“كيف تقولين لا شيء مهم، ويدكِ التي تعيشين منها قد جُرحت؟ عليكِ أن تذهبي إلى الكاهن ليتولى علاجكِ.”
“لاحقًا، بعد أن ينتهي علاج الجرحى أولًا.”
“إذاً اسمحي لي على الأقل أن ألفها لكِ بالضماد.”
مدّت آنا يدها لتأخذ الضماد من يد ميلودي، وفي تلك اللحظة جاء من خلفها صوتٌ منخفض وناعم.
“هل لي أن أتولى علاجكِ بنفسي؟”
استدارت برأسها، فإذا بكاهن ذو شعر بني داكن يقف خلفها، بدا في الثلاثين من عمره تقريبًا، بملامح وديعة.
“نعم، أرجوكَ.”
“اسمي بينيديكت.”
“وأنا ميلودي.”
“أجل، أعلم. الجميع لا يكفون عن ذكر اسم الآنسة ميلودي.”
كان صوته ينطوي على حدّة خفية. بينما أمسك بيدها وبدأ العلاج.
“تفكيركِ في هزيمة وحشٍ بوحش آخر……يا لها من فكرة جريئة ومستفزة.”
“ليست طريقةً يمكن لأي أحد أن يتخيلها.”
قالت ميلودي ذلك وهي تهز كتفيها، فألقى الكاهن بنظرة ضيقة كأنه يقرّ.
“وهل تظنين نفسكِ الآن صرتِ قديسة؟”
بصوتٍ ساخر ضاقت عينا ميلودي.
“قديسة؟ كل ما في الأمر أنني قدمت مساعدةً صغيرة ليس إلا.”
“أهكذا ترين؟ على أية حال، فالمصفوفات السحرية ليست سوى نسخة باهتة من لغة القداسة.”
كانت أحرف الرون هي لغة القداسة، حروفًا تحمل أوامر مطلقة. أما الأدوات السحرية فليست إلا صيغًا مأخوذة من تلك اللغة، حُوّرت ليتمكن البشر من استخدامها.
“لقد حاولت فقط أن أفهم، كي أتمكن من استعمال ما أُعطي لنا بشكل أفضل.”
“أتقصدين العبث بقوة القداسة؟”
توقّف النور المتسرب من كفه، ثم تحدث بنبرة باردة،
“إنها فكرةٌ خطرة. المعبد لا يرغب أن يمتلك الجميع القوة، بل أن يقوم قلةٌ مختارة من الأخيار بتمثيل مشيئته. ولهذا السبب يحذر المعبد من الأدوات السحرية والسحرة.”
كانت كلماته مغلّفةً بنعومة، لكنها حادة كالشفرة.
ثم ابتسم الكاهن ابتسامةً صغيرة، غير أن عينيه كانتا تمتلئان بالاحتقار.
“قوة الظلام تُفسد صاحبها. وفي النهاية، لن يقاوم توقه لدماء البشر ودمارهم. وقوة الأدوات السحرية لا تختلف كثيرًا.”
ضغط الكاهن على راحتها المصابة التي لم تلتئم بعد وهو يُكمل،
“احترسي……لا تدعي القوة تسلبكِ مكانكِ الحقيقي.”
وما إن أنهى كلامه حتى سحب يده، ثم اتجه بخطوات واسعة نحو حيث يجتمع الكهنة الآخرون.
قبضت ميلودي يدها بقوة، ففُتح الجرح الذي أُغلق بالكاد، وتدفقت منه قطرات دم جديدة.
‘إنه يتحدث وكأنه رجل صالح!’
قطبت حاجبيها بضيق.
لقد جاء بينيديكت متذرعًا بالعلاج ليحذرها، ليقول لها: لا تتدخلي بعد الآن، وابقَي صامتة.
“سأطلب من آنا أن تضع لي ضمادًا فقط.”
تمتمت وهي تتمالك نفسها متجهةً نحو الخيمة، وعندها—
“أه……؟!”
من وراء الغابة التي غمرها السواد، انبعث وميضٌ قرمزي خاطف. و للحظة، حبست ميلودي أنفاسها. كان ذلك إشارة استجابة من الأداة السحرية التي أهدتها لِديونيس.
“سيدي الدوق……؟!”
كان ذلك نذيرًا بأن حياته باتت في خطر داهم.
***
داخل المخيم، راح الكاهن الأكبر سيريل يدور في المكان جيئةً وذهابًا بقلق ظاهر.
في الخارج كانت المعارك الضارية مع الوحوش ما تزال مستعرة. و الشرخ الذي اتسع أكثر بكثير مما توقعوا قلب مجرى المعركة إلى غموض، حتى ما عاد أحدٌ يجرؤ على الجزم بكفّة النصر.
“لم أتوقع أن يتسارع الأمر هكذا……”
تنهد سيريل بعمق وهو يمسح جبهته براحة يده.
إن بقاء الحاجز واستقراره كان مسؤوليته وحده، بل واجبه المقدس. ولو انهارت الجبهة، فسيُلقى كل اللوم على عاتقه هو.
“وأين السحرة؟ لماذا لم يُحضروا بعد؟”
انحنى أحد الكهنة أمام إلحاحه بصوتٍ مرتجف،
“لقد……اختفوا.”
“اختفوا؟!”
ارتد صوته الحاد في أرجاء الخيمة، حتى ارتجف الكاهن هلعًا من انفعالٍ لم يألفوه منه من قبل.
كان لا بد أن يجد من يُلقي عليه اللوم، ولهذا أصدر سرًا أمرًا بجلب السحرة المسجونين ليحملهم المسؤولية.
لكن حتى تلك الخطة باءت بالفشل.
“أثناء الطريق إلى هنا تعرضوا لهجوم. أرسلنا رجالًا للبحث، لكن لم نعثر لا على أثرٍ لهم ولا حتى على جثثهم. الأمر بدا وكأن أحدًا تعمد ذلك عن قصد.”
قبض سيريل على يده حتى ابيضّت أطراف أصابعه من شدة الضغط.
إن انهار الحاجز فستسجل تلك الهزيمة على اسمه وحده. فما كان منه إلا أن اتخذ قراره سريعًا.
“إذاً فلتذهبوا وتأتوني بأي شخص……أمسكوهم بالقوة إن اضطررتم.”
مهما كان الثمن، عليه أن يجد من يُحاسب قبل فوات الأوان.
أومأ الكاهن ثم اندفع خارج الخيمة بخطوات مسرعة. فأغمض سيريل عينيه وهو يضغط على أسنانه بقهر.
من زنزانة المعبد إلى هنا يلزمهم ما لا يقل عن عشرة أيام سفر، وحتى إن عجّلوا فسيكون الوقت قد فات عند وصولهم.
وبينما كان يطوي كفيه بوجهٍ كئيب، إذ بالخيمة تُفتح فجأة ليدخل كاهن آخر يلهث من الهرولة.
فرفع سيريل رأسه إليه بحدة.
“ماذا هناك؟”
نسي الكاهن حتى آداب التحية وهو يجيب متقطّع الأنفاس،
“أحد فصائل الاستطلاع قد عاد.”
“إذاً، لقد فشلوا.”
ارتسم ظل خيبة عميقة على وجه الكاهن الأكبر.
“يقولون أن الدوق وفرسانه، بل حتى فرسان الهيكل المقدس، مصيرهم مجهول.”
“ومن الذي نجا وعاد؟”
“إنه يتلقى العلاج الآن عند الكاهن بينيديكت.”
تحرك الكاهن الأكبر صامتًا، وخطواته الرزينة تتلاشى في سجاد الممر.
داخل خيمة العلاج، كان جنديٌ ممددًا بين صفوف الكهنة، درعه مضرّج بالدماء وقد استنزفه النزف.
“سيدي الكاهن الأكبر……”
حين لمح الكهنة الكاهنَ الأكبر، تراجعوا بحذر خارج الخيمة تاركين له المجال.
ثم اقترب سيريل من السرير، يحدّق بالجندي الممدد، و سأله بصوتٍ منخفض،
“كيف حاله؟”
تفحّص بينيديكت جراح المصاب قبل أن يجيب،
“لحسن الحظ لم تُصب مواضع الحياة. لقد فقد الكثير من الدم، لكن إن عالجناه فسينجو.”
“همم……”
أطلق الكاهن الأكبر أنينًا قصيرًا ثم وجّه نظره إلى الجندي الجريح.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 54"