لكن ومهما كان، فهو أمير من أسرة ملكية، فماذا لو ترتب على الأمر متاعب لاحقاً؟
قالت لويسا متنهّدة:
“هاه…… أهناك أمرٌ ما يضطرّ مملكتك إلى هذا؟ لقد قلت إنك تريدون الصراحة، فلتصرّح بما لديك. لا بد أن وراء تصرفكَ سبباً.”
أغمضت عينيها المتعبتين بقوة ثم فتحتهما من جديد.
كانت تفكر أن تحاول إصلاح الموقف ولو شكلياً، فإن لم تجد نفعاً، ستنسحب.
‘لو كان أبي أو ديميان هنا الآن لكان الوضع أسهل، لكن ما بالهما تأخرا هكذا اليوم؟’
قالت أخيراً:
“ألتمس منك مرة أخيرة أن تنهض، سأكون ممتنّة إن فعلت. لأنني إن ظللتَ هكذا فسأضطر لمغادرة الغرفة، فقد أثقلتَ كاهلي حقاً.”
“حسناً.”
وانتصب واقفاً.
ذلك الذي تظاهر طوال الوقت بأنه رجل بهيج منطلق، لم يكن سوى قشرة فارغة.
راح يلتفت مرتبكاً متفحّصاً وجهها، ثم تمتم بصعوبة:
“لقد وقعت في حبك من النظرة الأولى. في الحقيقة، كنت أطمع في مكانتك الراسخة كقديسة فجئت لهذا الغرض، لكن لمّا رأيتك تدخلين الغرفة خفق قلبي. حسبتك ملاكاً هابطاً من السماء─.”
“ما هذا الهراء؟”
لقد بلغ من الإسفاف مما دفعها إلى التفكير بالفرار من غرفة الاستقبال، لكن إذ بها تسمع صوتاً منخفضاً لم يكن يفترض أن يُسمع هنا.
ارتجفت عيناها البنفسجيتان كزهر البنفسج في مهب الريح، ثم انصرفت ببطء نحو الباب.
“جلالتك؟”
ومع أن صوتها كان يحمل ذهولاً، إلا أن وجهها أشرق فوراً بالسرور.
ابتسمت كزهرة متفتحة، وأسرعت تتجاوز أمير فيرديتان لتصل إليه.
أما وجه رافاييل الجامد فقد لان فور رؤيتها، وكأن نسيم الربيع مسّه. وانفرجت عيناه الطويلتان في لطف، وارتسمت على شفتيه ابتسامة دافئة ترحّب بها.
“لويسا، كيف حالك؟”
“بخير. لكن كيف حضرت إلى هنا؟ أأتيت فقط لتراني قليلاً؟”
نسي الاثنان وجود أمير فيرديتان تماماً، واقتربا من بعضهما يلفّ ذراعه خصرها ببداهة، فيما أحاطت هي عنقه بذراعين طال شوقهما.
وأخذ رافاييل يتأمل ملامحها وكأنه لم يرها منذ دهر، ثم مسح بلطف خصلة شعر انسدلت على جبهتها.
قال بنبرة حنونة:
“أتيت لأنني اشتقت إليكِ. لكن ليس لوقت قصير، بل أخذت إجازة كاملة.”
“إجازة؟ وكم مدتها؟”
“أسبوع. لم يكفيني أن أراكِ للحظات، فأردت أن أقضي معكِ بعض الوقت. لكن لم أتوقع أن أجد ضيفاً ثقيلاً سبقني.”
“آه…….”
انطفأت الفرحة في ملامح لويسا فجأة، وتذكرت الأمير الذي كادت أن تنساه.
“……صدقت، لم أكن أتوقع الأمر، وكنت في حيرة من أمري.”
قطّب رافاييا حاجبيه وهو يحدق في الأمير، وقد كان لا يزال واجماً في مكانه، ثم مسح بلطف خدّ لويسا وراح يضغط على يدها الصغيرة بيده.
قال بصوت منخفض بارد:
“أتُراني أنا من يجب أن يحييك أولاً؟”
كانت نبرته مختلفة عن المعتاد، خالية من التهذيب الذي عُرف عنه، حتى كأن صقيعاً انبعث من كلماته.
أما الأمير الذي كان قد علّق بصيص أمل على شائعات الخلاف، فقد بُهِت إذ رأى ما لا سبيل إلى إنكاره: نظرات صادقة مفعمة بالحب بينهما.
لقد صفعت الحقيقة عقله ليفيق.
أصاب بصر رافاييل الثاقب الأمير بقشعريرة في ظهره، وعيناه الزرقاوان كانتا كجليدٍ صلد.
تمتم الأمير وهو يحني رأسه بارتباك:
“أنا الأمير الثالث لأسرة فيرديتان، رون سابالا فيرديتان. إنه لشرف عظيم أن أقف بين يدي جلالة إمبراطور كايسبير.”
فقال رافاييل ببرود:
“فيرديتان؟ وما الذي أتى بك من هذه البلاد البعيدة، إلى بيت خطيبتي بالذات؟”
شحبت بشرة الأمير السمراء فجأة.
لقد ظنّ أن الجرأة سبيلٌ لنيل المبتغى، فاقتحم قصر بليك، لكنه لم يخطر له قط أن يظهر رافاييل، هذا المتغيّر الذي قلب الطاولة.
غمره شعور مرير، كأن ألسنة النار تلتهمه من الداخل.
قال متحجّجاً:
“أردت لقاء القديسة العظيمة التي أنقذت الإمبراطورية.”
لكن التبرير بدا واهياً، إذ كان رافاييل قد شهد بعينيه ركوعه وتوسّله.
وبعد لحظة تردّد، ابتلع الأمير ريقه وقرّر البوح بالحقيقة:
“كما أن هناك شائعات سيئة عن علاقتكما، فأردت أن أتحقق منها بنفسي.”
لقد تظاهر بالثبات أمام لويسا، غير أن مملكة فيرديتان مهما بلغت قوتها فلن توازي سلطان إمبراطور يحكم قارة بأسرها.
اندفع خلف إشاعة قديمة، وقد جرّأه أيضاً تسابق الناس على خطبتها، لكنه الآن واجه الحقيقة وجهاً لوجه: لم تكن إلا أقاويل فارغة.
قال مهموماً وهو يخفض رأسه:
“……لكن يبدو أنني كنت مخطئاً.”
خبت منه كل حماسة، واسودّ وجهه بالكآبة. زفرت لويسا تنهيدة طويلة، ثم قالت:
“جيّد إذن أنك أيقنت أخيراً.”
“يا آنسة بليك، أرجو أن تسامحيني على وقاحتي.”
“المسامحة…… سأجعلها مشروطة بأن تقوم بتصحيح الشائعات التي أُطلقت عنا.”
فتح الأمير عينيه في دهشة محاولاً أن يلتفت بين لويسا ورافاييل، لكنه سرعان ما خفض بصره مذعوراً.
كان من الصعب عليه أن يتحمل نظرات رافاييل الحادّة التي توحي وكأنه سيستل سيفه في أي لحظة.
ومع أنّ الجو كان متوتراً، فإن رافاييل، استجابةً لكلام لويسا، خفف شيئاً من هالته المهددة، واكتفى بالوقوف صامتاً إلى جوارها.
“……سأفعل. سأقول إن شائعة الخلاف بينكما ليست سوى هراء، بل إن علاقتكما متينة. آه، بالمناسبة، متى تعقدان زواجكما رسمياً؟ في الحقيقة، أفضل ما يُشاع بين الناس هو خبر الاستعداد للزواج السياسي.”
“آه؟ الزواج السياسي؟”
رمشت لويسا بعينيها في ذهول.
وما إن كانت ملامح رافاييل قد استرخت قليلاً، حتى عاد جبينه الوسيم يتقطب من جديد.
رمق الأمير بنظرة مستعلية، ثم شد يد لويسا برفق كأنه يدعوها للانصراف.
قالت لويسا باستفهام:
“جلالتك؟”
فأجاب رافاييل ببرود قاطع:
“يبدو أننا غمرنا أميراً تجرّأ على اقتراف وقاحة عظيمة في أول لقاءٍ بفضلٍ يفوق ما يستحق. إن كان صادقاً في طلب الغفران، فأجدى له أن يختفي من أنظارنا في أسرع وقت، فهذا أنفع له.”
ارتجفت عينا الأمير، وقد تلاشت من وجهه بقايا التبسم الذي بدا عليه أول الأمر، ولم يبق إلا انكماش شديد يوحي بالمهانة. حتى أنه انحنى دون اعتراض أدنى على تحذير رافاييل.
‘عجيب! كيف تسنّى لمثل هذا أن يجرؤ على المجيء حتى هنا؟’
تنهّدت لويسا في سرها، وحدجت الأمير بنظرة شفقة ممزوجة بالازدراء وهو يسرع بالخروج من قاعة الاستقبال. لعل وضعه داخل بلاده متزعزع، وربما لأنه الابن الثالث الذي لا سند له.
لكن، وأياً كانت ظروفه، فما شأنها بها؟
التفتت بقسوة بعيداً، متجاهلة نظراته المتوسلة التي لمحتها عبر شق الباب قبيل أن يُغلق.
قال رافاييل بقلق:
“لويسا، هل أنت بخير؟”
وما إن وقع بصرها على ملامحه الجميلة كمنحوتة، حتى استعاد قلبها الطمأنينة.
ابتسمت وأومأت برأسها.
“إجازة فجأة؟ ألعلك أثقلت على نفسك في العمل لتنالها؟”
“أبداً.”
“لكنها مجرد استراحة قصيرة، فلماذا تبقى في الشمال؟ كان الأجدر أن تخرج قليلاً لتتنفس الهواء.”
فأجابها بابتسامة:
“يكفيني أن أكون قربك لأجد الراحة جسداً وروحاً. ثم إني أردت أن أراكِ وأنتِ منهمكة في عملك، فهو أمر أتطلّع إليه.”
قالت ممازحة:
“لا أفعل سوى التطهير، وقد رأيته من قبل. ما الذي تتطلع إليه أكثر؟”
ومع ذلك، فإن رافاييل كان يسكب الكلمات العذبة بلسان رطب، كأنها ثمار مغموسة بالعسل.
مد يديه يطوّق وجنتيها بخفّة، ثم مال نحوها، فرفعت هي ذقنها تلقائياً.
اقتربت نظراته منها كسماء زرقاء تهبط عليها.
حتى لامس أنفيهما بعضهما بخفة، والتقت جباههما.
قال هامساً بشوق:
“……لقد افتقدتك حقاً.”
كان صوته حارق الشوق، كأن سنة كاملة قد مضت منذ آخر لقاء.
انفجرت لويسا بالضحك، ثم شدته بقوة إلى صدرها، ملتفة بذراعيها حول عنقه.
“وأنا كذلك.”
مهما كان الأمر يفيض حلاوة حتى يكاد يثقل صدرها، فما حيلتها؟ وقد كانت مشاعرها مطابقة لمشاعره.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 130"