رأى الناس ذلك المشهد، فأخذوا يتهامسون جميعًا قائلين أنه أمرٌ لا يُصدق.
ثم حُبست ميلودي في غرفة صغيرة ملحقة بقاعة المحكمة التي ستُعقد فيها الجلسة.
وعندما نظرت من النافذة، كانت السماء صافية كما كانت في اليوم السابق.
حينها، تحدّث إليها أحد الفرسان وهو يقدّم لها بعض الطعام،
“تفضلي هذا ريثما يحين وقت المحاكمة، وارتاحي قليلًا. لا أحد هنا يشك فيكِ يا آنسة ميلودي. بل إنهم يكادون يصدقون أنكِ بالفعل سيدةٌ مقدسة.”
وبينما كانت تأكل ما أُحضِر لها وتنتظر المحاكمة، إذا بشخص يدخل فجأة دون طرق الباب.
كان رايون. هو نفسه الذي سيكون قاضي هذه المحاكمة اليوم.
لكنه بدا متعبًا ومثقل النفس. ربما لأنه لم ينم ليلته الماضية، فبشرته كانت باهتةً وشفتيه جافتين، حتى شعره الذي اعتاد أن يمسّده بعناية بدا مضطربًا.
“هل جسدكِ بخير؟”
“نعم، أنا بخير. أشكركَ على قلقكَ عليّ، سموّ الأمير.”
“أجل. السبب في أنني لم أذهب لزيارتكِ البارحة…..هو أنني كنت مشغولًا.”
ثم قال كلامًا مباغتًا، جعلها تنظر إليه بدهشة، فعبس قليلًا وأطرق بشفتيه.
“حين لم أكن سوى أتصارع مع ضفادع تافهة…..كان هو يصطاد وحشًا كالـدب….”
إلى هناك وصل حديثه، ثم هز رأسه ووجّه نظره إلى الأرض قبل أن يواصل،
“على أي حال، لم يكن امتناعي عن زيارتكِ في السجن لأنني لم أرد أن أهنئكِ بعودتكِ.”
حينها فقط أدركت ميلودي ما في نفسه.
لقد اكتفى يومها بالمشاهدة بينما تُساق هي مقيدة باعتبارها مجرمة. لكنه كان يتصرّف كما يليق بولي عهد، ولم يكن بينهما قرب يجعله يتدخل من أجلها.
“نعم، سموّ الأمير.”
ويبدو من اهتمامه بمشاعرها أن مسألة انتزاعها من جانب ديوونيس ما زالت قائمة، وأن التوتر بينهما سيظل مستمرًا.
كانت ميلودي تفكر إن كان قد التقى بليهيلين، فلم تلتفت إلى القلق الذي ظهر في عينيه. ثم نظر إليها رايون سريعًا،
“سأكون أنا من يرأس محكمتكِ. لذا لا تقلقي.”
وفجأة اشتد صوته،
“أما ما يتعلق بالوباء، فقد قمت بحل الأمر، فلن يشكّل مشكلةً كبيرة.”
“انتشار الوباء بسبب الأداة السحرية؟! ما الذي حدث هنا بالضبط؟”
سألت ميلودي وقد داهمها القلق. فأخرج رايون من جيبه عشبًا جافًا متيبسًا. كان “عشب الظلام”.
“أصيب بعض الفرسان بالمرض نفسه الذي أصاب ذلك الصبي من قبل. وما إن رأيته حتى أدركت الأمر.”
“هل تقصد أن هناك من أصيب بمرض التحوّل السحري داخل البعثة؟!”
اتسعت عينا ميلودي. فحسب الرواية، لم يُصب به إلا أناسٌ من الأحياء الفقيرة.
“إذاً هذا هو اسمه…..مرض التحوّل السحري؟ كنا نجهله. قال كبير الكهنة أنه أعراض تسمم بنواة سحرية، وربما كان السبب في انتشار الدنس هو أداتكِ التي تجمع الماء.”
قبضت ميلودي قبضتها حتى آلمتها.
“لا! كان المرض منتشرًا في الأحياء الفقيرة قبل أن أذهب هناك أصلًا.”
فأدار رايون وجهه جانبًا، وتمتم بكلمات فيها ضجر، ثم فجأة نظر إليها بدهشة،
“أنا لم أشك فيكِ قط.”
كان على وجهه أثر جرحٍ خفي.
“أتظنين أنني شككت بكِ، أنا الذي أنقذتِ حياتي؟”
“لكنها كانت كلمات كبير الكهنة…..فحتى لو أسأتَ فهمي، لم أكن أستطيع الاعتراض. هذا ما ظننته فقط.”
ارتبكت ميلودي من نبرته الواضحة الضيق، لكنه تنفّس زفيرًا طويلًا دون أن ينظر إليها.
“لا، فلا بد أنكِ اعتقدتِ أني مجرد إنسان لا قيمة له. ولي عهد غير جدير بالثقة، لا يحسن حتى صيد الوحوش.”
“سموك، أنا..…”
انتزع رايون عباءته الملقاة بعنف وغادر الغرفة من غير أن ينطق بكلمة.
ومع ارتطام الباب وإغلاقه، زفرت ميلودي تنهيدةً وهي تحدق فيه.
لقد جُرح رايون. لم يكن ذلك رد فعل يمكن أن يُظهره المرء لمجرد أنه استُخدم لاستفزاز ديونيس، بل كان أعنف من ذلك بكثير.
فغشى الاضطراب عينيها قليلًا.
***
كانت قاعة المحكمة المؤقتة عبارةٌ عن قاعة اجتماعات جرى تعديلها.
في الوسط وُضع مقعدٌ مرتفع مخصص لولي العهد، وتحته رُتبت مقاعد نصف دائرية لكبير الكهنة والنبلاء الحاضرين.
“سنبدأ المحاكمة.”
ما إن خفت صوت رايون حتى ساد السكون، قبل أن تنتشر همهمة منخفضة. فنصف الحاضرين في المقاعد كانوا لا يزالون ثملين من مأدبة الليلة الماضية. ولم يعتقد أحدٌ تقريبًا أن ميلودي ستنال عقوبة.
وقفت ميلودي على المنصة في الوسط، تحدق بمن يجلسون أمامها. و لم يظهر أثر لأهفين بين الفرسان.
دقت أجراس الظهيرة اثنتي عشرة مرة، فنهض كبير الكهنة من مقعده.
“لقد حان الوقت لكشف الحقيقة وفق مشيئة المعبد.”
عند صوته خفت الضجيج في القاعة. ثم ضم يديه فوق ركبتيه وخفض رأسه قليلًا، و رفع وجهه من جديد.
“إنها محاكمةٌ تفصل بين حياة إنسان وشرفه. لقد جلبت الأداة السحرية موت أحد الفرسان، وإذ تورط المعبد في القضية فإنها لا تقل عن جريمة انتهاك إرادة المعبد. تذكروا حين عانت الأرض من هجمات الوحوش ووباء مجهول، من الذي كان في صميم تلك الأحداث كلها؟ فكروا، من هو الذي جرّب أداةً سحرية غير موثوقة على أرض ملوثة فتسبب في إيذاء عدد لا يحصى من الناس؟”
“لكن، أيمكن القول أنكَ بلا ذنب حين نسبت الجريمة إلى بريء؟”
رمى ديونيس كبير الكهنة بتلك الكلمات من مقعده على المنصة.
“أنا فقط…..صدقت شهادة من عاد حيًّا!”
“أتعني ذاك الذي قيل أنه همس إليكَ وحدكَ ومات؟”
قاطع ديونيس ببرود ذريعة الكاهن الواهية. ومع ذلك، وكما قال، فإن الشاهد قد مات، فلا أحد غير الكاهن يمكنه إثبات صحة كلامه.
“لكن المهم في هذه المحاكمة ليس ذلك. الوباء الذي تفشى في الإقليم ظهر بعد أن شرب الناس الماء الذي نُقّي بواسطة الأداة السحرية.”
ولم يرد أحد، فتابع مؤكدًا أن الأداة السحرية هي سبب الوباء.
“من المرجح جدًا أن تكون طاقة نواة الوحش النجسة قد اختلطت بذلك الماء. لم يكن تطهيرًا بل كان تلويثًا. من المؤكد أن صانعة الأداة السحرية دبّرت ذلك انتقامًا، يا سمو الأمير. قبل أن تغادر تلك الصانعة إلى الغابة، لم يُصب أحد بمثل هذا المرض.”
“أليس هذا مجرد ظنكَ؟”
“لدينا دليل.”
أثارت كلمات الكاهن ضجةً بين الحاضرين. وبعد قليل أُدخلت جثة إلى القاعة.
وقد بلغ العفن منها مبلغًا جعل رائحتها الكريهة تخنق الأنوف.
“انظروا إلى الأعراض الظاهرة على الجثة. فالعينان السوداوان دليلٌ لا لبس فيه على تسمم بنواة الوحش.”
وبمجرد أن أزال أحد الكهنة الكفن، ظهرت جثة متيبسة كالمومياء. وأطلق الناس أصوات اشمئزاز.
نزل أحد الفرسان ليفحص الجثة، ثم رفع رأسه نحو رايون وهزّه نافيًا.
“لا تظهر على الجثة أي علامات بعد الموت. والعينان وإن كانتا مصفرتين، فهما بعيدتان تمامًا عن السواد الداكن.”
“ماذا؟ هذا مستحيل!”
قفز كبير الكهنة صارخًا، وهبط عن المنصة مسرعًا. وما إن تحقق من الجثة حتى شحب وجهه.
“لا يمكن! لقد تأكدت بنفسي أن العينين اسودّتا تمامًا!”
اقترب ديونيس ليتفحص الجثة بدوره، ثم رفع حاجبه ساخرًا.
“هل يحدث أن تخف أعراض التسمم بنواة الوحش مع مرور الوقت؟”
“كلا. بل يزداد السواد حتى يعم الوجه بأكمله.”
“هكذا إذاً.”
_______________________
اهفين مسوي كذاته؟ تموم تم ترقيتك من -1000 الى -999
اما رايون الي عصب فجأة فللحين -1000
المهم ديونيس ارفس الكاهن تكفى
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 67"