“أعلم. أنا أدرى بتلك الفتاة منكَ، فلا تتظاهر بالمعرفة. هذا يثير اشمئزازي.”
أطبق ديونيس شفتيه واكتفى بالإيماء بصمت.
فاقترب والد ميلودي خطوةً إضافية، وصوته يتشح بحدة قاتلة وهو يهدده،
“لو مسستها ولو بأطراف أناملها..…”
“لن ألمسها. مطلقًا.”
قال ديونيس ذلك بثبات وهو لا يحيد بنظره عنه. عندها خفّت حدة بصر والد ميلودي كأنه يقيس شيئًا ما، ثم انخفض بصره نحو الأسفل.
“…..هل بجسدكَ علةٌ ما؟”
“إنه بسبب السحر.”
ساد صمتٌ ثقيل للحظة، ثم أدار والد ميلودي رأسه نحو البقعة التي تحطمت فيها الأرض تحت وطأة قوة ديونيس.
“قوة غاشمة فحسب. وقوة لا تعرف كيف تُدار، ليست إلا خنجرًا مسلّطًا.”
“…….”
“لا تُفكر أبدًا بلمس شعرةٍ منها.”
لم يُجبه ديونيس. و ذلك الصمت بدا أكثر إزعاجًا، فحدّق فيه والد ميلودي بوجه متجهم.
“ولماذا لا ترد؟”
“إن كان همّكَ أنني قد ألمسها…..فالعودة ومراقبتها بنفسكَ هو الحل.”
لبرهة، اضطربت ملامح والد ميلودي بوضوح. ثم زفر تنهيدةً ثقيلة وهو تمتم بصوتٍ خافت،
“…..ليس بعد. لم يحن بعد.”
لم يفهم ديونيس عمّا يتحدث، لكنه لمح على وجهه ظلًا من الحزن و سرعان ما انطفأ.
“تباً، لقد تأخرت كثيرًا.”
ثم استدار مغادرًا، لكن ديونيس أمسك بذراعه بلا انفعال.
“إلى أين تذهب؟”
“أتريد منعي؟”
“بعد أن رأيتكَ، لا أستطيع أن أدعكَ ترحل هكذا.”
كان يعلم أن ميلودي تنتظره، لذا لم يكن ليستطيع تركه وشأنه.
قال أنها مسألةٌ عائلية، لكنه لم يبرر اختفاءه، وديونيس لم يكن يملك إلا أن يزن الأمر بما يراه في صالح ميلودي.
“انظر هناك، ميلودي!”
بعفوية التفت ديونيس نحو الكوخ، وما إن ارتسمت ابتسامةٌ ساخرة على فمه حتى تجمّدت أطرافه، كأنها قُيّدت بالجليد.
لقد كانت تعويذة تقييد.
“متى…؟!”
لم يستوعب كيف حدث الأمر بهذه السلاسة. لقد كان الرجل يتحكم بسحره بدقة استثنائية، يعرف كيف يوجّهه ويكبحه بمهارة لا تقارن.
“فلنأمل ألا نلتقي مجددًا هنا!”
ثم قفز والدها بجسده إلى الظلام، ليختفي أثره سريعًا من مجال النظر.
بينما نهض ديونيس ونفض عن ثيابه الغبار، فإذا بالملابس التي أعطته إياها ميلودي قد صارت في حال يرثى لها.
ظل محدقًا طويلًا في العتمة التي ابتلعت خصمه، ثم عاد إلى الكوخ. و هناك، وقد بدا أنها استيقظت إثر الضوضاء، خرجت ميلودي بوجه نصف ناعس وشعر مبعثر.
“يا دوق..…؟ في مثل هذا الليل، إلى أين ذهبت.…؟”
ارتسمت بذاكرة ديونيس وصية والد ميلودي ألّا يخبرها بظهوره، لكن الأمر لم يدم طويلًا.
فهو لم يرد أن يخفي عنها شيئًا بعد الآن.
“لقد قابلتُ والدكِ.”
“…..نعم؟”
“أنتِ تشبهينه كثيرًا.”
فارتجفت عيناها غير مدركة لما تسمعه.
“أين…..أين هو الآن؟”
“حاولت أن أمسك به، لكني فشلت. لقد هُزمت.”
“ثم هذا الجرح…..”
“بدا وكأن لديه ما يجب أن ينجزه. و قال أنه يراقبكِ دائمًا.”
فتحت ميلودي الباب على عجل، وحدّقت بذهول في سواد الغابة، والدهشة والاضطراب يعلوان ملامحها.
لكن الخارج كان ساكنًا، صامتًا.
“هل بدا…..بصحة جيدة؟”
“نعم، للغاية.”
“…..يا للراحة.”
“نعم.”
“أشعر…..بشيء غريب..…”
انهمرت الدموع من عينيها بلا سبب مفهوم. و حاولت مسحها بكفها بخشونة، لكنها لم تتوقف.
عندها مد ديونيس يده. ولمس بكفه كتفها. كان لمسًا حذرًا، متردّدًا، ورغم أنه من فوق القماش، إلا أن دفء يده كان غريبًا وعميقًا.
“سأغفر لكَ خرقك للعهد. شكرًا…..لأنكَ أخبرتني عن أبي.”
ظل ديونيس يحدّق بها لحظة، ثم ضغط بكفه قليلًا على كتفها.
كان عطفًا غايةً في الحذر، لكنه حقيقي وواضح.
لم يُدركا كيف انقضى الوقت، وإذا بخيوط الفجر تتسلل من خلف النافذة.
مسحت ميلودي وجهها المنتفخ بالدموع، فشعرت براحة غريبة و قليلٍ من الخجل يتصاعد بداخلها.
“أنا…..بخير الآن.”
“صحيح.”
ظل بجانبها قليلًا، ولم يغادر إلا حين أصدرت معدتها صوتًا خافتًا بالجوع.
طنينٌ خفيف، طقطقة رقيقة.
انتشر في أرجاء الكوخ صوتٌ هادئ، حينها، وقف ديونيس عند المطبخ الصغير يقطع الجزر ويُقشّر البطاطس ليُحضّر طعامًا.
وما لبث أن ملأ المكان عبقٌ دافئ.
حين جلست إلى الطاولة، وُضع أمامها حساء. وعندما أخذت الوعاء لامست أطراف أصابعه أصابعها للحظة خاطفة، غير أن تلك اللمسة القصيرة أوقعت ارتجافًا في بريق عينيه.
وقلب ميلودي ارتجّ معها.
“إحم…”
فأطلقت سعالًا مفتعلًا لتغطية ارتباكها، ثم رفعت الملعقة وتذوقت الحساء. وقد كان لذيذًا حدّ الدموع.
“لم أتوقع أنكَ تجيد الاعتناء بالآخرين.”
“من اعتاد تلقي الرعاية، يُحسنها.”
قال ديونيس ذلك ببرود.
“أما أنا فلا أجيد الطبخ…..لكنني آكل أي شيء.”
“آنّا كانت تقلق دائمًا. تقول أنكِ لا تأكلين وجباتكِ في وقتها.”
“عندما أكون منغمسةً بالتركيز أنسى الطعام. لكنني حين ذهبت إلى قصر الدوق…..عرفت كم في الدنيا من أشياء لذيذة.”
“سأُحضر لكِ المزيد.”
“ماذا؟ طعامًا؟”
“كل ما تريدينه.”
فانفلتت منها ضحكةٌ قصيرة.
كانت ليلة واحدة فقط، وسقف واحد جمعهما، لكنها شعرت أنه صار أقرب إليها بكثير.
بعد أن أنهيا الطعام، أبعدت ميلودي ديونيس الذي أصرّ على أن يتولى الأمر بنفسه، ثم أعدّت الشاي.
أوراقه العتيقة لم تُعطِ أي طعم، ومع ذلك شرب ديونيس الكوب كاملًا دون أن يتفوه بكلمة.
“هل هو لذيذ؟”
“لا.”
كان جوابه الفظ كفيلًا بأن يُفجر ضحكةً أخرى من شفتيها.
“لنكتفِ بفحص الأداة السحرية ثم نغادر.”
أشارت ميلودي إلى الصندوق الموضوع في الخارج من أجل والدها.
كانت تعلم أنه لو جاء بنفسه فلن يهتم برسائلها، لكنها رغم ذلك أرادت أن تبلغه شعورها. ففتحت الغطاء ووضعت داخله الرسالة التي كتبتها في الصباح،
[سأكون في انتظار اليوم الذي تعود فيه سالمًا.]
وعندما استدارت، وقع بصرها على ديونيس واقفًا بصمت يحدّق بها.
فحدّقت فيه لحظة، ثم تابعت خطواتها. بينما نبض قلبها أسرع قليلًا.
***
في عربة العودة إلى قصر الدوق، وعلى آخر منعطفات الطريق الجبلي المتعرج، تحدثت ميلودي،
“دوق…..هل يمكن أن تُنزلني عند المعبد في طريق العودة؟”
“لماذا؟”
تحت وطأة السؤال الذي طالب بتفسير، فتحت فمها،
“أردت لقاء العاملين في قسم صناعة الأدوات السحرية. بعدما علمت أن أبي بخير…..فلن أجد سببًا آخر للذهاب قريبًا.”
“إذًا ذهابكِ إلى المعبد كان من أجل أخبار والدكِ؟”
“نعم…..في الحقيقة، حتى قراري بالعمل هناك من البداية كان بسببه.”
“…..لابد أنك كنتِ قلقة.”
كلماته البسيطة تلك طعنت قلبها بخفة.
كم مرة ارتعبت كلما ذهبت للعمل خوفًا أن يكون والدها قد أُمسك به؟
ثم أزاحت عن نفسها ثقل المشاعر القديمة وهزّت رأسها.
“الآن كل شيء بخير.”
“صحيح.”
ألقى ديونيس نظرةً إلى النافذة، ثم أمر باختصار،
“إلى المعبد.”
فاستدارت العربة كما قال. وما لبث أن لاحت من خلف الزجاج قمة المعبد البيضاء شامخةً في الأفق.
“سأذهب وحدي إلى هناك.”
___________________
مدري بس ماظني روحك المعبد الحين زينه تو طاك مطنقر
المهم الفصل يجنن😔
ديونيس حتى وهو خايف يلمسها حط يده كتفها يواسيها😭🤏🏻
وميلودي شكلها بدت توقع؟ هعهعهعهعهعههههها
بس خسارة كان ودي يضمها وهي تبكي
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"