“نعم، هاهاها، أنا أحب التدريب حقًا، رغم أن الشمس قد غربت. هاهاها، إذًا رافقتكم السلامة.”
ابتعد ديرين وهو يرسم ابتسامةً متكلفة.
وفي طريق العودة نحو المدخل، كانت آنا تلقي نظراتً خاطفة على وجه أهفين قبل أن تتحدث بحذر،
“أيها الفارس، لدي سؤالٌ فضولي، هل يمكنني أن أسأله؟”
“نعم، تفضلي.”
“هل يمكن الشعور فعلًا بالقوة المقدسة؟”
“نعم، يشعر بها الشخص داخل جسده كدفء لطيف.”
“إذًا إن ذهبتَ إلى مكان بارد فلن تشعر بالبرد!”
“لا، الأمر مختلفٌ قليلًا.”
“آها……ويقال أنه لا يمكن للمرء شفاء نفسه بالقوة المقدسة، فهل يُتعب الجسد استخدامها؟”
“نعم، الأمر يشبه استهلاك الطاقة البدنية.”
استمرت الأحاديث الصغيرة بينهما، وحين أوشكوا على الوصول إلى مدخل المعبد، قطعت ميلودي صمتها بعد أن كانت تستمع إليهما بهدوء.
“آه!”
كان شخصٌ ما واقفًا إلى جوار عربة دوقية متوقفة أمام المعبد، طويل القامة، يرتدي عباءة سوداء كالليل، وشعرٌ فضي يلمع تحت الأضواء فيبدو ذهبيًّا.
كان ذلك ديونيس.
“آه؟ إنه الدوق! متى استيقظ يا ترى؟! آه، هل أتى ليتلقى العلاج ربما؟”
كانت آنا تهمس وتطلق أسئلتها المتلاحقة، لكن لم يكن هناك ما يمكن الإجابة به، وظلت ميلودي تحدق به مذهولة، حتى انتبه ديونيس إليها وبدأ يخطو نحوها.
“شكرًا لإيصالكَ إياي، إذًا سأذهب.”
قالت ميلودي ذلك على عجل وهي تحيي أهفين، إذ لم يكن هناك ما يدعو لأن يلتقي الاثنان وجهًا لوجه.
“الآنسة ميلودي-”
كان أهفين على وشك أن يقول شيئًا، لكن ميلودي لم تسمعه، إذ ركضت مسرعةً نحو ديونيس.
“سيدي الدوق، ما الذي تفعله هنا؟! هل تشعر بألم في أي موضع؟!”
“كنت في انتظاركِ.”
“لم يمض وقتٌ طويل منذ أن استيقظتَ، فكيف تأتي إلى مكان كهذا؟”
حتى وإن لم يكن الألم مثلما هو داخل المعبد، فلا بد أنه ما زال يشعر به.
“أتيتُ لأخذكِ.”
قال ذلك بوجه جاد متعمد، بينما كان يحدق بعينين قاسيتين فوق كتفها.
“لكن يبدو أن صانعة أدواتي السحرية، ما إن أشيح بنظري عنها، تكون برفقة رجل آخر.”
عاد ذلك الجو المليء بالتوتر ليتسلل إلى جسدها، وكأن هذا العالم مصممٌ بحيث يتشاجر الرجال الثلاثة كلما التقوا.
ثم شعرت ميلودي فجأةً بالحيرة، فهي لا تفهم لماذا بدأ هذا الأمر مبكرًا، كان من المفترض أن يبدأ بعد ظهور ريهلين.
“كل هذا من أجل من تظن؟”
“أهو من أجلي إذاً؟”
“اصعد أولًا.”
أرادت فقط مغادرة المعبد، لكن حين همّت بالصعود إلى العربة، وقف ديونيس أمام الباب ليمنعها.
“انتظري، العربة مرتفعة.”
“لكنها نفس العربة التي ركبتها قبل قليل……”
كانت على وشك أن تقول ما تعنيه، لكن فجأة وجدت منظورها يرتفع، وأدركت بعد لحظة أنه رفعها بين ذراعيه.
“مهلًا، لحظة……”
صحيحٌ أن الليل قلّل من المارة قرب المعبد، لكن آنا كانت موجودة، والسائق أيضًا، وحتى روهان كان يحدق فيه بعينين مذهولتين.
ثم حطّت ميلودي داخل العربة وهي بين ذراعيه في وضع محرجٍ للغاية.
“حسنًا.”
كانت لمسة ذراعيه قد اختفت بسرعة وكأنها لم تحدث، ثم صعد هو خلفها، وأُغلق باب العربة بصوت حاسم.
وبينما كانت ميلودي تحدق فيه بوجه أحمر قانٍ، رأت ديونيس يلامس طرف القفاز الذي لامسها به قبل لحظات.
“بهذا العدد من الناس حولنا، ماذا كان يدور في بالكَ بالضبط؟!”
قالت ميلودي ذلك وهي تستعيد توازنها وتوبخه متأخرة، فأجاب ديونيس بصوتٍ جاف،
“كنت أفكر أنني لا أحب أن تكوني في وضع غير مريح، وأتساءل لماذا ذهبتِ إلى المعبد أصلًا، وما علاقتكِ بقائد فرسان المعبد المقدس، وأفكر أيضًا إن كان يمكنني قطع عنقه.”
“لا تمزح!”
تسللت من شفتيه عبارة “لستُ أمزح”، لكنها تجاهلته وتابعت،
“وماذا عن إصابتكَ؟”
“طالما أنني لم أمت، فأنا بخير.”
أثار جوابه اللامبالي في قلبها غصةً حادة، بينما كان ينظر إليها وكأن الأمر لا يستحق القلق، قبل أن ترتسم ابتسامةٌ خفيفة على شفتيه.
“إذًا، ما الذي كنتِ ستفعلينه في المعبد من أجلي؟ لا تقولي أنكِ أتيتي لتلقي البركة مثلًا.”
كان واضحًا أنه لن يترك الأمر يمر دون أن يسمع الجواب، ولم يكن الأمر صعبًا، فهي كانت تنوي إخباره عاجلًا أم آجلًا، فلم يكن الأمر سرًا.
ثم أرته حقيبة الخام، فانعقد حاجباه بضيق.
“كنتُ بحاجة إلى قوة مقدسة لتشغيل جهاز إبطال السحر، فجئت للحصول على المواد.”
“حجر الشفق الأزرق؟”
“أتعرفه؟”
“رأيته عدة مرات، فهو يُستخدم في القصر الإمبراطوري.”
يبدو أنه ما زال مستخدمًا في القصر حتى الآن.
وبينما كان يتفحص الحجر الأزرق، بدأ يطرح أسئلته بإلحاح،
“هل كنتِ تعرفين القائد منذ زمن؟”
“ليست معرفةً قديمة جدًا.”
لا تدري ما الذي أزعجه في جوابها، لكنه نقر على الحقيبة بلمسة تنم عن ضيق.
“ذلك المتمسك بالقوانين، يعطي حجر الشفق الأزرق المملوء بالقوة المقدسة بلا إذن، وفوق ذلك كهدية؟ لشخص لا يعرفه منذ زمن طويل؟”
“لقد دفعتُ ثمنًا عادلًا.”
لكن حتى هذا الجواب المنطقي لم يفلح في إزالة التجهم من بين حاجبيه.
“طالما أن الأمر يخصني، فالأجدر أن أكون أنا من يدفع الثمن، ماذا طلب مقابل ذلك؟”
“إصلاح أداة سحرية.”
“وتاركًا صانعي الأدوات السحرية في المعبد، ليختاركِ أنتِ بالذات يا ميلودي؟”
“أنا متفوقةٌ قليلًا، حاولت إخفاء الأمر لكن يبدو أنه انكشف.”
“آه، صحيح……ألم يقل ولي العهد الشيء نفسه؟ يا لها من مصادفة غريبة.”
كان صوته أشبه بالزمجرة، فلوّحت ميلودي بيديها نافية.
“الأمر حقًا لم يكن مقصوداً……”
“على أي حال، ارفضي. إذا كنتِ بحاجة إلى حجر الشفق الأزرق فسأحضره لكِ بنفسي.”
“لكنني حصلت عليه بالفعل.”
“إذًا سأحضره لكِ مرة أخرى، فمزاجي سيئ إلى هذا الحد. هل أنتِ واثقةٌ أن هذا حقًا من أجلي؟”
“هو من أجلي أيضًا، لذا يكفي……”
غرغغغغ-
في تلك اللحظة قرقرت معدة ميلودي. فطرق ديونيس على جدار العربة مرتين وهو يخاطب السائق،
“يبدو أننا بحاجة لتناول الطعام، اذهب إلى مطعم.”
“لنذهب إلى مقر الدوقية فقط، فأنتَ ما زلت مريضًا.”
“لا يهمني.”
“وأنا لا أريد.”
“وأنا أيضًا، لا أريد.”
وبعد بضع جولات من الجدال الطفولي، كان الفائز ديونيس. فتوقفت العربة عند مدخل السوق الليلي.
ثم أشارت ميلودي إلى نوع من الحلوى المستديرة التي تُباع عند بوابة الدخول، و أشارت للخادم،
“إذًا، من فضلكَ، أحضر لي واحدة من هذه، وواحدة لآنا، وأيضًا واحدة لسيدي الدوق! آه، وكذلك……اشترِ كل ما على الطاولة.”
فاشترى الخادم كل الحلوى المعروضة ووضعها في العربة، حتى امتلأت المقاعد واضطر لوضع البقية على الأرض حيث تدحرجت بلا نظام.
برفع ديونيس حاجبيه وهو ينظر إلى إحداها التي كان وسطها فارغًا.
“ما هذا؟”
“حلوى تُكسر قبل أن تؤكل.”
كسر إحداها على راحة يده، وأخذ قطعةً ووضعها في فمه فانتشر طعمها العطري اللذيذ.
“جربها في القصر.”
وبينما كانت هي تأكل، أدار ديونيس رأسه نحو النافذة، ثم تحدث وكأنه تذكر شيئًا فجأة،
“هذه أول مرة آتي فيها إلى السوق الليلي.”
لقد مر وقتٌ طويل منذ أن سلبه الألم حياةً يومية طبيعية، فلم يكن ليزور مكانًا كهذا من قبل.
انعكست أضواء السوق الليلي على وجه ديونيس مرسومةً بظلال عميقة. فشدّت ميلودي قبضتها على الحقيبة التي تحتوي على حجر الشفق الأزرق.
“في المرة القادمة، حين أنهي صنع جهاز إبطال السحر، لنعد مجددًا.”
“أتعدينني بذلك؟”
لم تكن تقصد أن تأتي معه، لكن أمام نظراته الهادئة لم تستطع إخراج كلمة رفض.
“……أعدكَ.”
فمدّت ميلودي إصبعها الخنصر لتؤكد وعدها.
***
حين فتحت عينيها، وجدت نفسها على سرير، وغاصت غريزيًّا تحت اللحاف الناعم الملمس.
“……لقد كانت مشغولةً بالأبحاث كل يوم، وتزوركَ بين الحين والآخر أيضًا.”
“……أعلم.”
سمعت صوت شخصين يتحدثان قريبًا منها، كان صوت ديونيس وآنا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 38"