نظرت ميلودي إلى ديونيس، فبادلها النظرة وكأنه يوكل إليها القرار كله.
“سنجعل كبير الكهنة يعترف بنفسه أمام الجميع.”
“لن يعترف بسهولة.”
“لذلك سأعيد له الكرة على طريقته.”
أشارت ميلودي إلى حجر الشفق الأزرق، فتوقف بصر أهفين عنده متفاجئًا.
“سنجعله يتناوله.”
كان يوم التأسيس مهرجانًا عظيمًا يستمر ثلاثة أيام.
في اليوم الأول يُفتتح بحفل رقص فاخر، ومن اليوم الثاني تبدأ بطولة المبارزة التي يتنافس فيها فرسان الإمبراطورية.
وفي اليوم الأخير، يحضر كبير الكهنة نهائي البطولة ليمنح المنتصر بركة المعبد، وبذلك يُختتم المهرجان.
وكان ذلك اليوم هو ما استهدفته ميلودي، لتفضح وجهه الحقيقي أمام أعين الجميع، في أكثر اللحظات مهابةً.
ديونيس كان قد استمال بالفعل بعض رجال القصر، وأمرهم برش مسحوق الحجر الأزرق في طعام كبير الكهنة.
لم يكن عليهم حتى أن يقتربوا منه؛ يكفي أن يراقبوا رد فعله بعد أن يتناوله.
“لكن في كل خطة، لا بد من وجود احتياط.”
“ولهذا السبب استدعيتني.”
“أنت الوحيد القادر على البقاء بجانبه.”
مسح أهفين وجهه براحة يده،
“سأراقب الرجل…..كبير الكهنة.”
أجاب أخيرًا وكأن الاعتراف يثقل صدره.
و عندما همّ بالرحيل، أمسكت ميلودي بذراعه.
“أرجوكَ، اعتنِ بليهيلين. منذ أن سلمتني الحجر لم أرها بعد.”
“سأفعل.”
رحل أهفين، وصعد الثلاثة من جديد إلى العربة.
“أردتُ فقط أن لا تكوني في خطر ولو للحظة.”
كان ذلك أشبه بإجابة عن سبب استدعائه له. فتبادلت ميلودي النظر مع ديونيس وويني.
“أتمنى أن ينتهي كل شيء بسلام.”
وبينما كانت العربة تمضي، رأت من النافذة أبراجًا مذهبة ترتفع شامخةً في الأفق وتقترب شيئًا فشيئًا.
***
كان القصر أضخم وأبهى مما توقعت.
قادهم ديونيس—ميلودي وويني—إلى مبنى عاجي صغير خلف حديقة غنّاء.
“هذا هو المكان. ستقيمين فيه يومين.”
“سيدي، لقد مضى زمنٌ طويل منذ لقائنا.”
هرع خادمٌ مسنّ لاستقبال ديونيس حال دخوله المبنى.
“إنه القصر الذي كنتُ أقيم فيه في صغري. لقد أوصيت الخدم، فلن ينقصكِ شيء.”
وبين الأثاث الفاخر، لاحت أشياءٌ صغيرة تصلح لطفل.
نظرت ميلودي إلى كرسي قصير ثم التفتت إلى ويني.
“هل ستكونين بخيرٍ هنا يا ويني؟”
كانت ويني مأخوذةً بجمال المكان تحدّق بكل شيء بعينين مبهورتين، ثم استعادت وعيها لتجيب،
“يقولون أن التفتيش في القصر سيزداد صرامةً مع بدء البطولة. وأنا قد اعتدت على قضاء أيامٍ في ورشة بائسة أشبه بحظيرة خنازير، فكيف لا أحتمل يومين في هذا المكان الفخم؟”
ومع ذلك، فالإقامة في مكان غريب وهي مريضة لا يمكن أن تكون مريحةً تمامًا.
“سأعود إليكِ ليلًا.”
“لست طفلةً صغيرة. لا تقلقي.”
وضعت ميلودي دواء علاج الوباء في يد ويني.
“احتفظي به. المرض يتقدم أسرع مما توقعنا.”
“يومان فقط، ألن أتحمل؟ اذهبي أنتِ.”
ومع ذلك، وبينما كانت ميلودي تحدّق بقلق في ويني، انحنى الخادم ذو الشعر المشيب قليلًا،
“سأهتم بها جيدًا.”
“لنذهب، فالوليمة على وشك أن تبدأ.”
ثم قاد ديونيس ميلودي بيده نحو الجناح الرئيس للقصر الإمبراطوري.
كانت القاعة الكبرى، التي تدلّت من سقفها ثرياتٌ ضخمة، مكتظة بالفعل بالنبلاء الذين بدأوا يتوافدون، فيما ينساب عزف الفرقة الموسيقية بألحان رشيقة.
وما إن دخل الاثنان حتى تركزت الأنظار عليهما.
لم يخفِ النبلاء فضولهم لرؤية امرأةْ غريبة تدخل برفقة الدوق، فتفحّصوها بنظرات جريئة لا تخلو من صراحة.
“يا للعجب! الدوق حضر الحفل بنفسه. لكن من تكون تلك المرأة بجواره؟”
“أتراه أحضر شريكةً له؟”
اعتدلت ميلودي في وقفتها، وأخذت نفسًا عميقًا. فلم تتوقع أن يكون رد الفعل بهذه الحدة.
“يقال أنها صانعة أدواتٍ سحرية. ومن عامة الشعب أيضًا. بل كانت ممن شاركوا مع سمو ولي العهد في علاج الوباء الأخير.”
“أليست هي من تتعامل مع الوحوش؟ هناك من يقول أن المرض أصله منها. ألا يُخشى أن يكون معديًا؟”
لم يكن صعبًا على ميلودي تجاهل بقية الهمسات، لكن ذكر الوباء جعل قبضتها تنغلق بلا وعي.
“ومن يدري، ربما نشرت المرض عمدًا لتروّج لأدواتها.”
“لا يُعقل.”
“لكنها امرأةٌ تعيش من تجارة الوحوش، أيمكن أن تكون بكامل عقلها؟ الاحتمال قائم.”
“مع ذلك، ألا ترونها جميلةً بعض الشيء؟ ربما أسرت قلب الدوق بجمالها ليس إلا.”
“أف! حين تقولها هكذا، فإن جمالها يبعث على القشعريرة بدل الإعجاب.”
“أما أنا…..فأجد نفسي منجذبًا قليلًا إليها..…”
لمح ديونيس الرجل الطويل الأكثر ضجيجًا فسدّت الكلمات حلقه في الحال، وتجمدت وجوه من حوله بتيبّس ظاهر.
“هل ضايقكِ همسهم؟”
“قليلًا.”
أجابت ميلودي وهي تلتقي بنظره، ثم أومأت برأسها بخفة.
كانت عيناه الحمراوان تومضان بدفءٍ مألوف. غير أن ما شغلها لم يكن هؤلاء النمّامين، بل صف السيدات الواقفات أمامه.
“نتشرف برؤيتكَ يا دوق ديونيس.”
قالت ذلك شابةٌ ذات شعر أحمر منسدل، وانحنت بخفة وهي تمسك بطرف فستانها بأناقة.
“حين سمعت بمشاركتكَ في الحفل، أيقنت أن شريكتكَ ستكون بالطبع من أنبل بيوت الامبراطورية.”
كان صوتها رقيقًا، لكن عينيها راحتا تمسحان ميلودي بحدة لم تخفها.
“أما أن تحضر ومعكَ صانعة أدوات سحرية وضيعة؟!”
“آه…..أليست آنسة آل إيدنوود؟”
غطت فمها بمروحة صغيرة وضحكت بخفة.
“سررت لأنكَ تذكرتَ اسمي. أعلم أن الدعوة كانت لتكريم دورها في التصدي للوباء، لكنني أظن أن سمو ولي العهد قد بالغ قليلًا في معاقبتكَ بجعلها رفيقتكَ. هل ترغب أن أخلّصكَ من هذا العبء؟”
“لم يكن دوري علاج الوباء فقط، بل أعدت أيضًا نصب الأحجار الحاجزة في الحملة، وبذلك استُعيدت مقاطعة كاملة من أيدي الوحوش.”
فضحكت الشابة باستخفاف.
“وماذا في ذلك؟ أتظنين أن بطولاتكِ غيّرت دمكِ؟”
“معكِ حق. الدم لا يتغير. أنا ما زلت من العامة.”
لكن ميلودي أضافت، بعينين ثابتتين وصوت يملؤه العزم،
“ومع ذلك…..لا أظن أنني الليلة أقل شأنًا من أن أقف إلى جانبه. فما أملكه ليس نسبًا عريقًا ولا دمًا نبيلًا، بل ما صنعتُه بيدي…..أشياءٌ أنقذت الناس.”
“ومع ذلك، يظل دمكِ وضيعًا.”
ازدادت حدة صوت الآنسة، لكن في تلك اللحظة تداخل صوت ديونيس العميق،
“أهو الدم وحده ما تفتخرين به؟”
فشحب وجهها في الحال.
“لو كنتِ تعرفين بداية بيت إيدنوود، لكنتِ احترمتِ نفسكِ.”
“دوق.…!”
كان بيت إيدنوود من كبار بيوت الإمبراطورية، لكنه أسّس على يد سلف من قبائل البرابرة حصل على لقبه بفضل إنجازاته.
كلام ديونيس لمّح بوضوح أن دمها الذي تزهو به لم يكن في أصله شرفًا بالولادة بل فضلًا بعمل.
“كيف…..كيف تجرؤون على هذه الإهانة؟!”
احتجّت بصوت مرتجف، لكن ديونيس رفع كتفيه ببرود، و وجهه ساكن لا يتأثر.
“من يسيء لعائلتكِ ليس أنا…..بل أنتِ. أما جدّكِ المؤسس، أفلا يستحق أن تفخري به بدلًا من أن تجعليه مادةً للسخرية؟”
ارتجفت يدها وهي تشدّ على المروحة، ثم استدارت وغادرت غاضبة.
ومن بعد ما جرى، لم تجرؤ أي من بنات النبلاء على الاقتراب منهما، وحتى صغار الأرستقراطيين إذا وقعت عيونهم على ميلودي، اصطدموا بوجه ديونيس المتجهم فتراجعوا بخطواتٍ مرتبكة.
هكذا انتهى بها الأمر أن تبقى إلى جوار ديونيس وحدها، ولم يكن ذلك أمرًا تكره وقوعه.
“هل نرقص؟”
تبدلت أنغام الموسيقى إلى لحن بطيء، وبدأت رقصةٌ جديدة. فأمسك ديونيس بيدها وقادها نحو وسط القاعة.
لم تكن بارعةً في الرقص، لكن مع قبضته التي تقودها لم يكن ثمة مجالٌ للتعثر.
“انظري إليّ وحدي.”
همس بها، وكانت كلما مالت بخطوةٍ مرتبكة أعاد توازنها، وهو يحيط خصرها بخفة ويشدّ على يدها.
ثبتت ميلودي بصرها في عينيه. ومع دوران الفالس، شعرت أن العالم كله يدور حوله وحده.
فأخذت أنفاسها تتسارع شيئًا فشيئًا حينها،
“إنه مؤلم.”
“بهذه السرعة؟”
“قدماي…..أنتِ تدوسين على أصابعي.”
“آه..…”
رفعت بصرها إليه بخجل، وقد وطئت قدميه غير مدركة. فانفجر ضاحكًا ضحكةً خافتة.
ابتسامته بدت آنذاك كابتسامة فتى مشاغب، فاهتز قلبها بنبضة.
“لنكن هذه آخر رقصةٍ الليلة.”
هل ستُتاح لها فرصةْ أخرى للرقص ثانية؟
تحت وهج الأضواء، مع ديونيس الذي يضمها في دائرة الفالس…..كان مشهدًا لن يُمحى من ذاكرتها أبدًا.
______________________
ام شعر احمر الله يعين اهلها 😂
المهم ديونيس وميلودي يرقصوووون
زوجووهم بكره العرس كل شي جاهز ناقص هم 😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 90"