أطلق كبير الكهنة تنهيدةً غليظة ثم علت عروقه في جبينه وضرب الطاولة بقبضته.
“لقد نُقّيت بالقوة المقدسة. فمن الذي..…!”
“أليس هذا أيضًا مجرد ظنكَ؟”
رد ديونيس بسخرية ثم أمر برفع الجثة. لكن كبير الكهنة سارع إلى الاعتراض.
“ليس هذا فحسب. جميع من أصيبوا بالوباء شهدوا بأنهم شربوا من الماء الذي صُنع بالأداة السحرية.”
ما إن أنهى كلامه حتى بادره ديونيس.
“وجميع من أصيبوا بالوباء تلقوا علاجًا من الكهنة أيضًا.”
“ماذا تقول..….”
تلعثم كبير الكهنة وقد بهت وجهه.
“أتشكك الآن في القدسية نفسها؟”
“أنا أقول فقط أن السبب غير مؤكد. فأي فعل من تلك الأفعال قد يكون هو سبب المرض. وإذا كانت الجثة لا تحمل أي علامات، فبأي شيء تثبت أن الأداة السحرية كانت السبب؟”
“إذاً سأحضر من أصيبوا بالوباء ليشهدوا. وسيثبتون بأن الأعراض بدأت بعد شرب الماء.”
لكن قبل أن ينهي كلامه، رد رايون بهدوء.
“أصلاً من علّمني طريقة علاج ذلك المرض لم يكن سوى صانعة الأداة السحرية الجالسة هناك. فكيف لها أن ترتكب أمرًا كهذا وهي تعلم أني قادمٌ مع البعثة؟”
“…….”
رمق كبير الكهنة رايون ثم أعاد نظره إلى ميلودي، وعيناه تشعان بحدة مرتجفة من شدة الغيظ.
“صانعة الأداة السحرية استخدمت أيضًا أداةً محرمة في الغابة!”
و لم يتراجع الكاهن بل تابع بحدة.
“وهذا هو الدليل.”
كانت حبلًا قطع ساق دُبّ غريزلي ومطرقة. فرفعت ميلودي يدها بعدما رأت ما وضعه الكاهن.
“تكلمي.”
“ذلك الحبل هو أداةٌ مخصصة لتقطيع الوحوش، تُستخدم في قسم صناعة الأدوات السحرية في المعبد. أما المطرقة فهي عادية صنعت في الحدادة، ولا تمتلك أي خاصية للقتل. إن أذنتَ لي بتشغيلها فسأعرضها عليكَ هنا.”
“مستحيل! فقد تكون سلاحًا يؤذي الناس!”
صرخ الكاهن، لكن رايون عقد حاجبيه،
“لكن إن لم نرها فلن نعرف حقيقتها. قدّمي العرض.”
وبإذن رايون رددت ميلودي التعويذة.
• “اشتدّ صلابةً.”
غير أن شيئًا لم يحدث.
عندها أمسك ديونيس المطرقة وضرب بها منصة الكاهن فدوّى صوتٌ قوي جعله يتراجع مذعورًا.
لكن لم يحدث أكثر من ذلك. و لم تنكسر الطاولة من قوة زائدة ولا شيء.
“انتهى العرض، يا سمو الأمير.”
فارتجف جسد كبير الكهنة وبدأت أطرافه ترتعش. عندها نظر إليه رايون،
“أعلن براءة صانعة الأداة السحرية، ميلودي.”
فانطلقت هتافات فرح من بعض أرجاء القاعة. و زفرت ميلودي أنفاسها المحبوسة.
كانت تظن أن لا داعي للتوتر ما دامت بريئة، لكن حين بدأت المحاكمة لم تستطع أن تشعر بالارتياح حقًا.
ثم اقترب منها ديونيس ووضع يده برفق على كتفها، فرفعت وجهها تنظر إليه. وفي عينيه الحمراوين كان يلوح شيء أشبه بالاطمئنان.
في تلك اللحظة صرخ كبير الكهنة بصوت حاقد.
“ما هية الحقيقة سيكشفها الزمن في النهاية، يا سمو الأمير.”
و لم يزل يرمقهم بنظرته المتغطرسة حتى آخر لحظة، مكتفيًا بترك تحذير حاد، قبل أن يغادر المكان في صمت.
***
كانت غرفة التمريض المؤقتة قائمةٌ في أطراف مقاطعة كالاو. وداخل المبنى انتشرت رائحة الأعشاب الطبية والمعقمات.
وحين دخل ديونيس الغرفة، اعتدل روهان الجالس على السرير رافعًا جزعه.
“هل جسدكَ بخير؟”
“بفضل العلاج، لم يعد بي شيء.”
فقد تحسنت حالته بشكل ملحوظ بعدما تلقى العلاج بمعونة فرسان المعبد أثناء فترة عزله في الغابة.
“وكيف جرت المحاكمة؟”
“انتهت على خير. لذا لا تشغل بالك، واخلد للراحة عدة أيام أخرى حتى يحين وقت العودة إلى المقاطعة.”
انحنى روهان مبتسمًا امتثالًا لأمر ديونيس.
“أشكركَ على قلقكَ، يا سيدي.”
ثم تفحّص ديونيس غرفة التمريض.
كانت مساحةً أُعدّت على عجل للجرحى، فافتقرت إلى كثير من الأمور. وبينما كان يتأملها، تكلّم روهان بهدوء.
“لقد تغيّرتَ.”
“أنا؟”
“ألم يصبح لديكَ متسعاً من الوقت لتقلق عليّ؟”
سكت ديونيس لحظة.
لم يكن قوله خاطئًا. فقد ظل منشغلًا طيلة الوقت بتخطّي ألمه الخاص حتى لم يعد يرى شيئًا آخر.
لكنه الآن، حتى وهو داخل الحاجز، أمكنه أن يقرأ الألم والقلق في وجه روهان.
“لقد كنتُ مقصرًا.”
“لا، الأمر ليس كذلك.”
هزّ روهان رأسه.
“فقط لم أتخيل أن يأتي يوم تقلق فيه عليّ من جديد.”
ظل روهان يتذكر ديونيس الذي كان سيدًا عطوفًا.
“حين نعود من الحملة، سأمنح الفرسان أيضًا ما يتمنون.”
ففكر روهان قليلًا ثم أجاب.
“ما دامت المأدبة قد أقيمت بالفعل، فإعادتهم إلى بيوتهم سيكون أعظم مكافأة.”
“البيت..…”
ردد ديونيس الكلمة في نفسه. وفجأة خطرت له صورة ميلودي.
‘مكانٌ يحنّ المرء للعودة إليه…..’
بدأ يفهم ما يعنيه البيت.
“ليكن ذلك. بل سأبلغهم بنفسي.”
“سيكونون في غاية السعادة.”
ابتسم روهان ثم أضاف وهو ينظر إلى ديونيس.
“يبدو أن علينا شكر الآنسة ميلودي أيضاً.”
“إن كان ثمة شكر فليكن لي وحدي.”
لم يطق أن يفكر في أحد آخر يوليها اهتمامًا. فيكفيه أهفين ورايون.
ثم اعتدل روهان في جلسته وتابع.
“آه، تذكرت. قبل الخروج للحملة وصلت رسالةٌ حملتها الغربان.”
أخرج ورقة من حقيبته وناولها له.
“قالوا إكأن سنوات الآنسة ميلودي خارج الحاجز طويلة، فلم يتمكنوا من العثور على الكثير من المعلومات الموثوقة. لكن من بعض الشهادات اتضح أنها خالطت عددًا أكبر مما كنا نظن.”
“يبدو أن الناس يعيشون فعلًا خارج الحاجز.”
“نعم، بشكل مدهش.”
وافقه روهان.
فقد كان أسبوعٌ واحد خارج الحاجز أشبه بالجحيم، فكيف أمكنها أن تعيش عدة سنوات في مكان يعج بالوحوش؟ لقد بدت له ميلودي مدهشةً بحق.
“لكنهم اعتمدوا على ما وجدوا ليحققوا في ماضي شخص يُرجّح أنه والدها. واستخلصوا خمسة أسماء تتشابه بياناتهم الشخصية.”
ضاق نظر ديونيس شيئًا فشيئًا وهو يقلب الأوراق.
ربما كان لها عائلة أخرى. وقد كان وجه ميلودي حين تتحدث عن والدها لا يخلو من حنين دفين. فلا شك أنها ستفرح إن عثرت على عائلتها.
“لن يضر أن أتحقق من الأمر.”
قال ديونيس ذلك وهو يلمّ الأوراق ويخرج.
***
بعد أن عادت من الحملة ونالت يومًا كاملًا من النوم، استأنفت ميلودي حياتها المعتادة.
لكن ما تغيّر كان الطريقة التي أصبح بها أفراد قصر الدوق يعاملونها بملحوظ ودّ أكثر.
“آنستي ميلودي، هل تحبين الفطائر؟ لقد أعددت واحدةً بحشوة المربى، ألن تتذوقيها؟”
ما إن نزلت على الدرج حتى أسرعت إليها خادمةٌ تحمل فطيرةً دافئة كأنها كانت تنتظرها.
“يا إلهي. تبدين أنحف مما كنتِ قبل الحملة.”
وما إن أخذت ميلودي الفطيرة حتى تنافست الخادمات الأخريات في تقديم أشياء لها.
“أيمكنكِ قبول هذا أيضًا؟ لقد سمعت أنكِ أنقذت كولمان. لولاك لما كنت قادرةً على الاستمرار بعقلي السليم. شكرًا لكِ.”
فارتبكت ميلودي أمام هذا السيل المفاجئ من اللطف.
_____________________
ايه معليه شوي شوي عليها لاتطردكم وآنا لو تشوفهم بتفقعهم ضحك عند ميلودي 😂
صح وين آنا؟😀
المهم تخيلوا ديونيس يلقى ابوها؟ 🥹 دمعت من الحين
الكاهن هو جملة اجحد مهما كانت الادلة لو كانت انسان:
الذبة طويلة بس شسوي اشغلنا
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 68"