وقف الكاهن الأكبر أمام الجمع، رافعًا بصره إلى السماء الحالكة. وقد كانت الغيوم السوداء المتراكمة أشبه بالأرض التي التهمها الفساد.
“الفرسان الذين توجهوا نحو الغابة قد لقوا كارثة.”
ارتسم الذهول على وجوه الحاضرين.
“أما الدوق وفرسانه فمصيرهم لم يتأكد بعد. غير أن شهادة الجندي تقول إن ما واجهوه هناك كان وحشًا فقد صغاره……وحش النمل.”
“نمل……؟!”
“لا يمكننا إعادة الموتى إلى الحياة، لكن، من أجل راحتهم، سنقتص باسم المعبد ممن سلبهم أرواحهم.”
“ومن يكون هذا؟”
“إنها صانعة الأدوات السحرية، تلك التي تجرأت بمعرفتها التافهة على أن تزج بالجميع في الهلاك.”
وما إن أنهى كلماته حتى التفتت أبصار الجمع نحو شخص واحد……ميلودي، التي كانت بينهم تنصت في صمت.
عضّت على شفتيها حتى ارتجفت.
لقد كان ديونيس هو من قتل معظم وحوش النمل البالغة، ولم يكن موتهم بسبب تلك المخلوقات، ويمكنها أن تقسم بيمينها على ذلك.
“أمسكوا بتلك المجرمة وأحضروها إلي!”
وسرعان ما قُيدت ميلودي بأيدي الفرسان، وسُحبت لتقف أمام الكاهن الأكبر.
في وقت يقتضي البحث عن ناجين أو التفكير في كيفية إنقاذهم، لم يجدوا إلا أن يجعلوا معاقبتها شغلهم الشاغل.
“لقد تبجحتِ بأدواتكِ السحرية، وفي النهاية كنتِ سببًا في مقتلهم جميعًا!!”
تحركت شفتا ميلودي للحظة بلا صوت، ثم مالت بنظرها نحو الأرض المتآكلة.
ربما لم تُعرف بعد حياة الآخرين أو موتهم، لكنها كانت واثقةً بأن ديونيس حيّ.
إن عاد ديونيس فستتضح الحقيقة. و بشهادته سينتهي كل شيء.
لم ترَ جدوى في أن تبرر ما لم ترتكبه، ولا معنى لذلك أصلًا.
لكن حينها، دوّى صوتٌ من بين الحشود،
“لكنها لم تفعل ذلك عن قصد، أليس كذلك؟ أولى بنا الآن أن نفكر في إنقاذ من بقوا على قيد الحياة، لا في إدانتها!”
فأُغلقت أفواه الذين كانوا يوجهون لها اللوم. ثم تحدث الكاهن الأكبر بصوت منخفض مثقل بالكآبة،
“ذاك مكان لم يتمكن حتى فرسان النخبة من النجاة منه. أن نرسل غيرهم إليه، معناه أن ندفعهم دفعًا إلى الموت.”
“لكن……!”
“لقد بعثت مبعوثاً إلى القصر الإمبراطوري لطلب الإمدادات. و حتى يحين وصولهم، واجبنا أن نركز على حماية القرية. أما جثثهم……فذاك أمرٌ مؤجل.”
كان صوته حاسمًا كمن يجزم بأن الجميع قد مات. ففتحت ميلودي شفتيها،
“سيدي الكاهن، إن قطعتَ عنقي هنا فلن يكون في ذلك إلا فشلٌ بلا جدوى. أما إن سمحتَ لي بالذهاب إلى الأرض الملوثة، فسأعود بالناجين إن كانوا هناك.”
“أتريدين أن تتهربي من العقوبة بخداعكِ لنا؟ يا لكِ من ساذجة.”
“لقد قلتَ لتوّك أن إرسال الفرسان الآخرين إلى هناك محض عبث، بل هو إجبارٌ على الموت. فهل تظن إذاً أنني إن دخلت تلك الأرض، سأعود حيّةً إن لم أملك سبيلًا حقيقيًا للنجاة؟”
زمّ الكاهن الأكبر أسنانه، قابضًا على غضبه.
“بموتكِ سنهدأ حزن ذوي الذين سقطوا بسببكِ.”
“حتى لو استطعتُ أن أنقذ من بقي حيًّا؟ أتظن أن عرض جثتي سيكون أثمن من إنقاذ حياة إنسان؟”
“أتجرئين على اتهامي—أنا الذي أتلقى مشيئة المعبد—بأنني سفاك دماء؟!”
وما إن أنهى الكاهن الأكبر كلامه حتى أدار وجهه إلى الجنود وأمرهم،
“خذوها حالًا، وألقوا بها في الحبس كي لا تفكر في الهرب.”
عندها تقدم شخصٌ من بين الصفوف.
“لنجرب مرة واحدة……ألن يكون ذلك أفضل؟”
كانت تلك تاليا.
“ماذا تقولين؟”
“لقد رأيتم جميعًا ما تصنعه الأدوات السحرية. قبل أن نراها ربما كنا سنسخر من كلامها، لكن الآن……ليس بعد.”
سرت همهمةٌ بين الناس.
“إن كان ما تقوله صحيحًا، وإن كان هناك ناجٍ، أليس واجبًا أن نبذل المستحيل لإنقاذه؟”
“أتريدين الذهاب برفقة من جلب الخطر للجميع بأدواتها السحرية؟!”
التفتت تاليا بلمح البصر نحو ميلودي ثم ردّت بثبات،
“أجل، سأذهب معها. وإن حاولت الفرار أو ماتت، فأقسم بشرفي أن أعود على الأقل بجثتها.”
“السيدة تاليا……! مرافقة من لا يوثق به ليس إلا جلبًا للخطر.”
هزّت تاليا رأسها.
“ألسنا أصلًا غارقين في الخطر الآن؟”
“!!”
“هل أنا مخطئة؟”
وبين همسات الحشد وزفير الكاهن الأكبر، أطبق عينيه بقوة. فلم يعد يملك ذريعةً تمنعهم.
“وأنا أيضًا……سأذهب. دعوني أبحث ولو عن جثمان القائد.”
كان ذلك صوت ديرين من فرسان الهيكل، متقدمًا بخطى ثابتة.
فوضع الكاهن الأكبر يده على جبينه،
“ليكن. سأمنحكم الفرصة. لكن اعلمي يا تاليا……لقد علّقتِ شرفكِ كفارسة على حياة مجرمة، إن هلكت، فعودي على الأقل بجثتها، ولو كان ثمن ذلك حياتكِ.”
“سأمتثل لمشيئة المعبد.”
ثم جثت تاليا على ركبة واحدة وانحنت برأسها.
***
“ميلودي……! ما الذي يجري بحق؟”
ما إن دخلت ميلودي الخيمة حتى اندفعت آنا نحوها بوجه يوشك أن ينفجر بالبكاء.
“لم يكن سوى حادث……”
قالت ميلودي ذلك، ثم أرادت أن تشرح أكثر.
لم يكن يهمها رأي الآخرين، لكن آنا وحدها لم تشأ أن تتركها غارقةً في سوء الفهم.
“الأمر ليس لأن أداتي السحرية هي السبب……لا أستطيع أن أنفي الاحتمال تمامًا، لكن الدوق……لا يمكن أن يكون قد سقط أمام مجرد نمل. ثم إن……”
“أنا أصدقكِ. أعلم أن الذنب ليس ذنبكِ.”
كان صوت آنا حاسمًا، وكأنه لا مجال للشك ولا حتى لمجرد تبرير.
فارتجف قلب ميلودي قليلاً.
“شكرًا لكِ……على ثقتكِ.”
“أمر ٌبديهي! ألم أرى الأدوات السحرية التي تصنعينها كل يوم؟”
ثم شهقت باكية وأضافت،
“لكن……يا إلهي، لا تقولي لي أن الدوق قد مات فعلًا؟”
رفعت رأسها وسط أنفاس متقطعة، فانزلقت دمعةٌ كبيرة من عينيها الممتلئتين.
“لا. إنه حي. انظري.”
ثم أخرجت ميلودي من معصمها سوارًا شبيهًا تمامًا بما كانت قد منحته لديونيس وآنا. في داخله كانت خرزةٌ شفافة، وفي قلبها يشتعل لهيبٌ واضح.
“ما هذا؟ نار؟”
“هذا الذي على اليسار هو الأداة السحرية التي أهديتها إلى الدوق. أترين؟ لم ينطفئ وهجها بعد.”
قالت ميلودي ذلك وهي تلمح بعينيها أن آنا توجهت بنظرها نحو السوار الآخر.
“الذي في الوسط يخصني، وأما الذي على اليمين فهو لكِ يا آنا.”
“إنها تشتعل فعلًا……هذا يعني أن الدوق ما زال حيًّا، أليس كذلك؟”
“أجل.”
“لكن……حتى نعثر عليه، لا بد أن تذهبي بنفسكِ إلى هناك……إلى حيث تعيش الوحوش……”
عضّت آنا على شفتها من جديد محاولةً أن تكبح دموعها.
ففكرت ميلودي قليلًا ثم اعترفت بصوت خافت،
“آنا……في الحقيقة أنا لست من داخل الحاجز. أنا من خارجه.”
“……ماذا؟!”
“ذلك المكان مألوفٌ لي أكثر من هنا. فلا تقلقي كثيرًا.”
لكن كلماتها المهدئة فجّرت دموع آنا التي انفجرت باكية،
“كيف لا أقلق……!”
“…….”
“يا إلهي……صغيرتي ميلودي نشأت في مكان كهذا……! هذا يجعلني أشعر بحزنٍ أكبر……!!”
ومع الدموع التي انهمرت بلا توقف، لم تعرف ميلودي كيف تواجهها، فاكتفت بالنظر إليها مرتبكة.
ثم رفعت آنا كمّها ومسحت وجهها سريعًا، و نظرت إليها بعينين دامعتين وشفاه مرتجفة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 55"