الفصل 118: إلى فم الغرغول  

…؟  

“ماذا قلت؟”  

“نعم؟”  

رفعنا أنا والفيكونت يوهانس أصواتنا في الوقت ذاته، نلتفت نحو السير جوزيف.  

ألن يكون قد قال إنه يريد الدخول إلى السجن؟  

“أليس لديكِ، سيدتي، أمر مع تلك المرأة؟”  

ومضت عيناه الحمراوان تحت ضوء خافت يتسرب من المصباح الزيتي.  

أومأت برأسي دون وعي، كأنني مسحورة. هذا صحيح، لكن…  

“لدي أنا أيضًا أمر مع تلك المرأة.”  

آه، فهمت.  

…لكنها لم تكن نكتة يمكن التغاضي عنها بسهولة. أمسكت بمرفقه وجذبته كأنني أوقظه:  

“ما الذي تقوله، سير جوزيف؟ هذا المكان ليس مما يمكن دخوله بسهولة.”  

“السيدة محقة، سيدي الكونت. السجن تحت قلعة دايرن متاهة كاملة، من يدخلها لا يعود أبدًا.”  

ابتسم السير جوزيف بلطف، مغمضًا عينيه:  

“الرجوع ليس مشكلة مع الحبل الأحمر، أليس كذلك؟ لا تقلقا كثيرًا. إن لم أجدها، سأعود فورًا.”  

دهشت من رد فعله الهادئ.  

حتى مع ذلك، كيف يريد الدخول بعد رؤية هذا الظلام كبطن شيطان؟  

“ربما لا تعرف، سير جوزيف. سجن القلعة ليس سيئ السمعة فقط لتعقيد بنيته.”  

“السيدة محقة، سيدي الكونت. لم يُنظف هذا المكان داخليًا ولو مرة خلال ألف عام. لا شك أن هناك أشياء يصعب على نبيل رؤيتها.”  

ساندني الفيكونت يوهانس في إقناع السير جوزيف. لكن نظرة إلى وجهه الهادئ الغارق أخبرتني.  

السير جوزيف كان مصممًا على الدخول، مهما قيل له.  

إن لم يكن الآن، فسيسرق المفتاح لاحقًا خفيةً.  

“ها.” في هذه المرحلة، كحليفة له، لم أعد أستطع منع تصرفاته.  

لا أعرف ما يفكر فيه، وقد لا يشرح لي الآن، لكنها ضرورة بالتأكيد.  

“…حسنًا. إن كنتَ تريد الدخول لهذه الدرجة، سأفتح الباب.”  

“شكرًا، سيدتي.”  

“سيدتي؟”  

استغرب الفيكونت يوهانس تحول موقفي بعد محاولات الإقناع.  

لوحت بيدي برفق لأسكته.  

“لكن هناك مشاكل، سير جوزيف.”  

“ما هي؟”  

“أولاً، هذا الحبل كآلية أمان غير موثوق حاليًا.”  

إن كان هناك شخص واحد فقط بالداخل، لن تكون مشكلة كبيرة. لكن إن كان معه من قطع الحبل من قبل، فالأمر يختلف.  

ماذا لو اكتشفت دوروثيا الحبل الممدود وقطعته خلسة؟  

سيظل السير جوزيف يتيه في المتاهة دون أن يدرك أن خط الحياة انقطع. لم أستطع تركه هكذا.  

“انتظر بضعة أيام. قد أجد خريطة لم تُفقد في المكتبة إن بحثت.”  

على الأقل، يجب أن يأخذ خريطة.  

لكن السير جوزيف ضحك كأنني قلت نكتة مضحكة.  

“سيدتي، لا حاجة لي بخريطة. وأنتِ تعرفين السبب جيدًا.”  

“ماذا؟”  

ما الذي يعنيه؟ ماذا أعرف… آه، ذاكرته المطلقة.  

السير جوزيف شخص تُسجل في ذهنه زوايا ومسافات كل خطوة يخطوها دون قصد.  

كأن أدق خريطة في العالم تُرسم أمام عينيه مع كل خطوة، فلا حاجة له بخريطة.  

فضلاً عن أنه ساحر. صحيح أنه ختم سحر الكرونومنسي، لكن…  

“حتى بدون ذلك، لديه القدرة على حماية نفسه.”  

وهو بارع في المبارزة أيضًا. “همم…”  

ابتعدت عنه خطوة، أفكر مليًا، ثم أومأت برأسي.  

“والمشكلة الثانية، حتى مع ذلك، لا أريد أن يُقال لاحقًا إنني حبست خطيبي المحتمل في متاهة تحت الأرض.”  

“لم أُحبس، أنا من أراد الدخول.”  

“التفاصيل ليست مهمة كما تعتقد، سير جوزيف. التصرفات الظاهرة هي ما يصنع الشائعات.”  

“…إذن، تعنين أنكِ لن تسمحي لي؟”  

“لا، أعني أن الإدارة في زمن الحرب مهمة.”  

ومضت عيناه الحمراوان ببطء، كأنه لا يفهم.  

أحضرت المصباح الزيتي المعلق عند الباب الحجري.  

ثم قلت له وللفيكونت يوهانس، اللذين لم يفهما بعد:  

“سأذهب معك.”  

* * *  

كاد الظلام الثقيل يخنقني.  

كأن هذا الهواء الكئيب الرطب ثعبان يلتف حول جسدي.  

ربما خيال؟ الرائحة النتنة التي تخترق الدماغ جعلتني أتوهم بالتأكيد.  

“أوغ.”  

شعرت بالغثيان للحظة.  

توقفت وانحنيت، فالتف ذراع قوي حول كتفي.  

“لمَ لا تعودين الآن، سيدتي؟”  

أخرجت منديلاً بسرعة، مغطيةً أنفي وفمي، لكن ذلك لم يكفِ لصد رائحة الموت المتقادمة ألف عام.  

أقنعت الفيكونت يوهانس، الرافض بشدة، ودخلت مع السير جوزيف إلى فم زنزانة الغرغول.  

بالطبع، تمسك الفيكونت بثيابي رافضًا بإصرار…  

“ماذا أفعل؟ أنا صاحبة القرار.”  

ربطت الحبل الأحمر حول خصري بإحكام، وطمأنت الفيكونت يوهانس، آمرةً إياه بالانتظار خارج الباب الحجري.  

لو بقي بالداخل، قد يسمع حديثنا العفوي أنا والسير جوزيف.  

أمرته بالانتظار خارجًا، مع التأكيد على عدم إفشاء أننا دخلنا لأحد.  

“لكن هذا المكان ليس بهين حقًا.”  

صراحةً، كنت أظن الأمر أبسط قليلاً.  

زنزانة الغرغول أو أيًا كان اسمها، مجرد تسمية مبالغ فيها، أليس مجرد سجن تحت الأرض؟  

لكن يبدو أنني أخطأت التقدير.  

بعد خطوات قليلة في الظلام المتراكم ألف عام، شعرت بضغط نفسي هائل.  

تخيلت أصوات أقدام من بعيد دون سبب.  

كأن نسيمًا يلامس خدي، ورائحة جثث تتسرب في الهواء، تغزو عقلي.  

“كأنني في عالم آخر.”  

كل ما يمكنني الاعتماد عليه هو ضوء المصباح الذي يحمله السير جوزيف، وخطواته البطيئة وهو يمسك أصابعي بقوة.  

وصوته الذي يمحو الحساسية الزائدة التي يخلقها الخوف الوهمي.  

مع ضيق التنفس المزعج وتجهم وجهي، هززت رأسي رداً على كلامه:  

“يقال إن حاسة الشم هي أول ما يتوقف من حواس الجسم. سأعتادها قريبًا.”  

صراحةً، لم تكن المشكلة الشم فقط.  

شعور غامض لا يوصف يضغط على جسدي كأنه سيحطمني؟ لكن لا داعي لقوله…  

سمعت تنهيدة خافتة من السير جوزيف فوق رأسي.  

ربما لاحظ أنني أتهرب.  

“لكن رد فعله هذا يزعجني.”  

ردوده الواضحة جعلتني أشعر كأنني عبء.  

نعم، لو جاء وحده، لما احتاج للتوقف بسببي.  

“يبدو أن قدومي معك يزعجك جدًا، سير جوزيف.”  

فتحت عيني بغضب وتذمرت، فأطلق نفسًا قصيرًا وقال:  

“ليس كذلك، أنا قلق عليكِ، سيدتي. لم أرد إحضاركِ إلى مكان قاسٍ كهذا.”  

“يا لها من مزحة. أنا لا يجب أن أذهب لأماكن قاسية، وأنت يمكنك؟ أنا أيضًا، في شبابي، خُطفت إلى الأحياء الفقيرة. كانت متاهة معقدة، لا تختلف كثيرًا عن هنا… آه، صحيح!”  

تذكرت شيئًا فجأة، وأمسكت بثيابه بعنف:  

“كنت سأعاتبك أصلاً. كيف تقول أمام كاردييل إنني مررت بتلك التجربة، سير جوزيف!”  

أدرته بالقوة، وضعت يدي على خصري، ورفعت رأسي.  

اعترف بخطئه بهدوء:  

“أعتذر بصدق عن ذلك. لقد أعمى الغضب عيني حينها.”  

“ماذا، قلت؟”  

يا له من عذر سخيف. ضحكت بدهشة.  

حتى لو لم يكن هناك قبر بلا عذر، يجب أن يكون مقنعًا.  

“لكن سأصحح لكِ، سيدتي. الأحياء الفقيرة تختلف عن هنا.”  

“بالطبع تختلف. هناك كان كل من أقابلهم مجرمًا قد يهاجمني، وهنا، باستثناء دوروثيا، كل ما قد نجده هو عظام بيضاء.”  

هدفنا هو العثور على دوروثيا.  

على عكس هروبي من الأحياء الفقيرة، يجب أن نتمنى لقاءها هنا.  

“…هل تعتقدين ذلك حقًا؟”

° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆｡ .° ◌ • .●