ديونيس، وهو يتلوى من ألم كأن أطرافه تُنتزع، لم يستطع تحريك جسده حتى وهو يرى اليد الممتدة نحوه.
لكن لو لامسه ذلك الضوء، لكان الأمر أسوأ بكثير.
هل عليه أن يقتلها ليوقفها؟
حين غطى السواد الحالك مجال بصره،
بَك-!
دوّى صوتٌ أشبه بتسرب هواء من بالون. فرمقت ليهلين بذهول كتلة من السلايم الأخضر التي انفجرت أمامها مباشرة.
“هاه……ما أوقحكِ.”
شعر ديونيس لبرهةٍ وجيزة بزوال الألم، فتمكن بصعوبة من النهوض.
بينما كان غبار نواةٍ سحرية محترقة يتناثر من يده. فقد كانت هذه إحدى الآلات الفاشلة لإبطال السحر التي أعطته إياها ميلودي قبل أن تغادر.
“أيتها الكاهنة، كوني مؤدبة حتى في مواجهة آلام الآخرين……إلا إذا كنتِ ترغبين بفقدان رأسكِ.”
غادر ديونيس، وبقيت ليهلين وحيدة في الحديقة، تمسح قطع السلايم العالقة على وجهها.
“لماذا رفض العلاج……؟”
لم يمضِ سوى ثلاثة أشهر منذ أن ظهرت قوتها المقدسة.
وخلالها، وجدت نفسها فجأة محاطة بمضايقات من عائلتها التي كانت تعاملها بود سابقًا، ومن أصدقاء أقارب بعيدين لم تكن تعرف بوجودهم أصلًا، حتى اضطرت لدخول المعبد.
لم تكن بارعةً بعد في التحكم بالقوة المقدسة، لكنها تجرأت على المحاولة.
“هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟”
وبينما كانت تلتقط السلة التي وضعتها على الأرض، لمحت قطعًا سوداء متناثرة على الأرض.
“……ما هذا؟”
انحنت ليهلين لالتقاط النواة السحرية، وفي تلك اللحظة ألقى ظل طويل بظلامه على رأسها.
“ماذا تفعلين هنا؟”
“أيها الكاهن الأكبر.”
ظهرت عينان غائرتان تحيط بهما تجاعيد عميقة، وجفنان مائلان إلى الأسفل، وشعر بني قد شاب في مواضع متفرقة.
كان مظهر رجل مسن عادي يمكن أن تمر بجانبه دون أن تلاحظه.
“كنت في طريقي بمهمة، فوجدت شخصًا مريضًا وحاولت معالجته، لكنه……غضب وقال أنه لا يريد العلاج……”
“آه، لا بد أنكِ شعرتِ بالضيق إذاً.”
بينما تجاوزها، وقعت عين الكاهن الأكبر البنية الداكنة على القطع السوداء المبعثرة على الأرض.
“نواةٌ سحرية؟”
ارتجف حاجباه قليلًا.
“هل تتذكرين من كان الشخص الذي كان هنا؟”
“آه، كان شخصًا جميلًا للغاية. آه، وكانت عيناه حمراوين……”
“قلتِ عيناه حمراوان؟”
في لحظة، اختفى الدفء من وجه الكاهن الأكبر، وحل مكانه برود قاسٍ.
“آه، لا، ربما بدتا كذلك بسبب الاحمرار……أو ربما كانتا بنيتين داكنتين……لست متأكدة.”
“أفهم……لا بد أنه كان مريضًا جدًا إذاً.”
عاد صوته الهادئ الناعم، وكأن البرود السابق كان مجرد وهم. فاعتقدت ريهلين أنها توهمت الأمر وأكملت حديثها.
“هل تراه رفض العلاج لأنه شعر أنني لا أستحق الثقة؟”
“لا، بل لأنه كان ممن يضمرون الغيرة من القداسة. منذ اللحظة التي مُنحتِ فيها القوة المقدسة، أصبحتِ شخصًا يَستحق الاحترام. لقد وقع عليكِ اختيار المعبد.”
“……لكنني ما زلت غير قادرة حتى على العلاج بشكل صحيح.”
عادت ليهلين بذاكرتها إلى أيامها في المعبد وهي تعالج الناس.
لم تستطع التحكم جيدًا في قوتها المقدسة، فخرج طفل جاء للعلاج بحمى أشد مما جاء به، وتوفي شيخ وهو ممسك بيدها.
و في كل مرة، كانت تشعر بعجزها ينهش قلبها.
“ربما كان أبي محقًا حين قال أنني شخص عديم الفائدة. أنا لا أنجح في أي شيء، ولا أفهم لماذا اختارني المعبد أصلًا.”
ارتجف صوت ليهلين وهي تتحدث، إذ تسربت مشاعر القلق التي لطالما كتمتها في أعماق قلبها.
فقطع صوت الكاهن الأكبر حبل أفكارها.
“ليهلين، لا يجب أبدًا أن تشككي في إرادتكِ.”
“لكن……ماذا لو لم أتمكن من إنجاز ذلك؟”
“ذلك لن يحدث. المعبد، وأنا، سنحرص على ألا تفشلي. حتى في اللحظة التي تشككين فيها بنفسكِ، وأيًا كانت المحنة التي تواجهكِ.”
هل وُجد من قبل شخص آمن بها بهذه القوة؟ عندها، شعرت شيء دافئ بدأ ينتشر في صدرها.
تأملها الكاهن الأكبر لبرهة، ثم أشار إلى تمثال المعبد القابع في وسط الحديقة.
توجه بصر ليهلين نحو تمثال المعبد، التي كان يحتضن النور كما تحتضن الأم طفلها، بملامح مليئة بالرحمة.
“والمعبد أيضًا سيكون معكِ. أنتِ الآن جزءٌ من المعبد، لذا ثقي بنفسكِ.”
بعد وفاة والدتها، أصبح المنزل مكانًا غريبًا وباردًا؛ أبٌ لا مبالٍ، وزوجة أب كانت توبخها دائمًا، وإخوة غير أشقاء مشاكسون.
كانت ليهلين تشعر بالوحدة هناك دائمًا. لكن الآن، بينما تحدق بعينيها السوداوين المبللتين نحو تمثال المعبد، شعرت أن الملاذ الدافئ الذي طالما تاقت إليه قد ظهر أخيرًا أمامها.
***
“لقد عدتِ؟!”
عند عودتها إلى القصر، استقبلت آنا ميلودي بحماس. فمدت ميلودي الحزمة التي أحضرتها نحوها.
“هذه هدية.”
“أحقًا اشتريتها من أجلي؟! أنا سعيدةٌ جدًا! لكن……إنها كتاب؟”
أخذت آنا الحزمة بوجه متفاجئ، لكن ملامحها أخذت تميل إلى الخيبة تدريجيًا.
“إنه كتاب عن الصيغ السحرية المبسطة. لا يُباع في السوق، لكنني وجدته بالصدفة في السوق السوداء. يتحدث عن أبسط صيغ النار الأساسية……”
“التفسير لاحقًا، الآن عليكِ أن تبدلي ملابسكِ وتستعدي.”
عندها رفعت ميلودي حزمة خامات التعدين التي كانت تمسك بها.
“تريدين مني أن أذهب لأرتاح؟ كنت أنوي قضاء الليلة في المعمل.”
“ولي العهد قد جاء لزيارتكِ.”
لم يغب ديونيس عن القصر سوى يومين، ومع ذلك لم يستطع الانتظار وجاء مسرعًا. فتنهدت ميلودي بضيق.
“لا تقولي أنه ذهب إلى غرفة دوقة القصر مجددًا؟”
“بل قال أنه جاء لرؤيتكِ بالذات.”
“ماذا؟! لماذا؟”
“قال أنه يريد الاعتذار لكِ.”
فجأة سُمع نباح كلب في مكان بعيد.
“هذا غير معقول.”
رايون لم يكن أبدًا من النوع الذي يعتذر لمن هم دونه، إلا إذا كان لديه نيةٌ خفية أخرى.
“تفضلي، هذه الملابس التي أعدها لكِ كبير الخدم. وقد أوصاكِ بأن تجيبي بأدب وتلتزمي بالاحترام.”
عندما رأت ميلودي الفستان العاجي الأنيق، اقشعر بدنها.
***
كان رايون يجلس في صالة الاستقبال على كرسي مخملي أزرق، ينتظرها. و كان مظهره المزيّن مثل طاووس أنيق يليق به تمامًا.
فقد كان معطفه البنفسجي المطرز بدقة يبرز زرقة عينيه وشعره أكثر.
“أخيرًا أرى وجهكِ.”
حين دخلت ميلودي الصالة، مسحتها عيناه الزرقاوان، الباردتان مثل سماء الشتاء، من أعلى إلى أسفل.
“أحيي ولي العهد.”
“لقد طال الانتظار، لكن النساء أمثالكِ يستحقن الانتظار.”
بصوت عذب، وكأنه يخطط لاستمالتها، أشار رايون بحركة مبالغٍ فيها إلى المقعد المقابل له.
“اجلسي.”
“نعم، سموك.”
“لا داعي للتوتر. جئت فقط لأعتذر عن الأذى الذي سببته لكِ.”
لكن ميلودي لم تكن متوترة، بل منزعجة فحسب.
وكانت قد توقعت إلى حد ما سبب قدومه.
‘لابد أنه سمع من مكان ما عن صانعة الأدوات السحرية التي دخلت قصر الدوق.’
وبما أنه من النوع الذي يتلهف لامتلاك أي شيء يخص ديونيس، فقد جاء مسرعًا.
ولحسن الحظ، كانت ميلودي تعرف من الرواية كيف تتعامل معه.
‘رايون لا يحب سوى الأشياء التي لا يمكنه الحصول عليها بسهولة.’
إذًا، يكفي أن تتيح له الحصول عليها بسهولة تامة.
‘لكنني لست بارعة في التمثيل……’
رفعت ميلودي زاوية فمها المرتجفة بابتسامة مصطنعة.
“يا إلهي، أنتَ تتذكرني يا سموك……لا يوجد شرفٌ أعظم من هذا!”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 31"