خرجت ميلودي من بعد زمن طويل، ورفعت بصرها قليلًا نحو السماء البعيدة.
كان العمل يجري على ما يرام. فقد حُلّت مشكلة نمو عشب الظلام، ولن يمر يومٌ أو يومان حتى يتمكّنوا من صناعة الدواء.
عندها، سُمعت أصوات حوافر تقترب، وإذا بفارس يمتطي حصانًا يتقدّم نحوها.
إنه ديونيس. وقد كان مرتديًا معطفًا أسود.
“من حسن الحظ أني وجدتكِ بالخارج.”
لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أيام على آخر لقاء، ومع ذلك لمعت عينا ميلودي لرؤيته بلا شعور.
“ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟”
“تعالي معي قليلًا.”
“إلى أين…..؟”
لم يُجبها، بل مد يده نحوها.
“أتعرفين ركوب الخيل؟”
“لا.”
وضعت ميلودي يدها في يده، وما إن فعلت حتى وجدت نفسها مرفوعةً إلى ظهر الحصان دون أن تدرك كيف. وقد كان أعلى بكثير مما تخيلت.
ثم ناولها اللجام،
“تمسكي جيدًا.”
“إلى أين سنذهب فجأة؟”
“من الأفضل أن تري بعينيكِ.”
انطلق الحصان يعدو بسرعة متزايدة، ففزعت ميلودي وأحاطت عنق الحصان بذراعيها.
“آآه!! إنه سريعٌ جدًا!”
“لا تنحني، ارفعي ظهركِ مستقيمًا.”
“لو استطعت رفعه لما انحنيتُ أصلًا..…!”
فشلت محاولتها في الاعتدال فشلًا ذريعًا. وعندما بدأ الحصان يخفف سرعته، أحست بديونيس يقترب منها أكثر.
“اتركي ذلك، واستندي إليّ.”
كانت يده الكبيرة تمسك كتفها وتشدها نحوه. فظلت متشبثةً بلِبَد الحصان كما لو أنه حبل نجاة، حتى تمكنت أخيرًا من الاتكاء عليه.
وعندما استندت إلى صدره الصلب، تمايل جسدها بلا اتجاه، و وجدت في ذلك شيئًا من الطمأنينة.
ثم أدركت أنها محتواةٌ بين ذراعيه وجسده، بينما كان دفؤه المتسلل يزيد ارتباكها.
“لقد وصلنا.”
هبط صوته فوق نبض قلبها الذي لم يهدأ بعد.
كانوا قد بلغوا تلةً تُشرف على أحياء الفقراء في أطراف العاصمة.
“انظري هناك.”
“يا إلهي..…”
حبست ميلودي أنفاسها أمام المشهد المنبسط أمامها. فحتى من بعيد كان المرضى يملؤون الطرقات. ومن بينهم من بلغ بهم المرض مراحل متقدمة.
‘لكن تقرير رايون لم يذكر شيئًا كهذا…..’
كل ما كتب فيه أنّ بعض الأعراض بدأت بالظهور، وكأن الوباء في بدايته فقط.
“وفي مثل هذا الوضع، ماذا يفعل المعبد؟”
“لا شيء.”
ألم يكن سبب نشر الوباء هو توزيع الدواء على المصابين؟
تحدّث ديونيس لميلودي التي ارتسم الارتباك على ملامحها،
“من الأفضل أن نُسرع في توزيع الدواء.”
***
أحياء الفقراء. بعد أن تجاوز انتشار المرض الشهر، لم يعد على وجوه الناس غضبٌ بل استسلام مألوف.
المعبد أغلق أبوابه بإحكام، واكتفى برفع الأماني دون أن يقدم أي عون. بينما في الأزقة الضيقة ترددت أصداء السعال.
“لسنا حتى بشراً في نظرهم.”
لم يعد الناس يرجون الشفاء، بل استلقوا في خيامهم رافعين ببصرهم إلى أصابعهم التي أخذت تتصلب شيئًا فشيئًا.
في تلك اللحظة توقفت عربة. وقد رفرف لواء ولي العهد تحت الشمس.ى
“مهلاً، أليست تلك راية العائلة الإمبراطورية؟”
“مستحيل. ما الذي قد يجلب أحد أفرادها إلى هذا المكان؟”
ثم فُتح الباب ونزل منها رجلٌ وسيم ذو شعر أزرق. بدا أن ثيابه من أقمشة فاخرة، وعلى ردائه المطرز تألق شعار الشمس الإمبراطورية.
فالتفتت إليه أعين الناس.
“ذلك الرجل هو..…”
“أيمكن أن يكون…..صاحب السمو ولي العهد؟”
“لا، لا يمكن.”
“لكن انظروا إلى الشعار. لا يُسمح باستعماله إلا للأسرة الإمبراطورية.”
وبينما يتهامس الناس، ارتفع صوت مساعده،
“هذا هو ولي عهد الإمبراطورية، صاحب السمو رايون هارتسفيلد فالكاراس! أظهروا الاحترام جميعًا!”
“حقًا! ولي العهد بنفسه جاء إلى هنا؟!”
هبّ الناس إلى النهوض من أماكنهم، وأكثرهم بين الشك والتصديق، لكنهم انحنوا احترامًا.
تأمل رايون أولئك الجاثين أمامه، ثم التفت إلى مساعده،
“أبلغ المرضى أن يخرجوا لتلقي الدواء.”
“سموك، قد يصعب على بعضهم الحركة.”
“فليخرج أقرباؤهم إذاً.”
“لكن، أليس من الأفضل أن تتفضل بتوزيعه بنفسكَ؟”
لم يسمع الناس المنحنون هذا التبادل الخافت بينهما، لكن بعضهم بدأ يرفع رأسه واحدًا تلو الآخر.
وبينما تردّد الجميع، تقدم رجلٌ رثّ المظهر لم يطق فضوله صبرًا.
“هل أنتَ حقًا صاحب السمو ولي العهد؟”
ارتفعت شهقاتٌ متفاجئة لجرأته على مخاطبة فرد من العائلة الإمبراطورية. غير أن الرد جاء بخلاف المتوقع، هادئًا مطمئنًا.
“نعم. أنا ولي عهد هذا البلد. وقد جئت بنفسي لأمنحكم الدواء. فليبقَ المرضى في أماكنهم…..وسأوزعه عليهم.”
“الدواء..…؟”
“ألم يقولوا أن ولي العهد أنقذ المصابين بالمرض في الحملة العسكرية أيضًا؟”
“صحيح، سمعت بذلك أنا أيضًا!”
وبدأ الناس يتهامسون متجمعين من حوله.
“سموك، يمكنكَ البدء من هنا.”
قال المساعد ذلك، فأومأ رايون برأسه وبدأ يخطو. لكن قدمه غاصت في الوحل، فتوقف متردّدًا.
“صاحب السمو ولي العهد يوزع الدواء!”
همس أحدهم، وما لبثت كلماته أن انتشرت من فم إلى آخر. أما رايون فمشى بخطى هادئة نحو الأرض اليابسة.
“خذيه.”
ناول أول عجوز قريبة منه جرعة دواء، فأخذتها وهي تبكي مكتومة العبرات. و كانت يداها المجعّدتان ترتجفان بلا توقف.
“شكرًا لكَ، شكرًا لكَ يا سموك.…!”
رفعت العجوز بصرها إليه، وفي عينيها امتلأ المشهد بمهابة وامتنان غامر. وبدأ الآخرون جميعًا ينظرون إليه وكأنه مُخلّص.
ثم وقع بصر رايون على طفلة نحيلة تسعل بلا توقف. فانحنت المرأة الجالسة بجواره مستغيثةً بصوت مبحوح،
“سموك، ابنتي…!”
أخرج المساعد جرعة دواء، لكن رايون مد يده وأخذها منه بنفسه.
“حسنًا، سأعطيكِ دواءً.”
اقترب منهم، وتردد قليلًا قبل أن يركع على ركبته وسط الوحل ويلاقي عيني الطفلة.
“ستكونين بخير.”
ضجّ المكان بالهمس حين رأوا ولي العهد بهذا القدر من الرحمة. وانفجرت أم الطفلة بالبكاء.
“أشكركَ جزيل الشكر سموك..…ولتحفكَ بركة السماء..…”
نفذت الأدوية التي جُهزت بسرعة، بينما كان رايون يتأمل الوجوه التي ارتسمت عليها البهجة.
حين جاء أول مرة إلى هنا، بدا له كأنه يرى ما لم يره من قبل.
“لماذا لم يغادر هؤلاء إلى أماكن أخرى؟”
سأل، فأجابه مساعده،
“معظمهم فقدوا ديارهم حين تحطم الحاجز فاجتاحت الوحوش حياتهم.”
تقلص ما بين حاجبيه قليلًا.
حينها، اقترب منه طفلٌ تعافى بعد أن تناول الدواء، ومدّ نحوه شيئًا صغيرًا.
“شكرًا لك يا سموك. هل تقبل هذا منّي؟”
“تنحّوا!”
“لا بأس.”
أبعد رايون حراسه الذين وقفوا أمامه، ثم سأل الطفل،
“ما هذا؟”
“إنه أفضل ما أملك. أود أن أهديه إليكَ.”
كان ما يقدمه الطفل بروشًا مفقود الحجر.
“لا حاجة لي به.”
وحين ارتسمت الخيبة على وجه الطفل، أضاف رايون،
“عندي الكثير من الأشياء الثمينة، فإن أردت أن تقدم لي شيئًا، فليكن مما لا يُشترى بالمال.”
غادر الطفل، بينما نظر المساعد إلى رايون بوجه متململ،
“سموك، كانت مجرد هدية من طفل. كان بإمكانكَ قبولها.”
“أفضل ما يملكه المرء…..لا يريد أن يُنتزع منه أبدًا، أليس كذلك؟”
عند سماع هذه الكلمات، تغير بصر المساعد قليلًا وهو ينظر إلى رايون.
في اليوم التالي، حين عاد رايون لتوزيع الدواء، اقترب منه الطفل نفسه، وهذه المرة قدّم له سوارًا مصنوعًا من سيقان العشب المجدول.
“هذا حقًا لا يُشترى بالمال.”
استلم رايون السوار ومنح الطفل قطعةً ذهبية.
“إنها جميلة. كالشمس.”
“لا تدع أحدًا يأخذها منكَ. استعملها بنفسكَ.”
أوصاه رايون، فركض الطفل مسرورًا وهو يلوّح بالعملة الذهبية نحو أمه.
“سيُسلب منه حتمًا.”
ثم تمتم رايون بذلك وهو يقطب جبينه.
***
“نحيي صاحب السمو ولي العهد.”
وبينما أوشك ما تبقى من دواء اليوم على النفاذ، ظهرت قافلةٌ من العربات يتقدمها الخيل.
لقد وصل صانعو الأدوات السحرية. وانشغلوا بنقل صناديق الدواء بسرعة.
ومن بينهم كانت ميلودي هناك أيضًا.
________________________
ديونيس يوم جا ياخذ ميلودي حسبته بيمشيها في مكان رايع لا ذاه جا يزيد همومها😭
و رايون بيشوف نفسه بعد ذا الفصل
بس يضحك ميلودي حرفياً جايه تزين اخلاق الابطال ثم خطتها انها تطق😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 81"