لستُ مصابة بمرض عضال! [ 13 ]
“هذا واجب طبيعي على فارس.”
“بلا شك، فبفضلكم تظل هذه الإمبراطورية آمنة وقوية.”
أومأت لويسا برأسها، وقد سحبت الصندوق إلى حضنها دون أن تشعر.
ثم أخذت تربت عليه وهو موضوع على ركبتيها، وكأنها تداعب حيوانًا أليفًا، في مشهد من شأنه أن يُشعر من قدّمه لها بالفخر.
‘يبدو أن الأمر ليس مزعجًا كما كنت أظن… في السابق كان مجرد التقاء العيون بيننا يثير ضيقي…’
لم يلحظ رافاييل أن طرف شفتيه قد انفرج قليلًا، وقال بلا مبالاة:
“هل تناولتِ طعامكِ؟ أعتقد أن لدينا وقتًا أكثر مما توقعت.”
لكن صوت طرقٍ مفاجئ على الباب جذب انتباه لويسا نحو المدخل.
“المعذرة، لقد أوصيتِني أن أُخبركِ فور وصوله، حتى لو كنتِ مشغولة.”
“آه، لا بأس. هل وصل؟”
“نعم، السيد ألبيرت روزيه وصل للتو.”
“حقًا؟ إذن اصحبه أولًا إلى الحديقة واطلب منه الانتظار قليلًا، وأخبره أن صاحب السمو أفرغ بعض وقته الثمين ليمر بنا.”
نقل الخادم الخبر بحذر من خلال الباب الموارب، فابتسمت لويسا لرافاييل ابتسامة صغيرة، وكأنها تقول أليس كذلك؟
‘…صحيح.’
بالفعل هي محقة.
فقد خصص وقتًا قصيرًا من يومه المزدحم، وكان الهدف أساسًا شرب فنجان من الشاي.
‘لكن… لماذا أشعر بالضيق إذن؟’
انقبض حاجباه قليلًا.
بل إنه كان ينوي مراعاةً لها أن يغادر سريعًا لعلها تفتقده… لكن اتضح أنها قد رتبت موعدًا مسبقًا، واضعة في الحسبان رحيله باكرًا.
‘من هذا الذي تلتقي به فور مغادرتي؟’
كان الأمر يشبه أن يُدفع دفعًا للمغادرة، وهو شعور لم يرق له أبدًا.
ولعله أيضًا لأن هذه أول مرة ترفضه لويسا بعدما اعتادت دائمًا أن تتمسك به حتى صار مذاق فمه مرًّا وكأنه مضغ نبات السَّتِّ.
‘…لا بأس، في النهاية أنا المستفيد، فلن أضطر إلى قضاء وقت أطول مع شخص لا يسرّني وجوده.’
هز رأسه موافقًا فكرته، ونهض من مقعده.
لحسن الحظ، لم ينعكس اضطرابه الداخلي على وجهه، فظل تعبيره جامدًا كعادته.
“كنتُ على وشك المغادرة أصلًا.”
لكن المشكلة كانت في نبرة صوته الباردة الحادة، التي أوحت بوضوح بانزعاجه، حتى إن وجه الخادم الواقف عند الباب شحب من الخوف.
“آسفة، لكن كان لدي موعد مُسبق اليوم، ولهذا أوصيت بأن يُخبروني عند وصوله، حتى لو كنتُ منشغلة. ومع ذلك، فالوقت جاء تمامًا في اللحظة المناسبة!”
أما لويسا، فكانت تبتسم ابتسامة مشرقة بلا أي أثر للحرج أو الاعتذار.
إذ أنها حصلت مجانًا على ماء مقدّس، وهي الآن على وشك إبرام عقد توريد نبيذ مع ألبير، فبدا لها العالم بأسره حديقةً مزهرة.
تحرك رافاييل بخطوات ثقيلة وهو يشعر بضيق غير مفسَّر، ثم التفت قليلًا قبل أن يبتعد كثيرًا.
“يبدو أن موعدكِ عاجل جدًا، لدرجة أنكِ لن تودّعيني.”
“نعم! هو كذلك فعلًا.”
لم يكن معتادًا على الالتزام الصارم بالأداب أو الاهتمام بما يفعله الآخرون، لكنه وجد هذا الموقف بالذات مزعجًا على نحو غريب.
فبدل أن تمشي معه إلى الباب معتذرة، وقفت في مكانها تبتسم.
‘يا لقلّة الذوق.’
كانت فكرة طفولية في نفسه، لكن لويسا لم تكن تدري بها، ولا هي مهتمة أن تعرف.
بل إنه هو نفسه بدأ يفقد فهمه لما يدور في عقله.
“لا بأس، لاداعي لأن تخرجي.”
ثم أدار ظهره ببرود وخرج من صالة الاستقبال.
أما لويسا، فظلت تحدق في ظهره المتوتر وهي تتساءل بأي نغمة عليها أن تسايره.
‘همم… لا بأس، يحدث هذا أحيانًا!’
لم تُطل التفكير، بل يمكن القول إنها لم تفكر أصلًا.
ومسحت صورته من ذهنها تمامًا، واتجهت إلى الحديقة بخطوات مرحة، والصندوق الذي يحوي الماء المقدس بين ذراعيها.
في الحديقة، كان ألبير واقفًا عند الطاولة المعدّة هناك، وحين رآها أشرق وجهه وانحنى محييًا.
سحب لها الكرسي بأدب، فابتسمت له وجلست.
“هل حلمتَ أحلامًا سعيدة الليلة الماضية؟”
“في الحقيقة، لم أستطع النوم من شدة التأثر. لقاؤكِ أمس كان أشبه بالحلم، ولم أصدق أنه حدث حقًا.”
ابتسم ألبير ابتسامة خجولة كابتسامة الفتيان، وتحت عينيه بدا الإرهاق واضحًا، لكن بريق عينيه الصافي جعل مزاج لويسا يتحسن تلقائيًا.
“إذن اليوم، ومعك العقد، ستستطيع النوم مرتاح البال.”
وضعت لويسا فورًا على الطاولة عقد الاتفاق الذي طلبت سرًا من براون إعداده فور عودتها البارحة، وطلبت منه أن يقرأه على مهل، ثم انشغلت باحتساء الشاي الذي بدا لها ألذ من ذي قبل.
كانت قد توقعت أن يرفض براون بحجة أنه مساعد الدوق ولا يحق له القيام بأمور خاصة كهذه، لكن المفاجأة أنه قبل الأمر سريعًا وأعاده إليها جاهزًا مما أدهشها.
“إن احتجتِ إلى أي مساعدة أخرى، فلا تترددي في طلبها.”
“حقًا؟ كنت أظن أن طلبي هذا فيه مشقة على شخص مشغول مثلك.”
“لا بأس، فقد أمرني سيدي الدوق أن أضع طلباتكِ في المقام الأول، بل إنه وعدني أن يعفيني من بعض الأعمال ويمنحني مكافأة إضافية إن ساعدتكِ، لذا أرجو أن تستعملي خدماتي كثيرًا!”
ثم أخبرها بأمور أكثر إدهاشًا، جعلتها مشدوهة.
‘ذلك الدوق البارد…؟’
كان الأمر غير معقول، لكن من حماسة براون الصادقة في طلبها، بدا أنه حقيقي، وهذا ما أدهشها.
‘حقًا، لا يمكن التنبؤ بالأمور… ربما بسبب ما جرى لي حين تقيأت دمًا.’
مال رأس لويسا قليلًا بالتفكير، بينما رفع ألبيرت رأسه من العقد بعد أن قرأه بشغف.
“لقد أنهيت قراءته. هل أوقّع هنا؟”
“بهذه السرعة؟ يمكنك التمهّل في قراءته، أو حتى تأجيل الأمر للغد.”
اعتدلت لويسا في جلستها وتحدثت بجدية؛ صحيح أنها كانت تفضّل إنهاء الأمر فورًا، لكن من أجل بناء علاقة شراكة متينة في المستقبل، كانت مستعدة للانتظار.
“كلا، فالعقد مكتوب بوضوح شديد، فلا يوجد الكثير مما يحتاج إلى قراءة دقيقة.”
“آه، هذا جيد إذن.”
“في الحقيقة، حتى لو كان يتضمن ما قد يضر بمصالحي، فقد كنت سأقبله بامتنان. لكنك أعددته بعدلٍ بالغ، حتى أشعر بالحرج لأنني فكرت بخلاف ذلك… لذا، ليس لدي إلا الامتنان الصادق.”
“أنا لا أنظر إلى هذه الصفقة للحظةٍ عابرة، بل إلى مستقبل بعيد. شريك تجاري مدى الحياة… أليس أمرًا مطمئنًا وجميلًا؟”
“كيف لمثلي أن… إن كرمكِ يا آنستي لشرفٍ عظيم لي.”
أخذ ألبيرت ينحني برأسه مرارًا، متأثرًا حتى بدت عليه الحيرة، ثم انكمش كتفاه فجأة.
فرأت لويسا أن ملامحه غشيتها الكآبة، فأشارت له بوجه مطمئن، وحثته على الكلام.
“…أنا ممتن للغاية لدرجة أنني أرغب في أن أُريك نتيجة سريعة، لكن الواقع أن معالجة بعض المشكلات ستستغرق وقتًا، وهذا يجعلني أشعر بعدم الراحة.”
“لا بأس، فأنا قادرة على الانتظار بسرور إن كان ذلك من أجل نبيذٍ مثالي.”
بالطبع، كان هذا محض كذب.
فهي في وضع لا يسمح لها بترف الانتظار، بل تحتاج إلى كسب المال بأسرع ما يمكن.
لذلك أخذت تردد في نفسها أنه لا مجال لتأخير تطوير النبيذ، ثم لمّحت للأمر قائلة:
“على فكرة، أنا مهتمة كثيرًا بالنبيذ، وقد بحثت في بعض الأمور. والآن وقد أصبحنا زملاء، فما رأيك أن نتشارك التفكير في الحلول؟”
“أوه… كيف لي أن أجرؤ على عرض همومي على آنستي؟ لكن إن كان لديكِ ما تقولينه، فأرجو أن تطرحيه بحرية.”
“ولِمَ لا؟ فلنفكر في الأمر كاجتماع بين زملاء نناقش فيه الأفكار.”
“زملاء…! أعذريني إن كان هذا جرأة مني، لكنني مسرور لدرجة أنني أكاد أبكي.”
ابتسمت لويسا في سرّها؛ كانت على يقين أنه إن هي قدّمت له الحل أيضًا فسيبكي حقًا.
“بالنسبة لي، أبرز مشكلة لاحظتها أمس كانت في الرائحة. هل هي فعلًا أهم نقطة هنا؟”
هز ألبيرت رأسه بأسف.
“نعم، ولأكون صريحًا، أنا عاجز عن إيجاد حل واضح. هناك احتمالات كثيرة، ومهما بحثت ودرست، تظل خبرتي في صناعة النبيذ محدودة لأنني بدأت حديثًا، وهذا يمثل عائقًا.”
“الخبرة ليست الأهم. الميزة في هذا النبيذ هي الابتكار، وأنت يا بارون روزيه من ابتكرته، فلا تدع هذا يحبطك. هممم… أنا لست خبيرة في الروائح، لكن هل لي أن أطرح رأيًا؟”
“بالطبع، تفضلي أرجوكِ.”
“أقول هذا فقط لأساعد ولو قليلًا، لذا سيكون جيدًا إن أخذت كلامي بعين الاعتبار كاقتراح من هاوية. قرأت أن درجة الحرارة في التخمير مهمة جدًا. وبما أن نبيذ الأمس كان بين الأحمر والأبيض، فهل جرّبت تعديل درجة الحرارة؟”
“آه، لا. كنت أركّز على مدة التخمير ولم يخطر ببالي أمر الحرارة.”
“إذن ما رأيك أن تجعلها أقل بثلاث درجات تقريبًا من درجة حرارة تخمير النبيذ الأحمر؟”
“لكن خفض الحرارة قد يضعف النكهة.”
“هممم… صحيح؟ إذن، ماذا عن عملية التصفية لتحسين النكهة؟ أظن أنها قد تعوّض ذلك…”
تعمّدت لويسا أن تترك جملتها معلّقة وهي تراقب ملامح ألبيرت.
كان العبوس العميق في جبينه يكشف عن انشغاله الشديد بالتفكير، فآثرت أن تصمت حتى يتحدث هو أولًا.
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات اول من المواقع والواتباد وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 13"