة، التي لا يتجاوز حجمها حبّة فول وثمنها مئة مليون، فقد كانت تمسكها بكلتا يديها وكأنها تحمي كنزًا نفيسًا.
وبينما كانت تمشي بحذر كمن يحمل قطعة ثمينة لا تقدَّر بثمن، وصلها صوت مألوف من خلفها:
“تمهّلوا قليلًا.”
وكما توقعت، كان رافاييل.
لكن ديميان، الذي لم يكن يعرفه، أبدى حذرًا فوريًّا، وتقدّم بخطوة ليحجب لويسا عنه:
“تراجع.”
فكّر في نفسه بحدة:
‘لقد تبعنا حتى هنا.’
لقد عرف الآن أن هذا هو نفس الرجل الذي كان يثير انزعاجه طوال جلوسه بجوار لويسا، فاشتدّت حدة حذره.
لم يكن يعلم من يكون، لكن الهيبة التي تصدر عنه كانت كافية ليُدرك أنه ليس شخصًا عاديًّا.
مدّ ديميان يده ليغطي يد لويسا، في إشارة إلى أن الأمر تحت السيطرة، وقال بلهجة باردة لم تسمعها منه من قبل:
“عرّف بنفسك.”
رفع رافاييل يديه خطوة إلى الأمام، ثم كشف قليلًا من قناعه قائلًا:
“أنا…”
وقبل أن يتمّ كلامه، تردّد ديميان وكاد يناديه بـ سموّك، لكنه أمسك نفسه، واكتفى بصوت مندهش:
“ما الذي يجعلك هنا؟”
تحوّل توتره في لحظة إلى هدوء، وهو يلتفت نحو لويسا.
قالت لويسا:
“أخي، تنحَّ قليلًا.”
وبينما تساءل ديميان بعينيه عمّا يجري، طبطبت على يده كإشارة للطمأنينة.
فتبادل النظر بينهما، ثم ألقى نظرة فاحصة على رافاييل الذي كان لا يزال يثبت عينيه على لويسا، قبل أن يتراجع أخيرًا.
“سأنتظر في الخلف.”
“حسنًا.”
التفتت لويسا إلى رافاييل، بعينين تسألان ما الذي تريد قوله؟
انعكس الضوء البنفسجي في عينيه من خلف القناع وهو يقول:
“هل أنتِ مصرّة على المغادرة هكذا؟”
“أهناك شيء آخر تريد قوله؟ ظننت أننا أنهينا الحديث.”
“أننهيه بينما كان طلبي بسيطًا؟ أردت فقط أن أُلقي نظرة وجيزة على القطعة.”
ابتسمت ابتسامة هادئة وإن كانت كلماتها تحمل شيئًا من المراوغة:
“طلبتَ أولًا، وأنا فقط عدّلت قليلًا على ما عرضتَه.”
“وماذا لو رغبت في زيارتك في وقت انشغالك؟”
“لا بأس. سأكون في المنزل في معظم الوقت، فبإمكانك القدوم متى شئت… لكن، ربما يجدر بنا تحديد عدد المرات، ما رأيك؟”
لم يجد ما يردّ به، وأدرك أن لا مجال لمزيد من المساومة.
“حسنًا، كما تريدين. سأزورك غدًا في منزلكِ ونتفق حينها على العدد.”
اتسعت عينا لويسا قليلًا، وهي تفكّر:
‘ما هذه الطريقة في الكلام؟ هو الذي يريد ثم يوهمني أنه يلبّي رغبتي؟ آه… لا بد أن كبرياءه جُرح لأنه شعر أنه خسر جولة أمامي.’
لكن رافاييل؟ اعتقد أن ملامح الدهشة على وجهها سببها أنه أصابها في الصميم بكلامه، أخذ نفسًا عميقًا وكأنه استعاد سيطرته على الموقف.
أما لويسا فاكتفت بابتسامة ساخرة في داخلها، وهي تقول في سرّها:
‘يا لغرابة الرجال الذين يضحّون بالكثير لأجل ذرة من الكبرياء.’
——
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 16"