بلغت الأجواء في القاعة ذروتها حين دوّى صوت الأبواق في أرجائها.
“سمو ولي العهد يدخل!”
ارتفع صوت المنادي، وانفتحت الأبواب الضخمة.
ومع ظهور رايون بزيه الأحمر المطرّز بخيوط الذهب، عمّت الهمهمة المكان. و احمرّت وجنات الشابات وهنّ ينحنين بخجل، فيما تسابق النبلاء لتحيته.
وبينما كان يسير متلقيًا الترحيب، أخذ يبحث بعينيه عن ميلودي. و رآها عند الشرفة…..وبالصدفة، كانت تقف إلى جانب ديونيس.
فعقد رايون حاجبيه واقترب منهما متجاهلًا سائر الحاضرين.
“معًا…..إذاً.”
كان في نبرته ما يكشف عن استياء واضح.
“تشرفنا برؤيتكَ، سموكَ.”
انحنت ميلودي، فثبتت عيناه الزرقاوان عليها دون أن يرمش.
كان جمالها في زيها البسيط كافيًا، أما الليلة، بعد أن تأنقت، فقد غدت قمةً في الروعة.
“جميلة…..أقصد، مبالغٌ في التناسق. صدق من قال أن الثوب يُكمل الجمال.”
لم يستطع أن يصرف بصره عنها. ثم أمسك بيدها ليقبّلها، و ظل مبهوتًا وهو يحتفظ بيدها بين يديه لبرهة طويلة.
“لقد تأخرتَ.”
قال ديونيس ذلك بحدة، فارتبك رايون وأفلت يدها مصحوبًا بسعال مصطنع.
أما عينا الدوق الحمراوان فحدقتا فيه بصرامة لا هوادة فيها.
“بعض الشيوخ أصرّوا على لقائي بعد أن قيل لهم أنني قد أتخلف عن الحفل. فاضطررت لمجاملتهم، فحصل ما ترى.”
“هكذا إذاً.”
انعوجت شفتا ديونيس بابتسامةٍ باردة، كأنه تلقى هديةً غير متوقعة.
بينما نظر رايون إلى ثيابهما المتقاربة الطراز، وسأل بنبرة فاحصة،
“أنتما بالفعل حضرتم كشريكين؟”
“نعم، سموك. لقد تكرم الدوق بمرافقتي.”
“وماذا عن الأقمشة التي أرسلتها لكِ؟”
“حولتها إلى ثيابٍ يومية.”
“ألم تكن تلك أقمشةً بالغة الثمن لتُهدر في العمل وسط أدواتكِ السحرية؟ كان ذلك…..غير ضروري.”
ازدادت خطوط الغضب بين حاجبيه عمقًا. و في الحقيقة، كان الأجدر به أن يكون هو شريكها الليلة.
فألقى بنظرة جليدية على مساعده الواقف وراءه.
“ألم تكن نصيحتكَ السخيفة سبب ما وصلنا إليه؟”
“ما قلتها إلا لمصلحتكَ يا سموك.”
“أهكذا كانت نصائح من سبقكَ أيضًا حتى طارت أعناقهم جميعًا؟”
ارتعد المساعد ولمس عنقه بتوجس وهو يتراجع خطوةً إلى الوراء. بينما عاد رايون يثبت بصره في ميلودي.
“حين أفرغ من الرقص مع بضع آنسات…..سيكون لي شرف رقصةٍ معكِ قبل نهاية الحفل.”
“بانتظاركَ كثيرون يا سمو الأمير. أليس أولى بكَ اللحاق بهم؟”
تدخل ديونيس ببرود، مقاطعًا. فردّ رايون، من غير أن يلتفت إليه،
“سأذهب بعد قليل. لكن حضوركَ، أنت الذي لا تطأ قدماك الحفلات عادةً…..أليس غريبًا؟”
“جلالة الإمبراطور ألحّ عليّ بالحضور.”
“إذاً ليس أمرًا خاصًا؟”
“لم أقل يومًا أنه ليس كذلك.”
تبدلت ملامح رايون في الحال، وتشوّه وجهه بانقباض واضح. فقد سمع في كلمات ديونيس إشارةً لا تحتمل اللبس…..أن وجود ميلودي بالذات هو ما جعل الأمر مميزًا.
كان قد خمن منذ زمن أن ديونيس يراها بنظرة مختلفة، لكن سماع الدليل الصريح أثار في صدره غيظًا أعنف بكثير مما توقع.
“لا تقل لي أنكَ حقًا..…”
لم يستطع أن يُكمل عبارته. فكيف له أن ينطق أمام ميلودي باعترافٍ صريح أنه يتساءل إن كان ديونيس يضعها في قلبه؟
و بدلًا من ذلك، قبض على ذراع الدوق ليُبعده عنها، وتمتم بصوت خافت كمن يعضّ كلماته،
“الأجدر بكَ ألّا تبدأ ما لن تقدر على تحمّله.”
لكن ديونيس أبعد يده بخشونة، ثم أدار بصره نحو ميلودي.
“سأجرّب أن أتحمّل. لقد بدأتُ فعلًا.”
فارتجفت شفتا رايون من الصدمة.
“أتظن نفسكَ تملك أدنى حق في هذا؟! تلك الفتاة لا تعرف حتى ما أنت عليه حقًا!”
“حتى لو لم تعرف…..فلن يغيّر ذلك شيئًا.”
“ماذا قلت؟!”
انفجر صوته حادًّا، لولا أن المساعد بادر مسرعًا يتدخل،
“سموك، العيون كلها مصوّبةٌ إليكم.”
وحين التفتوا من حولهم، كان النبلاء يتهامسون وينظرون إليهم بطرف أعينهم.
فتراجع رايون خطوةً للوراء وهو يزفر بعمق، غير أنّ بصره ظلّ يتنقّل بين ديونيس وميلودي.
“سأتحدث معكَ لاحقًا على انفراد.”
“أرفض.”
“أرفض رفضكَ. وميلودي…..استمتعي بالحفل، أو بالأحرى، اكتفي بالقليل منه ثم عودي.”
أكمل عبارته بصعوبة، ثم استدار متوجهًا إلى قلب القاعة.
“يبدو أنّ الدوق ليس على علاقة عابرة بتلك الفتاة العامّية.”
“لعلّ عزوفه عن الالتفات لأي سيدة طوال سنوات لم يكن سوى مسألة ذوق خاص.”
“ومع ذلك، عامّية؟!”
“دعكَ من هذا، حدثنا بدلًا من ذلك عن العلاج الذي ابتكرته وأنقذت به الناس، كيف خطرت لك تلك الفكرة؟ إنه حقًا أمرٌ مدهش.”
بينما كانت الهمسات تدور، كان رايون يثبت نظره ناحية ديونيس.
رآه يمد يده إلى ميلودي، ثم تمسكها هي أيضًا. و أخرج من جيبه منديلاً ومرّره برفق على ظاهر كفّها، بحنانٍ وحرصٍ يشير بعلاقة عاشقين.
فضغط رايان على شفتيه بغيظ.
و لم تستطع المدائح التي انهمرت حوله أن تطفئ الغليان في صدره. فرفع كأسه و أفرغها دفعةً واحدة، محاولًا صرف نظره.
بسنما ارتفعت النغمات مُعلنةً بداية رقصة جديدة. و ابتسم رايون ابتسامةً مصطنعة، وتقدّم ليمسك يد إحدى الآنسات الشابات ويرقص معها، غير أن عينيه ظلتا تتابعان أولئك الاثنين من بعيد.
***
بعد انتهاء الحفل، عادت ميلودي بصحبة ديونيس إلى القصر الفرعي حيث تقيم ويني.
“هل أنتِ بخير؟”
كانت ويني متمددةً على السرير، فجلست معتدلةً حالما رأت ميلودي.
“ويني…..هل حالكِ جيد؟ هل تأقلمتِ؟”
“نعم، الجميع هنا لطفاء أكثر مما ينبغي. و الطعام لا ينقص أبدًا.”
ابتسمت وهي تشير إلى المائدة الصغيرة.
“أنظري إلى كل هذه الفاكهة، كأنها تكفينا لا ليومين…..بل لسنوات.”
كانت المائدة تغصّ بالعصائد والثمار. ورغم نبرتها المرحة، ظهرت أطرافها وقد بدأت تتصلّب بالحجر.
توقفت ميلودي فجأة وهي تلمح يدها المتشققة، فبادرت ويني تخفيها على عجل تحت الغطاء.
“لا عليكِ، يومٌ واحد فقط وسيمرّ الأمر. لم تنظرين إليّ بتلك الجدية؟”
حاولت أن ترسم ملامح مشرقة، لكن وجهها كان شاحبًا على نحو واضح.
فاقتربت ميلودي أكثر، تراقب حالتها بدقة، وتقارنها بما دوّنته في سجلاتها.
كانت قد بدأت تدوين الأعراض منذ اليوم الذي تناولت فيه حجر الشفق الأزرق، و منذ دخول القصر، بدا واضحًا أن المرض يتسارع في التقدم.
“قد تكون الفرضية رقم 13 صحيحة.”
“أجل، أشعر بذلك. إن جسدي يزداد سوءًا.”
“ماذا تعنين؟”
سأل ديونيس، ففتحت ميلودي الصفحة الأخيرة من سجل الملاحظات.
“إنها فرضيةٌ حول سبب نشوء المرض. الفرضية رقم 13 تقول أن القوة المقدسة هي التي تفاقم المرض. أي أن سبب إصابة الناس بمرض التحجّر السحري ليس الحجر بحد ذاته، بل الفيض المفاجئ من القوة المقدسة التي حُقنت فيه.”
كان القصر محاطًا بحاجز قوي، وربما كان تأثير ذلك ما يسرّع تفاقم المرض.
و قد تكون هناك أسبابٌ أخرى، لكن في الوقت الحالي تبقى هذه الأرجح.
“إن استمر الأمر هكذا، فستظهر أعراض المراحل النهائية بسرعة.”
“هذا مخيفٌ بعض الشيء.”
حاولت ويني أن تمزح لتخفيف وطأة الموقف.
“تناولي الدواء الآن. إنه مجرد يومٍ واحد. أنت تعلمين أن قرصًا واحدًا من العلاج لا يمحو الأعراض بالكامل.”
لكن رغم إقناعها، لم تُرِد ويني التنازل عن عنادها.
“دعيني أراقب الأمر ليوم آخر فقط.”
“قد يحدث خطبٌ خطير إن فعلتِ ذلك.”
قبضت ويني يدها وأسقطتها على الفراش.
“لا، لن أسمح لنفسي أن أموت بهذه المظلومية. قضيت عمري كله أُحتقر لأني أصنع الأدوات السحرية، والآن يُنظر إليّ كمن تصنع الأمراض أيضًا.”
نظرت ميلودي إليها بقلق، لكن ويني واصلت محاولة طمأنتها.
“إن بدا الأمر صعبًا، سأطلب من الخدم أن يعطوني الدواء. فلا تقلقي.”
أخرجت ميلودي من حقيبتها أداةً سحرية كانت قد جلبتها معها. و وضعت الأداة التي تشبه زهرة البوق على الطاولة ووجّهتها نحو وجه ويني.
“إن ارتفعت حرارتك فوق مستوى معين أو ظهر الطفح، فستطلق إنذارًا. حينها لا تؤجلي وتناولي الدواء فورًا.”
فتصفحت ويني النقوش السحرية المكتوبة عليها وأومأت.
“ما كل هذا؟”
نظرت ميلودي إلى ديونيس، فوجدته ينظر الى الجدول المخطط المدوّن في نهاية السجل.
كان مليئًا بالفرضيات المرتبة وسيناريوهات العملية المفصلة.
“أهناك فعلًا 101 طريقة للوصول إلى جلالة الإمبراطور؟ مذهل.”
“أعددتها تحسبًا لأي طارئ قد يحدث.”
أشارت ميلودي إلى أحد البنود،
“في حال تفاقم مرض ويني. وهذا ما ينطبق على وضعها الآن.”
وتحت ذلك كانت هناك تعليماتٌ للتعامل مع كل عرض يظهر.
_______________________
ياعمري ميلودي خايفه على ويني لدرجة 101 طريقة😭
المهم شفتوا ديونيس وهو يمسح يد ميلودي؟ عشان رايون مسكها😭😭😭😭😭
اهخ عسا رايون اليون انقهر وناااااااسه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 91"