“كيف تجرؤون على هذا بحقّ القدّيسة! يا صاحب السماحة، أتقف متفرّجًا على هذه الفظاعة؟! أيها الفرسان، ألا تخجلون من أنفسكم؟ وظيفتكم أن تحموا القدّيسة، فكيف تجرؤون على تقييدها هكذا─!”
وكان يشير بيده إلى الفرسان الذين يمسكون ببيلا وهو يتقدّم نحوهما بخطوات غاضبة، وقد نفخ العروق في عنقه، وكأنّ ذلّته السابقة قد تلاشت تمامًا.
الناس بدورهم اضطربوا وتتردّد بينهم همسات استنكار: قسوةٌ لا تحتمل، وامتهانٌ لا يليق بمقام القدّيسة.
غير أنّ رافاييل لم يبدُ عليه أدنى تأثّر.
اعترض طريق بيدال بوجهٍ جامد، وألقى نظرة عابرة نحو الإمبراطورة قبل أن يحدّق فيه بازدراء.
“لِمَ تظاهرت بالمعرفة؟”
“أيّ هراء هذا؟ أتجرؤ على أسر القدّيسة؟! مهما كنت قائد الفرسان المقدسين، فهذا تجاوزٌ سافر!”
“ألم تزعم قبل قليل أنّها قد انهارت ولم تستطع الحضور؟ لمَ كذبت؟”
“……!”
توقّفت قدما الكاهن الأكبر في منتصف اندفاعه، متصلّبًا.
“هل أنت متواطئ معها؟”
“م… ماذا؟ متواطئ؟! ما الذي تقوله! لا علم لي بشيء!”
“إذن أنت تعترف بأنّك أدليت بشهادةٍ كاذبة؟”
“ذ… ذلك….”
رفعت لويسا بصرها من كتفيه المتشنّجين إلى مؤخرة رأسه، ورغم أنّها لم ترَ وجهه، إلا أنّها كادت تسمع ارتباكه وهو يحاول بأيّ وسيلة أن يجد مهربًا.
“سترافقنا قليلًا يا معالي كبير الكهنة. لقد قدّمت شهادة زائفة لتبرير غيابها، وعليك أن تتعاون في التحقيق.”
“ل… ليس كذلك…! آه! لقد اختلط عليّ الأمر! ما قلته كان حادثًا وقع قبل أيّام…”
“القدّيسة لم يزرها أحد في غرفة الصلاة طَوال تلك الأيام. أم تراك التقيت بها سرًّا؟”
“سرًّا؟! أبدًا لا! لا، هذا ظلم! إنّي مظلوم!”
“إذن تفضّل إلى قاعة التحقيق لتبرّئ نفسك. وحدك من يستطيع أن يرفع هذا الظلم عنك.”
قالها رافاييل بحزمٍ قاطع.
فأطبقت أيادي الفرسان على ذراعي كبير الكهنة وهو يتلفّت حائرًا، حتى وقعت عيناه على الإمبراطورة.
اتسعت عيناه واستغاث بصوتٍ مبحوح:
“مولاتي الإمبراطورة! تكلّمي! قولي شيئًا!”
لكن ردّها كان بارداً.
لم تنبس بحرف، غير أنّ شفتاها كانتا مشدودتين كمن يكبح انفعالًا دفينًا.
لم ترفع صوتها، بل اكتفت بأن تُدير رأسها قليلًا بعيدًا عنه، وكأنها لا تطيق رؤية ما يحدث.
“مولاتي! مولاتي الإمبراطورة!!”
ظل يصرخ فيما يُسحب إلى الخارج، والإمبراطورة ترفع منديلاً إلى وجهها بحركة محسوبة تخفي بها ملامحها عن الحاضرين.
ما لبث صوته أن تلاشى تدريجيًا، قبل أن يدوّي صوت إغلاق الباب “دونغ” في القاعة.
ومع ذلك، لم يزح بصر لويسا عن الإمبراطورة، تراقبها وهي ما تزال تخفي وجهها غارقةً في أفكارها بينما الفوضى تعصف بالمكان.
‘لم يكن هذا ما خططتُ له اليوم.’
فبعد انقضاء مراسم العزاء، كانت تنوي أن تكشف بيلا أمام الجميع لتفضح صلتها بالإمبراطورة. لكن الإمبراطورة بادرت بالتصعيد بنفسها، فأصبحت اللحظة أوفر حظًا لإعلان الحقيقة.
أدارت لويسا عينيها ببطء، فالتقت بساينف.
‘ماذا… إلى أين ينظر…؟’
كان وجهه غريبًا لم ترَه من قبل: جامد، بلا طرفة جفن، وعيناه مسمّرتان على بيلا وحدها.
شعورٌ بارد تسلّل في أوصالها، كأنّ نظراته تبعث قشعريرة في النفوس.
انتاب لويسا قلقٌ غامض، فخطت نحو رافاييل، وفجأة التقت نظراتهما كأنّهما تواصلا بلا كلام.
“أظنّ أنّ الجميع يتساءلون لِمَ ظهرت القدّيسة على هذه الهيئة؟”
أدار رافاييل نظره ببطء يطوف بوجوه الحاضرين.
وقد أومأوا جميعًا منتظرين ما سيقول.
غير أنّه لم يُجبهم بما يتمنّون. بل تقدّم نحو بيلا مباشرة، وأخرج من صدره خنجرًا صغيرًا.
“آه!”
“آآآه─!”
الخنجر المرفوع كان موجّهًا نحو بيلا، فتراجع الحاضرون مذعورين عن النظر.
لكنّ الصوت الذي سُمِع لم يكن طعناً، بل كان صوت تمزيقٍ خفيف.
وبفضول، حولوا أنظارهم جانبًا، فشاهَدوا رافاييل وهو يمزّق ثياب بيلا عند ذراعها اليسرى المقيّدة، فتسعت أعينهم بدهشة.
سقطت قطعة من الثوب على الأرض، وتنحّى رافاييل جانبًا، ليكشف ذراع بيلا بشكل واضح.
“ذ… ذراعها سوداء…؟”
“حقًا… أليس هذا تلوّثًا بالسحر الأسود؟”
“يا إلهي… يبدو كذلك، ماذا نفعل…؟ ألم يجب علاج هذه الذراع؟ لماذا تُركت هكذا مقيدة؟”
حال الذراع كان سيئًا بما يكفي ليُرى من بعيد، ورغم أنّها مركز الاهتمام، إلا أنّ المشاهدين شعروا بالشفقة على بيلا وهي تتلوّى من الألم بلا وعي.
“حاولت التطهير، لكنها لم تستجب. بل على العكس…”
أشار رافاييل بعينه إلى لويسا، فأومأت برأسها وتقدمت نحو بيلا.
مع اقترابها، بدأ شعاع القوة المقدسة يتكوّن تدريجيًا على أطراف أصابع لويسا.
“…….!”
في تلك اللحظة فتحت بيلا عينيها على مصراعيهما، وكانت عيناها الخضراوان تتوهّج بالخوف، وقد بدت الأطراف المرتخية ضعيفةً ترتعش بلا حول لها.
فجأة─
تدفّقت قوة التطهير من ذراع لويسا لذراع بيلا السوداء فخرج من بيلا صراخ يشبه عواء الوحش.
“…إن الوضع يزداد سوءًا.”
أعاد الصراخ الممزّق الناس إلى الواقع، فقد كان واضحًا أنّ قوة التطهير قد أُرسلت بالفعل.
كانت الطاقة دافئة وملموسة حتى من بعيد، لكنها لم تستطع تخفيف معاناة بيلا، فشُلت عقولهم عن استيعاب الموقف للحظة.
ذراع بيلا المحترقة كانت في أسوأ حالاتها، لدرجة أنّه من الصعب تصديق أنّها لحمٌ بشري.
كان الجلد أسود كالخشب المحترق، يتساقط منه رمادٌ داكن.
“كما ترون، هذا مختلف عن التلوّث بالسحر الأسود الذي واجهناه سابقًا. عند محاولة التطهير، يبدو أنّ جسم القدّيسة يرفضه، كما لو أنّ السحر متغلغلٌ في داخلها.”
فتح رافاييل غطاء زجاجة صغيرة قدّمها له أحد الفرسان، وصب نصف الماء المقدس على ظهر يده.
“هذا ماء مقدس. لا شيء يحدث معي، لكن…”
توقف قليلًا، ثم رش بقية الماء على ذراع بيلا المتلوّية.
صدر صرير حارق، وكأنّ اللحم يحترق، اخترق آذان الجميع.
“كما توقّعت، يظهر أثرٌ غريب على القدّيسة.”
تغيّر وجه الحاضرين الذين كانوا يقلقون عليها، فلم تعد معاناتها تُحتمل، وكانت تتحرّك بعنف بلا أن تصرخ، حتى بدا منظرها غريبًا ومخيفًا.
بعد صمتٍ قصير، بدأ الجميع يتحدث ببطء، عيونهم تعكس مزيجًا من الصدمة والريبة: هل في جسدها سحر أسود؟ كيف يمكن أن ترفض التطهير والماء المقدس معًا؟ هل هي حقًا إنسان؟
تدفقت التساؤلات في القاعة: هل امتصّت السحر بدل التطهير؟ كيف يكون الإنسان قادرًا على ذلك؟
“الوضع الحالي مرتبط أيضًا بأسباب وفاة الإمبراطور، لذا تم احتجازها على وجه السرعة. ونرجو من الإمبراطورة التعاون في التحقيق، شكرًا لكم.”
“الإمبراطورة؟!”
“ما الذي يحدث هنا…؟”
أخرج رافاييل من صدره قارورة سُمّية شفافة تحتوي على سائل أسود كثيف يكاد يلتصق بقاع القارورة، وأشار بها نحو الإمبراطورة بلا أي شعور، قائلاً ببرود:
“سنُجري تحقيقًا دقيقًا لكشف الحقيقة.”
قبضت الإمبراطورة على منديلها بيدها بشدة، ورفع رافاييل بصره عن يديها، ثم أدار وجهه بلا مبالاة.
“نظرًا للظروف، سنختتم المراسم بسرعة. أرجو من الجميع العودة إلى منازلهم اليوم.”
تنفّست لويسا الصعداء. فحال بيلا كان متقلبًا للغاية، وكان ساينف متوجس، لذا كان من الأفضل إرسال الحاضرين سريعًا.
الرُتب الملكية والتورّط المباشر جعل التدخل العشوائي أمرًا محفوفًا بالمخاطر، فالأفضل ترك الأمر.
بدأ الفضول على وجوه الحضور، لكنهم بدأوا بالانسحاب واحدًا تلو الآخر.
“آه… آه…”
فجأة، أطلقت بيلا أنينًا غريبًا، مختلفًا عن صراخها السابق، وكأنها على وشك إخراج شيء ما بفمها، وكانت فقاعات صغيرة تتكوّن.
لاحظ رافاييل الأمر وأبعد لويسا خلفه، وأصغى بعينيه جيدًا.
بدا جسد بيلا يتورّم شيئًا فشيئًا، وكأنّ ذلك أصبح حقيقة واقعة، وفجأة، مع صراخ، طار الفرسان الذين كانوا يمسكون بها في الهواء.
صوت اصطدامهم بالجدار “بوم─!”، لم يُتح لهم فرصة النظر، فقد بدأ جسد بيلا الضخم يتضخّم، وبدأ جلدها يتكتّل ويتحوّل إلى سواد داكن.
******
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 105"