عند المديح المبالغ فيه عقد رايون حاجبيه قليلًا، لكنه سرعان ما أطلق كلماتٍ ناعمة.
“كيف لي أن أنسى امرأةً جميلة مثلكِ؟ هل أنتِ بخير بعد إصابتكِ؟ أن تُجرَح امرأة……صحيح أن اللوم يقع على الدوق، لكنني أجد أنني كنت قاسيًا.”
“ربما بفضل اهتمامكَ، شُفيت تمامًا دون أن تبقى أي ندبة.”
“لكن لا يمكن أن أترك الأمر يمر هكذا.”
ناولها رايون صندوقًا فيه دنانير ذهبية.
“سمعت أنكِ صانعة أدوات سحرية، فما رأيكِ أن أصبح راعيكِ مكافأةً على ذلك اليوم؟”
“أن تقيّم قدراتي بهذا الارتفاع……كلامكِ هذا مبالغٌ فيه على صانعة أدوات سحرية متواضعة مثلي، ولكن……”
التقت ميلودي بعينيه ببطء.
“شكرًا جزيلًا……يا سموّك.”
ارتجف بريق عينَي رايون قليلًا أمام جوابها البريء.
“أتريدين إذاً ترك قصر الدوق والعمل من أجلي؟”
“نعم، يا سموّك. القصر الإمبراطوري لا يُقارن بمنزل الدوق. أنا أحب المال، وكلما دفعوا أكثر كان أفضل. صحيحٌ أن مهارتي متواضعة مقارنةً بصانعي الأدوات السحرية الآخرين في المعبد، لكنني سأبذل قصارى جهدي.”
حدّقت ميلودي بالذهب بوجه يملؤه الانبهار، وكانت تلك مشاعرها الحقيقية بلا أي تكلّف.
“وهل كنتِ تعملين في قصر الدوق أيضًا من أجل المال؟”
كان يحدّق إليها وهو يسند ذقنه، وبدا وكأنه فقد اهتمامه سريعًا كما يفعل طفلٌ اكتشف أن لعبته من ذهب مزيّف.
“لقد عملتُ مرةً سنةً كاملة دون أن أتقاضى أجرًا. كان ذلك فظيعًا.”
“وكم لم يُدفع لكِ بالضبط؟”
“خمسون قطعة فضية.”
“ماذا، فضة؟ وليست ذهبًا؟”
“نعم، يا سموّك. لقد صبرت فقط لأنهم كانوا يطعمونني. وإلا……ربما كنت الآن قد صنعت أداةً سحرية انفجارية وفجّرت كل شيء ثم جلست في السجن المقدّس.”
“……تفجير……كل شيء؟”
نظر رايون إلى ميلودي بعينين تملؤهما الريبة،
“لكن مع ذلك، أليس ذلك منزل سيدك؟”
“هل من يربطكَ بالمال ثم لا يدفع لكَ يعتبر سيدًا؟ أنا لست فارسةً يا سموّك، وفوق ذلك……سنة كاملة!”
“حقًا، لقد كان ذلك كثيرًا.”
وأثناء الحديث، عادت لميلودي مرارة تلك الأيام، فقبضت كفيها بإحكام.
“لذلك منذ ذلك الحين عزمت أمري. سأعمل فقط في الأماكن التي تدفع الكثير، ولن أبيع موهبتي وذكائي بثمن بخس أبدًا.”
ارتفع حاجب رايون من طرف واحد.
“همم، ألم تقولي أن مهارتكِ متواضعة؟”
“المهارة تتحسن مع الممارسة.”
أجابت بابتسامة مشرقة.
“صحيح أنني كنت أتعرض للتوبيخ يوميًا من مديري المعبد، لكن……أن أمتلك ورشة في القصر الإمبراطوري! لو كان أبي على قيد الحياة لفرح كثيرًا!”
في تلك اللحظة تجمد وجه رايون.
“القصر الإمبراطوري؟”
“بالطبع!”
تابعت ميلودي كلامها بعينين متلألئتين.
“وأنا أعمل من أجل سمو ولي العهد، فهل يُعقل أن تمنحني ورشةً في مكان ما بالعاصمة بدلًا من القصر الإمبراطوري؟ هذا الأمر سيكون تحت اسم سموّك……!”
“كهم……صحيح. من يعمل لأجلي يجب أن يدخل القصر الإمبراطوري بالطبع.”
كان على وجهه تعبير شديد الحرج، لكنه رجلٌ يولي كرامته أهمية، فلم يكن ليستطيع الاعتراض.
فأمسكت ميلودي بيديها معًا وأطلقت شهقة إعجاب.
“يا إلهي، أن أصبح صانعة الأدوات السحرية للقصر الإمبراطوري! إنه لشرفٌ عظيم، يا سموّك. حتى لو لم أكن أجيد الصنع كثيرًا، سأبذل قصارى جهدي لصنع أدوات سحرية حتى لجلالة الإمبراطور-”
“تمهلي.”
رفع رايون يده مقاطعًا كلامها.
“جلالته لا يحب الأدوات السحرية.”
كان صوته حازمًا، وفيه نفاد صبر.
على الأرجح لم يكن رايون ينوي أصلًا إدخالها إلى القصر الإمبراطوري، إذ كان يكره لفت انتباه الإمبراطور.
“آه، فهمت.”
هزّت ميلودي رأسها متصنعة البراءة.
“إذًا للنبلاء الذين يزورون سموّك……”
“تمهلي، لماذا تحاولين إعطاءهم شيئًا باستمرار؟”
“لأنني أريد أن يعرف الجميع أنني أصبحت من أتباعكَ، يا سموّك!”
أجابت بنبرة طبيعية وكأن الأمر بديهي، فاتسعت حدقتا عينيه الزرقاوين لحظة.
“بصراحة، أفكر حتى في لصق منشوراتٍ في أرجاء العاصمة. و بما أن أكثر ما أتقنه هو صناعة مصابيح الجدران، فسأبدأ أولًا باستبدال كل مصابيح جناح سموّك بأدوات سحرية……”
“يكفي.”
وضع رايون فنجان الشاي الذي كان بيده على الطاولة محدثًا صوتًا خفيفًا.
“لنكتفِ بهذا القدر اليوم، ونتحدث في التفاصيل لاحقًا.”
“لدي الكثير من المواعيد في الفترة القادمة، ولا أعلم متى سيتسنى لي الوقت.”
“الأسبوع القادم؟ هل يناسبكَ الأسبوع القادم يا سموّك؟”
“ستعرفين حين يحين الوقت.”
“إذًا الأسبوع الذي يليه؟ آه، ربما إذا جئتُ أنا إلى جناح سموّك تجد وقتًا……”
تعمّدت ميلودي الإلحاح أكثر لتغرس الفكرة.
“أتجرئين على المجيء إلى هناك؟ القصر الإمبراطوري ليس مكانًا يمكن لأي أحد الدخول إليه كما يشاء.”
وأخيرًا، استدعى الحاجب وهو بوجه غاضب.
“يكفي، انصرفي. لقد نسيت أن لدي لقاءً مع كبير الكهنة اليوم.”
“هاه؟ لكن هذا الموعد غدًا……”
“لا، بل اليوم.”
“لا يا سموّك، أنا متأكدٌ أني تلقيت تأكيدًا بأنه غدًا في الثانية ظهرًا……”
“إن قلتُ أنه اليوم، فهو اليوم. مفهوم؟!”
وبينما كان يتشاجر مع الحاجب، حيّته ميلودي بابتسامة مشرقة.
“اذهب بحذر يا سموّك. سأنتظر اليوم الذي تأتي فيه.”
ثم غادر رايون مسرعًا وكأنه يهرب.
‘تم الأمر!’
لن يعود أبدًا ليبحث عني.
فكرت ميلودي بذلك بارتياح وهي تراقب ظهره يبتعد.
***
كان رايون يشعر وكأنه داس على قذر.
في الصباح، لم يكن مزاجه سيئًا، رغم أن اليوم هو يوم انعقاد المجلس المقدس.
وأثناء وقوفه أمام المرآة تتولى الخادمات تزيينه، التفت إلى حاجبه قائلًا،
“سأذهب لرؤية تلك السيدة.”
“تقصد سيدة الكونت يوناوود، يا سموّك؟ لكن الكونت عاد إلى العاصمة قبل يومين، ألن يكون الأمر مزعجًا لو صادفته؟”
نظر رايون إلى حاجبه بحدة.
“هل تقول هذا وأنت تعرف متى أنهيت علاقتي بسيدة الكونت يوناوود؟!”
“منذ أسبوعين، يا سموّك.”
نقر رايون بلسانه وهو يحدّق في حاجبه. كان ذكيًا مثل والده الوزير، لكن قلة بديهته كانت عيبًا كبيرًا.
“لم أقصد أن أسألك عن ذلك……سأذهب إلى قصر الدوق.”
“آه، إذن، أيّ سيدة أبلغها بقدومكَ……؟!”
“صانعة الأدوات السحرية.”
“هاه؟ صا……صانعة؟ ومن تكون هذه السيدة……؟”
“أعني صانعة الأدوات السحرية التي قيل أنها ذهبت إلى قصر الدوق.”
ومع تحرك رايون، أسرع الحاجب ليفتح الباب على عجل.
“إذاً، ماذا عن اجتماع المجلس المقدس المقرر اليوم……؟”
رمقه رايون بنظرة حادة تتلألأ في عينيه.
“سأذهب إلى قصر الدوق.”
كان صوته منخفضًا وحادًا. ولحسن الحظ، لم يزد الحاجب في إزعاجه وتبعه بصمت.
المجلس المقدس……منذ أن حضره مرةً واحدة بأمر الإمبراطور، لم تطأ قدماه ذلك المكان مجددًا.
على الأقل الحفلات فيها رقص وخمر، أما المجلس المقدس فكان عذابًا خالصًا.
اجتماعٌ يجتمع فيه نبلاء العاصمة ليناقشوا شؤون الكنيسة، والوحوش، والحواجز السحرية. وفي قلب كل تلك الأحاديث، لم يكن يخلو الأمر من ذكر ذلك الرجل……ديونيس.
“يقال أن سمو الدوق قد قضى هذه المرة على وحوش جبال مالاكار. أما سمو ولي العهد……”
“هل تدركون كم من رعايا الأقاليم يعانون بسبب تدمير الحواجز؟ لولا أن سمو الدوق يحمي الحواجز لكانت سقطت منذ زمن. لكن بالمقارنة مع ذلك……”
وفي كل مرة كانت كلمات المديح لديونيس تتردد على ألسنة النبلاء، كان رايون يضغط أسنانه بغضب.
ذلك الوحش الملعون، عليه أن يشكر السماء أن له فائدةً على الأقل في صيد الوحوش، ومع ذلك يجرؤون على مقارنته بي!
_______________________
وش ذاه يجيبون لنا قبل مايروح لها؟
المهم انها عرفت تقلعه ضحكت😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"