الثوب الكهنوتي الذي كان يغطي جسدها لا يزال مشبعًا برائحة المرض التي فاحت من الطفلة، وأطراف أصابعها كانت بلا إحساس كأنها تجمدت. و دقات قلبها كانت تقرع في أذنيها.
حين وصلت ليهلين إلى المدخل أمسكت بالعمود وأخرجت أنفاسًا مضطربة. وما إن أغمضت عينيها بقوة حتى عادت إلى ذهنها ذكريات ذلك اليوم.
كان ذلك حين عادت طلائع الاستطلاع، وفي اليوم التالي أخذت تعالج الجنود في موقع الحملة.
الجنود المصابون بجراح من الوحوش تدفقوا بلا انقطاع. و داخل الخيمة جثت ليهلين على ركبتيها، وجمعت قواها المقدسة في أطراف أصابعها.
خرج ضوء ذهبي خافت و دار في كفها وغطّى خصر أحد الجنود الممزق.
“ستكون بخير قريبًا. الألم سيزول…..”
ملامح الجندي التي كانت متشنجةً من الألم أخذت بالارتخاء شيئًا فشيئًا، وصار يتنفس بانتظام. حتى الفرسان الذين كانوا يحرسون المكان أطلقوا زفرة ارتياح، فابتسمت ليهلين بدورها.
“أشكرك يا كاهنة…..لقد نجوتُ بفضلكِ..…!”
قال الجندي ذاك وهو ينحني برأسه مرارًا. أما ليهلين فاستدارت تبحث عن المريض التالي.
لكن في تلك اللحظة—
“يا كاهنة، لا زلت أشعر بالدوار…..مرة أخرى فقط، يدكِ..…!”
تفحّصت ليهلين جراحه فإذا بها قد التأمت تمامًا. لكن الجندي مد يده إليها من جديد.
فالتفتت نحوه،
“الآن إن تلقيت المزيد من القوة المقدسة فسيجهد جسدكَ…..”
“أريد أن أشعر بذلك الدفء مرة أخرى…..فكلما أغمضت عيني أرى الوحوش…..أرجوكِ، فقط قليلًا بعد…..”
و اضطرت ليهلين أن تمد يدها إليه. لكن عندها، أخذت بقع حمراء تنتشر على وجه الجندي، وبدت عيناه تصطبغان بحمرة قاتمة.
يده التي أمسكت بها سخنت واحترّت، ثم أصبح ظهر يده يتصلب كالحجر.
وحين شعرت بالاختلال الغريب ينتشر من أطراف أصابعها، تراجعت بغريزة.
“آه…..أااه….هذا مؤلم….هذا مؤلمٌ حقاً..…!”
صرخ الجندي متألمًا.
“هـ….هذا…..ما الذي يحدث..…؟”
بينما تجمدت ليهلين تحدّق به وهو يتلوى بالألم، غير قادرة على فعل شيء.
عندها اقتحم بينيديكت الخيمة متأخرًا. وما إن حاول أن يتدخل حتى دوّى صوت الجندي كزئير،
“ماذا….فعلتِ بي.…!”
رمق ليهلين بعينين مليئتين بالحقد. و سال الدم الأسود من فمه، وسرعان ما غطّى الاحمرار القاتم كامل عينيه.
“ليهلين، تراجعي!”
صرخ بينيديكت وهو يستدعي الفرسان المقدسين ويحتضنها. وما هي إلا لحظات حتى هاجم المصاب بمرض التحوّل كالوحش، ومع تعالي صليل المعدن مرات عدة، هوى أخيرًا صامتًا فوق الطين.
وقد تلطخت يد ليهلين بقطرات حمراء.
“لقد عالجته بنفسي، فكيف…..”
حدقت في الجندي الملقى. و أصابعه التي كانت تمسك بيدها تصلبت وصارت كالحجر.
“لم أستخدم سوى القوة المقدسة…..فكيف حدث هذا…..”
فردّ بينيديكت وهو ينظر إليها وهي ترتجف،
“السحر يتعارض بطبيعته مع القوة المقدسة. لعل الجندي استخدم أداةً سحرية قبل أن يتلقى العلاج، فنتجت هذه الآثار الجانبية.”
هل استخدم ذلك الجندي أداةً سحرية أيضًا؟
نظرت ليهلين مندهشةً إلى راحتها. و الضوء الذي كان دافئًا بدا لها غريبًا الآن.
“يا كاهنة؟”
أعادها الصوت إلى وعيها فجأة. و التفتت، فإذا بكونتيسة فيلوود، والدة الطفلة، واقفة هناك.
“كيف حال ابنتي؟”
لم تستطع ليهلين أن تنطق بأي جواب. عندها سُمع صوت بينيديكت،
“حالها ليس جيدًا، ومن الصعب أن تُظهر تحسنًا خلال يوم واحد فقط. سأواصل المجيء والاهتمام بها.”
“آه…..شكرًا جزيلًا. لتكن حماية المعبد معكم!”
بعد ذلك لم تعد ليهلين تتذكر كيف غادرت قصر فيلوود.
وبعد أيام قليلة من العلاج وصلها خبر وفاة ابنة الكونت.
جلست في قاعة المعبد وهزّت رأسها محاولةً أن تتخلص من منظر ظاهر يدها التي أخذت تذبل وتجف.
لكن كلما حاولت، تعاقبت على خاطرها وجوه الجنود الذين ماتوا في موقع الحملة ووجه ابنة الكونت فيلوود. و لم تستطع أن تهدّئ قلبها أبدًا.
وفي طريق عودتها إلى مسكنها غيرت وجهتها إلى قاعة المعبد.
كان هواء رواق المعبد دائمًا هادئًا، لكن في ذلك اليوم كان أثقل من المعتاد.
وبينما كانت تخطو نحو الداخل توقفت أمام باب كبير الكهنة. فقد كان ثمة صوتٌ منخفض وجاد يتسرب من الداخل.
“كما قلت…..لقد نجحنا في نشر الوباء باستخدام حجر الشَفَق الأزرق.”
كان صوت بينيديكت. فتوقفت قدماها في مكانهما. ثم تلا ذلك صوت كبير الكهنة،
“لو لم تكن هناك مثل هذه الفوضى، فهل كانوا سيشتاقون بصدق إلى وجود المعبد؟”
ارتجف قلب ليهلين كأن شيئًا سقط داخله بثقل.
في الغرفة حيث نُصبت تماثيل المعبد، جلس رئيس الكهنة سيريل خلف طاولة تغطيها الأوراق ولهيب الشموع المتشابك.
***
“لقد أغلقنا قسم صناعة الأدوات السحرية، وفسخنا العقود مع صانعيها.”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي سيريل عند سماعه تقرير بينيديكت.
“أخيرًا اقتُلعت الضرس الموجع. كان أمرًا لا يُعقل منذ البداية. لا ينبغي لآلة تافهة تحاكي القوة القداسة أن تقع في يد أي كان.”
تحدث برضا ثم أخذ الأوراق التي قدمها له بينيديكت. وعيناه تقرأ بسرعة.
“…..انتشر داء التحوّل في أحياء الفقراء بالعاصمة؟”
أومأ بينيديكت برأسه.
“نعم. حوّلنا حجر الشَفَق الأزرق المشبع بالقوة المقدسة إلى مسحوق وخلطناه مع الطعام ووزعناه. ذلك الغبار الأزرق الشفاف لا يُرى بسهولة. والنتيجة كانت مؤكدة. لقد عدتُ للتو بعدما رأيت بعيني انتشار داء التحوّل في أحياء الفقراء.”
ظل سيريل يحدق بالأوراق لبرهة. بينما تسرب ظلام أشد قتامة من حبر الورق إلى عينيه.
“سيغدو ما خارج المعبد جحيمًا.”
قال ذلك وكأنه لا يعني شيئًا يُذكر.
“لكننا اكتشفنا أن مقدارًا كبيرًا من حجر الشَفَق الأزرق المخزن في المستودع قد اختفى.”
“ومن عساه يأخذ حجرًا لا ينفع من لا يملك قوةً مقدسة؟”
“لقد تُرك لفترة طويلة، لذا يصعب تحديد الفاعل. وكان مخزنًا مع مواد صناعة الأدوات السحرية، فربما أُزيل مع إزالتها.”
“ابحثوا عنه بدقة. سنحتاج إلى أكبر قدر ممكن من حجر الشَفَق الأزرق من أجل هذا العمل. هل يهتم القصر الإمبراطوري إن مات بعض الفقراء؟ عليهم أن يخسروا المزيد حتى يدركوا اليأس حقًا.”
سخر سيريل، وما زالت أسنانه تصطك كلما تذكر نظرات ولي العهد وهو يزدريه من الأعلا.
“لو لم تكن هناك مثل هذه الفوضى، فهل كانوا سيشتاقون حقًا إلى وجود القداسة؟”
وصل ذلك الصوت المنخفض الكئيب واضحًا إلى مسامع ليهلين الواقفة في الردهة. و لم تستطع البقاء هناك أكثر، فانسحبت بهدوء دون أن تلتفت خلفها.
وعند نهاية الرواق حيث يتساقط ضوء القمر، توقفت واضعةً يدها على فمها تكبح شهقتها.
‘المعبد…..تعمّد نشر الوباء؟!’
شعرت وكأن كل ما آمنت به حتى الآن ينهار أمامها.
“لا….هذا غير ممكن…..”
تراجعت ليهلين بضع خطوات، وأطراف أصابعها أخذت تبرد شيئًا فشيئًا.
كبير الكهنة الذي كانت تؤمن بأنه الأعدل والأنقى، كان يترك الناس يموتون.
لم يكن ذلك خلاصًا، بل مذبحة.
لكن إن كان الأمر كذلك—
“إذاً أنا..…”
فقد كانت بيديها نفسها قد قتلت الجندي، أو ما يشبه ذلك.
“آه..…”
وحين أدركت تلك الحقيقة، انهار جسد ليهلين بلا حول.
________________________
ياعمري ليهلين ما استوعبت شي 😔
المهم الحين تأكدت انها مب تستس✨ عشان كذا لو ان اهفين يسترجل ويحبها هي كان احسن
باقي الحين تروح لميلودي 🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 80"