حين هزّ جسده بخفة، تناثر مسحوق نواة السحر التي كانت تُستخدم في التجارب وانسكب على الأرض مبعثرًا.
قنفض سيريل بحذر الغبار العالق على ثوبه الكهنوتي، غير قادر على إخفاء الجمود الذي ارتسم على ملامحه.
الرجل كان قديسًا. فمنذ كان سيريل كاهنًا مبتدئًا، ظل هذا الرجل في المعبد ينقل مشيئة المعبد. وحتى صعوده إلى منصب الكاهن الأكبر ما كان ليحدث لولا اختيار القديس.
لوّح القديس ميريل بيده، فانحسرت الأنوار من حولهم على الفور.
“يبدو أن الحملة لم تكن ميسّرة، أليس كذلك؟”
كان صوته لينًا، غير أن في أعماقه وقعًا مخيفًا. فارتعش جسد سيريل دون أن يشعر، بينما كان القديس يتأمل التجعّد المرتسم بين حاجبيه بابتسامة خفيفة.
“من ذا الذي أغضب خادم المعبد المخلص إلى هذا الحد؟”
جثا سيريل على ركبتيه أمام القديس مطأطئ الرأس. كان صوته يرتجف بحدة، مشبعًا بغضب مكبوت.
“أيها القديس، الأمر كله بسبب الأدوات السحرية. الناس لم يعودوا يلتمسون الخلاص من المعبد، بل من تلك الأدوات. ولي عهد الإمبراطورية يمدح صانعها، محاولًا النيل من كرامتي…..بل من كرامة المعبد ذاته. وهذا لا يختلف عن سقوط هيبة المعبد في التراب.”
قبض سيريل على أسنانه وتابع حديثه بانفعال.
“إذا ما انتشرت الأدوات السحرية في الإمبراطورية، ستتزعزع تعاليم المعبد ويخفت نوره. لا يمكن أن نسمح بذلك أبدًا.”
القديس حدّق بالكاهن الأكبر بهدوء، وبدت عيناه الذهبية كأنهما تخترقان أعماق روحه.
“هل أصحبت كاهناً للشرف يا ترى؟”
جاء صوته بارداً من وراء العتمة. و الهواء أثقله السكون، فأطبق سيريل شفتيه غريزيًا.
“…..لم أعنِ ذلك.”
أجاب بصعوبة.
“إنما أردتُ فقط إخماد الشرارة قبل أن تشتعل ناراً.”
“شرارة، تقول.”
“الأدوات السحرية وليدة الوحوش. فكيف يصل الأمر إلى حد تلقيب مجرد صانع عاجز عن حمل أي قوة مقدسة بـ‘القديسة‘؟ أليس هذا تجديفًا؟”
“أراك غاضباً بشدة، أيها الكاهن الأكبر. لكن عدو المعبد الحقيقي ليس تلك المرأة.”
وأشار بإصبعه إلى صدره.
“عدونا كامن هنا.”
ارتجّ جسد سيريل كأن سكينًا اخترقته. فقد باتت قوته المقدسة تضعف بوضوح في الآونة الأخيرة، ولم يكن وحده، بل حتى الكهنة الشباب أخذوا يخسرون قواهم المقدسة بلا صلة بشيخوخة أو وهن.
إنه اختفاء القداسة. وإن تلاشت القوى المقدسة تمامًا، فسيسقطون في هاوية الذل كمجرد بشر منبوذين من السماء.
ثم سأل بصوتٍ مرتجف،
“إذاً…..تريد أن نغض الطرف عن الأدوات السحرية؟ حتى وإن دُنسَت سمعة المعبد؟”
“هيبة المعبد لن يطيح بها شيءٌ تافه كهذا. وحتى لو ازدادت الأدوات قوة، يمكن ضبطها كما يُضبط السحرة.”
نظر إليه القديس بعين ثابتة وأكمل،
“نحن بحاجة إلى الأدوات السحرية الآن. فبرغم دنَسها وضآلتها، ستغدو كالطين الذي يُشكَّل ليصير آنيةً جديدة للنور. فلا تخشَ وانتظر الوقت، ساعة عودة المعبد الى مجده.”
“…….”
انحنى سيريل برأسه وغادر المعبد. غير أن وجهه كان لا يزال متجمدًا بالغضب.
فمهما كان حديث القديس مقنعًا، لم يكن المستهدَف بتلك الإهانات سواه هو. وهو لن يرضى أن يظل جالسًا متفرجًا على من يزدريه.
لقد تسلّق من حضيض الفقر والمهانة ليبلغ هذا المقام، كي يحيا حياة الرغد والإجلال التي يحسدها عليه الجميع.
و الحقيقة التي لم يعرفها أحدٌ هي أن صاحب السلطان الأعلى في المعبد لم يكن القديس، بل هو نفسه. إرادته كانت عينها مشيئة المعبد.
“يجب إغلاق قسم صناعة الأدوات السحرية.”
قال بينديكت ذلك بصوت منخفض وهو يراقب سيريل المنفجر غضبًا.
“قداستك، ماذا لو أريناهم الظلام الحقيقي؟ ذلك الظلام الذي لا يمكن لتلك الأدوات أن تبدده.”
“وما ذاك؟”
“نشر الوباء، يا مولاي.”
“تقصد داء التحوّل السحري؟ لقد فشلنا فيه بالفعل.”
“حتى لو وُجد علاج، فلن يُنقذ الجميع. سمعت أن عشبة الظل السوداء، المكوّن الأساس للعلاج، لا تُحصد سوى مرةً واحدة في السنة. فإذا زاد عدد المرضى على ما يتوافر من العلاج، فسيُجبر ولي العهد على الاختيار. أيُنقذ النبلاء أم الفقراء؟”
“سيختار النبلاء بلا شك.”
“نعم، وحينها سيحقد المحرومون من النجاة عليه، ويتجهون راجعين إلى حضن المعبد. بل وسيبغضون الأدوات السحرية التي تسببت بالداء.”
عند سماع تلك الكلمات، ارتسم بريق أمل على وجه سيريل.
سيموت كثيرون، لكنه لم يأبه؛ فهم في نظره مجرد أناسٍ لا قيمة لهم.
وبعد أن عقد عزمه، استدعى الكهنة في صمت.
***
بعد آخر حديث بينهما، أخذ ديونيس يتجنب اللقاء، حتى حان يوم العطلة كما هو.
و كان المطر ينهمر منذ الصباح بهدوء في هذا اليوم.
“سأوصلكِ.”
قال ديونيس ذلك وهو يظهر أمام ميلودي لحظة صعودها العربة التي أعدها كبير الخدم.
“لا داعي، أنا-”
“أنا أيضًا لا بأس عندي.”
لم يتركها تكمل جملتها، بل صعد العربة معها على الفور.
“طريقكِ في طريقي.”
“إلى أين أنتَ ذاهبٌ إذاً؟”
“لتفقّد الحاجز.”
“…….”
سارت العربة ساعاتٍ قليلة قبل أن تتوقف عند مشارف قرية صغيرة.
فنزل ديونيس بخطوات واثقة، متقدّمًا نحو الحاجز ليتفحّصه بنفسه. ولحسن الحظ، كان الحاجز ما يزال سليمًا متماسكًا.
“بخير إذاً.”
“يبدو أن الحاجزين في كالاو والعاصمة وحدهما قد تحطما.”
في أحداث الرواية، كان المعبد يدّعي أن الناجين من جماعات السحرة هم من جالوا يكسرون الحواجز.
غير أن الأمر لم يُذكر إلا عرضًا، إذ كان التركيز على المثلث العاطفي بين الأبطال وخيانة ديونيس.
“أحقًا ما حدث من فعل السحرة؟”
ساورها هذا الخاطر فاجتاحها شعورٌ مشؤوم يبعث على القلق.
لقد وجب عليها العودة سريعًا.
“إذاً، سيدي، أظن أن الوقت قد حان لأذهب وأستمتع بإجازتي.”
“……حسنًا.”
رغم سلامة الحاجز، ظل وجه ديونيس عابسًا غير راضٍ.
وكان المطر قد اشتد، فشدّت ميلودي قلنسوة رداءها إلى الأسفل، واتجهت نحو الغابة.
كان النهار غائمًا والظلال تغشي الغابة، وصوت خطواتها يختلط برنين الوحل تحت حذائها.
ربما المطر المتواصل الذي لا يتوقف، أو ربما إنهاك الرحلة السابقة لم يزل بعد، و جعل جسدها يثقل عليها ويترنح تعبًا.
كما أن اضطرارها للالتفاف بعيدًا بدلًا من الخروج مباشرةً من الحاجز زاد من مشقتها، فقد كانت تخشى أن يلحق بها ديونيس لو رآها تعبر أمام عينيه، متذرعًا بالحجج.
أخيرًا، حين خرجت من نطاق الحاجز، قبضت ميلودي على مطرقتها بإحكام. لكن الغريب أن الوحوش التي اعتادت أن تراها يوميًا لم تظهر على الإطلاق.
و فجأة انصرف بصرها إلى موضع ما. العلبة السحرية الكاشفة، التي كانت قد نصبتها فوق شجرة لرصد المارة، وقد كانت محطمة.
لقد صُممت لتسجيل مرور أي شخص بالقرب من المكان. لكنها حين تفحّصت الشظايا، أدركت أن التحطيم لم يكن بفعل وحش، بل بدا وكأنه نتيجة قوة متعمدة من الخارج.
فتسارعت خطوات ميلودي وهي تمسح المكان بعين حذرة. وحين وصلت إلى بيتها، ورأت الصندوق الذي تضع فيه الرسائل الموجهة إلى والدها وعليه أثر يد غريبة، انتفخ صدرها بموجة من الترقب.
‘لا يعقل…..!’
انحبس نفسها في صدرها. و قبضت بيد مرتجفة على الأداة السحرية.
كانت تقول لنفسها أن الأمر مستحيل، أن ذلك الشخص لم يكن من النوع الذي يظهر بهذه الطريقة.
ومع ذلك….
إن كان حقًا…..
إن كان حقًا قد عاد……
إن كان والدها قد عاد إليها.
_________________________
عاد إليها😔 دمعت رجعوا ابوها خلاااعص
ميلودي ماطلعت لها وحوش؟ ترا واضحه ديونيس تبعها😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 71"