البشرة البيضاء الناعمة اسودّت، والجسد النحيل تمدّد وتضخّم حتى صار غريب الشكل فاختفت ملامحه الأصلية بلا أثر.
“مـ… مخلوق شيطاني!”
“آاااه─!”
لقد غدت وحشاً شيطانياً محضاً.
“كوااااه!”
زمجرت بيلا زئيراً وحشياً.
ولحسن الحظ أنها لم تنقضّ على الناس مباشرة، غير أنّها كانت تنفث هالة قاتلة مرعبة نحو الفرسان الذين أحاطوا بها بسرعة.
هالة قادرة على جعل شعر الرأس يقف حتى لدى من لا يملكون حسّاً مرهفاً بالطاقة.
فما كان من الناس إلا أن أصابهم الفزع، فبدأوا بالفرار صارخين.
الأقدام التي كانت تتباطأ بدافع الفضول تسارعت كأن النار شُعلت في أعقابها، لا يأبهون لمكانتهم ولا لهيبتهم، يتدافعون كلٌّ يريد النجاة أولاً.
“من هذا الطريق تخرجون! لا تدفعوا بعضكم!”
لكن مهما حاول الفرسان ضبط الحشود، كان من المستحيل السيطرة على أناس أفقدهم الخوف عقولهم. فسقطوا وتعثّروا وتدافعوا، وسرعان ما غدت القاعة فوضى عارمة.
تلفّتت لويسا بين دوق بليك إلى جانبها وديميان تتأمل وجهيهما.
حتى الدوق الذي قلّما تبدو عليه انفعالات بدا مذهولاً فلم يستطع أن يخفي الذعر الذي انعكس في عينيه.
ورغم الوجوم الذي اعتراهما، تشبّث كلٌّ منهما بيدها.
قال الدوق:
“لويسا، اخرجي مع ديميان أولاً.”
“نعم؟ وماذا عنك يا أبي؟”
“لا بدّ أن أتأكد مما يحدث هنا.”
“لكن…”
“لويسا.”
التفت رافاييل وقد قرأ تردّدها.
كان وجهه قد تجمّد بصرامة.
“أسرعي بالخروج.”
“…حسناً. هيا يا لويسا لنخرج. عندها فقط سيطمئن الجميع.”
في صوت ديميان ظهرت نبرة مترددة.
كان يرغب بالبقاء إلى جانب الدوق بليك، لكنه لا يطيق أن تظل لويسا هنا، فلم يجد بداً من الانصياع.
وفي اللحظة التي جذب فيها يدها برفق، أرخى الدوق يده الأخرى.
حدّقت لويسا في يدها الفارغة ثم عضّت شفتها السفلى بقلق.
‘هل أستخدم الأثر السحري؟ لكن إن كان فعله مجرد إثارة الوحش فحسب، ماذا عساي أن أفعل…؟’
في المرة الماضية تحت الأرض، استطاعت أن تنجو لأن المخلوق الشيطاني تأثر بالبرق. غير أن بيلا الآن كانت أكبر حجماً وأقوى بما لا يقاس، ولن تسقط بضربة واحدة.
أما التطهير، فمجرد الاقتراب منها بدا أمراً شبه مستحيل، فقد تستفزّها بلا جدوى.
قال رافاييل بهدوء للكاردينال وقد نزل من المذبح، رغم شحوب وجهه:
“قداستك، أرجو أن تخرج لتهدئة الناس. لويسا، اتبعيه.”
أدركت لويسا أخيراً أن وجودها لن يجدي نفعاً، فأومأت صامتة ومضت مع الكاردينال.
لكن فجأة، بدأ ساينف يتقدّم بخطى ثابتة من خلف عشرات الفرسان.
الوضع كان بالغ الخطورة؛ فالوحش الذي صارت إليه بيلا كان أضخم حتى من المخلوقات الشيطانية التي عرفوها من قبل، فلم يجرؤ أحد على مهاجمتها مباشرة. ومع ذلك، كانت ساينف يتقدّم دون تردّد.
شهقت لويسا عفوياً وأشارت إليه بأصبعها. فتوجّهت الأنظار كلّها نحوه.
“ساينف!”
لكن نداء رافاييل لم يثنه، بل شقّ طريقه بين الفرسان بلا مبالاة ظاهرة.
تابعت لويسا بعينيها رافاييل وهو يسحب سيفه ويسير خلف ساينف، ثم التفتت إلى جانبها.
الإمبراطورة التي لم تهرب بعد، كانت شفتاها السفليتان ترتجفان.
أتراها خائفة من بيلا وقد تحوّلت إلى وحش؟ أم من ساينف الذي يقترب من بيلا؟ أم من الاثنين معاً؟
أيّاً يكن، بدا أنها لم تستطع أن تهرب للوهلة الأولى من شدّة الصدمة.
وظنّت لويسا أن الإمبراطورة ستسعى لسحب ساينف معها، غير أن الواقع خالف توقّعها. فقد أدارت الإمبراطورة ظهرها بصرامة.
اتسعت عينا لويسا غير مصدّقة.
‘امرأة لا تتورّع عن المخاطرة من أجل أن تجعل ابنها إمبراطوراً… تتركه الآن وحيداً أمام وحش كهذا؟!’
ظلّت تحدّق في ظهر الإمبراطورة، ناسِيةً أنها هي الأخرى مطالبة بالهرب.
لم يرافقها سوى ظلّها الطويل الممتد من فستانها الأسود وهي تغادر برفقة وصيفتها بهدوء.
لم تسرع إلى المخرج الذي هرع إليه الجميع، بل إلى باب طوارئ مخفي وراء الستائر.
فتح الفارس الباب الحديدي الثقيل، فدخلت وكأن الظلام يبتلعها شيئاً فشيئاً، حتى أُغلق الباب وراءها بوقعٍ ثقيل.
ارتجفت جفنا لويسا وأغمضتهما للحظة قصيرة، ثم أعادت نظرها إلى حيث اختفت الإمبراطورة، قبل أن يلفت انتباهها هدير مدوٍّ يهز الأرض.
شدّ ديميان قبضته على يدها كأنه يذكّرها بضرورة الرحيل، لكنها لم تستطع أن تبرح مكانها.
ولحسن الحظ أنه لم يحاول جرّها قسراً، كما أن الكاردينال لزم الصمت مكتفياً بمتابعة ما يجري.
دمدم وقع الأقدام.
دُووم… دُووم… دُووم…
كانت بيلا تتقدّم بخطى ثقيلة صوب الفرسان، يجلّلها جوّ خانق يوحي بأنها عازمة حقاً على سحق كل شيء.
أحسّت لويسا برغبة ملحّة في مشاهدة ما سيحدث.
خصوصاً ذلك التصرف الغريب من ساينف وهو يقف وسط الفرسان رافعاً بصره نحو بيلا.
رمقت لويسا رافاييل إلى جانبه وهي تعض شفتها بشدّة.
كيييييك─!
كشّرت بيلا عن أنيابها وأطلقت دفقة من ماء أسود، امتدّ كسهم سام نحو الفرسان.
تفاداه بعضهم مذعورين، غير أن آخرين لم يسعفهم الوقت.
تعالت صرخات الألم من هنا وهناك.
“سيدي القائد! لقد تلوثوا بالسحر الاسود!”
“وهنا أيضاً!”
انطلقت صرخات الألم الممزوجة بالعذاب من هنا وهناك.
قال رافاييل بصوت منخفض وحازم:
“…اجمعوا المصابين في مكان واحد.”
فتحرك فرسان الكنيسة والفرسان الملكيون معاً بسرعة وفق أوامره.
امتلأت الساحة بالفرسان المنهكين وهم يحاولون كبح جماح بيلا الهائجة، وبالفرسان الآخرين الذين يسارعون إلى نقل الجرحى.
كانت لويسا تتابع المنظر المروّع بصمت، ثم أفلتت يد ديميان ونظرت إليه قائلة:
“لا بد من تطهيرهم. لا يمكن أن نتركهم هكذا.”
بدأ السواد يكتنف أجساد المصابين تدريجيًا، وبسرعة أكبر من أي وقت مضى. انعكست الدهشة والحيرة في عيني ديميان.
فأن يقول “لا” بصرامة أمر صعب، وأن يتركها تفعل من تلقاء نفسها أمر أصعب. كلا الخيارين شديد الوطأة.
ابتسمت له لويسا مطمئنة، وهزت رأسها بخفة، ثم أمسكت ذراعه بإحكام وأفلتته. وبعدها اندفعت بلا تردد نحو المصابين.
“قداستك، أنت أيضاً ستتقدم؟”
أجابها الكاردينال:
“لن أقدر على المساعدة في التطهير، لكنني سأدعمك بالقوة المقدسة. صحيح أنها لن تبلغ قوة المقدسة التي تملكينها يا آنسة، لكنها ستخفف عنكِ العبء.”
‘أضعف من قوتي؟’
“…أشكرك.”
أثارت كلماته قلقها، لكنها لم يكن الوقت مناسباً للسؤال. ثم إنها كانت تعلم أنه مثلها، لن يخرج لو أمرته بذلك. فاكتفت بأن تبادلت معه نظرة قصيرة شاكرة.
واتبعت الفرسان الذين كانوا يبعدون المصابين عن بيلا، محاولةً وضع أكبر مسافة ممكنة بينهم وبينها، وبدأت تجمع القوة المقدسة في أطراف أصابعها.
كانت تراقب السواد وهو يتلاشى من جسد أحد الفرسان حين لامسته أنوارها البيضاء، ثم انتقلت سريعاً إلى الآخرين.
حتى إنها حاولت أن تنشر قوة التطهير على نطاق أوسع كما فعلت في مهرجان الصيد، لكن لم تكن قد أتقنت ذلك بعد، فلم تنجح إلا في تطهير اثنين أو ثلاثة ممن كانوا متقاربين.
‘ما هذا…؟ لماذا خيّم الصمت فجأة؟’
لا تدري كم مر من الوقت وهي منهمكة، لكن فجأة أدركت أن صوت بيلا انقطع وأن الأجواء صارت هادئة بشكل مريب.
قفزت واقفة ونظرت نحوها. فإذا برافاييل يقف في المقدمة يواجهها.
لكن الغريب أن بيلا التي كانت قبل لحظات تضرب يميناً ويساراً بنية القتل، قد انكسر سَور جنونها فجأة.
بل صارت تمسك بذراعها الأخرى كأنها تحاول كبحها، وترفع قدمها لتتقدم ثم تضربها بقوة على الأرض كأنها تصارع نفسها.
كان المشهد عجيباً، لكنه منح الفرسان فرصة ثمينة. فاشتدّت عزيمتهم وانقضّوا مجدداً، فيما اندفع رافاييل هو الآخر، وقد أحاط النور المقدس بسيفه. سرعته كانت خارقة.
وفي طرفة عين، وجد نفسه خلف بيلا، وغرس سيفه المقدس في صدرها حيث يُفترض أن يكون قلبها.
“……!”
تصلّب وجه رافاييل.
فالسيف الذي كان ينبغي أن يغوص بعمق اصطدم بشيء صلب، فاكتفى بجرح سطحي.
استدارت بيلا بعنف ولوّحت بذراعها، فانسحب رافاييل بسرعة ثم تهيأ للهجوم ثانية.
وفجأة… انبعث صوت متشظٍّ من بين أنياب الوحش:
[ “…مؤلم… آه، مؤلم! أوفِ بالوعد سريعاً!” ]
صعق الجميع.
لقد خرج صوت بيلا مشوّشاً كأنه يمر عبر تشويش، لكنه كان صوتها بلا شك.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 106"