ركل التاجر القفص الحديدي بطرف قدمه، فراح وحشٌ صغير يصرخ بحدة ويخدش القضبان.
“لا تقلقوا. هذا قفصٌ صنعه صانع أدوات سحرية. متين جداً. ونحن نعطيه مع الصفقة مجاناً!”
فتحت ميلودي شفتيها وهي تحدق بالقفص الصدئ.
“…..صيغة التعزيز السحرية خطأ. و القفص لن يصمد طويلاً.”
“ما معنى هذا؟”
“معناه أنه يجب قتل هذا الوحش فوراً. و إن لم نفعل…”
لكن رايون لم يتمكن من سماع بقية كلامها. فقد دوّى صوتٌ مروّع كالألعاب النارية، تبعته صرخةٌ مفزعة.
“آاااه!”
وفي لحظة كان التاجر مطروحاً على الأرض بعد أن اخترق صدره. و تجمع الدم عند الأقدام، ثم تمزق القفص واندفع الوحش طائراً في الهواء.
“سموك، يجب أن تغادر الآن!”
“آاااه!”
“وحش! إنه وحش!”
“النجدة!!”
صرخ الحرس بجنون، لكن الطريق الضيق غصّ بالناس الهاربين وسط فوضى عارمة.
“سموك!”
في لحظة، حدّق الوحش بعينيه السوداوين يبحث عن فريسة، ثم انقض مباشرة نحو رايون.
“تبا..…”
ظل يحدق في الوحش مذهولاً. حتى تجمّد جسده ولم يستطع أن يحرك قدميه.
لكن في تلك اللحظة، دوّى صوت ارتطام قوي كالرعد، وشيء ما ضرب الوحش بقوة على خاصرته.
أمام عيني رايون مباشرة، انحرف الوحش الهابط صارخاً وهو يرتطم بالحائط.
وبين غبار يتطاير من الريح التي أحدثها الوحش، لمح رايون ظلاً يقف بجانبه، يمسك مطرقةً بيده. كانت ميلودي.
“أيتها عامية….لقد حميتني…..لقد أنقذتني..…”
تمتم رايون بملامح مصدومة.
“هل أنتَ بخير، يا سموك؟”
“…..بخير. بالطبع بخير. أنا ولي العهد، أيعقل أن أرتعب من شيء كهذا؟”
“أمتأكد أنكَ بخير حقاً؟”
“….عيناكِ…..كانتا خضراوين أكثر. أخضر عميق…..مثل الزمرد.”
مسح رايون الدم الأسود المتناثر على وجهه وهو يتمتم. لكن يده كانت لا تزال ترتجف بشكل بائس.
أما ميلودي، فتركت حالته الغريبة وشأنها وأخذت تتفقد ما حولها.
وقبل أن يعاود الوحش النهوض والتحليق، اخترق سيف أحد الحراس رأسه.
كواك!
فارتجف الوحش ثم سرعان ما سقط بلا حراك.
“الوضع بخير يا سموك!”
وبينما كانوا يجرّون تاجر الوحوش للخروج بصعوبة من السوق السوداء، ظهر المساعد من حيث لا يُعلم، وصاح وهو يقترب من رايون.
“أيجرؤ ما يُسمى بالمساعد أن يفر هارباً تاركاً إياي خلفه؟”
ضغط رايون أسنانه بقوة. و الغضب المكبوت ارتفع حتى بلغ حنجرته.
“إنه سوء فهم يا سموك. لقد جرفني الفارين ليس إلا.”
“كنتَ أول من اندفع هارباً، ثم تبرر نفسك الآن؟! بل إن تلك العامية، بجسدها الضئيل، قد حمتني..…!”
وأشار رايون نحو ميلودي التي كانت تلحق به، لكنه تجمد فجأة وهو يلتقط ملامحها الواضحة.
“جميلة..…”
ثم تمتم من غير وعي، لكن صوت المساعد تتابع.
“لقد أدهشني الأمر أيضاً. أن تقف في وجه وحش لتدافع عن سموك، ذلك لا يكون إلا بدافع حب أو ولاء عميق.”
“حب؟”
ارتعش حاجبا رايون. عندها تحدث المساعد بنبرة ذات مغزى.
“وبما أنها لم تقع في حبك لمجرد رؤيتك، فلا شك أنها تحب الإمبراطورية بإخلاص.”
“ولِمَ لا تكون قد وقعت في حبي؟”
شبك المساعد يديه ورد ببرود.
“أولاً، أنتَ أشهرت سيفك في وجهها. ثانياً، هُزمت شر هزيمة أمام الدوق في المزاد عليها. ثالثاً، أرسلتها اليوم وحدها إلى مكان خطر..…”
“اصمت. من الآن فصاعداً، فلتغلق فمك.”
“من المريح أن سموك بخير.”
ومع هذه الكلمات، أُغلق فم المساعد تماماً.
***
في حين كان حرس المدينة، الذين وصلوا متأخرين، يتولون أمر السوق السوداء، جثا تاجر الوحوش الذي أُحضر أسيراً أمام رايون.
ومن دون مقاومة، باح بكل ما يعرفه.
“هـييك! جـ، جئت بالوحش عبر ثغرة…..هناك ثغرة في الحاجز..…!”
“ثغرة؟! أتزعم أن في حاجز العاصمة ثغرة؟!”
“ليست كبيرة…..لكن هناك فجوة يدخل منها الصغار..…!”
“ألم تكونوا أنتم من صنع تلك الفجوة؟!”
“نـ، نحن بأي وسيلة نكسر الحاجز أصلًا..…!”
ارتفع بصر رايون وهو يفكر في شيء ما.
“باستخدام أداة سحرية…..ألن يكون ذلك ممكنًا؟”
هزّت ميلودي رأسها نفيًا.
“من الناحية النظرية ليس مستحيلًا، لكن لاختراق الحاجز نحتاج إلى أداة سحرية بحجم حجر الحاجز على الأقل، ولو كان شيء بتلك الضخامة لكان قد لفت الأنظار.”
ومهما كان السبب فالأمر لا يمكن تغطيته أو التغاضي عنه. فأصدر رايون أمره إلى مساعده.
“سنكتشف الحقيقة عند التحقق. بلّغ كبير الكهنة بهذا، وأمره أن يدخل القصر الإمبراطوري فورًا.”
“أمرك، سموك.”
“ثم…..أرسلوا إليه رسالة.”
قالها رايون ذلك وهو يضغط أسنانه. و خرج صوته خشنًا كأوراق الصنفرة.
“إلى من تقصدون؟”
“أعني ديونيس. أليس هو المكلّف حاليًا بالقضاء على الوحوش؟”
وهو يذكر ذلك الاسم ألقى رايون نظرةً سريعة نحو ميلودي، وقد خيّم القلق على بريق عينيها.
“أحضري الأعشاب وعردي إلى القصر.”
“حاضر، سموك.”
شعر بغصّة من الانزعاج. فلم تعجبه ملامحها التي بدت وكأنها تفكّر بديونيس.
ثم عادوا أدراجهم نحو الخيمة التي كان فيها الطفل المريض.
جلست ميلودي على ركبتيها ووضعت عشبة الظلام التي اشترتها من السوق السوداء بين حجرين وسحقتها.
‘في العادة يجب أن تُجفَّف وتُطحن، لكن لا وقت لدينا الآن.’
مزجت العصارة بمسحوق الكريستال الأسود، وأضافت إليها بعض الأعشاب الأخرى، ثم أذابت الخليط في ماء دافئ وناولته للطفل.
“إنها…..مرّة.…”
تذمّر الطفل وهو يقطّب وجهه.
“لأنها غير منقّاة ستضطر لشربها أسبوعًا كاملًا. لا تفوّت يومًا واحدًا.”
ابتسمت ميلودي برفق وربّتت على رأسه.
ومن ذلك المشهد ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي رايون وهو واقفٌ عند مدخل الخيمة، قبل أن يشدّد ملامحه مجددًا.
ثم وهو يضع ذراعيه متشابكتين سألها عندما خرجت من الخيمة.
“لكن، كيف عرفتِ طريقة صنع الدواء أصلًا؟”
فعشبة الظلام ومسحوق الكريستال الأسود لم يكونا من المواد المعتادة التي تُستخدم كأدوية.
و عند سؤاله دارت عينا ميلودي مترددة.
“آه، رأيت ذلك في البلدة التي كنت أعيش فيها سابقًا.”
“أكان لكِ موطن آخر غير هذا المكان؟”
“نعم، أعني…..تنقّلت هنا وهناك.”
“هممم.”
أداةٌ سحرية ثم دواء علاجي أيضًا.
أعاد رايون النظر إلى ميلودي بتأنٍ من جديد. و لم يستطع أن يفهم كيف عاشت حياتها حتى الآن.
***
حدّقت ميلودي بجروٍ صغير كان ينام منكمشًا في الحقل، وهي ترمس بعينيها.
منذ عودتها بعد لقائها برايون، كانت شاردة في تفكير عميق.
“لما تجاوزتِ وجبتكِ مرة أخرى؟ هل لأنكِ رأيتِ الوحش؟”
سألتها آنا وهي ترفع الخبز الذي بقي كما هو.
“ماذا تقصدين؟”
“كنتِ شاردةً طوال اليوم.”
“لا…..فقط راودني شعورٌ أن ما كنت أعرفه حتى الآن قد لا يكون الحقيقة كاملة.”
“ولماذا ظننتِ ذلك؟”
“لأنني قرأت ذلك في كتاب.”
فتحت ميلودي مقطعًا من الكتاب الذي كانت تقرأ فيه وأرته لها.
[الوحوش تشعر بعذاب أشد من البشر داخل الحاجز المقدّس. لذلك لا تقترب الوحوش من الحاجز. فهو عقابٌ لها.]
“لذلك كنت أظن أنه لا يمكن للوحوش الدخول والخروج إلا إذا تحطم الحاجز كليًا.”
“ألم يكن الأمر كذلك؟”
“لقد قال لي تاجر الوحوش أن وحوشًا صغيرة بدأت تتسلل عبر شقوق الحاجز.”
بل وأكثر من ذلك، فالوحوش التي عبرت لم تحاول العودة إلى الخارج، بل أظهرت نزعةً لمهاجمة كل ما هو حي.
_____________________
رايون وقع بس المشكلة نرجسي
وكله من المساعد الحين يحسبها تحبه؟😭
المهم اذا الوحوش ماتحس بألم داخل الحاجز يعني فيه طريقه ديونيس مايحس بألم😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 43"