قبل أن تضع الفطيرة على ركبتيها، تقدمت خادمةٌ أخرى وقدمت لها زجاجةً صغيرة كانت تمسكها بكلتي يديها.
و كان بداخلها زيتٌ أرجواني اللون نصفه ممتلئ.
“إنه زيتٌ مهدئ اعتادت والدتي أن تصنعه. إذا دهنته على الجسد، يزول التعب تمامًا. جربيه من فضلكِ.”
“شكرًا…..سأستعمله جيدًا.”
أجابت ميلودي منحنيةً برأسها، بينما خادمةٌ أخرى تحمل بطانية ناعمة.
“الجو في الخارج أصبح باردًا جدًا. حين تخرجين، رجاءً غطي نفسكِ بها.”
“سامحينا على ما بدر منا من سوء فهم تجاه الأدوات السحرية وما صدر عنا من تهور.”
ارتبكت ميلودي أمام الهدايا المتتابعة والكلمات الدافئة. فأجابت متلعثمة بخجل.
“لا داعي لقول سامحيني أو اعذريني…..فالأمر لا يستحق ذلك.”
كانت بين يديها الفطيرة وزجاجة الزيت والبطانية، ومع ذلك كانت الخادمات يتلهفن على منحها المزيد.
لقد كان كثيرًا جدًا، لكنها لم تستطع رفضه وهي ترى صدق مشاعرهن.
“حقًا أشكركن. سأستعمل كل هذا بعناية.”
قالت ميلودي ذلك وهي تنظر إلى ما في يديها.
“إن سنحت الفرصة، هل يمكن أن ترينا الأدوات السحرية؟”
“بالطبع.”
لابتسمت الخادمات بفرح ثم تراجعن.
عادت ميلودي إلى غرفتها ووضعت الهدايا برفق على الطاولة.
و لعلها اعتادت دون أن تشعر على سماع اللوم والاتهامات، فبدت لها هذه الحفاوة الدافئة غريبة.
منذ أن جاءت إلى العاصمة، لم تفارقها نظرات الناس، “من حي الفقراء”… “صانعة أدوات سحرية”… كل تلك الذكريات عادت إليها.
لقد كانت دومًا مشغولة بالدفاع قائلة أن الأدوات السحرية ليست شرًا، أما الآن فلا تدري ماذا تقول.
ثم أخرجت الزيت واستنشقت رائحته فانتشر عبير الورد.
“مم، رائحته طيبة.”
“ولم الخجل هكذا؟”
“لأن الجميع يحبونني كثيرًا.”
“لكن حين كانوا ينادونكِ بالقديسة لم تهتز لكِ شعرة.”
“ذاك كان تمثيلًا مني فقط.”
لقد كان الناس يتحدثون عنها كقديسة، لكنه لم يكن سوى وهم صانعة الضوء.
فالذي أعاد الحاجز كانوا فرسان النور، وما فعلته هي لم يتعدّ إعادتهم سالمين.
ومع ذلك، من أنقذ الناس حقًا…..كانت هي.
“لا أرى فرقًا بين الأمرين.”
تمتمت آنا متذمرةً بصوت خافت، ثم أضافت بوجه جاد.
“ثم إن كان المقصود تعويض ما لقيته من إهمال طوال هذا الوقت، فهذا لا يكفي أبدًا. لو كنت مكانكِ، لأمرت بإحضار هذه الفطيرة كل يوم، في وقت الوجبة الخفيفة بالضبط.”
فضحكت ميلودي بخفة عند كلامها.
ثم أنهتا الفطيرة وخرجتا تتمشيان. وأثناء سيرهما في الممر نحو الحديقة، انطلق صوت صفير تبعه نداء مألوف.
“آنستي ميلودي! هلّا تتكرمين بالمجيء قليلًا إلى هنا؟”
كانت تاليا. وحين التفتت، رأت عدة فرسان من الدوقية متجمعين قرب ساحة التدريب.
وما إن أبصروا ميلودي حتى لوّحوا لها بحرارة وتقدموا نحوها. كان هؤلاء الفرسان عادةً هم من يكتفون بتحية سريعة، لكن الجو بدا مختلفًا تمامًا الآن.
“إنه أنا ذاك الذي كان مختبئًا في الحفرة! وجودي هنا حيًا هو بفضل الآنسة ميلودي!”
“أنتِ من أنقذ حياتي! شكرًا جزيلًا لكِ!”
وبدأ فارسٌ طويل القامة حديثه ضاحكًا بمرح، فتتابع الباقون من خلفه يهتفون ويهزون رؤوسهم.
“لقد فعلت فقط ما كان ينبغي عليّ فعله.”
شعرت ميلودي بالحرج فهزت كتفيها بخفة.
“ماذا تعنين بواجب؟ لو لم تذهب الآنسة ميلودي بنفسها، لكان كل من ترينه هنا قد هلكوا في غابة الوحوش. طبعًا، كل شيء بدأ حين أنقذتها أنا، تاليا، من الظلم الذي لحق بها.”
قالت تاليا ذلك مقاطعة، فأخرج أحد الفرسان من خصره كيسًا صغيرًا من الجلد ومده نحو ميلودي.
“لقد جمعناه معًا وجهزناه لكِ. أرجو منكِ بقبوله.”
“ما هذا…..؟”
سألت وهي تأخذ الكيس بين يديها. و كان بحجم راحة اليد وثقيلًا نسبيًا.
“إن فتحته ستعلمين. ليس بالشيء الكبير، لكنه عربون شكر متواضع.”
قال الفارس ذلك بابتسامة عريضة.
و في داخل الكيس كانت هناك قلادةٌ فضية مشغولة بدقة، منقوشٌ عليها شعار الدوقية وزخرفة على هيئة سيف صغير.
“إنه الشعار الذي يُمنح عند تنصيب الفارس في الدوقية. وبما أنكِ حميتِنا، فأنتِ بمثابة فارسةٍ بحق.”
“شكرًا لكم. إنه رائعٌ حقًا.”
قالت ذلك وهي تمسك القلادة بوجه محمّر من الحرج. فتبادل الفرسان النظرات وابتسموا راضين عن رد فعلها.
“إذاً، آنسة ميلودي! تفضلي بزيارتنا في ساحة التدريب في المرة القادمة! سنعرض لكِ بعض المبارزات!”
ثم وضعت القلادة في الكيس وتابعت سيرها.
و كانت تظن أن الأمر انتهى عند ذلك، لكنه لم يكن كذلك.
“آه، آنسة ميلودي! أنا أيضًا….أود أن أتعلم كيفية صنع الأدوات السحرية! اسمي لويمو!”
قال ذلك فارسٌ ذو شعر بني وقد قصد المعمل. لكن قبل أن تجيب ميلودي، أخرجت آنا كتابًا من عند خصرها ورفعته.
“كنت أتوقع أن يظهر من يرغب في تعلم صناعة الأدوات السحرية. إذاً، ابدأ بقراءة هذا الكتاب أولًا.”
فأخذه الرجل وهو يومئ برأسه.
“سأقرأه بجد.”
“وأنا…..هل يمكنني التعلم أيضًا؟”
و كان التالي الذي جاء هو هانس، تلميذ الحداد.
“منذ أن وصلتنا الأدوات السحرية إلى الحدادة، ازداد فضولي فاشتريت كتبًا وبدأت أقرأها.”
“وأي كتب قرأت؟”
“قرأت عن صيغ النار وصيغ النور.”
“إذاً قرأت الكتب الأساسية. ممتاز.”
عند سماع ذلك، رمقته آنا بنظرة غير راضية.
“هل يمكن أن آتي إلى هنا بعد عملي في الحدادة لأتلقى التعليم؟”
“لا. أنا من النوع الذي يفهم من المرة الأولى، لذا لا أجيد التعليم. ثم إن الصيغ السحرية، ما دمتَ تعرف الأساسيات، فلا حاجة لتعلم المزيد.”
“لكن…..لو أخبرتني بكيفية تطبيق الصيغ، فسيكون ذلك رائعًا.”
“آه، إن كان الأمر كذلك!”
ابتسمت ميلودي كما لو أن فكرةً جيدة خطرت ببالها.
“يمكنكَ الذهاب إلى المعبد، فهم يدرّسون ذلك بشكل منهجي. وبما أنكَ قادرٌ على قراءة الكتب وفهمها، فلن تجد صعوبةً في اجتياز الاختبار.”
“آه..…”
تركت ميلودي الشاب يتنهد بخيبة وأدارت ظهرها.
“كاد لساني ينزلق وأوافق على تعليمه بنفسي.”
“ولمَ رفضتِ إذاً؟”
“بعد أن دهستُ أحلام بعض الناشئين مرات عدة، أقسمت ألا أعلّم أحدًا مجددًا.”
“وكيف فعلتِ ذلك؟”
“ببساطة…..لم أستوعب كيف أنهم لم يفهموا، ولم أفهم لماذا لم أستطع فهم عدم فهمهم.”
تذكرت ميلودي تلميذَيها الأول والثاني اللذين التقت بهما خارج الحاجز.
لقد انجذبا إلى الأدوات السحرية التي تصنعها، لكنهما ما لبثا أن انسحبا غير قادرَين على الاستمرار.
“كيف يمكن أن أكون غبياً إلى هذا الحد..…!”
“كنت أحمل حجرًا على رأسي بدل العقل. لذلك كنت أشعر بالثقل. من الآن فصاعدًا يا معلمتي، هلّا تنادينني بالحجر؟”
منذ ذلك الحين، عقدت العزم على أن تتجاهل قدر الإمكان كل من يبدي اهتمامًا بالأدوات السحرية. ولهذا السبب اكتفت بإعطاء آنا الكتب فقط.
“إذاً لهذا السبب لم تعلّميني شيئًا أيضًا. كنت أظن أن السبب أنني لم أنتهِ من الكتاب الأساسي.”
“…..هذا أيضًا صحيح.”
“…….”
حدقت بها آنا بنظرة جانبية، ثم تنهدت وهي تنظر إلى كتابها الذي لم يبقَ منه سوى صفحتين مهترئتين.
***
“أنتِ هنا.”
كان ذلك في مكتب ديونيس.
جلست ميلودي أمام مكتبه تحدّق في وجهه بشرود. في تلك العينان بلونهما كأشعة الشمس في وضح النهار، وشفاهه المرسومة بابتسامة خفيفة ارتسمتا في عينيها بوضوح.
“ميلودي؟”
و مع صوته الذي يناديها، أفاقت ميلودي من سرحانها بسرعة، ثم فتحت فمها لتقول الكلمات التي كانت تريد إخراجها منذ عودتها من مالاكار.
______________________
تتأملين بس؟ يشيخه بكره العرس تم علي
المهم عنها ذي آنا توقعت نستها المؤلفه😂
تاليا تجنن😭 انفدا الثقة صدق لو ماراحت مع ميلودي كان انتهت الرواية لأنهم اكتشفوا ديونيس ساحر
اتمنى المؤلفة تفكر فيها شوي زواج تاليا وديرين مطلب
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 69"