“أتراك نزلت حقًّا إلى الأرض؟ لأجل بشري واحد لا غير؟”
[أتراك إذًا لمجرد أن تتحرر من ظل أبيك اخترت أن تصير بشرًا؟]
“ماذا؟!”
[هذا إنذار أخير. لا تتعدَّ قانون العِلّة والمعلول أكثر.]
“لا، لا. أنا الآن مجرد إنسان! بل أنتِ من تخالفين قانون العِلّة. آه، هذا مثير للاهتمام فعلًا. بهذا يصعب عليّ أن أترك هذه المرأة وشأنها.”
ومع أن ركبتيه ارتجفتا تحت وطأة ثقلٍ جاثم على كتفيه، ظل ساينف يضحك ساخرًا. فهو يعلم أن الإله لا يستطيع البقاء طويلًا.
إذ يكفي أن ينـزل وحي على بشر ليُعَدّ ذلك خرقًا لقانون العِلّة ويُستوجب عليه القصاص، فكيف بنزولٍ جسدي كامل! قد يؤدي ذلك إلى اندثار وجوده عاجلًا أم آجلًا.
بل ربما كان ذلك خيرًا؟ ففي غياب الإله يسهل ابتلاع هذا العالم بأسره.
لحس ساينف شفتَيه، وشدّ قوته في ساقيه، ثم اندفع بغير تردد نحو لويسا وهو يكسو جسده بهالة سوداء.
دوويييم──!
كان الاصطدام عنيفًا حتى اهتز المبنى بأسره. بيد أن جسد ساينف لم يلامس لويسا أصلًا، بل ارتد عن قوة مقدسة وقذفه إلى الحائط حتى غاص فيه، قبل أن يسقط أرضًا مترنحًا.
كان منظره بائسًا.
الدم يسيل من رأسه، وذراعه تتدلى مكسورة، وجسده متفحمًا متشققًا في بعض الاماكن.
ومع انقشاع الغبار ارتجف كتفه واهتز قليلًا وهو مطأطئ الرأس.
“……كخ.”
ساقان ممدودتان ويداه مرخيتان على الأرض، ذراعه اليسرى محترقة متفحمة، وشَعره الفضي الأبيض ملطخ بالدماء.
كان الضرب كافيًا ليفقده وعيه، لكنه أدار رأسه كحديد صدئ يئنّ متثاقلًا.
“كخ، كهاهاها…….”
لم تكن أنفاس ألم، بل ضحكة انفجرت بعد كبح طويل.
ضحك بجنون مسندًا رأسه إلى الحائط، ثم بصق كتلة سوداء على الأرض وهو يتمتم:
“كههك، تفو…… ولو كنتُ شيطانًا فأنا الآن في جسد إنسان. أنتِ التي انتهكتِ قانون العِلّة.”
ثم أخذ يترنح محاولًا الوقوف من جديد.
[ما دمتُ قد خالفتُه بالفعل، فالأجدر أن أُبيدك بيدي قبل أن أرحل.]
“آه، هذا لا يصلح…… الضربة الماضية وحدها كانت أقوى مما توقعت، ولا زلت مذهولًا منها.”
لسانه ما زال يثرثر، لكن ملامحه الشاحبة تكشف حاله. أما لويسا فبقيت باردة الملامح، تحدّق فيه بعينين ساكنتين.
ثم رفعت يدها ببطء.
اتسعت عينا ساينف رعبًا.
“تبا! أيسوغ لإله أن يفعل هذا؟!”
لقد أراد استدراجها لتجاوز الحدود كي تنال العقاب، لكنه لم يتوقع منها أن تمضي إلى هذا الحد.
حاول يائسًا جمع هالته السوداء، لكن قواه كانت قد نضبت. فعمد إلى القفز نحو النافذة، غير أن نورًا أبيض تبعه كظله.
تهشمت النوافذ، وتزلزلت السماء بدوي هائل حتى انفتق جدار بأكمله.
ولم يبقَ أثر لساينف.
لم يبقَ سوى ريح عاصفة تندفع داخل الغرفة فتخفق معها أطراف فستان لويسا، فيما أخذ النور الأبيض يتلاشى ببطء.
دوووم── في تلك اللحظة فُتح الباب بعنف.
“لويسا!”
هرع رافاييل والدوق بليك وديميان نحوها بجزعٍ قبل أن تخرّ ساقطة.
ولم يكن الفجر قد انقضى بعد.
***
امتدّ أمامها عشب أخضر نضير وأزهار متعددة الألوان.
وقفت لويسا واجمة برهة، ثم أفاقت وهي تحدّق حولها.
لم يكن ثمة أحد، سوى هي وسط غابة هادئة وادعة.
‘ما هذا؟ أين أنا؟ وأين ساينف؟’
رمشت بعينيها مرارًا، ثم خطت بحذر إلى الأمام.
أحست بوقع قدميها العاريتين على العشب، فرأت نفسها مرتدية فستانًا أبيض بسيطًا بلا زينة.
‘ما الأمر؟ أهو حلم؟ لكنه حقيقي أكثر من أن يكون حلمًا…….’
حتى ملمس الأرض تحت قدميها، وعطر الأزهار الذي يحمله النسيم، كان واقعيًّا إلى حد مدهش.
عدّلت خصلة شعر خلف أذنها ورفعت رأسها مجددًا.
“لأمضِ قليلًا وأرى.”
كان المكان باعثًا على الطمأنينة.
أصوات العصافير، وحفيف الأوراق، وجريان الماء.
مشهد طبيعي لم تمسه يد بشر.
ومضت لويسا تسير نحو مصدر خرير الماء، ظنًا منها أن النهر قد يقودها إلى الطريق.
ومضت حتى بدأت معالم النهر تتضح شيئًا فشيئًا.
“……آه؟”
[لقد جئتِ.]
وإذ بها ترى شخصًا غريبًا.
بل، هل هو شخص حقًا؟
شعرت بشيء مألوف جعلها تميل برأسها قليلًا.
“هل التقينا من قبل؟”
[بلى. التقينا في حلمك من قبل وتحدثنا.]
“في الحلم…… أأنتِ إذًا تلك التي قالت إنها إلهة؟”
حدّقت لويسا بدهشة في امرأة باسقة القامة، ممشوقة الجسد، متدثرة بقماش رقيق يرفرف حولها، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة لطيفة.
[نعم. وهذه أول مرة نلتقي وجهًا لوجه.]
آنذاك لم ترَ سوى كتلة نور بيضاء، لكن الصوت كان ذاته.
حدقت لويسا فيها بعينين مفعمتين بالدهشة.
[تعالي اجلسي هنا قليلًا، فالوقت قصير.]
“الوقت؟”
[ستستيقظين من الحلم. وأنا الآن مضطرةٌ للغوص في نومٍ عميق.]
هل هذا حقًا حلم؟
لكن أن تقول إنها مضطرة للنوم العميق فالأمر يحمل طيفًا من الخطورة.
أومأت لويسا بصمتٍ وركعت على العشب تتبعها.
ظلّت تُحدّق في مجرى الماء الذي يجري محدثًا أصواتًا لطيفةٍ تسرّ السمع، ثم التفتت بنظرةٍ متجهةٍ إلى لويسا.
[إن كان لديك ما تودين سؤاله فاسأليه بلا تردّد. لم يعد هناك داعٍ للحيطة الآن.]
“ماذا؟ لماذا ذلك؟”
[لأنني قد خرقتُ قانون العِلّة والمعلول، ويبدو أنّني سأُحبس لزمنٍ طويل.]
“……هل من أجل ساينف؟”
[نعم. لقد تدخّلتُ كثيرًا أكثر من اللازم.]
“ما الذي جرى بينك وبين ساينف؟ فجأةً انقطعت ذاكرتي ولا أعلم ماذا حدث.”
[لم أقم بإبادة ساينف، لكنّي أحدثت له أذىً بالغًا. لكنّ المشكلة أنّي تداخلت بشكلٍ مباشرٍ مع بشرٍ، ولذا عليّ أن أدفع ثمن ذلك أيضًا.]
“أها…… لكنه شيطان، أليس كذلك؟ أليس قانون العِلّة مخصّصًا للبشر؟ يبدو أنّني فهمت الأمر خطأً.”
[صحيح. لكن هذا الشيطان لم يسيطر على جسد إنسان بمجرد استحواذ عابر، بل تجذّر فيه منذ أن كان رضيعًا. لقد غرس أساسه عميقًا منذ الصغر، حتى إنهم كبّلوا قواه.]
“ماذا؟! الآن بعد أن ذكرتَ ذلك أتذكّر أنه قال شيئًا عن استعادة القوة قبل قليل.”
[بالضبط. فالقوة المقيَّدة ليست طبيعية بالنسبة للإنسان، ولذلك يحتاج الشيطان إلى التدرّج في تكييف جسده معها. ولهذا يسعى إلى تقديم تضحيات كثيرة لإفساد طاقة الأرض، حتى يتمكّن من استعادة قوته من دون أي عائق.]
“أها…… لذا كثُرت المخلوقات الشيطانية وصُنِع ذلك القبر الغريب.”
[ابنه كان يريد الانعتاق من ظلّ ملك الجحيم، فبنى لنفسه جحيمًا خاصًا به. بسبب الجروح التي ألحقْتُها به سيكون تحرّكه صعبًا لوقتٍ ما، لكن رغبته في استعادة قوّته ستزداد حدّةً. يجب أن تكوني حذرة.]
رمشت لويسا مرّة ثم فتحت عينيها ببطء.
شعرت بلمسةٍ رقيقةٍ كأنّها تلاطف ظهرها.
ذابت في صدرها حالةٌ ضبابيةٌ مألوفةٌ حتى هدأت نفَسَها عن غير عمدٍ.
“……لماذا أنا هنا إذًا؟ وما معنى قولك سابقًا إنّك قلت ‘ليست حقيقية’؟”
استقرت العيون البنفسجية المتمايلة في هدوء، وحملت نظرةُ الإله لها شيئًا من الوداع الحزين.
كانت تنظر إليها وهي حزينةٌ، فثغرتها تقوست برقة لكنّ الابتسامة تحمل ألمًا.
[……لأبدأ بسردِ القصة لا بدّ أن أعود إلى حياتك السابقة قبل هذه الحياة.]
“حياة سابقة……؟”
[في الحياة السابقة كانت الأوضاع تمامًا كما الآن. صعود الشياطين إلى السطح أغرق العالم بالوحوش، وتغلغل السحر الاسود في كل شيء. حالتك آنذاك كانت أسوأ من الآن: قبل أن تُستَنهض قواك المقدسة بدأت روحك تُلوّث بالسحر الاسود فلا تفعلي شيئًا حتى تهدمي نفسك تدريجيًا.]
“…….”
[وبعد ذلك كان ما تذكرينه في الرواية بالضبط.]
“رواية؟ حقًا……؟”
[نعم. في الواقع لم تكن روايةً خالصةً، بل بقيتُ فيه ذكرى حياتك السابقة. لما عدتِ إلى هذا العالم رغبتُ، ولو قليلًا، في أن أساعدك، فاستعملت بعض الحيل البسيطة.]
ارفعتْ عيناها بمحبّةٍ رقيقة.
[قوة رافاييل كانت مختلفة عن قوتك. فقوتك تقوم على التطهير، بينما قوته كانت تُضعف السحر الأسود تدريجيًا. لكن بما أنّ قوتك لم تُفعَّل بعد، انهارت نفسية رافاييل، فاستغلّته المخلوقة التي سُمّيت بيلا لتخفيف السحر الأسود شيئًا فشيئًا. ومع أنّ إطلاق القوة المقيّدة قبل أن تعودي إنسانة مكتملة دفع العالم إلى الفوضى وأغرقه في الجحيم، إلا أن ذلك لم ينجح في النهاية.]
مدّت يدها الرقيقة ولمست خدّ لويسا ببطء.
بدفء تلك اليد الشفيق بدا كلّ شيء مهدئًا.
لكن لويسا ارتعشت لوهلة إذ شعرت بنفَسٍ خشن في ملمس الجلد، فسألت نفسها مستغربةً وهي ترمش.
[لم أستطع أن أترك الأمر على حاله. كيف أترك البشر الذين وثقوا بي حتى النهاية؟]
تحوّل شعرها الأبيض اللامع، الذي كان يبرق كأجنحة ملاك، إلى رماديٍّ باهتٍ كأنّ نورَه أفلَّ.
[لهذا السبب أعادتُ عقارب الزمن.]
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 111"