وما إن انتهت مناظر بيوت الخشب البالية حتى ظهرت عششٌ بلا أسقف، ينام أهلها متكئين على بطانية رقيقة واحدة.
بينما تقدمت ميلودي بخطوات مألوفة لديها، ووضعت كيس الخبز أمام إحدى العشش.
“أوه، ها قد جاءت المخترعة الغريبة مجدداً. ماذا جلبتِ اليوم يا ابنتي؟”
“قلت لكم، أنا صانعة أدوات سحرية. واليوم جئت بالخبز، جدتي.”
“ذلك الشيء الذي أعطيتِني إياه المرة الماضية كان رائعاً! ما إن أسندت ظهري إليه وفركته قليلاً حتى شعرت أنني عدت للحياة.”
“قلت لكِ أنه ليس لخدش الظهر! إنه ليدعم الخيمة. كما أنه مقاومٌ للماء والنار أيضاً.”
أخذت ميلودي الأداة من يد العجوز، و وضعتها في وسط الخيمة ونصبتها.
“آه، لكنه باردٌ ومنعش فقط. لِمَ تأخذينه؟”
“لأن الخيمة ستنهار بدونه.”
– “اصمد.”
فما لبثت الخيمة التي كانت متهالكة أن انتصبت ثابتة.
كان المساعد يراقب بصمت، ثم أخرج سعالاً خفيفة.
“كُهُم، هُم، تبدو أداة سحرية غير قانونية لا يُسمح بها في المعبد.”
“آه…..”
دارت عينا ميلودي وهي تتفقد نظرات رايون.
“حسناً. هذه المرة فقط سأتغاضى، باعتبارها صدقة.”
“أشكركَ على رحمتكَ الغامرة كالبحر.”
انحنت ميلودي تشكر عند سماع كلمات رايون.
وبينما كانت توزع الخبز في عجلة، تقدمت طفلةٌ تبدو في السابعة أو الثامنة بحذر وجذبت كمّ رداء ميلودي.
“أختي…..أخي مريض.”
“منذ متى بدأ مرضه؟”
“منذ…..قبل أمسِ الأمس.”
أمسكت الصغيرة طرف رداء ميلودي بيديها الصغيرتين بقوة، فيما كانت تحدق بأطراف قدميها وتهمس كأنها تخاف.
“ما هذا؟ أهو مرضٌ معدٍ؟!”
قفز رايون مذعوراً وابتعد مسرعاً. أما ميلودي فأخذت بيد الصغيرة وسارت معها.
في الداخل، كان صبيٌ ممدداً تحت بطانية قديمة، و وجنتاه محمرتان بشدة وأنفاسه لاهثة.
كان لديه حمى عالية وارتعاشاتٌ خفيفة، لكن بدا في أصابعه المرتجفة تصلب مفاجئ أشبه بالتشنج.
وفي تلك اللحظة، تذكرت ميلودي وصف مرض ما قرأته في إحدى الروايات.
يتصلّب الجسد شيئاً فشيئاً كالصخر حتى يدخل صاحبه غالباً في غيبوبة، وفي حالات نادرة يتشوّه الجسد ويتحول شكله إلى شبيه بالوحوش، فيهيج ويعيث فساداً حتى لحظة موته.
كان يُعرف بين الناس باسم مرض التحوّل الوحشي أو مرض المَسخ.
وفي أحياء الفقراء كان هذا المرض شائعاً، غير أن أسبابه لم تُفسَّر بعد. و كل ما عُرف عنه أنه لا يُعالج بالقوة المقدسة، وأن كثيرين ماتوا قبل أن يُكتشف له دواء.
“هـه….أمي….أمي.…”
“تتوسل لأمي وأنت تعلم أنها لا تعرف شيئاً…..أيها الأحمق..…”
ما إن تمتم الصغير باكياً وهو يتقلب، حتى عضّت شقيقته شفتها وصرخت بغضب.
“خذوا الطفل إلى الكاهن.”
لكن ميلودي هزت رأسها نفياً أمام كلام رايون.
“القوة المقدسة لا تستطيع علاج هذا المرض.”
“أيوجد مرضٌ لا تشفيه القوة المقدسة؟”
بل إن استعمالها أحياناً كان يزيد الحالة سوءاً.
وحتى الآن عُدّ هذا المرض عضالاً، لكن ميلودي التي قرأت عنه في الرواية و كانت تعرف طريقة علاجه.
وبعد لحظة تردد، تكلمت،
“نعم، لكنني أعرف مكاناً يمكن أن نجد فيه الدواء. و المكان خطيرٌ بعض الشيء.”
“وأين هذا المكان؟”
“السوق السوداء.”
في الحال قطّب رايون جبينه و ردّ بصرامة،
“مستحيل. لن نذهب، أبداً.”
***
‘تبا…..لما كان عليّ أن أشاهد ذلك بعيني.’
وضع رايون يده على جبينه متنفساً تنهيدة ثقيلة.
كانوا قد وصلوا بالفعل إلى أطراف حي الفقراء.
وبينما كان المساعد يحك الوحل العالق بأسفل حذائه على صخرة، تكلم بحذر،
“سموك، إن كان الأمر يزعجكَ، فالأفضل أن نعود إلى القصر..…”
“إن عدت الآن سأكون قمامة يتجاهل مرض طفل رأيته بعيني.”
“لكنكَ في الواقع لا تختلف كثيراً الآن.…”
لم يكمل المساعد جملته، إذ تلقى نظرةً حادة من رايون فأطبق فمه فوراً.
‘أهو لأنها عامية؟ لِمَ هي خاليةٌ من أي خوف هكذا؟’
راح رايون يدور في مكانه بضع لفات ثم اتجه بخطواته نحو المخرج المؤدي إلى خارج حي الفقراء.
“لا، لن أذهب. هي من هذا المكان أصلاً، فلا بد أنها ستدبّر أمرها. وإن أصابني مكروهٌ هناك، ألن تكون مصيبةً على الإمبراطورية؟”
“صدقت يا سموك. فتفادي الخطر هو الرأي السديد.”
لكن فجأة توقفت خطوات رايون المتسارعة، وكان قد بدأ لتوّه يترك أرض الطين ويدخل أرضاً مرصوفة بالحجر.
“هاه…..لكن تلك العامية…..ألا يمكن أن يتورط وجهها الجميل في مشاكل مع أناس مشبوهين؟ وإن ماتت هناك…..هل سيتركنا دَيونيس بسلام؟”
“سيغضب غضباً عارماً بلا شك.”
“ليس غضباً فقط. فنظراته كانت مختلفةً هذه المرة.”
قضم رايون أظفاره بقلق وكتم شتيمةً على لسانه.
فعيون دَيونيس نحوه كانت دوماً شرسة، لكنها لم تتجاوز حدوداً بعينها. غير أن نظراته في المرة الأخيرة أوحت بأنه سيفترس عنقه في أية لحظة.
وبينما كان رايون يعتصر تفكيره، تكلم المستشار بتردد،
“يُقال أن السوق السوداء مكانٌ لا يجرؤ حتى حرس المدينة على دخوله. والقتل هناك أمرٌ شائع.”
“وماذا يفعل هؤلاء الحراس عديمو الجدوى سوى التهام الرواتب؟”
“يُشاع أنهم يرمون الجثث خارج الحاجز، فيُسجَّل أصحابها كمفقودين، ولهذا يتعذر التحقيق.”
“هل تمدحهم على ذلك؟”
“لا، أقصد..…”
ارتبك المستشار متلعثماً، فصرف رايون بصره عنه بضيق. وانطلق من صدره نفسٌ طويل ثقيل، لا يدري كم مرة زفر مثله منذ الصباح.
وفي النهاية، وقد اتخذ قراره، و استدار فجأة نحو الحرس ،
“أنت، اذهب واستدعِ الحرس. وأنتم الاثنان، التصقوا بي ولا تفارقوني خطوةً واحدة.”
“أمركَ، يا سموك.”
ثم عاد أدراجه إلى الطريق الترابي. وما إن خطا أول خطوة حتى تنهد بغيظ.
“هاه، عليّ أن أسلك هذا الطريق ثانيةً.…!”
واصلوا السير في الطين اللزج حتى بلغوا مبنى بدا كأنه معبدٌ قديم منهار منذ زمن. في داخله باب حديدي صدئ نصف مفتوح.
“ها أنتَ متأكد أن المدخل من هنا؟”
“قالت أن الممر مستقيم من قضبان الحديد حتى الداخل، فلا خوف من أن نضل.”
دفعوا الباب ودخلوا، فإذا بممر معتم يقود إلى عالم آخر أضاءته أنوار باهتة.
وعلى جانبي الطريق المتعرج جلس بائعون مقنّعون، يعرضون أعشاباً، وجثث وحوش، وحتى أشياء أشبه بجماجم بشرية.
“أترون؟ كان يجب أن نعود أدراجنا..…”
انبعثت رائحةٌ كأنها نتنة من جثث متعفنة، فما كان من رايون إلا أن استدار بجسده ليفرّ، وإذا بصوت حاد يخترق الآذان.
كريييييك-!
كانت صرخة شبيهة بالعويل مزّقت أجواء المكان، فالتفت بصره نحو مصدرها. وسط الحشد المتجمع ظهرت خصلة شعر خضراء.
“ألستِ في وقت أضيق من أن تتجولي؟ أين الدواء؟!”
زمجر بضيق وهو يخطو بسرعة، ثم قبض على معصم ميلودي.
“سموك؟”
ففوجئت ميلودي بصوته، إذ لم تتوقع عودته. لكنها سرعان ما اقتربت منه وهمست بخفة،
“انظر إلى هذا.”
تبع رايون ببصره اتجاه إصبعها، فما لبثت عيناه أن ضاقتا حدة.
داخل قفص ضيق كان هناك فرخ وحش، لا يتجاوز حجمه حجم هِرّ صغير، يصدر أنيناً منخفضاً.
كانت مظهره أشبه بنسر أصلع غُمِر بريش أسود لزج كما لو صُبغ بالطلاء.
فشدّ رايون من دون وعي قبضته على معصمها وهو يهمس،
“أليس هذا وحشاً؟! كيف يعقل أن يوجد وحش داخل الحاجز المقدس؟”
“لا أعلم أنا أيضاً.”
وما إن توجهت أنظار الناس نحوهما، حتى ابتسم التاجر ابتسامةً جشعة وصاح،
“بخس الثمن! فرخ وحش واحد، بخمس قطع فضية فقط! أطلقوه في بيت من تكرهون، وغداً تسمعون خبر موته، بخمس فضيات لا غير!”
____________________
بكل برود حطوه في بيت الي تكرهونه😭😭😭😭😭
ليت رايون راح ابي اشوف ديونيس وش بيسوي به هههع
مساعد رايون عنده تبلد 😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"