كان الطريق العائد هادئًا. مرّت عبر رواق طويل تتدفق فيه أنغام رقصة بطيئة، ثم صعدت إلى العربة، وحتى تلك اللحظة التي بدأ فيها صوت حوافر الخيل يتعاظم مع ازدياد السرعة ليملأ الصمت داخل العربة، استمر الهدوء دون انقطاع.
لم يُجبِ سكاييل طوال الوقت بأي كلمة. لا بـ”أفهم”، ولا بـ”هذا صعب”، ولا حتى بـ”لماذا يهمكِ ذلك؟”.
كان ينظر إلى إديث بعينين غارقتين في صمت أعمق من السكون اللامتناهي. عينان سبق لإديث أن رأتهما من قبل.
‘لأنني لا أريد أن أكون سببًا في تعاسة أحد.’
في ذلك اليوم الذي روى فيه قصة أخيه الصغير التي لم يخبره بها أحد، كان ينظر إليها بنفس العينين اللتين تراها اليوم.
لذلك لم تُصرّ إديث على السؤال أكثر. اكتفت بالسير مع الصمت.
أضافت وقع أقدامها الهادئ إلى جانبه، وانتظرت دون كلام حتى يضع هو نقطة أو فاصلة في تأملاته الطويلة.
بدت خادمات القصر مرتبكات مع عودة السيدين مبكرًا عن الموعد المتوقع. لكن ذلك لم يدم طويلًا، فسرعان ما تفرقن بهدوء ليقمن بمهامهن.
توقفت خطواتهما التي بدت بلا وجهة عندما وصلا إلى غرفته.
يبدو أنه اختار الفاصلة.
‘سيحتاج إلى وقت.’
قبلت إديث قرار سكاييل بتواضع.
حتى لو احتاج إلى وقت طويل جدًا، لدرجة ألا تسمع منه شيئًا حتى يوم رحيلها، فلا حيلة لها في ذلك.
بغض النظر عما إذا كان ذلك صوابًا أم خطأ، كان عليها أن تقبل. ففي النهاية، هذه شؤون عائلة سكاييل.
النوايا الحسنة غير المرغوبة قد تصبح عنفًا. كان هذا سبب تردد إديث طوال تلك فترة، وعدم سؤالها لسكاييل عن كريستيان حتى اليوم.
“سكاييل، إذن استرح قليلًا. سنجري بقية الحديث لاحقًا عند العشاء…”
توقفت إديث فجأة وهي تبتسم وتحاول توجيه تحية له.
فتح سكايل الباب ودخل، ممسكًا بالباب كما لو كان يدعوها للدخول.
“ألم تُردي سماع ذلك؟”
ترددت إديث لحظة أمام هذا الموقف غير المتوقع، لكنها سرعان ما واجهته بعينين حاسمتين.
“نعم، سكاييل. أريد أن أسمع.”
كانت غرفة سكايل التي تدخلها لأول مرة نظيفة بشكل مخيف.
كأنها تحمل شعورًا بالفراغ. رغم أن هيكلها مشابه تقريبًا لغرفتها، ولم ينقصها أثاث، كان الأمر عجيبًا.
سرعان ما أدركت إديث السبب. لم تكن هناك حياة في الغرفة. كأنها منزل جديد ينتظر ساكنًا، لم يترك سكاييل أي أثر يدل عليه في أي ركن.
‘الآن أتذكر، سكاييل كان دائمًا في مكتبه حتى في البيت.’
ربما لا يشعر سكاييل بالراحة حتى في بيته، أو غرفته. اجتاحتها فكرة مفاجئة جعلت قلبها يثقل.
بينما تسير خلفه، وجدت نفسها في مكتبة صغيرة ملحقة بالغرفة، ممتلئة بأرفف الكتب. يبدو أن كل الكتب التي كان يفترض أن تكون في مكتبه الرئيسي موجودة هنا.
دَقّت خطواته بثبات وهو يتجه إلى عمق المكتبة، ثم أخرج شيئًا من الرف الداخلي. لم ترَه جيدًا بسبب الأرفف، لكن عندما دققت النظر، تبين أنه ظرف.
ناولها إياه. كان هناك شعار مألوف على الظرف مع ختم واحد، يبدو أنه رسالة من المعبد.
فتحت إديث الظرف بحذر. انفصل الشمع المتصلب منذ زمن بسهولة.
‘هذا…’
تجمدت ملامح إديث وهي تقرأ السطر الأول ببطء.
كان هذا حكمًا يحمل سجل الحادثة. وثيقة تكشف بالتفصيل ما حدث لكريستيان إيميت مولت حتى حُبس في المعبد.
‘استخدم المتهم، أثناء إقامة مراسم منح اللقب، قوة شيطانية كان يُعتقد أنها مختومة منذ زمن بعيد خلال عملية التعميد. في محاولة للسيطرة عليه، استخدم أربعة من كهنة المعبد قوتهم المقدسة، لكن… (محذوف)’
كُتبت تفاصيل الحادثة التي وقعت في كنيسة الإمبراطورية بدقة.
انهار جزء من مبنى الكنيسة بسبب انفلات كريستيان، وأصيب كهنة بجروح.
كلما اشتدت نوبته، ازداد تدفق الطاقة الشيطانية، التي لم تُخضع بسهولة للقوة المقدسة. لذا، حُبس كريستيان في المعبد لمنع المزيد من المخاطر.
‘أوه، هؤلاء لم يروه أبدًا ويتكلمون! أنا رأيته، الطاقة السوداء تنبعث من شيطان حقيقي.’
تذكرت فجأة كلمات سمعتها ذات مرة. كان ذلك في حفل حضرته بعد أن أصبحت دوقة بوقت قصير.
علمت لاحقًا أن الرجل الذي يحب التباهي كان يتفوه بكلام متشدق كعادته، وأدت كلماته إلى سكون مطبق في المكان.
في اللحظة التالية، التفت الجميع إليها، حتى كونتيسة بيشن التي قيل إنها شهدت محاكمة كريستيان.
كان ذلك أول يوم سمعت فيه عن شكل كريستيان أثناء انفلاته.
‘(محذوف) لقد عثرنا في منزل المتهم على كتاب استدعاء شيطاني يدعم هذا الادعاء، كما حصلنا على دليل يثبت أن والد المتهم، غاردنر مولت، اشتراه في حياته.
كما شهد خادم من عائلة مولت أن المتهم كان يتفاعل بحساسية مفرطة مع الترانيم. علاوة على ذلك… (محذوف)’
ارتجفت عينا إديث وهي تقرأ بهدوء ما تبقى.
كتاب استدعاء شيطاني، والد، في حياته…
كلمات لا تُصدق تتابعت. لم تستطع تصديق ما فعله كونت مولت حتى وهي تراه بعينيها.
‘لقد أمر حاكم الأعظم بعدم التواصل مع الشياطين. لذا، يعلن معبدنا أن كريستيان إيميت مولت قد نفى حاكم الأعظم وخالف كلامه، ويُصنف كهرطوقي، ويُحرم من جميع رتبه ومؤهلاته، ويُحكم عليه بالإعدام رسميًا.’
عندما وصلت إلى الفقرة الأخيرة، كانت يدها التي تمسك الحكم ترتجف. قطع صوت منخفض سكون اللحظة التي كانت تسمع فيها أنفاسها الخافتة وصوت تقليب الورق فقط، ممتلئًا المكتبة.
“هذا كل ما يتعلق بسجل كريستيان.”
كان سكاييل يقف أمام الرف التالي، ينظر إليها من الأعلى. وجهه الهادئ الخالي من أي عاطفة ذكّرها بسكاييل القديم.
سكاييل عندما كان دوق ديفيون، لا مجرد سكاييل.
نظرت إديث إلى وجهه الذي يشبه التمثال المجرد من المشاعر، ثم عادت ببصرها إلى الحكم. عضت شفتيها عندما رأت التاريخ المكتوب في نهايته.
كُتب الحكم قبل حوالي عامين من الآن. وفقًا لهذا الحكم، كان يجب أن يكون كريستيان قد أُعدم بالفعل. لكنه لا يزال على قيد الحياة.
‘لقد طُردت من برج السحر منذ عامين.’
آه. وضعت إديث يدها على فمها دون وعي. أدركت أخيرًا لماذا ترك سكاييل برج السحر. لماذا تخلى عن تلك المكانة التاريخية وبقي في روبيدرن.
بالتفكير في الأمر، كان هناك الكثير من الغرابة. في بلد تكون فيه سلطة المعبد بهذه القوة، كيف يُبقون على صبي مسكون بالشيطان حيًا؟
لماذا لم تفكر في ذلك؟
لا، لماذا لم تُرد التفكير فيه؟
الجواب بسيط. لأنها لم تهتم. لأنها حاولت ألا تهتم. لأنها، دون وعي، حاولت إبقاء هذا الرجل الذي شعرت بقربه يزداد خارج حدودها.
رغم أنها قالت مرارًا إنهما يجب أن يتعايشا جيدًا…
لذلك، كان سكاييل بالنسبة لها مجرد سكاييل. ساحر عظيم، بطل حرب، وزوجها بعقد.
خلال الوقت الذي قضته معه، ضحكت أحيانًا، وانزعجت أحيانًا، وخفق قلبها أحيانًا، لكنها لم تفكر في معرفة المزيد.
كذلك كان الأمر مع كريستيان.
كانت تعلم بوجوده بالفعل. أخ الدوق ديفيون الأصغر. كائن مشؤوم يقال إنه مسكون بالشيطان.
لكن ذلك كان كل شيء. حاولت في وقت ما معرفة المزيد، لكنها اكتفت بالتسكع حول الموضوع.
لأنه حتى لو عرفت، لن تستطيع فعل شيء. لن يتغير شيء. ربما كانت تبرر ذلك في قرارة نفسها.
لكنها لم تكن يجب أن تفعل ذلك.
كان يجب أن تعرف ما الذي تخلى عنه هذا الرجل الذي يبدو خاليًا من المشاعر من أجل أخيه الذي لا يبدو مرتبطًا بها. كان يجب أن تسعى لمعرفة المزيد…
«سأشاركك حظي.» لم يكن يجب أن تقول ذلك بلا مبالاة دون أن تعرف شيئًا.
“سكاييل، في تلك اللحظة.”
لم تخرج الكلمات بسهولة، فعضت إديث شفتيها ثم أفلتها. كانت كلمة “آسفة” تتردد في حلقها. آسفة لأنني لم أحاول أن أرى ما بداخلك أكثر.
“لقد قلت حينها إن كريستيان قد يلومك، أليس كذلك؟”
لكن الآن، كان هناك ما يجب أن تعرفه أولًا. يجب أن تعرفه الآن على الأقل.
“لماذا قلت ذلك؟ لماذا قد يلومك كريستيان…”
“هذا ما يهمكِ؟ كنت أظن أنكِ ستسألين شيئًا آخر أولًا.”
لم تكمل إديث سؤالها المتعثر. تنهيدة مختلطة بالصوت الثقيل قطعت الهواء، وكان فيها شيء من الإحباط.
“مثلًا، هل دمي سليم؟ هل هناك مشكلة بي؟… أسئلة من هذا القبيل.”
تمتم بصوت أخفض. كان صوته الخالي من التقلبات يبدو أكثر وحدة. خافت إديث أن تفتح فمها فتنهمر الدموع بدل الكلمات، فهزت رأسها.
“لست مهتمة بذلك، سكاييل.”
“إديث، هل تعلمين؟”
سقط شعاع شمس في المكتبة، استقر فوق رأس سكاييل.
“أن كل الإجابات التي أعددتها لكِ نادرًا ما كانت ذات فائدة بالنسبة لكِ.”
هل كان الضوء المنتشر يخدعها؟ بدا لها أن سكاييل يبتسم قليلًا.
“قلتُ ذلك لأن—”
الحقيقة أنني كنتُ مهتمًا بكِ فقط. رغم أنني كنت أعتقد أن ذلك خطأ، ظللتُ مهتمًا بكِ طوال الوقت.
الكلمات التي لم ينطق بها بقيت عالقة في فمه.
“لأنه لو لم أغادر عائلة مولت، ربما كنتُ أنا من هو محبوس في المعبد الآن بدلًا من كريستيان.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 100"