الفصل الرابع عشر
************
جاء جايدن.
ارتسمت ابتسامة مشرقة على شفتي كايلا من فرط الفرح، لكنها سرعان ما اختفت.
حتى لو كانت فرحة بلقائه، فما الذي سيختلف بمجرد رؤيته؟ لم يعد الآن من عائلتها، بل صارا غريبين لا يختلفان عن بعضهما.
لقد كان الأخ الأكبر الأول الذي حظيت به، لكن كل الذكريات التي جمعتهما أصبحت الآن مجرد ذكريات.
جلست كايلا أمام طاولة الزينة، ولم تبدُ راغبة في النهوض، فاندفعت ليونا إليها ممسكة بيدها وجذبتها.
“أستاذة، هيا يجب أن ننزل الآن. الأمير ينتظركِ الآن!”
كانت تلك الفتاة الصغيرة ذات العشر سنوات قوية جدًا، فنهضت كايلا وهي تضحك رغمًا عنها.
“حسنًا، يا آنستي. سأنزل الآن.”
أخذت كايلا ليونا، التي كانت عيناها تلمعان فضولًا، إلى غرفة دراستها، ثم نزلت إلى غرفة الاستقبال.
كان جايدن جالسًا على الأريكة يتحدث مع سايلس وجهًا لوجه.
توقعت كايلا أن يستقبلها جايدن بابتسامته المعهودة المشرقة، لكنه لم يبتسم أبدًا.
نهض جايدن وتقدم نحوها بخطوات واثقة، ثم نظر إلى وجهها دون أن ينبس بكلمة.
“أخي، هل جئت إلى هنا من أجلي؟ لقد فاجأتني حقًا.”
ابتسمت كايلا ابتسامة مشرقة.
رغم ارتعاش شفتيها، تمنت ألا يلاحظ أخاها ذلك، فرفعت زاوية فمها بأقصى ما تستطيع.
“كايلا.”
كان صوت جايدن خافتًا ومبحوحًا.
شعرت كايلا بالخوف فجأة.
“لماذا… ما الأمر، أخي؟ ألم يحدث شيء سيء في البيت؟”
عندما دققت في تعابير وجه جايدن، مدّ يده بهدوء وأزاح خصلة من شعرها المنسدل إلى خلف أذنها، ثم هزّ رأسه.
“أيّ شيء سيء؟ أسوأ ما حدث هو وجودكِ هنا وليس في البيت.”
“جايدن، ألا تعتقد أن هذا اللقاء المؤثر قد طال بما فيه الكفاية؟ لمَ لا تجلس؟ والآنسة، اجلسي أنتِ أيضًا.”
رنّ صوت سايلس الهادئ الذي ظل صامتًا حتى تلك اللحظة.
“نعم، حسنًا. أخي، هيا نجلس.”
جلست كايلا بجوار جايدن بعد أن أجلسته، ثم ابتسمت له وهو لا يزال ينظر إليها.
“لم أتوقع أن تأتي إلى هنا، أخي. هل جئت لزيارتي حقًا؟”
“جئت لأصطحبكِ. هيا نعود إلى البيت معًا اليوم.”
تحدث جايدن مبتسمًا، لكن كايلا شعرت أن عينيه كانتا ترتعشان.
“أخي…”
“لن يستغرق جمع أغراضكِ وقتًا طويلًا، أليس كذلك؟ لقد تركتِ معظم أشيائكِ هناك.”
“أخي، أنا لن أعود.”
نظرت كايلا في عيني جايدن، الذي بدا وكأنه لا يريد سماع كلامها، وقالت بحزم:
عندئذٍ، استدار جايدن نحو سايلس.
“سايلس، هل هناك أيّ مشكلة إذا عادت كايلا إلى البيت؟”
“لا، لا مشكلة على الإطلاق.”
كان سايلس يجلس متربعًا وهو يراقب حوار الأخوين اللذين لا تربطهما صلة دم.
لم ترغب كايلا في الكشف عن كل ظروفها أمام سايلس.
“سيدي الدوق، هل يمكنني أن أصطحب أخي ليستمتع بمنظر البحيرة؟”
عند كلام كايلا، تنقلت عينا سايلس بينها وبين جايدن.
“بالطبع، افعلا ما تشاءان.”
كانت عينا سايلس، وهو يبتسم، تبدوان غير مهتمتين بما تحاول كايلا إخفاءه.
* * *
تبع جايدن كايلا.
مرّا بحديقة مزهرة بالسوسن الأبيض وأزهار الخشخاش البرتقالية، ثم عبرا مساحة واسعة من العشب الأخضر، حتى ظهرت بحيرة كبيرة.
اختفت أشعة شمس الظهيرة بين السحب الرمادية الكثيفة في السماء، وبدأت ريح باردة تهب، فتشكلت تموجات على سطح البحيرة الهادئ.
توقف جايدن ونظر إلى كايلا وجهًا لوجه.
“لماذا أتيتِ إلى هنا لتتحدثي؟”
“أخي، أنا سعيدة جدًا لأنني أراك مجددًا هكذا.”
“ما هذا الكلام؟ هل ظننتِ أننا لن نلتقي مجددًا؟”
“ليس هذا، لكنني لم أتوقع أن نلتقي بهذه السرعة.”
ظهرت ابتسامة خافتة على شفتي كايلا.
“لقد كنتِ مخطئة. مهما كنا بعيدين، لن يطول الوقت دون أن نلتقي.”
“أخي… عندما كنتُ صغيرة، كنتُ بحاجة إلى من يرعاني ويهتم بي. وبفضل عائلة فايلدينغ التي قبلتني، عشتُ حتى الآن في سعادة لا أستحقها. لكنني الآن بالغة، ويجب أن أعود إلى مكاني.”
شعر جايدن بألم في صدره عند كلام كايلا.
لقد قالت “عائلة فايلدينغ”، وليس “والدينا”. وما هو مكانها الذي تتحدث عنه؟ أين هو مكان كايلا؟
كان جايدن مقتنعًا بأن انفصالهما مؤقت، فقط خلال فترة دراسته الجامعية.
لم يفكر يومًا في امرأة أخرى غير كايلا بجانبه، لكن هل كانت أفكار كايلا مختلفة؟
“كايلا، هيا نعود إلى البيت. مُدرّسة بيانو؟ هذا لا يعقل.”
نظرت إليه كايلا مباشرة، ثم ابتسمت بخفة.
“أخي، هل جئت إلى شاتسوورث بإذن والدينا؟”
كانت عينا كايلا، وهي تسأل بهدوء، صافيتين بشكل لافت.
انسدت الكلمات في حلق جايدن.
لقد كانت تعلم.
تعلم أن والدته لا تريدها أن تعود إلى البيت، وأن والده يشاركها الرأي نفسه.
هل تعلم كايلا لماذا أرسلتها والدته إلى هذا المكان البعيد؟ هل تدرك المشاعر التي يكتنفها تجاهها؟ ربما لا تخطر على بالها.
“لا يمكنني أن أترككِ هنا. إذا لم ترغبي في العودة إلى أورلاند، فلنذهب إلى منزل أشتون. يمكننا أن نعيش هناك معًا حتى يبدأ موسم المناسبات الاجتماعية.”
أمسك جايدن بيد كايلا.
شعر بألم لحالِ يدها الجافة.
كيف لفتاة وُلدت نبيلة، وعاشت طفولتها مدللة كابنة عائلة فايلدينغ، أن تعمل مدرسة بيانو لتكسب المال؟ هذا لا يمكن أن يحدث.
لكن كايلا هزّت رأسها.
“لا يمكنني أن أعيش معك وحدنا. أنا سعيدة حقًا لأنك تحبني كأختك الصغيرة، لكن… أنت تعلم، لم أعد طفلة صغيرة.”
“كايلا، ليس هذا ما أعنيه. أنا…”
‘لستُ أحبكِ كأخت صغيرة. قلبي يخفق فقط لأنني أمسك يدكِ. كيف يمكن أن تكوني أختي؟’
“كم من الوقت يمكننا أن نعيش كأخوين في بيت واحد؟ أنا سعيدة بمجرد أن تزورني بين الحين والآخر هكذا.”
كانت رموش كايلا الطويلة، التي تنحدر بهدوء مع نظراتها، جميلة بشكل يؤلم القلب.
ربما، في الوقت الحالي، يكون هذا هو الأفضل، فكر جايدن.
إذا كان سايلس موجودًا، يمكنه أن يثق به ويعهد إليه بكايلا.
صحيح أن ذلك الدوق المتأصل في عظامه يملك جانبًا باردًا وقاسيًا، لكنه على الأقل ليس من النوع الذي يسيء إلى النساء.
سايلس، الذي رآه جايدن لسنوات، كان يعامل الجميع بنفس اللامبالاة: نساءً كانوا أو رجالًا، نبلاء أو غير نبلاء، جميلين أو غير جميلين. لا شيء يهم بالنسبة له.
كان هذا الجانب منه يعجب جايدن، ولذلك اقترب منه بنشاط ليصبح صديقه.
فجأة، خطرت له فكرة: إذا بقيت كايلا في منزل ليستر، يمكنه زيارتها بحجة زيارة سايلس.
ربما لا يكون إبقاء مسافة بينهما أمرًا سيئًا.
قد تكون هذه فرصة جيدة ليجعلها تراه ليس كأخ أو فرد من العائلة، بل كرجل وغريب.
عندما تقبل كايلا مشاعره، يمكنه الزواج منها.
وعندها، لن يكون أمام والدته خيار سوى القبول.
شدّ جايدن قبضته على يد كايلا بقوة.
* * *
كان سايلس في مكتبه يكتب ردودًا على دعوات متراكمة عندما دخل جايدن.
بدت تعابير جايدن جيدة، مما جعل سايلس يظن أن حديثه مع كايلا سار على ما يرام.
ابتسم سايلس ابتسامة مريرة، مفكرًا أن الفتاة التي كانت مصرة على عدم العودة إلى عائلة فايلدينغ استسلمت أخيرًا لإقناع جايدن.
على أي حال، كان ذلك أمرًا جيدًا.
جلس جايدن على كرسي أمام مكتب سايلس بدلًا من الأريكة، وأطلق تنهيدة طويلة.
“يبدو أنني لن أتمكن من أخذ كايلا.”
“ماذا؟”
وضع سايلس القلم جانبًا، وعبس وهو ينظر إلى جايدن.
“أرجوك، اعتنِ بكايلا جيدًا. أعلم أنك ستتولى الأمر على أكمل وجه.”
“ما الذي تتحدث عنه؟ هل ستتركها هنا لتعمل كمدرسة بيانو؟”
“في الوقت الحالي، لا يوجد خيار آخر. لقد طردتها والدتي، أو هكذا يمكن القول.”
كما توقّع سايلس، كانت السيدة فايلدينغ هي من طردت تلك الفتاة.
لكن، لماذا؟
“هل ارتكبت أختكَ خطأً ما؟”
“الخطأ ارتكبته أنا. كل شيء بسببي.”
كانت ابتسامة جايدن المريرة تزداد قتامة.
“ربما لاحظتَ ذلك بالفعل… أنا أحب كايلا، ليس كأخت، بل كامرأة. ووالدتي تعلم ذلك. المشكلة أنها لا تريد قبول كايلا كزوجة لي بأي شكل من الأشكال. لقد أرسلتها إلى هنا لتبعدها عني.”
أطرق جايدن رأسه وهو يفرك وجهه بيده.
بينما كان سايلس ينظر إليه، بدأ شعور بالضيق يتصاعد من أعماقه.
“هل تعلم الآنسة فايلدينغ بهذا الأمر؟”
“لا أعتقد أنها تعلم أنني السبب في قدومها إلى هنا. لكنها تعلم أن والدتي أرسلتها فجأة لتعمل كمدرسة بيانو بعيدًا، فلا بد أنها تشعر بأنها طُردت.”
ربما شعرت كايلا بأنها أُبعدت.
لذلك كانت مصرة على عدم العودة إلى عائلة فايلدينغ.
شعر سايلس بغضب يتصاعد بداخله.
غضب من والدي فايلدينغ اللذين طردا فتاة لم ترتكب أي خطأ.
غضب من هذا الأحمق أمامه الذي أحب أخته بالتبني.
غضب من تلك الفتاة التي قالت له إن عودتها إلى عائلة فايلدينغ ليست من شأنه.
وأكثر من أي شيء، غضب من نفسه لأنه قال لها، التي لا مأوى لها، إن عملها كمدرسة بيانو هو إهدار لموهبتها وطلب منها التوقف.
“إلى متى ستبقيها هنا؟”
خرجت الكلمات من فم سايلس بنبرة حادة.
“حتى أتزوجها.”
بدا جايدن متوسلًا.
“ومتى سيكون هذا الزواج؟”
حاول سايلس تهدئة غضبه واستعادة هدوئه.
كان الانجراف وراء العواطف أكثر شيء يحتقره.
لا يوجد سبب يجعله يشعر بالغضب بسبب مشكلة عاطفية بين جايدن وتلك الفتاة.
“لن يكون قريبًا. لن أتسرع دون خطة، لأن الأهم هو ألا تتأذى كايلا.”
“جايدن، حتى لو كان الأمر كذلك، لا يمكننا أن نترك تلك الفتاة تعمل كمدرسة بيانو هنا إلى الأبد.”
“ليس هذا بالأمر الصعب بالنسبة لك، أليس كذلك؟ سايلس، أرجوك.”
كان جايدن يبدو أكثر جدية من أي وقت مضى.
لكن، هل هذا يعني أنه يجب عليه تلبية طلبه؟
قبل كل شيء، لم يرد سايلس أن يستمر في العيش مع تلك الفتاة في منزل واحد ويواجهها باستمرار.
فرك سايلس جبهته المعقودة ببطء.
شعر بحرقة في معدته.
كان يجب أن يرفض الطلب، لكن لم يخطر بباله ولو كلمة واحدة للرفض.
كل ما كان يتردد في ذهنه هو صورة جايدن وهو يزيح خصلة شعر كايلا إلى خلف أذنها.
صورتان متقاربتان، أصابع جايدن تمر بلطف عبر شعرها، وعيناها الشفافتان تحدقان به.
مهما حاول محوها، كانت تلك الصورة تعود إلى ذهنه مرة أخرى.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"