قبل دخولهم الأرض المتآكلة، التفت ديرين نحو ميلودي،
“أليس لديكِ أداةٌ سحرية صالحةٌ للاستخدام الآن؟ مثل شيء يمحو كل شيء دفعة واحدة.”
“هل أنتَ خائف؟”
كانت تاليا هي من ردّت، بنبرة ساخرة توحي بالاستهزاء، غير أن صوتها لم يخلُ من التوتر.
“كُهُم، سألت فقط لعلي أجد شيئًا. يجب أن نستعد.”
“آه، نعم.”
“إذاً، أليس لديكِ؟”
ميلودي، وهي تحدّق في عينيه اللتين اشتعلتا بالترقّب، هزّت رأسها في حرج.
“لا يوجد شيءٌ كهذا.”
فأطرقت تاليا رأسها بخيبة، ولم تستطع إخفاء أسفها، فيما انطلق من فم ديرين زفيرٌ ثقيل.
“فلنذهب إذاً.”
وهكذا، خطت أقدام الثلاثة فوق الأرض الملطخة بالسواد.
***
“من هنا فصاعدًا سأمضي أولًا. كونوا حذرين. إياكم أن تبتعدوا عن……”
لم يكد ديرين يتم عبارته حتى كانت ميلودي تتوغل بلا تردد في أعماق الغابة.
“من هذا الاتجاه.”
“أن تمشي هكذا بتهور قد يكون خطرًا……”
“انتبه لرأسكَ، سيد ديرين.”
فوق رأسه مباشرة، كانت هناك غابةٌ متدلية تحمل وحشًا يشبه الأفعى، قد فتح فمه على اتساعه.
وما إن رفع ديرين رأسه حتى تساقطت نقطةٌ من لعاب أسود فوق كتفه.
“آآآآآآخ! تبا! ما هذا بحق!”
وما إن لوّح بسيفه حتى هوى الوحش من الغصن جثةً هامدة. ورغم نبرة صوته المذعورة، كان سيفه يلمع بخفة نظيفة خالية من الارتباك.
“إنها أفعى روسال. لم تعضكَ أليس كذلك؟ لو عَضّتْك لانتفخ جسدكَ فورًا.”
“أي أنها قاتلة إذاً. لكن لماذا أنتم هادئون إلى هذا الحد؟ هل أنا وحدي المذعور؟”
“لا، أنا أيضًا أرى الأمر كذلك.”
أكدت تاليا بصوت منخفض، فحدّق فيها ديرين بعينين ضيقتين.
“ولِمَ تخاطبينني دومًا بلا ألقاب؟”
“لأن من هو أضعف مني لا يستحق غير ذلك.”
“…….”
ارتسم على وجه ديرين تعبيرٌ مفعم بما يود قوله، لكنه لم يجد وقتاً لذلك.
أما تاليا فاكتفت بابتسامةٍ ساخرة ولوّحت بسيفها. وسرعان ما انشقت عدة أفاعٍ من روسال وسقطت إلى الأرض مقطّعة.
“أمامنا ثلاثةٌ من المانغوس.”
“سآخذ اثنين، وأنتَ واحدة. لنبدأ!”
وقبل أن ينتهي كلام ميلودي، اندفعت تاليا بسيفها العظيم، يتبعها ديرين بعد لحظة، ووجهه ممتلئ بالغضب.
“لنبدأ ماذا والبرد يكاد يقتلنا……! أنا من سيقضي على الاثنين معًا!”
“نقطة ضعف المانغوس في آذانه!”
غير أن التحذير لم يكن ذا معنى، إذ سرعان ما تهشمت جمجمة أحدهم، واخترق السيف قلب الآخر.
أما الثالث فقد انقسم نصفين بين السيف العظيم والسيف الدقيق.
“لو كنت أسرعت قليلًا فقط لسبقتكِ……!”
“بطيء.”
“ألم نقضِ عليه معًا؟!”
“هاه؟ جانبي كان أكبر.”
وبينما كانت مشاحنتهما تتردد في الأجواء، جلست ميلودي القرفصاء أمام جثة المانغوس.
و راحت تفتش في أحشاء الوحش المشطور نصفين، بينما كان يتساقط منها سائل أسود قاتم، لكنها لم تأبه واستمرت. ومن فوق رأسها جاء صوت تقيؤ مكتوم.
“أغغغ! ما الذي تفعلينه بحق؟!”
سأل ديرين مذعورًا.
وما هي إلا لحظات حتى استخرجت ميلودي نواةً سحرية من قرب القلب، ثم نزعت كيسًا أسود ملتصقًا تحت الفك وربطته جيدًا قبل أن تضعه في حقيبتها.
“أود الاحتفاظ ببعض النوى السحرية. أما هذا فهو كيس السم……فقط للاحتياط.”
“أمثالكِ فقط هم من يستطيعون أن يصبحوا صنّاع أدوات سحرية!”
ارتجف ديرين من الاشمئزاز وابتعد خطوةً عن ميلودي.
“لا أدري حقاً. فلم ألتقِ صانع أدوات آخر من قبل.”
قالت تاليا ذلك وقد ثبتت نظرها في الأفق، كأنها تعجز عن احتمال المشهد.
و بعد ذلك ظهر بعض الوحوش، لكن الفارسين قضيا عليهم بسهولة.
“ليس النمل إذاً. لم نرَ ولو واحدًا.”
عند كلام تاليا، ارتسمت على وجه ديرين ملامح من أدرك متأخرًا، لكنه سرعان ما أصلح تعبيره،
“ربما انتقلوا إلى مكان آخر……”
“لو كان كذلك، لرجعوا إلى حيث بيوضهم.”
“……وربما أرادوا فقط الابتعاد عن مكان خطر.”
رفعت ميلودي كتفيها بلا مبالاة وردّت،
“احتمال أن يكونوا قد تحركوا وارد.”
كان الطريق يستغرق عادةً بضع ساعات، لكنهم قضوا نصف نهار في قطعه.
وعند المغيب أشارت ميلودي إلى مكانٍ خلف شجرة ضخمة.
“لقد أوشكنا على الوصول.”
“لكن ما الذي كنا نتبع……آه……!”
هناك تناثرت جثثٌ مشوهة إلى حد لا يُعرف معه شكلها، مع بقع دماء ولحومٍ ممزقة.
وعندما عثرت تاليا على جثث بعض رفاقها، عضّت على أسنانها و تحدثت كأنها تبتلع الغضب،
“تباً……! لا يعقل أنهم جميعًا……قضيَ عليهم هكذا……!”
“هذه آثار غريزلي. وبما أنه ترك بعض فرائسه، فالأرجح أنه تبع مَن نجا ليصطادهم.”
كان غريزلي وحشًا على هيئة دب عملاق، لا يغادر منطقته قط. ولم يحدث قط أن ترك صيده ورحل.
“إن نجا أولئك، فسيعود إلى هنا ليلتهم ما تركه.”
“هذا يعني……أنه قد يأتي إلى هنا؟ ……متى؟”
“لا أعلم. لنتمنى ألا يعود قبل أن ندفن الجثث.”
بدأت تاليا تجمع الجثث في مكان واحد، ولم تنسَ التقاط القلادات التي تحمل الأسماء.
“دفنهم رفاهية لا نملكها، أليس كذلك؟”
قالت ذلك بحزن، فيما جمع ديرين كفيه وأطلق قوةً خافتةً إلى جوارها.
“يا نور……”
لكن ما إن بدأ تطهيره حتى دوّى ارتطام هائل زلزل الأرض. و تساقطت أوراق سوداء من السماء كالمطر.
“يبدو أنه قادم.”
رفعت تاليا سيفها ووجهها متصلب من التوتر، ويداها ترتجفان وهي تقبض بقوة على قبضته.
“هل سنموت الآن؟”
ثم أخرجت ميلودي أداةً سحرية من حقيبتها.
“على الأرجح، نعم.”
ربطت ميلودي أداةً سحرية دقيقة الخطوط بين شجرتين. و لم يكن بالإمكان سد جميع الجهات.
بعد ذلك سلّمت كيس السم إلى ديرين.
“سيدة تاليا، هل يمكنكِ أن تدفعي الوحش ليمر من هنا؟ بحيث يمر عبر الأداة السحرية. سرعته كبيرة، لذا لن يكون الأمر سهلًا.”
“اتركيه لي.”
“أنا……أمّا أنا……”
“ألقِ السم. يجب أن تصيبَ وجهه مباشرة. وإن لامس السمَّ، فعجّل بتحييده بالقوة المقدسة.”
“نـ-نعم……!”
رفع ديرين زاوية فمه بتوتر.
“لكن……ماذا لو فشلت؟”
“كفّ عن التفكير الفارغ وركّز فقط. ها هو قادم!!”
في اللحظة ذاتها، ظهر الغريزلي محطمًا شجرةً ضخمة أمامه. و زمجر بصوت يصمّ الآذان قبل أن يندفع بجسده الكاسح نحو تاليا الواقفة قبالته.
لكن ما إن قبضت تاليا على سيفها بقوة حتى غيّر الوحش اتجاهه فجأة. وانقضّ مباشرةً على ميلودي التي كانت واقفة قرب الجثث.
“كــآآآآ!!”
في ومضة، أدركت ميلودي ما يحدث، لكن سرعته فاقت قدرتها على الفرار.
دوّت خطواته العاتية كالرعد، ثم فتح فمه لينقض على رأسها.
“إلى أين……!”
في تلك اللحظة، هو، سيف تاليا على قمة جمجمة الوحش.
كاااانغ!
غير أن الجمجمة الصلبة ردّت الضربة وارتدّ السيف. وفي ذات الوقت سقطت ميلودي أرضًا على التراب بعنف.
“تبا……! صلابته مقززة!”
صرخت تاليا وهي تعاود الضربة.
ورغم أن نصلها لم يقطع سوى مؤخرة رأسه بخدش عابر، إلا أن التأثير كان كافيًا. فقد حوّل الوحش أنظاره عن ميلودي والتفت نحو مصدر الإزعاج الحقيقي: تاليا.
“أجل، تعال إليّ! أيها الضخم الأبله!”
زمجر الوحش هائجًا ولوّح بمخالبه العملاقة نحوها. فدوّى الانفجار وارتجت الأرض، وتناثر الغبار من كل صوب.
لكن تاليا استغلت اللحظة، وانطلقت بجنون حتى وصلت قُرب الأداة السحرية.
“وصلت……!”
__________________________
ديرين يااااويلك تخرب عليها يمااه بسرعه
مافيه شي هيا للي بعده
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 56"