مهما كانت الشروط، فلن يمنحها المعبد حجر الشفق الأزرق أبداً، وهذا أمرٌ كانت تعرفه جيداً من خلال طريقة تعاملهم مع الأدوات السحرية.
لذا قررت أن تلجأ لأسلوبٍ غير مشروع. السرقة.
كان المخزن الذي يُحفظ فيه حجر الشفق الأزرق هو نفسه مخزن قسم صناعة الأدوات السحرية، وكان المعبد يترك الأحجار التي لم يعد بحاجة إليها ملقاة بجانب جثث الوحوش.
وبما أن الحجر بلا قوة مقدسة، فقد كان بالنسبة لغير الموهوبين أشبه بحجر عادي لا قيمة له، فلم يروا حتى ضرورةً لحراسته.
“……حتى وإن كان الأمر كذلك، فهذا يبقى جريمةً لا يمكن التسامح معها.”
كان بريق عينيه يخبرها بخيبة أمله منها، وهو أمرٌ كانت تتوقعه. فقد عرفت أن شخصاً مثله، في شدة التمسك بالمبادئ، لن يقبل بهذه الفكرة بسهولة.
“بالطبع، لا أنوي الحصول عليه مجاناً، سأدفع الثمن. فقط استمع لما سأقوله، وإذا وجدته منصفاً، فتجاهل ما سأفعله.”
“لن أفعل مطلقاً—”
“الكثير من الناس سيموتون.”
“……ماذا تقصدين؟ سيموت أناس؟”
في تلك اللحظة، تغيرت ملامحه واشتدت حدة وجهه، مظهراً قسوةً لم ترَها فيه من قبل، بينما حاولت ميلودي التماسك وهي تواصل كلامها.
“قريباً، سينكسر الحاجز المقدس، وستتضرر إحدى الإقطاعيات.”
“هذا مستحيل.”
تحطيم الحاجز……كان هذا الحدث المستقبلي مكتوباً في الرواية، وهو السبب المباشر الذي سيجعل الأبطال الثلاثة يلتقون.
فبدأ حاجباه يقتربان تدريجياً.
“لن يكون مجرد شرخ، بل سينهار تماماً وستتدفق الوحوش إلى الداخل، وسيموت عددٌ لا يحصى من الناس.”
“وكيف تعرفين هذا؟ أهو من عمل الدوق……؟”
“أنا صانعة أدوات سحرية.”
أخرجت ميلودي من صدرها أداةً سحرية، عبارة عن جهاز دائري بحجم كف اليد، تتلألأ نقاط محفورة عليه بضوء باهت.
كانت قد صنعته حين عاشت خلف الحاجز، لتتمكن من تفادي الوحوش.
“إنها أداةٌ سحرية لتتبع تدفق الوحوش، لا يمكنها الوصول لمسافات بعيدة، لكنني اكتشفت جزءًا تغير فيه التدفق مؤخرًا، هنا.”
أشارت إلى موقع محدد في الخريطة الصغيرة العائمة فوق الجهاز، وبعد أن تحقق أهفين من المكان نظر إليها،
“هل يعلم الدوق بهذا الأمر أيضًا؟”
“لا.”
في الرواية، كان ديونيس قد خرج في بعثة إلى هذا المكان فاكتشف أن الحاجز قد انكسر.
لكن عدد الوحوش المتدفقة بلا نهاية كان يفوق قدرة حتى النخبة من الفرسان على المواجهة، فمعظم الفرسان فقدوا حياتهم أو أصيبوا بعاهات، وديونيس نفسه لم ينجُ سالمًا.
و لم يرسل المعبد فرسانه المقدسين إلا بعد أن قُتل عدد كبير من الناس.
‘وكانت هناك قصةٌ أيضًا عن عودة ديونيس لتلقي العلاج في المعبد.’
لم تكن ميلودي تفكر ولو قليلًا في ترك الأمور تسير إلى ذلك الحد.
“قد يكون فرسان الدوق معتادين على صيد الوحوش، لكن ذلك لن يكون كافيًا، فالوحوش ستتدفق بلا توقف من خلال الحاجز المكسور.”
“!”
“وإذا لم يُعد شخصٌ يحمل القوة المقدسة إقامة الحاجز، فسيتعرض المزيد من الناس للأذى.”
“أتظنين أنني سأصدق مثل هذا الكلام السخيف؟ حاجزٌ مقدس……سينكسر؟”
“أعلم أنه يصعب تصديق ذلك، لكنها الحقيقة، ألا يستحق الأمر التحقق قبل فوات الأوان؟”
وضع يده على جبهته، وظل صامتًا طويلًا وكأنه يفكر في صدق كلامها، ثم تحدّث بعد مدة،
“هكذا إذاً.”
لكن بدا أن هناك شيئًا في قلبه ما زال يثير القلق.
“لكنني لم أتوقع أنكِ ستطلبين مقابلًا لإنقاذ الناس، لماذا تقدمين مثل هذا العرض أصلًا؟”
“لأنني أريد إنقاذ المزيد من الناس، فالمعبد لم يعد يستخدم حجر الشفق الأزرق من أجلهم.”
“……!”
أطبق شفتيه وخفض رأسه وكأنه لا يجد ما يرد به.
“يجب التأكد من الأمر.”
“بالطبع، وإذا ثبت أن كلامي صحيح، هل ستتغاضى عن أخذي لحجر الشفق الأزرق؟”
“لا، لن أسمح بالسرقة.”
تجعد حاجبا ميلودي باستياء.
“إذًا……”
“بل سأقدمه لكِ بيدي.”
رفع رأسه ببطء ليلتقي بعينيها.
“مقابل إنقاذكِ أرواح الناس.”
“ستعطيني حجر الشفق الأزرق وتجلد نفسكَ بنفسك أيضًا؟”
“إن وُجد ما يستوجب طلب المغفرة، نعم، سأفعل ذلك.”
“لكن أنا لا أريد.”
توقف هو عند جواب ميلودي الحاسم، فهي لم تكن ترغب في أن تدين بشيء لقائد فرسان المعبد المقدس.
“وأؤمن أن المعبد يريد السعادة لا الألم.”
ثم، في عينيه البنفسجيتين اللتين كانت تحدقان فيها ببطء، تموّج شيءٌ ما.
“حتى لمن لا يستحق السعادة؟”
“لا يوجد شخصٌ كهذا في العالم.”
“أترين ذلك؟”
قال ذلك بنبرة ساخرة من نفسه، ثم، بوجه هادئ، مدّ إليها الصندوق الذي يحتوي على الخام المعدني.
“ما تتمناه السماء بالتأكيد هو إنقاذ الناس.”
أخذت ميلودي الخام منه.
“أشكركَ.”
انتهى الحديث بينهما عند هذا الحد، وبينما تغادر الغرفة التفتت ميلودي نحو أهفين.
“يا سيدي الفارس، أرجو أن تعدني ألا تعاقب نفسكَ بسبب هذه المسألة، وأن تكتفي بحماية الناس في البعثة بدلًا من ذلك.”
“….…”
لم تكن ترغب في أن تحمل ذنبًا بلا داعٍ، ولم تكن تريد أن تشغل بالها به أصلًا.
“نعم، أعدكِ.”
و خرج صوته بعد فترة طويلة، وكأنه مكتومٌ ومشدود.
***
“أنا أرى أن الثياب يكفي أن تغطي ما يجب تغطيته.”
قال الفارس الذي أساء الأدب قبل قليل، وهو يخاطب ميلودي بعد أن خرجت من غرفة أهفين.
“ليس هذا هو المقصود.”
“أهم شيء عندي هو العملية، ثم قبل كل شيء أرى أن أفضل الأدوات هي الأدوات السحرية، هذا عن صدق. آه، ما عدا السيوف. أليست السيوف أدواتٌ أيضًا؟”
كان الفارس يتحدث وهو يراقب تعابير آنا، وكأنه يستقرئ ما جرى في الغرفة أثناء غيابهم.
“ولهذا السبب جعلنا القائد نبحث عن صانعة الأدوات السحرية ليلًا ونهارًا عشرة أيام متواصلة، أليس كذلك……”
“السيد ديرين.”
عند الصوت الخافت التفتت ميلودي لترى أهفين قد خرج من الغرفة ووقف خلفها مباشرة.
“سيدي القائد، منذ متى أنتَ هنا؟”
“من البداية.”
“سمعتَ كل شيء؟”
“نعم.”
“همم، أنا لم أكذب، كل ما فعلته هو بعض المبالغة فقط.”
تجاهل أهفين كلام ديرين وتوجه إلى ميلودي،
“سأوصلكِ حتى بوابة المعبد.”
ثم مد يده وكأنه سيحمل الحقيبة التي تحتوي على الخام المعدني، لكن آنا كانت أسرع فأخذتها.
“سأحملها أنا.”
فنظرت ميلودي إلى الحقيبة التي كانت خفيفة الحمل، ثم تحدثت،
“أنا معتادةٌ على المعبد أيضًا، يمكننا الذهاب وحدنا.”
“سيكون هذا أفضل من أن تعودي في الطريق الذي جئتِ منه.”
ولعله يقصد بذلك ألا تخالف القوانين مرةً أخرى وتسلك الطريق الجوفي متظاهرةً بأنها صانعة أدوات سحرية.
“إذًا أرجو منكَ ذلك.”
لم تجد مانعاً من السماح له بمرافقتها، ثم التفتت نحو الفارس المسمى ديرين،
“يا سيد ديرين، أخيرًا أدركت قيمة ثيابي، سأعفو عنكَ رغم تأخرك.”
“أشكركِ يا عبقرية الصنع.”
“هل ارتكب فارسنا أي إساءةٍ ما؟”
ارتجف جسد ديرين ارتجافةً كبيرة عند سؤال أهفين، و فكرت ميلودي أن الأمر غريب، فمع أن أهفين صارم لكنه لا يعاقب بالضرب، فأشارت برأسها نافية.
“لا، كل ما في الأمر أننا نختلف في الرأي حول الموضة.”
“صحيح، لقد انبهرت برأي الآنسة الصانعة لا أكثر. هاها، لذا أرجوكَ، ساحة التدريب فقط-”
“سيد ديرين، واصل التدريب حتى أعود.”
________________________
عز الله ديرين مب راقد
ادعم المؤلفة تشبك آنا وديرين ذاه من يصف؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 37"