كان استهلاك الدواء سريعًا بقدر سرعة صناعته، ولأن رايون هو من كان يوزّعه بنفسه فقد كان تأثير ذلك أكبر، أما صانعو الأدوات السحرية فكان يكفيهم مجرد التصنيع.
حتى ميلودي كان عليها أن تبقى عالقةً في المعمل بلا انقطاع.
وحين خرجت ميلودي بعد زمن طويل من المعمل، رفعت رأسها للحظة تتأمل السماء البعيدة.
كان إنتاج العلاج قد شارف على الانتهاء، وأخيرًا حصلت على فسحةٍ تسمح لها بالعودة إلى قصر الدوق.
رفعت يدها لتستدعي عربة، لكن عند طرف الزقاق كانت هناك عربةٌ متوقفة بالفعل.
“دوق.…؟!”
اقتربت ميلودي بخفقة قلب خفيفة من العربة، ولم تتعرف على من يقف أمامها إلا بعدما تقدمت بضع خطوات أخرى.
لكن لم يكن الشخص الذي توقعته هناك.
“سمو ولي العهد..…؟”
رآها رايون فأومأ برأسه قليلًا.
“كنت أمر من هنا، فمررت للحظة.”
“إلى هنا بالذات؟”
كان المستودع قائمًا في مكان منعزل عند الميناء، بعيدًا عن الأحياء السكنية.
قد يكون جاء لتوزيع الدواء على المصابين هنا، أو لعلّه أراد أن يرى كيف يُصنع. وبعد أن استقرت على ذلك في ذهنها سألته ميلودي،
“أتود الدخول لترى الداخل؟ فما زال بعض العاملين يواصلون العمل.”
“ما حاجتي لرؤية ما لا أعرف؟ اصعدي، لديّ ما أقوله.”
“نعم.…؟”
“يمكننا الذهاب إلى أي مكان آخر.”
“إذاً، هلّا تتفضل بإيصالي إلى قصر الدوق؟”
“حسنًا، سنفعل ذلك.”
وبما أنها كانت تعزم على العودة أصلًا، فلم يكن لديها طاقةٌ لاستدعاء عربة أخرى ولا سبب لرفض لطفه.
وما إن صعدت حتى حياها المساعد الجالس داخل العربة.
“ألا بأس مع انشغالكِ؟”
“أنتَ أرهقتَ نفسكَ أكثر مني يا سمو ولي العهد.”
في تلك الأيام كان رايون يذهب يوميًا إلى أحياء الفقراء ليوزع الدواء بنفسه، وبفضله أخذ عدد المرضى يتناقص بوضوح.
وبذلك راحت المقالات المشيدة به تتوالى يومًا بعد يوم، غير أن ميلودي شعرت أن الأمر لم يكن بسبب ذلك وحده.
“…..لا خيار لي إلا الاستمرار. الناس يبكون عند رؤيتي. لو أنكِ أفسدتِ صنع الدواء لما اضطررتُ لكل هذا العناء، لكنكِ جعلته صالحًا وفعالًا، فأصبح الأمر هكذا.”
ابتسمت ميلودي في مواجهة تذمره.
“فهل تقبل اعتذاري الآن؟”
“أنا لست رجلًا ضيق الصدر، ألم أقل منذ البداية أني عازمٌ على مسامحتكِ؟”
ثم قطّب جبينه وأكمل،
“لقد أنقذتِ حياتي. ولم تكتفي بذلك بل واصلتِ السعي لأجلي.”
عند تلك النقطة تعمّقت التجاعيد بين حاجبيه وكأن أمرًا ما يزعجه، ثم سأل بصوت بدا مترددًا بعض الشيء،
“هل ما تفعلينه لأجلي، سببه أنكِ تحملين لي مشاعر أخرى؟ كالحب مثلًا؟”
“ماذا؟ لا، أبدًا، قطعًا لا.”
“قطعًا؟”
“نعم!”
“…….”
فما كان من رايون إلا أن ضم شفتيه في امتعاض أمام جوابها القاطع، و ظنت ميلودي أنه ما زال يشك بها، فتابعت حديثها.
“أنا، مجردُ عامية، كيف لي أن أجرؤ على حمل مثل تلك المشاعر نحو سموك؟ حتى لو وُضِع السيف على عنقي فلن يحدث ذلك أبدًا.”
“أجل…..يا لها من نعمة حقًا.”
قال ذلك وملامحه متشنجة على نحو غريب.
كانت العربة قد دخلت الشارع الرئيسي للعاصمة، وبعد برهة من الصمت نطق أخيرًا،
“لقد استدعاني جلالته. أراد أن يُثني على ما قمت به في كبح الوباء.”
كان في وجهه مزيجٌ غريب من الزهو والمرارة، ثم سرعان ما محا تعبيره وأكمل،
“صحيحٌ أن الأمر بدأ بإلحاحكِ، لكن قبولي به لم يكن قرارًا خاطئًا، أليس كذلك؟ على كل حال، يبدو أنكِ ساعدتني قليلًا.”
“إن كان فيما فعلتُ نفعٌ لكَ يا سمو الأمير، فهو شرفٌ لي.”
“ولذلك أنوي أن أمنحكِ مكافأة.”
ناولها رايون ظرفًا ذهبيًّا. و للحظة خالجها خيبة أمل من رقة سُمكه، لكن ما إن فتحته حتى اتسعت عيناها دهشة.
“إنها دعوة لحفل تأسيس المملكة؟!”
“لقد قدّر جلالته عاليًا صنيعكِ؛ إذ أقمتِ الحاجز من جديد في أرض الحملة، ثم صنعتِ علاجًا للوباء، فأمر شخصيًا بدعوتكِ.”
“لكني لم أفعل ذلك وحدي.”
“لكن، وحدكِ من أنجزتِ الأمرين معًا.”
أدركت ميلودي سريعًا ما يعنيه. و شعرت بوخزة في قلبها لعدم قدرتها على حضور الحفل مع باقي صانعي الأدوات السحرية.
لكن مجرد حضور صانعةٍ مثلها في مثل ذلك الحفل سيحدث ضجة، فهو إعلانٌ ضمني بأن الإمبراطور قد اعترف بقيمة الأدوات السحرية.
ثم أشار رايون بطرف إصبعه إلى بطاقة الدعوة،
“لم تحضري حفلًا من قبل، أليس كذلك؟”
“نعم، يا سمو الأمير.”
“كنت أعلم. والحفلات عادةً ما يَصْحَبُها شريك.”
شريك؟
رمشت ميلودي بعينيها في ارتباك أمام الكلمة الغريبة، بينما أكمل،
“سأكون أنا شريككِ في هذه المرة. وذلك سيكون جائزتكِ.”
“مستحيل!”
وقبل أن تتمكن ميلودي من إضافة شيء وقد اجتاحتها المفاجأة، دوّى صوت المساعد الذي كان جالسًا في زاوية العربة، بالكاد يلحظ وجوده أحد،
“مع آنسة غير متزوجة؟ وفوق ذلك من عامة الشعب مثل الآنسة ميلودي؟ قد تثيرون الكثير من الأقاويل.”
أليس الإمبراطور شوفالد نفسه ما يزال هدفًا للتجريح بسبب والدته العامية؟
وإن ظهر ولي العهد بدوره برفقة فتاة من العامة، فلن يغضّ النبلاء الطرف عن ذلك أبدًا.
استغلّت ميلودي ارتباك اللحظة ولم تفوّت فرصة التهرّب،
“صحيح، يا سمو الأمير. قد يكون في ذلك إساءةً إلى الآنسة النبيلة التي ستخطبها.”
“…..خطبة؟”
في تلك اللحظة، تشوّه وجه رايون بتعبير غريب، كأنه يسمع كلمة الزواج للمرة الأولى في حياته.
و بدا الارتباك عليه واضحًا وهو يحدّق بها في شرود، ثم تمتم بصوت خافت،
“صحيح…..يجب أن أتزوج.”
كان في صوته رجفةٌ غريبة وهو يقول ذلك،
“لكن، ألا ينبغي أن أمنحكِ جائزة؟”
“أعطني شيئًا آخر يا سمو الأمير.”
فكّرت ميلودي قليلًا ثم تابعت،
“سمعت أن في مكتبة القصر كتبًا عتيقة لا توجد حتى في المعابد. أود لو أُتيح لي الاطّلاع عليها.”
“كتب؟ أتكتفين بمثل هذا؟”
ارتفع حاجب رايون في استغراب، لكن ميلودي هزّت رأسها بحماس شديد.
“بالطبع يا سمو الأمير. لو تمكنت من قراءة تلك الكتب فلن تكون هناك جائزةٌ أثمن عندي.”
كانت العربة قد توقفت أمام قصر الدوق، فأنزلها رايون عند المدخل،
“حسنًا، سأسمح لكِ باستخدام المكتبة.”
“أشكر سموكَ على هذا الفضل.”
“ادخلي الآن. كح…..ليس أني أمتنع عن مرافقتكِ إلى الداخل بسبب ديونيس، بل لأني مستعجلٌ إلى أحياء الفقراء فحسب.”
قال رايون ذلك بلهجة مرتبكة بعض الشيء، ثم صعد إلى عربته من جديد.
“سنلتقي في الحفل إذاً.”
وغابت عربة ولي العهد مبتعدة.
‘مكتبة القصر…..سأتمكن حقًا من دخولها!’
ثم دخلت ميلودي القصر بوجه يفيض حماساً.
***
أما رايون، الذي ودّعها، فقد اتجه مباشرةً إلى أحياء الفقراء. و كان ذهنه ضاجًّا بأفكار حول موضوع الزواج، لكن يديه المتمرّستين واصلت توزيع الدواء بدقة.
كان يعلم تمامًا أن بلوغه العرش يستوجب زواجًا سريعًا من ابنة عائلة قوية ونافذة. حتى أنه لم يكد ينسى حديثه الأخير مع والده في هذا الشأن.
ومع ذلك، كان في داخله نفور غامض من الأمر.
“وما هذا الآن؟”
رفع ريان رأسه وهو وسط توزيع الأدوية، فإذا بصف طويل من العربات ذات الرايات البيضاء يدخل إلى الحي الفقير.
فأسرع المساعد المرافق ليتحقق من الأمر، ثم عاد مطلقًا تنهيدةً ثقيلة،
“المعبد أيضًا بدأ نشاطه الإغاثي.”
فضاق نظر ريان بغتة.
“الآن فقط؟ وبأي وسيلة صنعوا الدواء؟”
“ألستَ أنتَ من أطلعهم شخصيًا على طريقة التركيب أثناء الحملة، يا سمو الأمير؟”
فعقد رايون لسانه على نبرة استياء وأصدر صوت نقر.
كان من الطبيعي أن يتدخل المعبد، فقد كان مسؤولًا أصلًا عن إدارة الأوبئة، بل إن تدخّله تأخّر كثيرًا، ومع ذلك استشاط رايون غيظًا.
“يعرفون العلاج منذ البداية ثم يتباطأون إلى هذا الحد قبل أن يظهروا؟ كم هو أمرٌ مشين.”
“صحيح. لكن من أين جلبوا الأعشاب؟ ألم يُقال أن أحدًا قد اشترى كل ما هو موجود في الأسواق؟”
“المعبد يملك بيوتًا زجاجية لزراعة الأعشاب، فلا بد أنهم جلبوها من هناك. والآن سيستحوذون على كل الفضل. سيُقال أن القضاء على الوباء كان بفضل المعبد، لا بفضلي وحدي.”
“لا تقلق يا سمو الأمير. أولئك الفقراء لن ينسوا أبدًا يدكَ التي امتدت إليهم في أحلك الظروف.”
قال المساعد ذلك وهو يشير إلى وجوه سكان الحي الفقير.
_______________________
المعبد كأنه شرطة الأفلام يجون بعد ماتدمرت المدينه وماتوا ثلاث ارباع الشخصيات😃
المهم المؤلفة متى ناوية تركز على ميلودي وديونيس؟🥰
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 84"