دخل ديونيس إلى المعمل هذه المرة بحذر أكثر من المعتاد.
“أيعجبكِ هذا؟”
صم سأل وهو ينظر إلى جهاز ترتيب البلورات الموضوع داخل المعمل.
“جدًا.”
كان جرحه عميقًا، كأن نصلًا عريضًا قد شق ذراعه مرورًا.
ومع ذلك بدا أفضل حالًا مما كان عليه قبل قليل، فأخذت ميلودي تلف الضماد وهي تتحدث،
“الوحش الذي رأيته هناك يُدعى (غروول). يحب الأشياء اللامعة، ورؤيته ضيقة. أما صغاره فلا تطير بسرعة كبيرة.”
كانت تشرح له أن الوحش لم يكن خطرًا في الحقيقة، لكن عينيه ظلّتا مملوءتين بعدم الرضا.
“حتى لو لم يكن ولي العهد هو من كان أمامي، لتصرّفت بالطريقة نفسها.”
“لكنني ما زلت غير مرتاح.”
رفعت ميلودي نظرها إليه بتذمر.
“أنا حياتي ثمينةٌ بالنسبة لي. لو كان في الأمر خطرٌ حقيقي، لما تدخلت أبدًا.”
“لكن كان من الممكن أن تموتي.”
شعرت وكأنهما يعودان دائمًا إلى نقطة البداية.
وتحت نظراتها إليه، لاحظت أن عينيه استقرتا على يدها التي تمسك بذراعه.
والمفاجأة أن ما انكشف في حمرة عينيه لم يكن الغضب بل…..الخوف.
“هل تقلق عليّ؟”
“…….”
“إن كان الأمر قلقًا، فقله صراحة. لا تصب غضبكَ عليّ هكذا.”
قطع ديونيس نظراته الطويلة عنها وأدار وجهه بعيدًا.
“…..أنتِ شخصٌ أحتاج إليه.”
كان صوته الحاسم يحمل مسحةً من السخرية المريرة.
بينما شعرت ميلودي باهتزاز طفيف في داخلها، كالبالون الصغير حين يفرغ فجأة.
لم تفهم حتى ما الذي كانت تتوقعه منه، لكنها فقط أرادت أن تنجز ما عليها كاملًا.
“مرافقتي للبعثة ليست إلا لأن جهاز إبطال السحر الذي تريده يحتاج ذلك. عليّ أن أتأكد من النقوش الرونية المستخدمة في الحاجز. فاسمح لي أن أثبت لك أنني ضرورية.”
كان السبب الحقيقي هو رغبتها في التأكد من تغيّر المستقبل، لكن ما تلفظت به لم يكن سوى ذريعة مُحضَّرة.
عندها أطلق ديونيس زفرةً عميقة، ثم ردّ بحدة وكأنه يرمي الكلمات رميًا.
“عند الخطر…..أتحمين الساحر أم الضعيف؟”
“…..إن كان لا بد من الاختيار، فسأختار الأضعف.”
فعُقد ما بين حاجبي ديونيس بامتعاضٍ جديد، وكأن شيئًا ما أثار استياءه مجددًا.
“ألم تخاطري بحياتكِ من أجل ذلك الساحر؟”
“لم أفعل ذلك قط.”
“إذاً، هل كنتِ واثقةً أنكِ ستبقين حيّة رغم الجلد؟”
“لا أحد يعرف إن كان سيموت أو لا، إلا بعد أن يتلقى الضرب.”
مع توالي أسئلته ازدادت حدة التجهم بين حاجبيه، فيما واصلت ميلودي ردها بجدية.
“الأرجح أنني كنت سأصير عاجزةً مدى الحياة…..لكنني حية.”
ظل ديونيس يحدق فيها لحظة طويلة قبل أن يسأل بصوت أخفت قليلًا،
“ومع ذلك، كنتِ ستختارين الأضعف على الساحر؟”
لم يكن واضحًا إلى أين تتجه المحادثة.
“ما أعنيه هو: اهتمي بنفسكِ فقط. لا تفكري في حماية أحد.”
ذاك المخلوق الصغير أيضًا لم يكن يكشر أنيابه إلا لحماية سيده. ومع هذه الفكرة، انحل التوتر في نظراتها.
عندها فقط، أدركت ميلودي ما الذي يجب أن تقوله.
“ألن تحميني إذاً؟”
“ماذا؟”
“أنا أثق بكَ لذا سأذهب معكَ، يا دوق.”
لم تعد نظراته باردة. و كان يحدق فيها بصمت طويل، ثم فجأة ابتسم كما لو أنه تذكر شيئًا لم ينتبه إليه من قبل.
فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ جعلت ميلودي تبتلع ريقها دون أن تدري.
أكان سبب الوهم أن الليل قد حل؟ فقد بدا لها وكأن النور وحده موجودٌ في عينيه.
لقد كان أمرًا غريبًا. لم تكن تلك المرة الأولى التي ترى فيها ابتسامته.
“لا تبتعدي عن مرمى بصري.”
والكلمات التي خرجت من بين شفتيه، لم تكن سوى إذنٍ صريح لها بمرافقة البعثة.
***
كان يوم انطلاق البعثة يقترب سريعًا. وفي صباح ذلك اليوم، كانت ميلودي لا تزال تحشو حقائبها، مكدسّةً آخر ما قد يكون ذا فائدة من الأدوات السحرية.
“بهذه الطريقة كيف تظنين أن كل هذا سيدخل؟”
قالت آنا ذلك لميلودي وهي تدفع أداةً سحرية بقوة في فجوة جانبية من الحقيبة. و مدت يدها وأمسكت بسحّاب الحقيبة لتشده بكل قوتها.
“انغلق!”
“انغلق فعلًا…..أواه؟”
لكن السحّاب الذي كان مغلقًا فُتح فجأة من جديد.
“هممم…..إنه ينفك من تلقاء نفسه.”
“لا تقولي أن الحقيبة تلفت؟”
“بلى…..يبدو أنها كذلك.”
أظهرت آنا الحقيبة نصف المفتوحة بوجه مرتبك. عندها قررت ميلودي أن تمضي من دون إغلاق حقيبتها كما هي.
كان هذا أول ما تدركه بوضوح: حتى في ترتيب الأمتعة لم يكن لها أدنى موهبة.
أمام مدخل قصر الدوق، كانت عربات الحقائب مصطفّةً في صف طويل. وبينما كانت ميلودي ترمي أمتعتها داخل إحداها، رأت آنا تتقدم بحقيبة لم ترها من قبل وتضعها فوق أمتعة ميلودي.
“هذه حقيبتي.”
بادرت آنا بالكلام قبل أن تسألها ميلودي. فأمالت ميلودي رأسها باستغراب.
“حقيبتك أنتِ؟”
“أجل، أرجوكِ خذيني معكِ.”
“مستحيل.”
أجابت ميلودي ببرود.
فالعالم خارج الحاجز مكانٌ قد يُفقد فيه الرأس في غمضة عين. و الوحوش هناك كانت بشعة المظهر بقدر ما هي قاتلة.
“ذلك مكانٌ يعج بالوحوش.”
“أعرف. لكنني عزمت أمري. سأرافقكِ يا ميلودي.”
“قد تفقدين حياتكِ.”
“أعرف هذا أيضًا.”
“وتريدين الذهاب رغم علمكِ؟”
رفعت آنا حقيبتين ثقيلتين واضحة الوزن،
“نعم. أنا أقوى مما أبدو. لا أهتم بمكان النوم. ولا أخاف الحشرات.”
لكن ميلودي علمت أن كل ذلك لا يكفي للنجاة خارج الحاجز.
“وأنا أيضًا…..أريد أن أعرف إلى أي حد أستطيع الصمود.”
“…….”
“ومهما حدث، لن أندم.”
كانت ملامحها تقول أنها لن تتراجع حتى لو حاولت منعها. تمامًا كما كانت ميلودي في صغرها، عندما أصرت على مرافقة والدها في صيد الوحوش.
عندها أخرجت ميلودي أداةً سحرية صغيرة على شكل سوار من حقيبتها، وأغلقتها في يد آنا بإحكام.
“احتفظي به، واستخدميه عند الخطر. سيصد هجمةً واحدة من الوحش. لا شك أنكِ ستندمين على قراركِ، لكنني سأبذل جهدي لأعيدكِ حيّة.”
“…….”
حدقت آنا في السوار لحظةً صامتة، ثم أومأت برأسها ببطء.
“…..هل يمكنني أن أعانقكِ؟”
“هاه؟ أ-أجل.”
أجابت ميلودي بارتباك ظاهر، فما كان من آنا إلا أن ارتمت عليها تحتضنها بقوة. بينما بقي جسد ميلودي متصلبًا لحظةً بين ذراعيها المشدودتين.
“سأبذل أنا أيضًا قصارى جهدي في خدمتكِ. وسنعود حتمًا سالمتين.”
وبعد برهة، صعدت ميلودي إلى العربة ثم التفتت نحو القصر. وقد كانت وجوه الخدم الذين خرجوا لوداعها مزيجًا من القلق و تمني السلامة.
ثم دوّت أنفاس الخيول وارتطام العتاد بصخب في الأجواء.
“عُودا بسلامة.”
وصلتها تحية كبير الخدم، ثم سرعان ما تبعها صوت البوق ممتدًا، لتنطلق الخيول دفعةً واحدة.
فأخرجت ميلودي جسدها من نافذة العربة، و شاهدت قلعة مالاكار تبتعد سريعًا خلفها.
‘لقد بدأَت الرحلة.’
***
وعلى خلاف ما توقعت ميلودي، إذ ظنّت أن البعثة ستنطلق مباشرةً عبر الغابة لتجاوز الحاجز، توقفت القافلة في أراضي “زيفوود” التابعة للإمبراطورية والواقعة في الجنوب الشرقي.
كانت الأرض المترامية حتى البحر تبدو مسالمةً بوضوح، لكن أجواء البعثة نفسها لم تكن تعرف السلام.
والسبب في ذلك كان مرافقة فرسان الهيكل المقدّس.
“إقامةٌ في أراضٍ تابعة للإمبراطورية؟ هل قدّم أحدهم شكوى لأنه لا يطيق النوم في الغابة؟”
قيل أن التوقف في مقاطعة أخرى أثناء البعثة ليس أمرًا مألوفًا.
لذلك لم يتردد أحد فرسان الدوق في رفع صوته متعمدًا ليسمعه فرسان الهيكل، فأضاف آخرون من فرسان كلمات ساخرة بدورهم.
“يبدو أنهم مرفّهون إلى الحد الذي لا يستطيعون فيه النوم بلا سقف. أما نحن، فلطالما نمنا في الغابات بين الوحوش، ومع ذلك لم يمنعنا ذلك من صيدها.”
____________________
احب الهوشات ذي بين فرق غير😂 زين هوشة السحرك والفرسان حقين اراسيلا وداميان
المهم آنا تجنننننننن ياناس هي وميلودي خوات🤏🏻
وميلودي عرفت تربي ديونيس مره ثانيه جمله وحده وخلته يوافق😘
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات