دفعت ميلودي واحداً من الأدوات السحرية إلى الأمام فسألها احدهم،
“أليست هذه…..أداةً سحرية لجمع الماء؟”
“صغار النمل تفقس عندما يهطل المطر. فهي تولد في الماء المتجمع.”
“أتريدين أن تصنعي مطراً باستخدام بعض الماء في وعاء؟”
“لا أستطيع أن أجعله يهطل من السماء، لكن يمكنني أن أجعله يتدفق إلى الأسفل.”
وأشارت ميلودي إلى المنطقة المتآكلة على الخريطة.
“أي هراء هذا؟ المطر لا يهطل الآن، فهل تظنين أن بوسعكِ جمع الندى لملء تلك المساحة الشاسعة؟ هل علينا أن نهدر وقتنا بمثل هذا الكلام الفارغ؟”
“أنا أراه كلاماً منطقياً.”
ثم تغيرت نظرات الكاهن الذي كان يعترض على كلام ديونيس.
“هُمم…..حتى لو كان ذلك صحيحاً، فكيف لنا أن نعرف كيف تعمل تلك الأداة السحرية؟ وعلى أي أساس نضع خطة قتال معتمدين على هذه المرأة؟”
“بإمكانكم أن تضعوا خطةً بديلة إذا فشلت خطتي. الخطة الأصلية التي أردتم تنفيذها مثلاً.”
فصمت الكاهن، إذ لم تكن لديهم خطةٌ أخرى أصلاً.
“كم يستغرق تجهيز الأداة السحرية؟”
“حوالي ساعة.”
“إذاً علينا أن نكسب وقتاً.”
أومأ ديونيس برأسه.
“يكفي أن يمتلئ نصفها بالماء فحسب.”
لكن ديونيس هز رأسه نفياً لقول أهفين.
“حتى إن فشلت فلا بأس. في النهاية يمكننا القضاء عليهم جميعاً بالسيف.”
نظرت ميلودي إلى تبادل النظرات الخطيرة بين الاثنين، ثم بدأت تكتب معادلات سحرية على الورق.
***
و أول من قصدته ميلودي كانت ليهلين.
“قلتِ أنكِ تعرفين مكان وجود ماء، أليس كذلك؟”
“هناك جدول ماء صغير في تلك الجهة. ليس كبيراً لكنه موجود.”
وأشارت ليهلين إلى وسط الغابة. وبعد أن تأكدت ميلودي من تدفق الماء، اتجهت إلى غرسون.
“هل يمكنكَ صنع قناة من هناك إلى هنا لتجعل الماء يتدفق خلالها؟”
فرفع غرسون مطرقته.
“إن كان يكفيكِ أنابيبٌ مصنوعة من الخشب، فبوسعي إنهاء العمل في الوقت المحدد.”
“هذا أكثر من كافٍ.”
دخلت ميلودي إلى خيمة أُنشئت على عجل، ثم سكبت نوى سحرية كثيرة على الطاولة.
فهي تعرف أن الماء لن يغمر كامل المنطقة المتآكلة، لذلك فكرت بسحب الماء الكامن في الأرض نفسها.
ولتحقيق ذلك ستحتاج إلى أداتين سحريتين في آن واحد.
“أيمكنني مساعدتكِ؟ لقد درستُ المعادلات السحرية في المعبد من قبل.”
كان من قصد خيمتها هذه المرة كاهناً شاباً لا يزال يبدو عليه صغر السن.
“هناك المعادلة السحرية التي كتبتها مسبقاً. انسخها كما هي على هذا الموضع.”
“سأجرب.”
ولأنها كانت في أمسّ الحاجة إلى أي يد عون، حتى لو كانت يد قطة، فقد أوكلت ميلودي العمل إليه مباشرة.
“وأنا؟”
رفعت آنا يدها بحذر وهي تقف بجانبها.
“هل تتولين فحص المعادلات المكتوبة على النوى السحرية؟”
“نعم، سأفعل ذلك.”
فأسرعت آنا إلى جوار الكاهن الصغير.
وبعد ساعة كاملة خرجت ميلودي من الخيمة تحمل أداتين سحريتين كبيرتين بحجم جسدها تقريباً.
“لقد أتممتِها في الوقت المحدد.”
قال ديونيس ذلك وهو ينزع خوذته ويمرر يده في شعره المبعثر.
ويبدو أنه خاض قتالاً في هذه الأثناء، فدرعه كان ملطخاً بدماء الوحوش السوداء الداكنة.
“لنبدأ.”
– “يتدفق الماء.”
صعدت ميلودي إلى التلة المطلة على الأرض المتآكلة، وفوراً شغّلت الأداة السحرية.
فاندفع ماء الجدول عبر القنوات الخشبية ليهدر كالشلال نحو الأرض الفاسدة. وفي اللحظة نفسها اهتزّت الأرض وارتفعت قطرات ماء ضخمة من باطنها إلى الهواء.
“واو..…”
تجمعت القطرات شيئاً فشيئاً حتى كوّنت بركةً غمرت التربة الملوثة.
“استعدوا للقتال!”
كرااك!
دوّي صوت تحطم شيء قاسٍ وسميك من كل الجهات، ترافقه رائحة نتنة خانقة. لقد كان العفن المميز المنبعث من انكسار البيوض.
“بدأ الفقس!”
ومن داخل القواقع البيضاء الحليبية اندفعت أجساد داكنة متتابعة. ولم تكن واحدةً أو اثنتين، بل أعداداً هائلة. فابتلعت ميلودي ريقها بصعوبة.
كان ديونيس والفرسان قد ذبحوا مئات الوحوش البالغة، ومع ذلك ظل عدد يفوقهم بكثير يزحف في الميدان.
والآن بعدما انضمت الوحوش المولودة حديثاً، اسودّت الأرض المتآكلة تماماً حتى لم يعد فيها موطئ قدم واحد.
“سنبدأ حين نتمكن من ضرب الأمهات. تحركوا.”
وقبل أن ينطلق ديونيس من جديد إلى ساحة المعركة، أمسكت ميلودي بيده وقدّمت له أداةً سحرية على هيئة سوار، شبيهة بتلك التي أعطتها لآنا.
“هذه الأداة تعمل تلقائياً إن كان صاحبها على وشك الموت.”
نظرت إليه بثبات وأكملت،
“لكنها غير رسمية. لو رآها الكهنة قد يزجون بي في السجن. لذلك…..عد بسلام.”
أومأ ديونيس وهو يثبت السوار في معصمه.
“نحن سنتقدم في الصف الأول.”
قال أهفين ذلك موجهاً كلامه إلى ديونيس.
وفي لحظة عابرة مرّ بصر أهفين عبر ميلودي ليستقر على الأداة السحرية التي كان ديونيس يحملها.
أما ميلودي التي لم تلاحظ ذلك فقد تحدثت برجاء شديد،
“أرجوكما، احرصا على سلامتكما.”
ارتجف أهفين قليلاً عند سماع ذلك وضاق بصره.
“سنعود.”
“عودا سالمين.”
وبينما كانت ميلودي تحدق في ظهر الرجلين المبتعدين، أمسكت قلادتها بقوة.
***
“صدّوهم!”
“إنهم يلتفون من الجانبين!”
انطلق ديونيس شاهراً سيفه نحو الأمام. ومع كل ضربة، كانت القشرة الضعيفة لصغار النمل تتحطم بلا رحمة.
كااااك!
حتى البالغون الذين لم يموتوا بعد كانوا يُقطعون في ذات الوقت.
كيييييييك!
كان صراخ الوحوش يملأ أذنيه ضجيجاً، لكن عددها كان مفرطاً. فالنمل الذي فقس من البيوض عاد من جديد ليغطي الأرض المتآكلة.
“إن استطعنا التقدم حتى حجر الحاجز فسنتمكن مؤقتاً من ترميمه.”
قال أهفين ذلك وهو يشق الوحوش بسيفه.
كان نور القوة المقدسة التي أطلقها فرسان الهيكل يتلألأ حولهم. ومع كل ضربة يقطع بها ديونيس وحشاً، كان يبتعد عنه خطوةً بخطوة.
“فلنتحرك نحو حجر الحاجز، فبهذا الشكل لن يكون للأمر نهاية. كم سيستغرق ترميمه برأيك؟”
“لأننا لم نحضر الكهنة فسيأخذ الأمر نصف يوم على الأقل. غير أن هذا يعني أن معظم فرسان الهيكل سيتخلون عن مواقعهم. أيمكنكَ تحمّل ذلك؟”
قطع ديونيس مفصل نملة كلت انقضّت عليه.
“علينا أن نجعل ذلك ممكناً.”
هَط… هَط… هَط…!
مسح ديونيس بيده وجهه الذي غمرته سوائل الوحوش السوداء بعدما شق بسيفه كل ما اندفع نحوه.
“من هذا الاتجاه.”
قال أهفين ذلك وهو يتابع المسار عبر الأداة السحرية الكاشفة لمواقع الوحوش.
“تباً، إنها لا تنتهي أبداً.”
تمتم أحد الفرسان بشتيمة وهو يلهث أثناء توقف قصير عن القتال.
وعلى وجوه الفرسان الذين استلقوا على قطعة أرض لم تطلها التآكلات ظهرت بوضوح تعابير الإنهاك.
“لكننا مدينون بهذا للماء الذي صببناه هناك، أليس كذلك؟ لولاه..…”
فكما قالت صانعة الأداة السحرية، كانت الصغار تفترس أمهاتها، مما قلل عدد الوحوش التي اضطروا لمواجهتها.
وفوق ذلك فإن القشرة الهشة للمواليد لم تكن تقارن بصلابة أصداف البالغين، فكانت ضربةٌ واحدة كافية لقطعها وإنهاء حياتها.
“حينها خُيّل إليّ أنني أشهد معجزة، عندما رأيت قطرات الماء المستديرة تتصاعد في الهواء.”
“وأنا كذلك. هل الأدوات السحرية عظيمةٌ دائماً إلى هذا الحد؟ أعرفها فقط لإشعال النار أو حفظ الطعام بارداً.”
“صحيح. عندها بدا الأمر أشبه…..بالسحر نفسه..…”
لكن الفارس الذي تكلم توقف فجأة وقد شعر بهالة قاتلة تضغط عليه.
و أدار رأسه بحذر فالتقت عيناه بنظرات ديونيس الحادة التي تكاد تفتك به.
“قد يتناقل المعبد الكلام بشأن هذا.”
قال روهان ذلك وكأنه قرأ القلق في قلب ديونيس.
“…..أجل، لا بد أنهم سيفعلون.”
_______________________
وش بيقولون ميلودي ساحره؟ كلو تبن
المهم وناسه ميلودي عطت ديونيس بس السوار هاهاهاهاعاهاهاهاهاها
وللمره المليون آنا تجنن
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 52"