رغم أن مظهر ولي العهد لم يكن عاديًا ولا شائعًا، إلا أن وقوفه إلى جوار ديونيس جعله يبدو باهتًا.
ويبدو أن آنا شعرت بالأمر ذاته، فاقتربت وهمست لميلودي،
“ألم أقل لكِ؟ رفاهية قصر الدوق أفضل من القصر الإمبراطوري نفسه. لكن الأروع من كل شيء هو رؤية الاثنين معًا. و من الأفضل لو وقف اللورد روهان بجوارهما أيضًا!”
أومأت ميلودي بخفة وهمسٍ خافت،
“أتمنى لو كان اللورد روهان جاثيًا على ركبةٍ واحدة.”
“أوه، يالكِ من فتاة!”
لكن رايان لم يدخل المبنى بعد، فظل الجميع منحني الرأس، كما تفرض قواعد البروتوكول.
ثم تحدث رايان بنبرة مرحة،
“هل تجري التحضيرات لحملة الوحوش على ما يرام؟ لقد جلبت هدية من جلالة الإمبراطور.”
فردّ ديونيس بهدوء، لكن بجفاء واضح.
“التحضيرات انتهت قبل أسبوع. بلّغوا جلالته أنني أكتفي بمشاعره.”
“هاها، يا لكَ من ساخر!”
“هل بدا لك ذلك وكأنه مزاح؟”
في لحظة، خُيّل لمن يراقب أن شررًا انطلق من عيون الاثنين.
حتى في الكتب، عُرفت العلاقة بين ديونيس ورايان بأنها عداءٌ محض. فرغم أن ديونيس قد تنازل عن حقه في وراثة العرش، إلا أن رجال الإمبراطور الراحل ظلوا يدعمونه، وهو ما جعل موقف رايان كوريث غير مستقر.
ابتسم رايان ورفع زاوية شفتيه بتحدٍّ،
“ستندهش عندما ترى الهدية. أنزلوه.”
طرق رايان على عربة الموكب، فانفتحت الأبواب، وخرج منها كاهنٌ ذو شعر أبيض ناصع.
كان يرتدي عباءةً مزينة بالخيوط الذهبية، ما يدل على أنه كبير الكهنة.
“جلالة الإمبراطور يبعث إليك بالكاهن، ليتمنى لك السلامة.”
ثم تحدث الكاهن وهو يمدّ يده بالبركة.
“لتحلّ البرَكة على الدوق.”
ما إن أنهى الكاهن ترديده حتى انعوج وجه ديونيس بانزعاج شديد، بينما ارتسمت على وجه رايان ابتسامةُ رضا عميقة، وعيناه الزرقاوان تنحنيان في سخرية هادئة.
“إلى غرفة الاستقبال.”
أدركت ميلودي أن رايان لا يريد سوى أن يُسبب الألم لديونيس.
في الرواية، كان رايان يكره ديونيس كرهًا شديدًا. و كانت تظن أن السبب يعود فقط لصراع وراثة العرش، لكن يبدو أن السبب الحقيقي هو معرفته بكون ديونيس ساحرًا.
فالقوة المقدسة، مثلها مثل الحاجز المقدس، كانت مؤلمةً للسحرة.
وهذا؟هذاهوبطلالرواية؟ياللسخافة.
صحيحٌ أنها لم تكن تُحب ديونيس كثيرًا، لكن أن يكون شخصٌ نذل مثل رايان هو “البطل” كان يثير فيها الغضب.
كل ما استطاعت ميلودي فعله هو أن تُقاوم رغبتها في التحديق به بغضب.
و حتى بعد دعوته لدخول غرفة الاستقبال، لم يأمر رايان الخدم بالانصراف، فظلوا مصطفّين أمامهم دون حراك.
يا له من ذوقٍ فاسد.
في رواية أسرارليهلين، لم يكن أيّ من أبطال الذكور سويًا. ورايان كان الممثل الرسمي للخيانة والندم.
كان يجد متعةً مريضة في الاستيلاء على ما يملكه الآخرون، وكان أغلب من يُقيم معهم علاقات من النساء المتزوجات أو المرتبطات.
حتى اهتمامه بليهلين لم يبدأ إلا بعدما رآها تقترب من ديونيس، وهذا وحده يشرح كل شيء.
بعدما أغراها، لم يتوقف رايان قط، بل استمر في ملاحقة المتزوجات، بينما لم يكن يمثل دور العاشق سوى في وجود ديونيس.
إنه نموذجٌمبتذلللنذالة.
حين كانت تقرأ الرواية، تمنت أن ينتهي به الأمر في الوحل. أما الآن، وهي تراه أمامها، فقد تمنّت فقط لو يتعثر ويسقط أمام الجميع.
ثم تحدث رايان أولاً،
“ما رأيكَ أن نبارك سيفكَ؟”
كان يعلم أن التقديس يتطلب إمساك السيف خلال الطقس، وكان بلا شك يتمنى أن يتعذب ديونيس بذلك.
لكن ديونيس رد ببرود دون أن يرفّ له جفن،
“لربما سموك لم يخض معارك ضد الوحوش من قبل، لكن السيف في مثل هذه المهمات ليس سوى أداة تُستهلك بسرعة.”
كان صوت ديونيس وهو يرد يفيض بالاشمئزاز، و لم يخفِ احتقاره للحظة.
أن يتحمّل اجتماعاً كهذا ببضع كلماتٍ فقط…..الآن فقط أدركت ميلودي أن ديونيس يتمتع بصبر خارق، يكاد يكون مبالغًا فيه.
“لا تجرؤ على رفض نعمة المعبد. أحضروا السيف.”
“وهل لا بأس لديكَ إن أمسكت بسيفي أمام سموكَ؟”
نبرته كانت تنضح بالتهديد، حتى أن شفتي رايان ارتجفتا للحظة.
“أنا مالك سيفكَ، فكيف لي ألا أوافق؟”
“لم أظن يومًا أنني سأقول هذا، لكن…..مالك سيفي الوحيد هو جلالة الإمبراطور، لا أحد سواه.”
وما إن نطق بتلك الكلمات، حتى دوت خطواته في القاعة، ثابتة وغاضبة.
وحين أوشك على مغادرة قاعة الاستقبال، انتفض رايان واقفًا وسحب سيفه من خصره.
ثم وجهه فجأةً نحو أقرب خادم.
‘تبًا..…’
وكانت ميلودي هي من تقف هناك.
تحولت إلى رهينة في لحظة، وعضّت شفتيها بقوة، كأنها تحاول أن تقمع رجفة الخوف.
برودة النصل وهو يلامس جلدها كانت كافيةً لتثير القشعريرة في كامل جسدها.
“حين يُخطئ القائد، يكون الدم من نصيب من تحته. إنه تقليدٌ ملكيٌ عريق، أليس كذلك؟”
فوجئ الخدم بالموقف وبدأوا يتراكضون بلا نظام. ثم همس رايان بصوت بالكاد يُسمع، وبنبرة فيها ازدراءٌ غليظ،
“حين ترى الدم، تفقد وحوش البشر عقلها…..أليس كذلك؟”
وعندها التقت عينا ديونيس به، وكانت حادّتين كالحديدة المصقول، فارتجف طرف السيف.
ثم تحرك النصل مبتعدًا قليلًا عن عنق ميلودي.
“أحضِروا السيف.”
قال ديونيس ذلك بأمرٍ قاطع، خالٍ من أي تردد. وحين خرج الفارس لتنفيذ الأمر، انخفض السيف أخيرًا عن عنقها.
‘يا له من وغد خسيس.’
لم تستطع ميلودي كتم ذلك الشعور الذي انفجر بداخلها. بينما ابتعدت على الفور عن رايان، موسّعةً المسافة بينهما.
مدّت يدها إلى عنقها تتحسّسه، ولحسن الحظ لم تجد أي أثر للدم، يبدو أن الجرح لم يكن سوى خدش بسيط على الجلد.
“أعتذر عن الفظاظة…..ما اسمكِ؟”
سألها رايان وهو يرسم ابتسامةً ودودة على وجهه، ثم أخرج منديلاً وناوله لها.
فاضطرت ميلودي لبذل جهد كبير حتى تُخفي التوتر الذي تجمد على ملامحها.
“ميلودي، سموّ ولي العهد.”
“تعلمين، لو لم أستخدم تلك الطريقة العنيفة، لما استجاب الدوق لكلامي. أتمنى فقط أن تدركي أنني لم أقصد أذيتكِ إطلاقًا.”
“…..كما تأمر، سموّك.”
بكلماته اللطيفة واعتذاره عن إخافتها، بدأ الجو يعود تدريجيًا إلى هدوئه.
و سرعان ما بدأ الكاهن يردد تعويذته، فتركزت الأنظار كلها عليه.
“واو..…”
انبثق ضوءٌ مقدّس من يديه، فتنهّد أحد الخدم بدهشة خافتة. فنادراً ما تسنّى للفقراء رؤية القوة المقدسة بأعينهم.
لكن ميلودي لم تستطع أن تُبعد عينيها عن ديونيس. فقد كان لونه يزداد شحوبًا لحظةً بعد لحظة.
وبعد أن صُبّت الطاقة المقدسة على أكثر من عشرة سيوف، غادر رايان أخيرًا القصر، برفقة الكاهن الذي بدا مرهقًا حدّ العجز عن السير باستقامة.
وأخيرًااختفى.
خرجت ميلودي من قاعة الاستقبال وهي تمسك بمنديل ولي العهد، ثم رمته ببرود داخل المدفأة.
***
“الجرح سطحي، لن يترك أي أثر على بشرتكِ.”
قالت آنا ذلك وهي تضع لها مرهمًا على رقبتها، بعد عودتهما مباشرةً إلى ورشة العمل.
و ميلودي، التي كانت تشعر برغبة جامحة في إطلاق سيل من الشتائم، تمتمت بمرارة،
“هذا…..مطمئن، على الأقل.”
“ألم تشعري بالخوف؟ لو كنت مكانكِ، لانفجرتُ بالبكاء. صحيحٌ أن العلاقة بين سيدي الدوق وولي العهد كانت دائمًا فاترة، لكن ما حدث اليوم…..لم يسبق لي أن رأيت شيئًا كهذا.”
“في الحقيقة…..بكيتُ قليلًا.”
قالت ميلودي ذلك وهي تمسح ما جفّ من الدموع على أطراف عينيها، لتلقي آنا نظرة شفقةٍ نحوها.
“أتقصدين أن هذا لم يكن يحدث في السابق؟”
“طبعًا لا. كان يزورنا من وقتٍ لآخر، يهدي بعض الهدايا، ويتحدثان وحدهما. صحيحٌ أن الجو بينهما كان دائمًا مشحونًا، كأنهما يمشيان على جليد رقيق، لكن لم تكن هناك مواجهةٌ بهذا العنف. في الحقيقة، كان الانطباع السائد أن سيدي الدوق هو من يكنّ العداء، بينما الناس قلِقون على مشاعر ولي العهد، ألا ينكسر قلبه.”
“لكن…..ألم تري ما فعله اليوم؟! جاء ليتظاهر بأنه يبارك السيوف، وانتهى الأمر بمحاولة تهديد وقتل!”
“…..ماذا؟ لكن بصراحة، لقد بالغ الدوق كثيرًا. ومع ذلك، ولي العهد لم يغضب، بل ظل يقلق على قريبه…..على ابن عمه من دمه ولحمه.”
في خضم هذا الحديث غير المتوقع، رفعت ميلودي يدها تضغط على صدغها بحيرة وألم.
في قصة آنا…..بدا أن الشرير الحقيقي لم يكن رايان، بل ديونيس.
__________________
ياحرام يا ديونيس حتى خدمه ظالمينه 😭
يع وش شخصيات الروايه ذي الكاهن ذاك ذاه الي في البدايه يقول اجلديني مارْوخي والحين ولي العهد يقرف
شكل ديونيس هو الوحيد الطبيعي بينهم✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 9"