تجمّعت بين حاجبيه خطوط عميقة، وفكّه المشدود برز إلى الأمام قليلًا.
“كنت أظن أنها تكتفي باستغلال الوحوش، لكن لم يخطر ببالي أنها قادرة على إكثارها. إذًا، هل ما يُسمّى بالنيكروبوليس قد أُنشئ بسبب تلك الوحوش؟”
“……قد يكون كذلك. أو لعلّ لديها مخططات أخرى خفيّة.”
تمتمت لويسا بخفوت، مسترجعة آخر ما قاله الماركيز ديميتري.
“إذن، أين يوجد ذلك الشيطان الآن؟”
“لا أعلم. على الأرجح يتخفّى بهيئة ما. بدا لي أنه يتحدث مع الإمبراطورة أحيانًا…… لكني لست واثقًا. الشيء الوحيد الذي أذكره جيدًا هو أنّه يراقبنا عن كثب.”
شخص يراقب عن قرب……
من عساه يكون؟
***
كانت لويسا تحدّق بصمت في النافذة التي اهتزّت مع هبوب الريح.
السماء الملبّدة بالغيوم لم تسمح للقمر أن يسطع كاملًا، والهواء البارد الذي حرّك الأغصان جعل الليل يبدو أكثر قسوة.
‘الهدوء شديد…..’
تمدّدت في الفراش محاولة النوم، لكن النوم لم يأتِها، فجلست تضمّ ساقيها إلى صدرها، وأرخت خدّها على ركبتيها.
‘الرياح تهبّ بقوة. لعلّ الخريف قد اقترب.’
النسيم الذي كان دافئًا أخذ يفقد حرارته شيئًا فشيئًا.
وإن كان الجو هنا على هذا النحو، فالشمال لا بدّ أن يكون أشدّ برودة. وما إن خطر ببالها أنّ دوق بليك سيرحل إلى هناك قريبًا حتى ثقل قلبها.
فقد سمعت على مائدة العشاء أنه سيغادر قريبًا، لكن مع اختفاء الإمبراطورة وعدم معرفة مكانها، ظلّ القلق يعصف بها.
ولأنها لم يُعثر على أي أثر لها حتى الآن، تقرّر أن يباشر كل فريق البحث في محيط المقابر. ولمّا أرادوا تحذير بعض المقرّبين من الخطر، اضطرّوا إلى الإفصاح عن حقيقة الشيطان.
وقد أبدى الدوق بليك وديميان دهشتَهما، لكنهما لم يرفضا القصة باعتبارها هراءً. بل استمعا بجدّية، وزادا عدد حراسهما.
‘لكن الغريب…… رغم أنّ الفرسان يملؤون الخارج، المكان هادئ لدرجة أنه يبدو بيتًا خاليًا.’
لقد أصرّت ماري أن تنام معها، لكنها بالكاد أقنعتها بالخروج. والآن وقد بقيت وحدها وسط هذا الصمت الثقيل، أخذت تفكّر إن كان الأفضل أن تستدعيها مجددًا.
ما كان يلزمها سوى النهوض والذهاب إلى الباب، لكن الكسل استوقفها، فضحكت ساخرًة من نفسها.
ظنّت أنها في الأيام الأخيرة صارت أكثر نشاطًا، لكن واضح أن طبيعتها المتكاسلة لم تختفِ كليًا.
حلّ الظلام دفعة واحدة. تسلّل ضوء القمر الباهت عبر النافذة، لكن لم يُضئ سوى جوارها.
‘هل نفد الزيت؟’
عادةً ما كانت ماري تتأكد من ذلك قبل النوم، فجلست تحدّق في الظلمة تحاول التكيّف، وفجأة تسللت إلى مجال بصرها ظلال غريبة.
“…..!”
ظلّ أسود طويل بدا وكأنه يوشك أن ينقضّ عليها.
ارتجفت رقبتها وهي تتبعه، لتقع عيناها البنفسجيتان المرتعشتان على هيئة مجهولة.
“مَن…… هناك؟!”
صرخت عمدًا بصوت عالٍ. لكن لم يرد أحد، بل إن الشخص الذي وقف في مواجهة ضوء القمر بدأ يقترب بخطوات واثقة وبطيئة.
لم يكن كهيئة من يقتحم ليلًا، بل كأنّه يدخل بطمأنينة.
ىلماذا لا يأتي أحد؟ ألم يسمعوا صراخي؟’
الريبة الباردة زحفت في ظهرها.
حاولت أن تزحف لتغادر السرير، لكن ذاك الغريب كان قد وصل أمامها بالفعل.
وعندما رأت ملامحه بوضوح مع تعوّد عينيها على الظلام، اتسعت عيناها.
“……صاحب السمو الأمير الثاني؟”
كان ساينف يبتسم.
ابتسامة شريرة جعلت لويسا تتراجع بلا وعي.
“لماذا لا تواصلين الصراخ؟”
“ماذا……؟”
“قبل قليل، ألم تكوني تصرخين عاليًا لتنادي الفرسان في الخارج؟”
“…..!”
“افعليها ثانية. من ممتع أن أراك هكذا.”
عيناه الزرقاوان المتوهّجتان كانتا تحدّقان بها بحدة.
تقدّم أكثر حتى التصقت ساقاها بحافة السرير، ثم انحنى إليها ببطء.
“إلى أن أغادر هذه الغرفة، لن يشعر أحد بالخارج بأي شيء غريب. كل ما هنالك أنّ الغرفة غارقة في نوم عميق.”
“كيف…… هل نصبتَ شيئًا؟”
“ولِمَ أنصب شيئًا؟ يكفي أن أُطقطق بإصبعي.”
‘إصبعه؟ سحر……؟’
ارتجفت عينا لويسا وهي تحدّق فيه.
وتراجعت إلى أن التصقت بنهاية السرير، لكنها لم تكن واثقة أنها قادرة على الهرب إن حاولت القيام الآن.
وقف ساينف يحدّق بها بثبات، ثم استقام وأشار إليها بسبابته.
حرّك إصبعه حركة خفيفة، فجأة اندفعت لويسا إلى الأمام كأن قوة خفية جذبتها.
“آه!”
تطايرت خصلات شعرها بفعل الحركة، ثم سقطت ببطء على كتفيها.
“لقد صرتي مثيرة لفضولي. ولذلك شعرت أنّ قتلك سيكون خسارة.”
“……ماذا؟”
“خصوصًا وأنتِ مَن يحرص الإله عليكِ كل هذا الحرص، لو أصبحتِ ملكي، تخيّلي كم سيغيظ ذلك الآخرين؟ فقط التفكير بهذا يبهجني.”
“إله؟ ما الذي تعنيه؟”
حاولت أن تضبط صوتها كي لا يتلعثم، لكن ارتعاشًا خفيفًا تسلّل من كلماتها.
“أأنتِ وأنتِ تستخدمين القوة المقدسة ما زلتِ تُنكرين وجود الإله؟ هذا مثير فعلًا.”
“قلتُ ذلك لأنك تتحدث وكأنك تعرف الإله شخصيًا.”
“آه─. هذا ما قصدتِه إذن؟”
قالها ساينف وهو يبتسم بعينيه في مكر، ثم مال برأسه قليلاً جانباً. بعدها مد يده فجذب طرف ذقن لويسا.
“أنا بالطبع أعلم جيداً. أليس من الطبيعي أن يعرف الشياطين أولئك المزعجين؟”
هزّ ذقنها بعنف إلى أعلى، لكن كلماته اللاحقة لم تدع لها مجالاً حتى للشعور بالألم.
‘هل قال للتو إنه شيطان؟ هل يعترف حقاً بأنه شيطان؟’
خطر لها سؤال: لماذا يقول لها ذلك؟ لكن الأهم أنه إن كان حقاً شيطاناً، فهذا يعني أن الشيطان الذي عقدت الإمبراطورة معه الصفقة ليس سوى ساينف نفسه.
إذن، فالشيطان متخفٍ في هيئة ساينف؟
“…شيطان، قلت؟”
“لماذا تتفاجئين هكذا؟ لقد سمعتِ كل شيء قبل قليل. لكنكِ أفسدتِ الصفقة بقطعك للعقد، فأوقعتِني في ورطة.”
“…..!”
“لم يحن الوقت بعد، لكن ما يثير المشاكل ينبغي التخلّص منه سريعاً حتى لا تبقى تبعات. ومع ذلك، جئتُ للمرة الثانية فقط لأمهّلكِ قليلاً حتى تتهيئي نفسياً، ألا تشكرينني؟”
المرة الثانية؟!
كلمات ثقيلة توالت عليهـا، لكن لم تجد وقتاً للتفكير أكثر، إذ أفزعها يده الزاحفة إلى جبينها كحية تزحف، فصرخت:
“ما الذي تفعله!”
وبحركة تلقائية فعّلت لويسا خاتم الأداة السحرية.
طقطق──
خيوط من الشرر الكهربائي سرت من قدميها حتى أحاطت بجسد ساينف.
ولبرهة اطمأنت أنها نجحت، غير أنّ ذلك لم يدم، إذ تبدّدت قوة الأداة في دخان أسود تلاشى من جسده.
“أحقاً ظننتِ أن مثل هذا يجدي؟ آه، يا للأسف. هل ستلجئين الآن إلى القوة المقدسة؟ هذا مزعج بعض الشيء… من الأفضل أن أسرع فألقي عليكِ تعويذة النوم.”
وفجأة خارت قواها كلياً.
أدركت لويسا أنها مرتمية على السرير، تحدّق في ساينف بعينين مرتجفتين من الذعر، وشفتاها ترتعشان حتى اصطكت أسنانها.
“لكن في الحقيقة، ليس لأنك ثمينة عليّ أردت أن أُبقيك، بل لأني إن قتلتك فقد يزداد الوضع تعقيداً. الآلهة لا تمنح مثل هذه القوة للبشر هكذا. ولو متِّ الآن، فربما يتدخلون فوراً ويزعجونني.”
“…….”
“لذا ابقي هادئة إلى أن تكتمل قوتي تماماً. بعدها، حتى لو ثرتِ بجنون، سأكون أكثر من كافٍ لمواجهتك.”
‘قوته… لم تكتمل بعد؟’
كافحت لويسا لتقاوم غشاوة عينيها الثقيلة، تحدّ بصعوبة من تلاشي وعيها. لكن كل شيء أخذ يغدو ضبابياً.
“لا… لا، يجب… أن…!”
انفلتت منها كلمات واهنة مع آخر ما تبقى من أنفاسها، وأغمضت عينيها. حينها، بسط ساينف كفه فوق جبينها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 110"