طوال سيرهما في الممرات المتشابكة كالمتاهة، كانت آنا متوترة، تتلفت حولها وتلتصق بميلودي حتى تكاد تتمسك بظلها.
“يبدو أنهم حقاً لا يتعرفون عليَ.”
لم ترتح آنا إلا بعد أن مرّ عددٌ من الكهنة بجانبهما دون اهتمام.
“سيظنونكِ صانعة أدوات سحرية.”
“أجل، فمَن غيركم قد يرتدي هذا اللباس؟ جلد……غارغويل؟ من المستحيل تقريباً الحصول عليه.”
“اقتربنا.”
وما إن استدارا عند زاوية الممر حتى وصل إلى مسامعهما صوت هتافات حماسية.
“هيا! هاه!”
كان بعض الفرسان المقدسين يتدربون بالسيوف في ساحة التمرين، يتقاذفون بالغبار وهم يتبادلون ضربات السيوف وكلمات متقطعة.
“سيدي ديرين، أترى أن إشعال شرارةٍ واحدة يعني أن يُترك المرء ليتعفن في السجن مدى الحياة؟ لا أدري إن كان هذا عدلاً! ذلك الصغير لم يكن ليقدر حتى على إشعال شمعة!”
شهقت ميلودي بصوت خافت عند سماع ما يُقال، فقد كان الحديث عن الساحر الذي تم القبض عليه.
“اصمت. من يدري أي سحر قد يتقنه حين يكبر؟ لا تنسَ الكارثة قبل مئة عام، عندما جعل ساحرٌ واحد مدينةً كاملة رماداً.”
“……مع ذلك، لا أشعر براحة في قلبي. كيف لطفل أن يتحمل السجن؟”
أخرجت ميلودي القلادة على عجل، وكان القلب الأحمر فيها لا يزال ظاهراً.
“ما الأمر؟”
سألتها آنا وهي تلتفت بعدما توقفت ميلودي فجأة في منتصف الممر.
“لا، لا شيء.”
قبضت ميلودي على القلادة بيد باردة فقدت دفئها.
كانت تكره المعبد لهذا السبب، فالبقاء هنا طويلاً سيجعلها رغماً عنها تكره كل من فيه.
“أوه؟ ألستما صانعتا أدواتٍ سحرية؟”
اقترب منهما فارسٌ يمسح العرق عن جبينه بعد أن رآهما.
“ما الذي جاء بكما؟ أعمال إصلاح الأدوات السحرية ليست مقررةً لليوم.”
“جئت لمقابلة اللورد أهفين.”
أخرجت ميلودي الختم الذي أرفقه أهفين مع الرسالة، فتفحّصه الفارس وأومأ برأسه.
“تم التأكد. لكن……ألم أرَكِ من قبل؟ لا، ليس أنني رأيتكِ، بل سمعتِ عنك. شعرٌ بلون أوراق العشب……”
وبينما كان الفارس يحاول التذكر، اتسعت عيناه فجأة وهتف،
“آه! أنتِ هي، أليس كذلك؟ تلك التي كان القائد يبحث عنها بلهفة!”
غطّى فمه بيده وبدت عليه الحماس، ولم تفهم ميلودي كيف انتشرت ملامحها في كل مكان وهي بالكاد عاشت بهدوء.
“يبدو أنني كذلك.”
أجابته بهدوء، فابتسم الفارس بسعادة،
“يبدو أن شوق القائد قد وصل إليكِ، هل عدتِ إلى المعبد؟”
“لا.”
“لكن……لماذا ترتدين مثل هذا اللباس؟ حتى وأنتِ خارج المعبد! سمعت أن صانعي الأدوات السحرية قومٌ غريبو الأطوار يلمسون المخلوقات السحرية، لكن……هذا حقاً……”
كان نظر الفارس يتنقل بين ملابسهما، فاحمرّ وجه آنا على الفور.
“وما بها هذه الملابس؟ إنها عمليةٌ ومتينة في الوقت نفسه، إنها ملابس ممتازة!”
“آه، ظننتها زيّ العمل الخاص بصانعي الأدوات السحرية، لذا قلت ما قلت.”
لكن ميلودي كانت منزعجة، فهي تعرف تماماً أن الأمر لم يكن مجرد تعليق على الملابس.
“لقد أسأتَ إلينا. اعتذر فوراً.”
خرج صوتها حاداً لهذا السبب. قطعت كلماتها فجأة، ثم خفضت بصرها.
أما آنا فارتبكت من الجو الذي صار ثقيلاً فجأة، وأخذت تراقبها بحذر.
“آه……أعتذر. سامحيني. القائد في غرفة المعبد، هل يمكن أن تنتظري قليلاً؟ سأحضره فوراً.”
وما إن غادر الفارس معتذراً باحترام، حتى تحدثت آنا بحذر،
“لا أفهم لماذا يقللون من شأن صانعي الأدوات السحرية. إنهم مدهشون حقاً. أشفق على من لا يعرف روعة الأدوات السحرية.”
زفرت ميلودي بهدوء، وهي تدرك أن ما فعلته لم يكن سوى تنفيس غضب بلا داعٍ، وأنها وجهت حدتها لشخص لا علاقة له لمجرد محاولة إزاحة قلقها.
“أن يمتلكون هذه الموهبة العظيمة بالقرب منهم ولا يدركونها……لا شك أنهم سيخسرون الكثير في حياتهم. فحياتي تغيّرت تماماً منذ أن عرفت الأدوات السحرية.”
ابتسمت ميلودي بخفة أمام حماس آنا المفرط.
“صحيح، إنهم مساكين حقاً.”
“أوه، لقد ابتسمتِ. هيا بنا بعد ذلك إلى السوق الليلي ونتناول شيئاً لذيذاً.”
“حسناً، فلنفعل ذلك. أي شيء تشتهينه سنتناوله.”
“لا تلوميني إذا ندمتِ على هذا الكلام.”
وبينما كانتا تواصلان حديثهما على مهل، عاد الفارس برفقة أهفين، الذي كان يرتدي زي الكهنة.
“يا إلهي……”
فتمتمت آنا بدهشة وهي ترى وجه أهفين.
“أنتِ هنا.”
“قلتَ لي أن أزوركَ متى ما أردت، فجئت. هل أزعجتكَ؟”
“أبداً، تفضلي.”
صم تراجعت آنا خطوةً إلى الخلف،
“اذهبي أنتِ، سأبقى هنا أراقب التدريب حتى تنتهيا من الحديث.”
“لن أتأخر.”
أومأت ميلودي لها ثم تبعت أهفين.
***
كانت غرفة أهفين، كغيرها من أماكن المعبد، مرتبةً بلا أي زوائد.
لكن ما لفت انتباه ميلودي أولاً كان قطعة قماش ملطخة ببقع حمراء موضوعة على طرف المكتب.
“المكان لم يُرتَّب جيداً بعد، أرجو أن تعذري ذلك.”
“اللوم عليّ، فقد جئت على عجل. لا تهتم.”
عندما أُغلق الباب، تدلّت قطعة القماش بفعل الهواء، كاشفةً نصف ما تحتها: سوطٌ أبيض ناصع، ما زالت تلطخه دماءٌ لم تجف بعد.
توقف نظر أهفين فجأة عند السوط، متابعاً نظرة ميلودي نحوه.
“……ليس شيئاً مهماً.”
كان صوته أخفض وأكثر حذراً من المعتاد وهو يدفع السوط إلى داخل الخزانة.
وميلودي كانت تعرف تماماً ما الغرض منه. ففي الرواية، كثيرًا ما ظهرت مشاهد كان فيها يعاقب نفسه، وغالبًا ما كان ذلك يتطور إلى لحظات تقرّبٍ بينه وبين ليهلين أثناء علاجها لجراحه.
و في معظم الأحيان، كان هذا يحدث بعد أن يقبض أهفين على ساحر أو يعجز عن منع أضرار سببها وحشٌ سحري.
والآن، حين تفكر ميلودي بالأمر، يخيل إليها أن تلك الأفعال لم تكن سوى تمردات صغيرة كان يقوم بها كلما ساوره الشك في قوانين المعبد.
ولم يكن من الصعب عليها أن تخمّن أن عقابه لنفسه قبل قليل كان بسبب شعوره بالذنب لاعتقاله الساحر الصغير.
لكنها كانت تدرك أن هذا لا يمكن أن يكون عذراً. ولذلك قررت أن تتجاهل ألمه، كما يريد هو.
“سبب زيارتي لك……هو أنني أريد الحصول على حجر الشَفَق الأزرق.”
“أفهم.”
بدت على أهفين ملامح المتوقّع، وكأنه كان يعرف منذ أن منحها الخام أنها ستأتي عاجلًا أم آجلًا، وما كان الأمر سوى مسألة وقت.
“لا بد أن لديكَ سببًا حين أعطيتني ذلك الحجر.”
“قلتِ أنه لمساعدة أحد، ولهذا رغبت في مساعدتكِ. من بين الأحجار التي يمكنها حفظ القوة المقدسة، لا شيء يضاهي حجر الشَفَق الأزرق.”
“هل يمكنكَ منحي بعضًا منه؟”
كان حجر الشَفَق الأزرق من الأحجار التي حُظر إخراجها من المعبد.
لم تكن تعرف إن كان السبب هو رفض التعامل بالقوة المقدسة خارج إشراف المعبد، أم لأن الحصول على المزيد منه صار مستحيلًا، لكن فجأة اختفى من الوجود.
ولدهشتها، أخرج أهفين فورًا صندوقًا كبيرًا وقدّمه لها، وكان ممتلئًا عن آخره بأحجار الشَفَق الأزرق التي أضاءت بضوء أزرق لطيف، كأنها تحتضن نجوم السماء في قلبها.
“هذا كل ما لدي، وهو محفوظٌ باسم الفرسان المقدسين.”
لم تكن الكمية كبيرة. و بالنسبة لاحتياجات ديونيس، كانت تكفي، لكن ميلودي كانت تطمع في أكثر من ذلك.
“يوجد في مخزن المعبد أحجار شَفَق أزرق أخرى، وإن لم تخنّي الذاكرة، فهي تعادل عشرة أضعاف هذه الكمية.”
“لكن ذلك……خارج نطاق سلطتي.”
“أعرف. ولهذا أفكر في سرقتها. هل ستكون شريكي في الجريمة؟”
________________________
ياناس مؤدبة تستأذن قبل تسرق😭
ماعلينا من سوط اهفين المازوخي ذاه سوو له سكيب
المهم آنا ليه ماجت معها عشان مايجي سوء فهم مع ديونيس
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 36"