كانت يد ميلودي تعبث بالمطرقة، لكنها سرعان ما انتقلت إلى الكتب. و انطلق منها إعجابٌ وهمس وهي تقرأ كتبًا عن دراسة رموز الرون.
وعندما رفعت رأسها مجددًا، كانت آنا تنظر إليها وهي تحمل صينيةً مليئة بالطعام.
“هل يمكنني أن أُحضّر لكِ العشاء الآن؟”
تفاجأت ميلودي ونظرت نحو النافذة. و كان الظلام الدامس قد حلّ في الخارج.
“متى غربت الشمس؟”
“قبل قليل.”
“آه، هل يمكنني أخذ العشاء إلى مقر إقامتي؟”
بدت آنا متفاجئة للحظة، ثم أومأت برأسها. فقد كانت غرفة ميلودي في المبنى الفرعي، على بُعد قليل من المبنى الرئيسي.
“نعم، سأضعه لكِ في سلة.”
“لكن…..لا يُمكنني أخذ الكتب معي، أليس كذلك؟”
“يجب أن تسألي السيد روهان أو كبير الخدم. عادةً لا يُسمح بإخراج الكتب من المكتبة.”
“همم، إذاً سأسأل الدوق بنفسي غدًا.”
يؤسفني تركهم هنا.
وبينما كانت تُقلب صفحات الكتاب مترددة، سألتها آنا بدهشة ووجه مصدوم.
“أأنتِ حقًا ستقابلين الدوق وجهًا لوجه؟!”
حين رمشت ميلودي بدهشة من ردّ الفعل وكأنها سمعت قصةً عن شبح، سارعت آنا لتوضيح كلامها.
“الأمر أن فرصة رؤية الدوق عن قرب نادرةٌ جدًا. حتى إن خرج من غرفته، لا أحد يتحدث إليه. وخادمة مثلي لن يكون لها فرصةٌ لمرافقته في حملات التطهير.”
نظرت إليها ميلودي بتمعن وهي تميل رأسها باستغراب.
“وماذا عن الطعام؟”
“السيد روهان هو من يوصله إليه. وهو أيضًا من يعتني بملابسه وزينته. أما التنظيف فلا يتم إلا حين يغادر الدوق الغرفة، وحتى عندما يخرج لا يرافقه أحدٌ تقريبًا سوى السيد روهان أو السائق..…”
“يبدو أن الدوق يثق بالسيد روهان كثيرًا.”
“لأنه الشخص الوحيد المسموح له بمرافقة الدوق عن قرب.”
لكن في الرواية، روهان خان ديونيس وانضم إلى ولي العهد.
وبينما كانت ميلودي تتذكر النهاية الوحيدة للدوق المنعزل، تابعت آنا الحديث بصوتها الهادئ.
“مع ذلك، أنا أحب العمل في قصر الدوق.”
“لماذا؟”
“لأنني أستطيع رؤيته ولو من بعيد. لو لم أعمل هنا، لكنت متُّ وأنا لا أعرف سوى إشاعات عن وجود رجل بهذا الجمال.”
كان كلامها منطقيًا. فصورة ديونيس تحت أشعة الشمس لن تغادر ذاكرتها حتى يوم وفاتها.
أومأت ميلودي برأسها ببطء.
“أتفق معكِ تمامًا.”
و عند ردها الحازم، ابتسمت آنا بخجل.
***
في اليوم التالي، توجّهت ميلودي إلى غرفة ديونيس بمجرد استيقاظها.
“هل أتيتِ؟”
كان ديونيس قد أنهى الاستحمام للتو، ويرتدي ثوبًا مريحًا وفوقه رداء.
ومع أنه بدا هادئًا، فإن معرفتها بما يعانيه من ألم جعلت مظهره يبدو هشًا في نظرها.
“…..كيف تتحمّل هذا كله؟”
“….…”
بعد لحظة صمت، فتح ديونيس شفتيه،
“أُطبِق أسناني…..وألعن هذا العالم؟”
رغم أن نبرته كانت أقرب للمزاح، إلا أن ميلودي لم تستطع أن تضحك.
كان من حسن الحظ أن الألم لا يتزايد بازدياد كمية المانا.
“على الأقل، سأقيس أولًا كمية المانا.”
بدأت ميلودي بعرض آلة إبطال السحر التي صنعتها طوال الليل.
“ها هي.”
ما إن ارتدى ديونيس الجهاز، حتى تحوّلت نواة الطاقة المستخدمة فيه إلى رماد ناصع وسقطت. فعبست ميلودي وجمعت حاجبيها.
“هذا ما يحدث عندما يتم إدخال مانا يفوق قدرة نواة الطاقة على الاحتمال. الجهاز لم يتمكن من امتصاص كل طاقة الدوق.”
أحضرت أولًا أداةً لقياس كمية المانا. لكن كمية المانا لدى ديونيس تجاوزت الحد الأقصى لأداة القياس التي صنعتها ميلودي، فاضطرت لتعديل الصيغة السحرية عدة مرات.
ولم تستطع قياس مستوى طاقته إلا مع غروب الشمس تقريبًا. و كانت كميةً تفوق تلك التي يملكها ثلاثة من وحوش الغارغويل، المصنفة من بين الوحوش عالية المستوى.
“آلة إبطال السحر هذه لا يمكنها أن تفي بالغرض إطلاقًا.”
لو كان حل الأمر بهذه البساطة، لما ماتت ميلودي في الرواية بهذه المرحلة، لذا كان الفشل متوقعًا.
“لم أرَ مانا بهذا القدر من قبل.”
“يشرفني سماع ذلك.”
“أعتقد أننا سنحتاج إلى عشرين قطعةٍ على الأقل. لا أظن أنها ستنجح، لكن فلنجرب أولًا.”
أخذ ديونيس جهاز إبطال السحر الذي ناولته له ميلودي وركّبه على ذراعه. وما إن تم تركيب العشرين قطعة كاملة، حتى بدا وكأنه مومياء ملفوفة بضمادات عشوائية.
حتى لو نجحت هذه الطريقة، لم يكن ممكنًا أن يغادر مكتبه بهذا الشكل.
“سأبدأ.”
– “دعه يتحرر.”
هل يمكن أن تُخرجه من ألمه؟
مع شيء من الأمل، فعّلت ميلودي الأداة السحرية، لتظهر مجددًا نوى الطاقة وهي تتفتت وتسقط رمادًا.
يا ترى، ما طبيعة هذه الطاقة العجيبة؟
“فشلنا.”
“مؤسف.”
قال ديونيس ذلك وكأنه كان يتوقع ذلك مسبقًا.
تصرّف وكأن الأمر لم يكن يهمه أبدًا، وهذا المشهد أيقظ في ميلودي عنادًا دفينًا. أرادت أن تُريه قدراتها.
“بما أن نوى الطاقة كافية، سأصنع جهازًا بحجم أكبر. لن يكون محمولًا، لكنه على الأقل سيوفر لك الراحة في المنزل.”
“منزل؟ تقصدين هذا المكان؟”
ما ظهر على وجهه المنحوت لم يكن سوى مشاعر قاتمة وثقيلة.
لم يكن غريبًا، فكل ما يقع داخل الحاجز بالنسبة له لا يعني سوى الألم. و على الأرجح، سبب بقائه في غرفته وعدم خروجه منها كان أنه لا يريد لأحد أن يرى حالته المؤلمة.
كان ذلك طبيعيًا، ومع ذلك…..ربما لأنه، مثل والدها، كان ساحرًا. لم تستطع ميلودي أن ترفع عينيها عنه، وكأن شيئًا يشدّها نحوه.
***
دخل روهان إلى المكتب وسلّم إلى ديونيس تقريرًا رقيقًا للغاية.
“هذا تقريرٌ عن ميلودي ليوود.”
“هذا كل شيء؟”
تصفّح ديونيس الورقة الوحيدة بسرعة.
كانت الفترة التي سبقت دخولها إلى المعبد شبه خالية من أي معلومات. و كل ما ورد أنها كانت تتنقّل بين أماكن تصنع أدوات سحرية غير قانونية، ثم دخلت المعبد بحظ جيد.
“حتى من عاش في حي الفقراء لا بد أن يُترك له أثر، لكنها ظهرت وكأنها سقطت من السماء بعد بلوغها. مثلاً، من خارج الحاجز المقدّس.”
عندما نطق ديونيس هذه الجملة بصوت منخفض، نظر إليه روهان بوجه تملأه الحيرة.
“لكن من يسرحون خارج الحاجز ليسوا سوى مجرمين خطرين أو سحرة.”
فذلك مكانٌ لا يقترب منه من يملك ذرة عقل، نظرًا لظهور الوحوش في كل لحظة.
ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال يبدو الآن مرجّحًا. فميلودي كانت تتصرف بطريقة لا تشبه الناس العاديين في كثير من الجوانب. سواءً ماضيها في مساعدة أحد السحرة، أو طريقة تعاملها الحالية مع ديونيس.
رغم أنه من المفترض أنها أُحضرت بالإكراه، إلا أنها بدت قلقةً عليه بصدق. كما لو أنها تؤمن تمامًا بقدرتها على شفائه.
رغم أن ألمه لا يؤدي إلى الموت، ورغم أنه ليس إنسانًا بل مجرد ساحر، كان من السهل تجاهله…..لكنها لم تفعل.
“هذا عقد العمل الذي كانت قد وقّعته حين عملت في متجر أدوات سحرية غير قانوني.”
“سيءٌ للغاية.”
ساعات العمل والأجور كانت أقرب إلى الاستغلال. لم يكن عقدًا يوقّعه إنسانٌ يعرف شيئًا عن الحياة. ومع ذلك، كان اسم ميلودي ليوود مكتوبًا بخط جميل وواضح.
“لكن العقود التالية، يبدو أنها لم تكن سيئة.”
ربما كان ذلك لأنها أثبتت مهارتها، أو لأنها بدأت تدرك كيف يسير هذا العالم. تحسّنت الأمور قليلًا، لكن العقد كان لا يزال سيئًا، مما جعل ديونيس يعبس ويقطب حاجبيه.
“يبدو أنها دخلت المعبد عن طريق زبون تعرفت عليه في ذلك المكان. هل ترغب في أن أواصل التحقيق؟”
كان هناك الكثير مما يدعو إلى الشك. كيف تعلّمت صنع الأدوات السحرية؟ وما علاقتها بالساحر الذي أمسكه هو؟
“لا، هذا يكفي.”
فلا حاجة فعلية لمعرفة كل ذلك. يكفي أنها تستطيع صنع الأدوات السحرية.
آلة إبطال السحر. ربما تكون الشيء الوحيد القادر على تحريره من ذلك الإثم المقيت الذي يطارده باستمرار.
_________________
السحر في روايات الخيال صار إثم؟ ههع
روهان ذا الي مايسمع كلام اي احد خان ديونيس؟ ليه ياقليل الادب
وميلودي ضحكتني يوم حطت 20 كيس عليه عسا ماشر😭😭😭😭😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 7"