“لكن، هل لي أن أسأل لماذا يجب أن يبقى هذا اللقاء سرًّا؟”
لم يكن في مصلحة أحد أن يعرف المعبد بأنها تصنع أداةً سحرية باستخدام القوة المقدسة، فقد يثير ذلك شكوكًا فارغة بأن ديونيس قد يختطف صانعة الأدوات السحرية ليدبر أمرًا مريبًا.
حين أتأكد من فاعلية القوة المقدسة، سأطلب كاهنًا آخر. فحتماً يمكن العثور على كاهن يقدّر المال أكثر من الأخلاق.
لذا، كانت تنوي إبقاء لقاءاتها مع أهفين سرًّا إلى ذلك الحين فقط. وحتى إذا لم تعد بحاجة إلى قوته المقدسة، يمكنها مواصلة إصلاح الأدوات السحرية كخدمة ودّية.
لكن كل ذلك لم يكن مناسبًا لتقوله لأهفين.
أنهت ميلودي تفكيرها القصير وأجابت،
“لأن حبيبي…..لا يحب أن ألتقي برجال آخرين في أي مكان.”
انكمشت حواجب أهفين قليلًا.
“يبدو كشخص سيء الطباع.”
“لا بأس، فأنا أيضًا أقيّده.”
القيد من طرف واحد يُعد جريمة، أما القيد المتبادل فهو جنون بحت.
رتبت ميلودي الموقف في ذهنها بإيجاز، ثم أخرجت الأدوات التي أحضرتها.
“هل أحضرتَ الأداة السحرية؟”
“…..بالطبع.”
كانت أداة إصلاح الأسلحة السحرية على هيئة صندوق أجوف.
يدها البيضاء النحيلة راحت تتفقد النقوش السحرية المرسومة عليه، وكانت هناك اختلافاتٌ طفيفة عن تلك التي اعتادت استخدامها.
فالأمور الطفيفة هي ما تصنع التحفة.
“إذا أردنا تنظيفها في كل زاوية…..هممم.”
أزالت الأجزاء الخاطئة وأعادت نقش الرموز السحرية عليها بدقة. و بما أن الأمر وصل إلى هذا الحد، قررت أن تصنع له أداةً سحرية أكثر كمالًا.
وبينما كانت غارقةً في عملها، رفعت رأسها لتجد أهفين واقفًا بهدوء بجانب المقعد يراقبها وهي تنقش الرموز.
“هل أزعجتكِ؟”
“أبدًا. عندما أعمل، لا ألاحظ ما يقوله أحد. لقد انتهيت للتو.”
“إنها المرة الأولى التي أشاهد فيها عملية الصنع، فوجدت نفسي أراقب دون قصد.”
“أتدري؟ أول من اكتشف الرموز السحرية واستخدمها كان قديسًا. ويقال أن أول نقش سحري استخدمه كان لإشعال النار، لكن حين حاول باستخدام القوة المقدسة، لم يتوقف عن إنبات الأشجار، حتى تكوّن في ذلك المكان غابة كاملة.”
“إنها قصة غابة فيرين.”
“عندما التقى نقش إشعال النار بالقوة المقدسة، تحوّل إلى نور دافئ…..وهكذا..…”
توقفت ميلودي عن الكلام للحظة وهي تحدق في الضوء الذي أطلقه أهفين؛ إذ جاءت فراشةٌ من نور ذهبي ترفرف بخفة حتى حطّت على ظهر يدها، فبدأت الجروح التي خلفها حفر النواة السحرية تلتئم بلحظة.
“لم أر شيئًا كهذا من قبل…..إنه في غاية الجمال.”
قالت ميلودي ذلك وهي تحدق في الفراشة وكأنها مسحورة.
“إلى أي مدى يمكنكَ إرسال هذا من هنا؟ هل يمكنكَ شفاء كل من يمر في الطريق بقوتكَ المقدسة؟”
“قوتي ضئيلة، لذا سيكون الأمر صعبًا.”
“وماذا لو استخدمنا النقوش السحرية؟ لو استعملنا نقش الحفظ لصنع طريق، لكن يجب أن يُحفظ وهو في حالته المتحركة..…”
وبينما كانت تتحدث بحماس عن هذا الاكتشاف الجديد، لمحت ميلودي ملامح أهفين.
“آه، أظن أنني تحدثت عن النقوش السحرية أكثر من اللازم.”
“لا، لقد كان الأمر ممتعًا. حتى أني أتحسر على أنني لم أحضر دروس رموز الرون بجدية.”
رمشت ميلودي بعينيها الكبيرتين، فهذه أول مرة منذ والدها تجد شخصًا لا يوبخها على الإكثار من الحديث عن النقوش السحرية.
فشعر قلبها بقليلٍ من الدفء أمام لطفه.
“لا أستطيع تخيل السيد أهفين يتهاون في دروسه، تبدو وكأنكَ شخص مجتهد في كل شيء.”
“باستثناء وقت تدريب السيف، لم أكن طالبًا متميزًا.”
“كالعادة، المرء يستمتع بما يجيده. أما أنا، فكنت أتعرض للتوبيخ دائمًا لأني لا أتحرك كثيرًا. ربما لو تم مزج شخصياتنا معًا لكنا مثاليين.”
“الشخصية؟”
فكّر قليلًا قبل أن يُكمل،
“عندها كنت سأصبح طالبًا يتلقى الكثير من المديح.”
حتى في تخيله للجواب، ظل وفيًّا لطبعه الجاد.
“لكنني أظن أنني ما كنت لأنضم إلى الفرسان المقدسين.”
“ولماذا؟”
“لأن قوتي المقدسة كانت ستنخفض إلى النصف.”
كان جوابه المفاجئ جادًا إلى حد أن ميلودي انفجرت ضاحكة.
“لم أكن أعلم أنكَ شخصٌ ممتع هكذا.”
“أنا ممتع؟”
“ألم تكن تعرف؟”
وجهه، على وجه الخصوص، كان ممتعًا. لو أن آنا رأته، لكانت تحدثت عنه أيامًا.
كانت ليهلين تسأله في كل مرة إن كان غاضبًا، حتى ظنت أن ملامحه جامدة، لكن اتضح أن تعابيره أكثر تنوعًا مما توقعت، وإن لم يكن يحرك عضلات وجهه كثيرًا.
وحين رفعت رأسها، كان النهار قد شارف على الانتهاء. فجمعت ميلودي أغراضها ورتبت المكان.
“إذًا، أراكَ المرة القادمة.”
“هل ستعودين إلى هناك مجددًا؟”
“حين أخرج، سيكون بانتظاري الحارس الذي وضعه…..كـ، هممم، حبيبي.”
“…….”
شعرت وكأنه شدّ أسنانه بغضب.
“لحظة، أيمكنني أن أستأذن؟”
“نعم؟”
“لا تفزعي. سآخذكِ بين ذراعي.”
لم تكد تشعر بذراعيه تحيطان بظهرها وساقيها حتى وجدت جسدها يرتفع بخفة.
وبينما كانت تنظر إلى جانب وجهه القريب، قفز بخفة فوق الشرفة، ثم أنزلها برفق على الأرض، بلمسة في غاية التهذيب.
“آه.”
“ظننتُ أن هذا سيكون أكثر أمانًا.”
وما إن خطا خطوةً إلى الوراء، حتى كان قد عبر بالفعل إلى الشرفة المقابلة.
“شكرًا لكَ.”
لم يحملني أحدٌ بتلك الطريقة منذ أن كنت طفلة صغيرة، لذا شعرت بقليل من الحرج، رغم أنني كنت أعلم أن الأمر لم يكن سوى إجراء للسلامة.
“إذًا…..عودي بسلام.”
“وأنتَ أيضًا، سيد أهفين.”
عادت إلى الغرفة وهي تمسك بخديها المحمرين، ثم نظرت إلى الحجر الخام المتلألئ الذي امتلأ بضوء أبيض ناصع، فلم يكن هناك حجرٌ واحد بلا قوة مقدسة وكأنه نفخ فيها جميعًا بنفسه.
تمنت لو أن هذا النور، الذي لا يجلب لديونيس إلا الألم، يستطيع أن يبدد آلامه.
وما إن وضعت الأحجار في حقيبتها حتى سمعت طرقًا على الباب. ثم حان وقت العودة إلى قصر الدوق بعد أن اشترت هديةً لآنا.
***
أعلن الإمبراطور عن عدم حضوره لاجتماع المجلس المقدس.
وفي قاعة الاجتماعات في المعبد، البيضاء كالكهف، جلس النبلاء يحدقون في المنصة الفارغة ويتبادلون الهمسات.
“هذه بالفعل ثالث مرة منذ بداية العام.”
“إنه ضعيف البنية منذ مولده، ألم يولد وهو يعاني من المرض؟”
“لكن الأمر أصبح متكررًا أكثر من اللازم.”
“هل يعقل أننا بحاجة للاستعداد…..للقادم؟!”
عند سماع كلمة القادم، كتم النبلاء أنفاسهم.
“هممم، لدينا سمو ولي العهد.”
“لكن، هل يليق بمن يرفض حتى الخروج في رحلات صيد الوحوش من أجل الإمبراطورية أن يكون وريثًا للإمبراطور؟ أليس هذا سبب عدم ظهوره حتى في اجتماعات المجلس المقدس؟”
“إذا كان من يملك حق الوراثة ليس مؤهلًا، فمن المؤهل إذاً؟”
“وفق الترتيب الطبيعي، هناك شخصٌ كان يجب أن يعتلي العرش بالفعل.”
“لكن، أليس قد تخلى عن حقه في الوراثة؟”
لم يُذكر الاسم، لكن لم يكن أحدٌ يجهل أن الشخص المقصود بكلام الرجل النبيل هو ديونيس.
وسط الأجواء الجادة، نهض رجلٌ في منتصف العمر، شعره بدأ يشيب، و هو شتاين آينوود، رأس عائلة عريقة أنجبت مستشارين جيلاً بعد جيل.
“لكن أليس دم بالكاراس يجري في عروقه وهو أنقى من أي شخص آخر؟”
فالإمبراطور الحالي، شوفال، كان من سلالة لم يتوقع أحد أن تصل إلى العرش، ووالدته كانت من عامة الشعب.
__________________
اما عاااد رايون جدته عاميه؟ اجل شايف نفسه على وش؟😭 كله من عقدة النقص
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 29"