“مجيئي إلى الغابة كان أمراً عزمتُ عليه منذ اللحظة التي بدأت فيها الأداة السحرية التي قدمتها لكَ بالعمل. حتى لو لم يُتهموني كمذنبة، لكنت جئت.”

 

“……ها أنتِ تراهنين بحياتكِ مجدداً في مكان طائش.”

 

“لن أموت. ألستُ موضع ثقتكَ يا دوق؟ إنني أملك من القدرات أكثر مما تظن.”

 

“لم أقل يوماً أنكِ بلا قدرات. المشكلة أنكِ فائقة الحد حتى حدّ الإزعاج.”

 

“أوه……”

 

باغتها بالمديح فاهتّز جفناها بدهشة. 

 

كانت تعلم أنها متميزة، لكن أن يعترف هو بها كان شيئاً جديداً و محرجاً في الوقت ذاته.

 

“لو لم تكن لديكِ تلك القدرات، لكان من الممكن أن أحجزكِ في القصر.”

 

“ولو حصل ذلك، لما كنا التقينا أصلاً.”

 

ثم تحدث ديرين متردداً وهو يراقب الجو،

 

“الحقيقة أن قدرات الآنسة ميلودي خارقةٌ بالفعل. لو لم تكن معنا، لكنّا الآن جميعاً جثثاً ممزقة ببراثن الغريزلي.”

 

“واجهتم الغريزلي؟”

 

“نعم. قطعتُ عنقه بالأداة السحرية. فلفظ أنفاسه.”

 

عند إجابة تاليا، عاد بصر ديونيس ليستقر على ميلودي.

 

“أنتِ أفضل مني.”

 

“إذاً، استمع لكلامي قليلاً.”

 

ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ طفيفة وهو يحني رأسه.

 

“كما تأمرين.”

 

“لا ترهق نفسكَ. الجرح سيتفاقم.”

 

فخفّ التوتر الذي كان مشدوداً في كتفيه. 

 

كانت إصابة كتفه خطيرةً بما يكفي لكنها لا تُميت، ولحسن الحظ لم تكن ضربةً من وحش. 

 

فأحكمت ميلودي ربط ضماد وقف النزيف بعناية.

 

“دعني أعالجكَ.”

 

قال ديرين ذلك متقدماً، فسارعت ميلودي لتغطية الجرح.

 

“لا، من الأفضل أن تدّخر قوتكَ المقدسة. الجرح ليس بذلك العمق، وضمادي يكفي.”

 

“لكن الجرح انفتح تواً……”

 

بادرت ميلودي بسرعة قبل أن يتسرب الشك إلى ديرين،

 

“ما رأيكَ أن نصلح حجر الحاجز ونعود؟ فمن الصعب أن نأتي مجدداً.”

 

“هذا خطرٌ جداً.”

 

“وأنا أيضاً أعارض.”

 

أهفين وديونيس صرخا بصوت واحد. لكن إن عادوا الآن فسيعودون لحرب لا تنتهي مع الوحوش.

 

“بما أن هذه أرض الغريزلي، فلن يظهر أي وحش جديد لفترة من الوقت.”

 

“لكن عودة قوتي المقدسة ستحتاج يومين. وعلى الفارس ديرين وحده يستحيل إتمام الأمر.”

 

كان واضحاً أن قوة أهفين مستنزفة لدرجة خطيرة. 

 

فأشارت ميلودي نحو قمة الجرف الذي نزلوا منه.

 

“لقد وجدت آثار ناجين آخرين. كانوا يتجهون إلى عمق الغابة.”

 

نظر أهفين متردداً نحو ظلمة الغابة السوداء، لكن لم يظهر شيء.

 

“إذاً هناك ناجون آخرون……في هذه الغابة.”

 

“أما زالوا أحياءً حتى الآن؟”

 

تجمد كتفا أهفين عند كلمات ديرين التي خرجت منه بلا قصد.

 

“……سنحتاج إلى ثلاثة أشخاص آخرين على الأقل.”

 

“إذاً فور بزوغ الشمس فلنبحث عن الناجين. أما الآن، فمن الأفضل أن نجد مكاناً نستريح فيه.”

 

كان الجميع بحاجةٍ إلى قسط من الراحة، فالخروج من الغابة سيحتاج إلى أيام أخرى. 

 

أنهت ميلودي علاجها، ثم نهضت لتتفقد المكان. وما إن خطت خطوةً حتى تبعها الأربعة الباقون دفعةً واحدة.

 

“أليس من الأفضل أن نتفرق قليلاً ونستكشف القريب؟”

 

سألت ميلودي، فانطلقت الردود متزاحمة،

 

“سأذهب مع الآنسة ميلودي.”

 

“وأنا أيضاً أود مرافقة الآنسة ميلودي.”

 

“سأتبعكِ.”

 

“سأكون معكِ.”

 

حسبت ميلودي الاحتمالات. 

 

لم يكن ممكناً أن تبتعد عن ديونيس المصاب. وأما أهفين، فبرغم مظهره السليم إلا أن وضعه لا يسمح بالاعتماد عليه كلياً. 

 

ومع ذلك فلن يكون بوسعها التكفل بمصابَين في آن واحد.

 

فتدحرجت عيناها بتفكير قبل أن تعلن،

 

“سأرافق السيدة تاليا والدوق. أنتما الإثنان تفقدا الجهة الأخرى.”

 

فصرخ ديرين محتجاً،

 

“لكننا أصبحنا أصدقاء، أليس كذلك؟”

 

فأجابته تاليا ببرود،

 

“حتى لو كنتما صديقين، فلن تكون أوثق من فرسان الدوق. لعلك نسيت من تتبع الآنسة ميلودي.”

 

“هذا……صحيح.”

 

اقتنع ديرين سريعاً، وانضم إلى جانب أهفين. 

 

و بدا وكأن أهفين أراد قول شيء، لكنه لم يجد له وقتاً، فاكتفى بالإيماء.

 

“ليكن. انتبهوا لأنفسكم.”

 

***

 

كان ديرين هو أول من عثر على أطلال مبنى داخل الغابة. 

 

رفع يده مشيراً في البعيد وقد جمع رفاقه حوله.

 

“هناك! أرى شيئاً هناك.”

 

بين الضباب المنخفض برزت معالم قوس حجري منهار.

 

“لا أثر للوحوش.”

 

“فلنقترب.”

 

هبطوا المنحدر المتشابك بالجذور حتى بان المبنى بوضوح. 

 

سقفه متهدمٌ في أغلبه، وأرضه مغطاةٌ بشظايا زجاج متصدع وحجارة محطمة متناثرة.

 

“قد يكون بعض الناجين قد اختبأ هنا. سأستطلع الأمام.”

 

دخلت تاليا إلى الداخل ثم خرجت بعد قليل،

 

“لا فأر واحد هنا. أي معتوه كان يسكن مثل هذا المكان؟”

 

“قيل أن الأرض خارج الحاجز كانت في الماضي طبيعية، فلعلها بقايا من ذلك الزمن.”

 

مسح أهفين بيده عموداً مائلاً نصف ساقط. 

 

أيام ما قبل الحاجز……أي نوع من السحرة كان يعيش حينها؟ 

 

نظرت ميلودي نحو ديونيس بقليلٍ من المرارة.

 

“الغريب أننا لا نجد أثراً لوحوش.”

 

ثم قال ديونيس ذلك وهو يتفقد أرجاء البناء.

 

“أكان معبداً قديماً؟”

 

“هاه، احتمالٌ وجيه.”

 

“سنتولى الحراسة. أما أنتم الثلاثة فحاولوا أن تغفوا قليلاً.”

 

أشار ديرين إلى موضع ما يزال سقفه قائماً. 

 

ثم جمعت تاليا أوراقاً وأشعلت ناراً، فانتشرت حرارةٌ لطيفة بددت برودة الهواء.

 

“سأذهب وأضع الأداة السحرية عند المدخل.”

 

كان مكاناً غريباً يخلو بشكل مريب من أي أثر للوحوش. 

 

و كانت ميلودي تراقب أداة كشف الوحوش بينما تمشي نحو مدخل المبنى.

 

‘لا توجد حتى بقعة دم واحدة.’

 

حقاً إنه مكانٌ عجيب. 

 

وبينما كانت تربط الأداة السحرية بين عمود وآخر، عثرت على لوح حجري قديم. 

 

و نفخت عنه الغبار ومسحته بكُمّها، فظهرت حروفٌ بالية متآكلة يصعب قراءتها.

 

‘حروفٰ رونية؟’

 

لم تستطع تمييز الكلمات، لكنها عرفت الشكل.

 

‘تبدو كأنها نقوش الظلام.’

 

وبينما كانت تتأمل اللوح، تناهى إليها صوت ديرين الخافت، قادماً على ما يبدو من خارج المبنى.

 

“لكن يا سيدي الدوق، ألستَ مشهوراً بإصابتكَ بالوسواس القهري؟ حتى الكهنة كانوا يشكون من أنكَ لا تدع أحداً يلمسكَ. ثم ها أنتم تُعالج من قبل الآخرين، بل وتلقيت سواراً كهدية أيضاً. فما علاقتكما حقاً أنتما الاثنان؟”

 

بدا واضحاً أنه يقصدها مع ديونيس.

 

وأي علاقة تلك؟ علاقة عقد لا أكثر. 

 

إنما بدا الأمر غريباً لأن ديونيس لم يسمح بلمسة من أحد سواها حتى الآن، لكنها لم تكن سوى علاقة تبادل: يعطيها ما تحتاج، وتمنحه ما يحتاج.

 

ألم يقل هو نفسه ذلك؟ بأنه يحتاج إليها.

 

حينها دوّى ضحك تاليا الهادئ.

 

“أتريد أن تعرف حقاً؟”

 

“نعم، أود أن أعرف.”

 

شهق ديرين نفساً وسط برودة الفجر. و أعقب لحظةَ صمتٍ صوتُ تاليا يتابع.

 

“حتى أنا أود أن أعرف.”

 

“…….”

 

“لقد أدهشني كل مرة. فهذا الدوق نفسه، الذي لم يكن يسمح حتى أن يُسند حين كان كاحله يتمزق ألماً، ناهيك عن أن يُعالج.”

 

“أتقولين أنه حتى حينها رفض العلاج؟”

 

“نعم. عندها أدركتُ أن المجنون الحقيقي ليس غيره.”

 

“ومع ذلك سمح للآنسة ميلودي؟ ألا يعني هذا أنهما……على علاقةٍ ما؟”

 

“وعلاقةٍ ما هذه، ما معناها؟”

 

“……أي أنهما عاشقان.”

 

فتوقفت يد ميلودي عن الحركة، ورمشت عينيها بدهشة.

 

_______________________

 

تاليا تقول للدوق انه هو المجنون؟ انجنت؟ قدامه بعد 😭

 

ديونيس الحين في اسعد لحظاته دامهم شبكوه مع ميلودي 😂

 

وأهفين وش ذا السؤال؟ لايكون غيران؟ كل تبن بس ماناقصنا الا غيرة المازوخي

 

Dana