لم يكن أهفين من النوع الذي يغض الطرف عن أحد لمجرد أنه شاركه لحظة حياة أو موت.
عندها ردّ ديونيس وهو يحدّق في أعماق الغابة التي غمرها الظلام،
“إن اكتشفونا……فلن نغادر هذه الغابة أبدًا.”
“…….”
“أما إن لم يُكتشف أمرنا، فلن تكون هناك مشكلة.”
عضّت ميلودي على شفتيها اليابستين بتوتر، فتابع ديونيس كلامه،
“قلتِ أنك تريدين إنقاذهم.”
حين أنزلها في المكان الذي انقطعت فيه آثار الأقدام، كانت يداه حذرتين كما لو كان يضع كنزًا ثمينًا.
“إذاً……فلننقذهم.”
بدت كلماته وكأنها تعني أنه يخاطر بكل هذا من أجلها، فاهتز قلبها بشدة.
و لم تستطع النظر إليه فأدارت رأسها بعيدًا.
“هل تشغلين الأداة السحرية الآن؟”
“لكنها ستصدر ضوءًا……والليل يجذب الكائنات التي تحب الضوء.”
“لا تقلقي، فلن يجرؤ شيءٌ على لمس شعرةٍ منكِ.”
وثقت به. فأومأت برأسها، ثم شغّلت ميلودي الأداة السحرية.
فيووووم!
انطلق شعاعٌ أبيض صافٍ إلى السماء وانفجر متوهجًا.
“جميل……”
لكن عيني ديونيس لم تكونا على الأضواء في السماء، بل على ميلودي نفسها. أما هي، فقد كانت منشغلةً بمراقبة الأداة فلم تلحظ ذلك.
انقضى ذلك المشهد القصير كالألعاب النارية، ثم سسس… سسس… دوّى صوت زحف من كل الجهات، يبعث القشعريرة.
لقد اجتمعت الوحوش سريعًا. فوقف ديونيس حاجزًا طريقها.
“مرّ زمنٌ طويل……لا أدري إن كنت ما زلت أُجيد هذا.”
دوامة من الظلام انبعثت من يده، وانطلقت خيوطٌ سوداء خشنة نحو الوحوش.
كواجيجك!
فتوقفت عشرات الحشرات الوحشية عن الحركة في لحظة. بقوة ساحقة بلا جدال. وفي الوقت نفسه، بدأت دائرة الكشف المنبعثة من أداة ميلودي تتوسع شيئًا فشيئًا، دافعةً الظلام بعيدًا.
“ها……وجدتهم!”
صرخت ميلودي. و لم يكن بعيدًا كثيرًا، حيث بدت نقاطٌ خضراء متجمعة على مقربة.
ثم اتجهوا نحو ذلك الاتجاه، حتى لمحوا بين الأشجار الكثيفة صخرةً ضخمة بارزة وسط الأدغال.
“سيدي الدوق……؟!”
و جاء صوتٌ مندهش من خلف الصخرة، كان صوت روهان.
كان يعرج وهو يقترب من ديونيس، وكأنه قد أصيب في ساقه.
“كنتَ على قيد الحياة إذاً.”
“يسعدني أن أراكَ من جديد.”
“نعم.”
ثم بدأ الفرسان يخرجون واحدًا تلو الآخر من فجوة تحت الصخرة، حتى بلغ عددهم عشرين تقريبًا، خليط من فرسان الهيكل وفرسان الدوق.
“كيف عثرتم علينا هنا؟”
“بواسطة الأداة السحرية.”
وأشار ديونيس إلى ميلودي. وحين التقت عيون الفرسان بها، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ خفيفة.
“حتى حين قاتلنا النمل……كنا مدينين لكِ. شكرًا.”
انحنى أحد فرسان الهيكل أمامها، ثم تبعه الآخرون.
“لنخرج من هنا أولًا……ثم نتابع الحديث.”
قال ديونيس ذلك، فهز الجميع رؤوسهم موافقين.
“أخيرًا سنغادر هذا المكان البغيض.”
و عادوا جميعًا إلى موضع الأطلال.
عند سماع الضجيج، فتح ديرين عينيه فرأى الناجين، فارتسمت على وجهه علامات الدهشة. و لم تكن حال تاليا مختلفةً كثيرًا.
“يبدو أن السماء صنعت معجزة……!”
“سيدي روهان! يا رفاق! يا لَلسعادة أنكم عدتم أحياء سالمين!”
“حين جربنا الأداة السحرية، تبيّن أنهم ليسوا بعيدين عن البقعة التي انقطعت عندها الآثار.”
“إذاً أنتما الاثنان خرجتما وحدكما للبحث والعودة.”
بدا على أهفين قليلٌ من الاستغراب لكونهما ذهبا وحدهما دون الآخرين.
“أنا من طلبت ذلك. فلم أكن واثقةً بعد من أداء الأداة السحرية.”
“……هكذا إذاً.”
بقي صوته هادئًا كعادته، لكن خفَّت في نبرته مسحةٌ خفية من الأسى.
حدّق بها لبرهة ثم صرف نظره.
و في تلك اللحظة سأل أحد الفرسان الخمسة بتردّد،
“ولكن……أين بقية فرق البحث؟”
رفعت تاليا إبهامها نحو نفسها وقالت مبتسمة،
“لا توجد فرقٰ أخرى. ألسنا نحن كافيين؟”
“إذًا……هذا يعني أنكم لستم تعزيزات؟!”
صرخ الفارس بدهشة، غير مصدق أن مجرد خمسة أشخاص جاؤوا لإنقاذهم، مهما بلغت براعتهم.
“صحيح، نحن فقط.”
“يبدو أن السماء قد حمتنا جميعًا.”
امتلأ الفرسان حماسة، وراحوا يتحدثون عمّا مرّ بهم: كيف تفرّقوا مطاردين من الوحوش، وكيف اضطروا للحفر والاختباء تحت الأرض.
لكن حين ذكروا رفاقهم الذين فقدوا حياتهم، خيّم الصمت الحزين فجأة.
“لقد فقدنا رجلين. لو أني لم أصرّ على الاتجاه نحو ذلك الطريق……لما حدث هذا.”
تقطّعت كلمات الفارس بالندم الثقيل.
“ليس ذنبكَ. لذا تلُم نفسكَ.”
“……نعم، سيدي.”
قال ديونيس ذلك بحزم، ثم التفت إلى الجميع،
“حالما ننهي استعادة أحجار الحاجز، سنعود إلى الدوقية.”
“أمرُك!”
كان جوابهم صريحًا يفيض بعزم أكيدٍ على النجاة والعودة.
***
و خلال عملية إصلاح أحجار الحاجز، ظل رأس أهفين مزدحمًا بالأفكار.
“انتهينا من هذا الجانب!”
هتف ديرين بارتياح.
“لحسن الحظ، يبدو أن الوحوش لم تستولِ على هذه المنطقة بعد.”
“صحيح……”
“كان يجب أن تروا كيف هزمت الغريزلي! عندما بترت ساقه، ترنح ذلك الجسد الضخم وكاد أن يسقط عليّ، فقلت: انتهى أمري! لكن في تلك اللحظة ألقيت الأداة السحرية حول عنقه وسحبتها بقوة……فوووش! فطارت رأس الدب في الهواء!”
“في النهاية، لم تفعل سوى بتر كاحله، أليس كذلك؟!”
قال أحد الفرسان ذلك ممازحًا، فما كان من ديرين إلا أن ضحك باستهزاء.
“أنا من غرس سيفه في قلبه الذي ظل ينبض بلا موت.”
لكن نبرة افتخاره لم تصل إلى أذن أهفين، إذ كانت كل حواسه منصبةً على ميلودي وهي تفحص حجر الحاجز.
كان أهفين يعلم أن ميلودي تشعر نحوه بالرهبة.
مزيجٌ من التقديس والمسافة التي يستحيل ردمها؛ المشاعر المعتادة التي يكنّها الناس تجاه فرسان الهيكل.
ولعل ذلك السبب في أنه لم يكن يومًا حساسًا تجاه ردود فعل الآخرين. فهو يدرك جيدًا أن طوله الفارع وملامحه الجامدة تجعل من الصعب على أي أحد أن يشعر بالقرب منه.
لكن ما أزعجه حقًا هو أن ميلودي اختارت ديونيس ثلاث مرات متتالية بدلًا عنه.
في اليوم الأول كان مبررًا، فقد اختارته لأنها قلقت من جراحه. لكن في الليلة الماضية، حين كانت بحاجة إلى القوة، فضّلت الجريح على أن تستعين به.
رغم أن ميلودي قضت وقتًا أطول في المعبد من بقائها في قصر الدوق، إلا أن تعاملها مع الدوق بدا بلا تحفظ ولا تردد.
وكان ذلك يثير ضيقًا غريبًا في قلبه.
‘لماذا……؟’
كل ما أراده هو أن يكون عونًا لها.
بل أكثر من ذلك، كان يتمنى أنه حين تحتاج إلى المساعدة، تتذكره هو قبل أي شخص آخر……
كما أنه حين ظن أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، كانت صورتها هي التي خطرت في ذهنه.
أي نزوة أنانية هذه؟
وحين أدار رأسه، رأى أن ديونيس يقف إلى جوار ميلودي من جديد.
‘الدوق ديونيس……’
لم يكن أهفين يهتم من قبل كثيرًا بأفعاله، لكنه كان واثقًا أن هذا الرجل ليس عاديًا.
ليس لقوته العظيمة فحسب، بل لأنه على الدوام يرفض تلقي أي علاج مهما اشتد جرحه.
غير أن ما لاحظه في هذه الرحلة أوضح له أن الأمر أعمق من مجرد رفضٍ للعلاج……بل بدا وكأنه يتجنب القوة المقدسة نفسها.
وكان ذلك، بلا شك، أمرًا مريبًا.
_____________________________
كل تبن خلّك في حالك
قال ايش قال لماذا؟ يا لقفك
المهم وبكذا خلصوا تقريباً اخيرا بيرجعون خلاص صح؟ تعبت من ذا الطلعة صار كل شي فيها ابيهم يرجعون لقصر ديونيس والاجواء حلوه ومومنتات اكثر 🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"