كان رافاييل واقفًا خلف باب الغرفة يشبك يديه بإحكام كأنه يتضرع.
أسند جبهته إلى أصابعه المضمومة، وأغمض عينيه المرتجفتين بارتباك غير قادر على إخفاء خوفه.
لقد مرّ أكثر من عشر ساعات منذ أن دخلت لويسا الغرفة. وكانت بين الحين والآخر تصله صرخاتها المدوية، فتعتصر قلبه حتى يكاد يتمزق.
كان عقله يوشك أن يتوقف من فرط القلق خشية ألا تخرج زوجته من هناك أبدًا.
‘أرجوكِ…’
زفر رافاييل نفسًا عميقًا، وعيناه معلقتان بالباب.
لم يتحدثا عن الأطفال خلال السنوات الثلاث الأولى من زواجهما. لكن ذلك لا يعني أنها لم تكن تفكر في الأمر. ومنذ ذلك الحين بدأت تثير الموضوع شيئًا فشيئًا، حتى تحولا إلى نقاشات جادة حول الإنجاب.
أما رافاييل الذي كان يعتبر صحة لويسا أهم من أي شيء آخر، فكان جوابه معروفًا سلفًا. ومع ذلك، لم يكن بوسعه أن يرفض ما تتمناه.
وهكذا حملت لويسا، فامتلأ قلبه بالفرح لفكرة قدوم طفلهما، لكنه في الوقت نفسه كان يتعذب يوميًا كلما تخيل ما قد تتألمه زوجته.
“آآآه─!”
ارتجف كتف رافاييل مع صرخة حادة شقت السكون.
شحب وجهه حتى كاد يخلو من الدماء، ثم على الفور، ارتفع في أرجاء الغرفة صوت بكاء طفل حديث الولادة.
نهض رافاييل بغتة، يلهث كمن يواجه رعبًا لا يُحتمل.
وما لبث أن هرع إلى الباب المغلق بإحكام حتى لا يدخل أحد، وراح يطرق عليه بلهفة:
“لويسا! هل أنتِ بخير؟”
“جلالتك… أمهلنا لحظة قليلًا…”
ارتفعت أصوات وصخب الخادمات من الداخل.
سمعت كلمات مبعثرة، لكنها وصلت إليه كأنها آتية من تحت الماء، غائمة، لا يكاد يفقه منها شيئًا.
ثم أخيرًا، انفتح الباب بصوت خافت، وانبثق منه هواء حار مكتوم.
لمح خادمة تحمل بين ذراعيها طفلًا ملفوفًا بالقماط، لكنه لم يشغَلْه؛ كان عليه أن يرى لويسا أولًا حتى يطمئن قلبه.
أسرع بخطوات ثابتة إلى السرير.
التقت عيناه بوجهها المتعب، وهي تستند وتتنفس بصعوبة.
“رافاييل…”
“لويسا! كيف حالك؟ هل يؤلمكِ أي مكان؟”
خطف منشفة من يد الخادمة وكأنه لا يحتمل الانتظار، ثم أخذ يمسح برفق جبينها المتصبب بالعرق.
وما إن تأكد أن قطرات العرق تلاشت حتى رفع يده ليُبعد خصلة من شعرها المبلل، فاستقرت أصابعه على وجنتها.
رغم شحوب شفتيها، بدت وجنتاها المتوردتان كالتفاحة الندية جميلتين إلى حد أنه لم يتمالك نفسه وانحنى ليطبع قبلة عليها، حتى في أكثر لحظاتها إرهاقًا لم تفقد شيئًا من جمالها.
“أنا بخير… هل رأيت طفلنا؟”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة.
هز رافاييل رأسه ببطء، ثم نفى بلطف.
“فلننظر إليه معًا إذن. ألا يثير فضولك أن نعرف مَن يشبه؟”
“…أتمنى أن يكون قد ورث ملامحكِ.”
أجاب بصوت هادئ لكنه حاسم.
ابتسمت لويسا وكأنها توقعت جوابه، ثم مدت يدها نحو الخادمة.
تقدمت الخادمة بحذر وهي تحمل الطفل الصغير.
“أما أنا فأرجو أن يشبهك يا رافاييل…”
لكن كلماتها تلاشت شيئًا فشيئًا، إذ غرقت في التحديق بوجه المولود.
“لكن… يبدو أنه نسخة عن أبيه.”
رفعت بصرها نحوه، وعيناها تلمعان بابتسامة عذبة.
كانت ملامحها المتعافية سريعًا بعيدة تمامًا عن المرأة التي كانت تصرخ منذ قليل، فأراح ذلك قلب رافاييل وأذاب الصلابة عن شفتيه.
“أما الطباع، فليته يرث طباعكِ.”
قالها رافاييل بجدية وهو ينظر إليها.
مدت لويسا ذراعيها بحذر، فأدرك أنه كان مترددًا في لمس الطفل يخشى أن يروعه.
وكأنها قرأت أفكاره، ابتسمت برفق وقالت:
“لا بأس. هكذا… ضع ذراعك بهذا الشكل، والذراع الأخرى لتسنده.”
“آه… إنه صغير جدًا… هل هذا آمن؟”
“نعم، أنت تفعلها جيدًا. يكفي أن تسنده برفق كما تفعل الآن.”
تطلع رافاييل إلى المولود بعينين متردّدتين، لكن سرعان ما لاحظ أن الطفل الذي لم يفتح عينيه بعد، يتحرك بخفة من دون أن يذرف دمعة واحدة.
ذلك الهدوء منح رافاييل جرعة من الشجاعة: لِم لا يجرب حمله قليلًا؟
صحيح أن جسده متيبس من الخوف أن يجرحه بغير قصد، لكن عينيه أظهرتا سعادة عميقة وهو يضم صغيره.
“ماتياس… هذا سيكون اسمك.”
لقد فكرا طويلًا في أسماء كثيرة، لكن هذا وحده كان الأنسب. فقد تعاهدا: إن كانت أنثى سموها “يوليا”، وإن كان ذكرًا “ماتياس”، بمعنى “هِبة الإله”.
وهكذا صار الاسم مقررًا منذ الآن.
“ماتياس، مرحبًا بك في عالمنا.”
رددت لويسا اسمه وهي تبتسم برقة كأنها تبارك قدومه.
ومع انقضاء عتمة الفجر، بزغت شمس براقة تشبه خصلات شعر ماتياس اللامعة.
***
“لويسا، هل أنتِ بخير؟”
مع أول خيوط الفجر، دخل الدوق بليك وديميان إلى القصر الإمبراطوري.
لم يكن الأمر مفاجئًا كثيرًا، فهما لم يغادرا إلى الشمال في الآونة الأخيرة خشية أن يحين الموعد في أي لحظة.
أما لويسا التي كانت تحدّق بماتِياس النائم بسلام وقد غلبها التعب، فقد ارتعدت خشية أن يستيقظ طفلها، فوضعت سبابتها على شفتيها.
“هشش…”
سرعان ما قلّدها الدوق وديميان، فوضع كل منهما سبابته على شفتيه.
ألقت لويسا عليهما نظرة عابرة ثم عادت بعينيها إلى ماتِياس الذي ما زال غارقًا في نوم هادئ، فتنفست بارتياح.
“رجاءً، اخفضا صوتكما… أتريدان رؤية ماتِياس أولًا؟”
“بل أريد أن أطمئن عليكِ أنتِ قبل كل شيء.”
اقترب الدوق هامسًا وهو يمعن النظر في ابنته:
“هل تشعرين بألم؟ لا بد أنكِ مرهقة، لماذا لم تحاولي النوم قليلًا؟”
“نمت قليلًا بالفعل. جسدي بخير تمامًا، صدقني.”
لكن نظرة الدوق وهو يحدّق في وجهها النحيل بدت دامية بالشفقة.
كان قد مضى وقت طويل منذ رآها آخر مرة، إذ كانت في أواخر الحمل فلا تستقبل أحدًا من أجل الراحة.
وحتى ديميـان، حين وقعت عيناه على وجنتيها اللتين فقدتا امتلاءهما، قطّب حاجبيه بأسى.
“كان عليكِ أن تتركي الطفل مع المرضعة لتستريحي قليلًا.”
“الأمر أشبه بحلم بالنسبة لي، لذلك لا أستطيع التوقف عن النظر إليه. ثم إنكما كنتما تموتان شوقًا لرؤيته حين كنت حاملاً، فلماذا لا تلتفتان إليه الآن؟”
“لأنكِ أنتِ أولويتنا.”
“صحيح. ما دمتِ بخير، يمكننا أن ننظر إلى حفيدنا متى شئنا.”
رمشت لويسا للحظة، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة غامضة ممزوجة بالفرح.
وما إن رأى الدوق وديميان ذلك حتى ابتسما بدورهما.
“لقد فقدتِ الكثير من الوزن… لا بد أنك لم تتغذي جيدًا أثناء الحمل.”
“…ماذا؟”
اتسعت عينا لويسا بدهشة وهي تحدق به وكأنها لا تصدق ما سمعت.
مال ديميـان برأسه متسائلًا، وكأنه لم يفهم سبب استغرابها.
“لقد كنتُ آكل جيدًا جدًا حتى أن وجنتَيّ امتلأتا أكثر! من فقد وزنه هو جلالته، لأنه عانى من الوحم بدلًا عني.”
“لا أدري، فلم أرَ ذلك بعيني.”
وبينما يتبادلان الحديث، دخل رافاييل حاملاً صينية عليها الطعام.
وضعها أمام لويسا بعناية ثم رفع رأسه محييًا:
“مرحبًا بكم بعد طول غياب.”
كان صوته باردًا كأنه لا يبالي، لكن ديميان ضاق عينيه قليلًا وقد لفت نظره الشحوب الواضح على ملامحه.
“…هل تتناول طعامك كما يجب؟”
ظن أنه ربما فقد قليلًا من وزنه، لكنه بدا وكأنه لم يأكل بشكل طبيعي منذ نصف عام على الأقل.
تكسرت نبرة ديميان قليلًا وهو يوجه له نظرة مشفقة.
“نعم، أفعل.”
في الحقيقة لم يبدأ بالأكل إلا منذ البارحة، لكنه آثر ألا يذكر ذلك.
وبصوت هادئ خالٍ من الانفعال، راح يمدّ الطعام إلى لويسا بلمسات مفعمة بالحنان، يحثها على أن تتناول شيئًا.
“جلالتك، عليك أن تأكل أولًا.”
“يمكنني أن أنتظر، لا بأس.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي الدوق وهو يراقب المشهد المليء بالمودة بينهما. ثم أدار رأسه أخيرًا نحو المهد حيث كان ماتِياس نائمًا بسلام يتنفس بانتظام.
بدا المشهد وكأنه صورة من الطمأنينة، وكأن زمن الوحوش السوداوية قد انقضى بلا عودة، وجاء عهد جديد مغمور بالبركة.
انتقلت نظرات الدوق الدافئة من الطفل النائم إلى رافاييل ثم إلى ديميـان قبل أن تستقر على لويسا.
‘ابنتي الحبيبة، ليمنحكِ الرب السعادة أبد الدهر.’
وبينما كان قلبه يغمره الدعاء لها بأن تتحقق جميع أمنياتها، أسدل الستار على الحكاية.
النهاية.
****
باي لويسا ورافاييل 🌟.
الروايه يمكن يزدادو عليهم فصول جانبية لو صارت مانهوا
منشان هيك تابعو اخبار الروايات في جروب التيليجرام ✨
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات