“أنا أيضاً أفكر هكذا. لكن كفارسة، من واجبي التغاضي عن أسرار سيدي.”
“الفارق في المكانة يبرر الكتمان أيضاً.”
قال ديرين ذلك وكأنه توصل إلى النتيجة، ثم تنهد متعاطفاً،
“لا بد أن الأمر صعبٌ على الآنسة ميلودي.”
تركت ميلودي صوته الذي ابتعد حتى لم يعد مسموعاً، ومضت في طريقها.
وعندما عادت إلى النار المشتعلة، رأت أهفين وديونيس وقد جلس كلٌ منهما بعيداً عن الآخر، عند طرفين متقابلين.
“تعالي هنا.”
“من هذا الجانب، أرجوكِ.”
لوّح كلاهما بيده، فتنقلت نظرات ميلودي بين الاثنين.
كان وجه أهفين شاحباً وهو واقف، بينما بدا ديونيس جالساً نصف مستند ووجهه متعباً قاتماً.
فاقتربت ميلودي من ديونيس.
“سأجلس عند الدوق. أريد الاطمئنان على جراحه أيضاً.”
“لو قبل العلاج لانتهى الأمر.”
“أليس إصلاح حجر الحاجز أهم؟”
“…….”
تجعد جبين أهفين بعمق.
بينما أخرجت ميلودي بطانيةً من حقيبتها، و فردتها على موضع مستوٍ وجلست.
كان ذلك مكاناً مميزاً كالمقام الرفيع.
“ألستما متعبين؟”
“أستطيع التحمل.”
“أنا بخير.”
عضّ أهفين على شفتيه الجافتين، فيما اعتدل ديونيس قليلاً ليخفي جرح ذراعه حين شعر بنظراتها.
لكن الجرح لم يختفِ لمجرد إخفائه.
لم يكن لديها طاقةٌ للاهتمام بنظرات التحدي المتبادلة بينهما.
فتمددت على الأرض، وقد كانت قاسية، لكنها شعرت ببعض الراحة وهي مستلقية.
بعد سهرها على صنع الأداة السحرية وتجوالها ثلاثة أيام في الغابة، كانت مرهقةً حتى أنها لم تستطع تحريك إصبعها.
“سأسبقكم للنوم، فقد غلبني التعب.”
ارتفع صوت حركة خفيفة، فرأت ديونيس يحجب ضوء القمر الذي كان ينكس على رأسها.
ثم أغمضت ميلودي عينيها وقد غمرها ذاك المشهد. و غفت على الفور.
***
استيقظت ميلودي على أنين متقطع. بينما لم يبق في النار سوى جمر يتقد ببطء.
نهضت بجسد متيبس، فرأت ديونيس تحت أشعة الصباح الأولى، منكمشاً يتصبب عرقاً بارداً.
“الدوق……؟”
كان مسنداً ظهره إلى جدار مائل، يطلق أنيناً ضعيفاً متواصلاً.
فحدّقت في مكان أهفين تلقائياً لطلب المساعدة، لكنه لم يكن هناك.
ثم مدّت يدها تتحسس جبينه لتقيس حرارته. ولحسن الحظ كان دافئاً بدرجة طبيعية.
‘يا للراحة.’
لكن في لحظة الطمأنينة تلك، قبضت يده بعنف على معصمها.
“آه……!”
فانقلبت الرؤية فجأة، وإذا بديونيس يدفعها أرضاً ويطبق فوقها، قابضاً على عنقها بشدة.
“……هَه……”
ابتلعت ميلودي أنينها. و الهواء انسدّ في صدرها فلم تستطع أن تنطق بكلمة.
لكن سرعان ما عاد البريق الواعي إلى عينيه.
“……ميلودي؟”
“نعم……إنها أنا.”
وفي تلك اللحظة تراخَت قبضته عنها. و تبع ذلك صوته الخافت المبحوح، المرتجف كأنه أصيب بالفزع،
“هل……هل آذيتكِ؟”
“كح……لا، أنا بخير.”
هزّت ميلودي رأسها. أما ديونيس، وقد ابتعد عنها، فقد كان يلهث وكأنه هو نفسه قد تعرض للخنق.
“هل……رأيتَ كابوساً؟”
في عينيه الحمراوين ظلّ هنك خوفٌ عالق لم يستطع أن يمحوه.
“رأيتُ حلماً……من أيام حياتي في القصر الإمبراطوري.”
“…….”
“فقد كانت كل أيامي هناك كوابيس.”
لقد قال أنه غادر القصر إلى قصر الدوق وهو في السابعة عشرة. أي أنه حين عاش هناك كان أصغر وأضعف كثيراً مما هو عليه الآن.
وحين تخيلت ميلودي طفلاً في ذلك العمر، محاصراً داخل الحاجز وهو يتجرع ذلك الألم، انقبض صدرها بأسى.
ثم عاد بصر ديونيس إلى عنقها.
“أنا……لقد……”
لعل علامات أصابعه ما زالت مرسومةً على بشرتها. فقد بدا هو مجروحاً أكثر منها، رغم أنها كانت هي التي تعرضت للهجوم.
فبادرت لتغيير الموضوع بكلمات عابرة،
“يبدو أن السيد أهفين ذهب للتأمل……أو ربما ليتفقد الوحوش.”
تحركت شفتا ديونيس الحمراوان لكن دون أن يخرج صوت. بينما كان وجهه ما زال مشوشاً.
“أكنتِ……تعيشين في مثل هذا المكان من قبل؟”
ثم سأل ببطء.
“نعم، تقريباً. الوحوش كانت أقل عدداً من هنا، لكنه كان مشابهاً.”
“ألَم تحقدي على أبيكِ؟”
“لم يكن حقداً……بل شفقة. فقد كان كلما حدثني عن العالم الخارجي، بدا وجهه ممتلئاً بالحزن.”
كل الذين التقت بهم ميلودي في ترحالها كانوا دائماً يتحدثون عن حياتهم التي تركوها داخل الحاجز.
كأنهم يغنون عن وطن مفقود، كأبطال قدامى يترنمون بأمجاد مضت. كان ذلك الحديث يتكرر مع كل شخص، بلا استثناء.
أجمل الأزمان، وأكثرها سلاماً. الزمن الذي عاشوا فيه كالبشر بحق.
لكن ميلودي لم تعرف شكل الحياة داخل الحاجز، ولعل ذلك ما جعلها تنغمس أكثر في العالم خارجه.
تعلّمت الحروف الرونية من أبيها، وتلقّت الصيغ السحرية من سحرة آخرين.
الوحوش كانت لا تُحصى في تنوعها، وعالم السحر كان بلا نهاية. وأحياناً، كانت الكتب التي تأتيها من هنا وهناك أعظم بهجةٍ في حياتها.
كانت حقيقةً جهلها بما وراء الحاجز بالنسبة لها بركةً أكثر مما هي نقمة.
أما والدها فكان دائماً يشعر بالذنب. إذ كيف لابنة صغيرة، ليست ساحرة، أن تعيش حياةً مطاردة يومية بين أنياب الوحوش؟
كلما رآها تتغذّى على خبز يابس، أو تنام منكمشةً في كهف مظلم، كان وجهه يتشح دوماً بالأسى والذنب.
“لذلك كنت أفكر، إن كان هناك مكانٌ يجعل والدي حزيناً، فلا بأس ألا أذهب إليه. لكن في أحد الأيام، أعطاني أحدهم كعكة شوكولاتة. وكان طعمها لذيذاً للغاية. و عندما كنت صغيرة، كان حلمي أن أمتلك كومةً كبيرة من الشوكولاتة وآكلها.”
فارتسمت على شفتي ديونيس ابتسامةٌ خافتة وهو يتخيل ميلودي الصغيرة.
“وهل تحقق الحلم؟”
“……لا. لم أعد آكلها الآن.”
“لماذا؟”
عند سؤاله أخذت ميلودي نفساً قصيراً.
ففي لحظة ما، لم تعد تستطيع وضع الشوكولاتة في فمها.
و قد كانت تعرف أن سبب مغادرة أبيها لم يكن مجرد قولها أنها تحب الحلويات، ومع ذلك لم تستطع أن تأكلها أبداً.
“……أظن أن ذوقي تغيّر. فقد صار طعمها غريباً……و مُرّاً.”
قالت ذلك وهي تكبح الحنين المتفجر في صدرها.
“هل تحب كعكة الشوكولاتة يا دوق؟”
“ما معنى أن أحب؟”
“يعني أن تفكر فيها كل يوم. وتشتهيها. وإن لم تأكلها تشعر وكأنك ستموت.”
ظل ديونيس لحظة يفكر، ثم التقت عيناه مباشرة بعينيها.
“التفكير فيها كل يوم.…”
عندها، تأرجح بريق هادئ في عينيه الحمراوين.
وحين حاولت ميلودي أن تتهرب من نظرته الثقيلة، بدأت تنظر إلى أطراف أصابعها.
“والشعور بالموت إن لم تحصل عليها.”
حينها لامس طرف يده المغطاة بالقفاز أطراف أصابعها برفق.
“يبدو أنني أحبها إذاً.”
لم يدم ذلك إلا لحظةً قصيرة. لكنها حين رفعت رأسها، التقت بعينيه الحمراوين المتقدتين بحرارة تكاد توقف قلبها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 60"