اقترب وقع الخطوات شيئًا فشيئًا حتى أحست بوجود أحدٍ عند رأسها.
أرادت أن تفتح عينيها، لكن جفنيها كانا ثقيلين، فبقيت ميلودي ساكنة.
سُررر، طَك-
صدر صوت خلع شيء يشبه رداءًا من الجلد ووضعه جانبًا. وما هي إلا لحظاتٍ حتى ابتعد ذلك الأثر البشري.
ثم فتحت ميلودي عينيها ببطء. فرأت مشهد الورشة وقد خيم عليها الظلام بشكل ضبابي في بصرها.
و على الطاولة وُضعت القفازات التي تركها ديونيس خلفه. لمَ خلعها وتركها؟
في الرواية، لم يكن هناك من لمس ديونيس سوى ليهيلين. و على الأرجح، لم يكن ليضع يده عليها أبدًا.
لمست ميلودي القفازات قليلًا ثم نهضت بصعوبة.
وما إن خرجت حتى فوجئت آنا، التي كانت ترتب الورشة، وقد ارتسمت الدهشة على وجهها.
“آه! أفزعتني! ألم تكوني نائمة؟”
“استيقظت للتو.”
“نامي قليلًا بعد. لم تنامي حتى ساعةً واحدة.”
“لا. سأنام لاحقًا.”
ترنحت ميلودي وجلست على مكتب الورشة. و على المكتب كانت حجارة الشفق الأزرق مرصوصةً في صندوق بانتظام.
“سترهقين نفسكِ هكذا.”
“لكنني أريد أن أتحقق من هذا أولًا.”
و هكذا بدأت ببعض التجارب، لكن فجأة اجتاحها النعاس.
و إذا بها ترى مشهدًا غريبًا: فضاءٌ أبيض ناصع يتوسطه سرير وحيد. وعلى السرير كانت امرأة مستلقية تكتب كلمات.
لم يظهر وجهها، لكنها كانت بين حين وآخر تُطلق ضحكاتٍ صغيرة وكأنها تستمتع بالكتابة.
‘يا له من حلم غريب.’
فكرت ميلودي بذلك في نفسها. حينها تكلمت المرأة.
“يجب أن تكون أنتِ.”
وفي اللحظة التي أحست فيها أن عينيهما تلاقتا، استيقظت ميلودي من النوم.
لقد كانت عينا المرأة خضراوين مثل عينيها تمامًا.
***
ناداها غرسون في اليوم التالي.
“تعالي وتحققي من هذا.”
و أراها سوارًا سميكًا.
“أوه……”
كان خفيفًا وناعم الملمس. لو لم تعرف أنه معدن لظنت أنها تلمس جلدًا سميكًا.
“المعدن جاء بجودةٍ لا بأس بها كما أردتِ، غير أن الوزن مخيّبٌ بعض الشيء، فوزن المادة نفسها لا يمكن التخفيف منه، على كل حال ما دمتِ ترتدين واقيات ساق أثقل من هذا فلن يكون بالأمر مشكلة.”
تفقّدت ميلودي السوار بعناية، ثم أمسكت بيده فجأة شاكرةً إياه.
“هذا كافٍ تمامًا، أشكركَ كثيرًا!”
فور انتهاء تجربة حقن الطاقة السحرية في الحجر الأزرق، سيكون بالإمكان صنع آلة تجريبية لمحو السحر.
“من حسن الحظ أننا وضعنا القالب قبل بدء الاستعدادات للبعثة، وإلا لقضيتُ ليلًا ونهارًا أطرق بالمطرقة.”
“هل يمكن صنعه على شكل حزام أيضًا؟”
“قد أحتاج أن أطرق المعدن بضع مرات، لكن الأمر ممكن، فهو صلبٌ ومرن في آن.”
ثم أخذ يدق ويصهر ليشكّل المعدن.
“بفضل ابتكار المعدن الجديد أصبحت أعمال الورشة أيسر، و قد بدّلنا مواضع الوصل في الدروع فبدت علامات الرضا على الفرسان.”
ثم نفض ما علق بيده من مسحوق المعدن قبل أن يتابع حديثه.
“توقيت تعريضه للحرارة مهم، وسرعة تبريده يجب أن تكون متساوية، وهذا يتطلب بعض الحرص، لكن المخضرم يبقى مخضرمًا.”
ثم وضع المعدن المبرد على الطاولة بوقع ثقيل.
كان يلمع بلون بديع يميل إلى الحمرة، ربما بسبب امتزاج جناح وحش النيمفيا مع ريش الروح.
“رجاءً، إن أمكن، اصنع ثلاثة أو أربعة من هذا الشكل أيضًا.”
“سأنهيها قبل أن تبدأ الاستعدادات للبعثة.”
كان فرسان الدوقية منشغلين مجددًا بالتحضير للبعثة. فهذه المرة كانت الحملة ستتبع تحذير أهفين بكسر الحاجز.
تُرى هل ثمة ما يمكن أن يساعد أكثر؟
وبينما كانت ميلودي تفكّر فيما يمكن صنعه من المعدن الجديد، اخترق المكان صوت سعال مصطنع.
و حين التقت الأعين، فتح غَرسِون فمه بوجه مرتبك.
“تلك الأداة السحرية التي أعطيتِني إياها في المرة الماضية……ابنتي أحبّتها بقدر ما أحبّت المشبك. وزوجتي أيضًا كادت تموت من شدة إعجابها، حتى أنهما كل صباح تتنازعان على من تستعملها أولًا.”
“في المرة القادمة سأصنع لكَ شيئًا جديدًا.”
“ما دمتِ تصنعينه، فلا بأس.”
ثم أخرج غَرسِون فجأة مطرقة.
“لقد صنعتها أصلب قليلًا، وراعيت حجم اليد أيضًا.”
“……أشكركَ. لقد أعجبتني كثيرًا.”
على خلاف المطرقة السابقة ذات المقبض الكبير قليلًا على يد ميلودي، فإن هذه المطرقة الجديدة التي صنعها لها انطبقت على كفها تمامًا.
“حتى الصانع يلقي باللوم على أداته، فبوجود أداةٍ أفضل يمكنه أن يصنع ما هو أروع، أليس كذلك؟”
أضاء ضوء القمر أرضية قاعة المعبد. و في سكون الليل فتح الكاهن الأكبر، سيرييل، عينيه ببطء.
وأمامه كان الفارس المقدس أهفين، مرتديًا درعًا أبيض ناصعًا، يجثو على ركبة واحدة بوجه متصلب.
“سيدي الكاهن الأكبر.”
“ما الأمر؟”
“جئت ألتمس منكٍ شيئًا……اسمح لي بالذهاب لتفقّد الحاجز في منطقة كالاو. أرجو أن تُرسل حملةً إلى هناك.”
ارتسم شرخٌ لحظي في ملامح الكاهن الأكبر، لكنه سرعان ما تداركه بابتسامة هادئة.
“الحاجز، تقول؟ لا بد أن لطلبكَ هذا سببًا وجيهًا يا لورد أهفين. سأرسل من يتقصّى الأمر.”
رفع أهفين رأسه ونظر إلى الكاهن الأكبر.
“أرغب بالذهاب بنفسي.”
“……لا. ثمة ما هو أكثر إلحاحًا، وهو تعقّب أولئك الذين يتواطؤون مع السحرة ويقدّمون لهم العون المنظّم. ألم يقل الساحر الذي قبضنا عليه مؤخرًا أن هناك من وفر له مأوى؟”
تعلقت عيناه البنيتان الثاقبتان بأهفين.
“و هناك أيضًا أن من بين من كانوا يحتمون بهم بعض السحرة الذين لم يُقبض عليهم بعد. فتتبّع أثرهم أولى من غيره.”
“لكن إن كان الحاجز ينهار، فسيتعرض الكثير من الناس للأذى بسبب الوحوش. أرجوكَ، اسمح ولو لقلة من الرجال بالذهاب.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 39"