كان الأمر من أجل ديونيس، لكن شعور الظلم بدأ يتسلل إليها.
وبعد عدة جولات من السؤال والجواب، صدر الإذن أخيرًا.
“عُودي قبل أن يتأخر الوقت كثيرًا.”
“نعم!”
“سأجهز لكِ العربة.”
وحين خرجت ميلودي إلى المدخل لركوب العربة، توقفت فجأة عند رؤية الفرسان الواقفين أمامها.
“أنا غيلبيرتون، المكلف بمهمة الحراسة.”
“أنا رين.”
“أنا ميخائيل.”
“وأنا تاليا.”
كانت تتوقع أن يخصص لها قصر الدوق حاملاً للأمتعة على الأكثر، لكنها فوجئت بانتظار أربعة فرسان حراسة لها.
‘أربعة أشخاصٍ سيرافقونني؟!’
بهذا الشكل، سيكون من المستحيل أن تلتقي أهفين سرًا من دون علم ديونيس.
“لا تقلقي، ثلاثةٌ منهم سيحرسونكِ دون أن يظهروا.”
لكن حتى لو لم يظهروا، فلن يقلّ عددهم،
قال غيلبيرتون ذلك بمرح، فيما نظر إليها كبير الخدم وكأنه لا يملك حيلة.
“لقد أوصاهم الدوق بنفسه.”
وكان معنى ذلك: إن أردتِ الاعتراض، فاعترضي على ديونيس نفسه.
تنهدت ميلودي، فلو أصرت على ترك الحراسة، فقد يثير ذلك شكوكه بشأن سبب خروجها.
“سأعود لغرفتي قليلًا، هناك شيءٌ نسيته.”
“حسنًا، تفضلي.”
عادت ميلودي إلى غرفة عملها وأخذت أداةً سحرية للوهم كانت قد صنعتها مسبقًا.
“ما الذي نسيتِه؟”
وما إن استدارت للخروج، حتى أسرعت آنا التي كانت تنظف الغرفة نحوها بعينين متألقتين بالتوقع.
“هل ربما…..أنا؟”
“لقد نسيتُ أداةً السحر.”
ألقت آنا نظرةً خاطفة على الأداة ثم أغمضت عينيها بابتسامة رقيقة.
“أأنتِ ذاهبة إلى القرية ومعكِ أداةٌ سحرية أيضًا؟ لا بد أنها ثقيلة. أستطيع حملها جيدًا عنكِ.”
“لقد قلّلت حجمها ووزنها مقارنةً بما صنعتُه سابقًا، لذا فهي ليست ثقيلة.”
“لكن هل الحديث الذي أريد سماعه منكِ هو فعلًا عن أداة السحر؟”
تجنبت عينا ميلودي نظرات آنا الملحّة وهي تتدحرج بعيدًا.
“سأجلب لكِ هدية.”
***
عاصمة الإمبراطورية، إيرينسيا. كان السوق الواقع فيها يطل على المعبد و دائمًا ما يعجّ بالحركة.
“مندراكورا جُلبت من كارام! للبيع اليوم فقط! الكمية محدودة! الأسبق أولًا!”
هتف بائع الأعشاب الذي يبيع المندراكورا كل يوم. بينما دخلت ميلودي متجر الأعشاب واشترت أولًا كميةً كبيرة من أشجار الأراليا الشوكية التي يصعب حملها بسبب أشواكها.
“سأحملها عنكِ.”
أوكلت الأمر إلى الفارس، ثم اشترت بضع مواد ضخمة أخرى. وعندما أحضرت خيوطاً وأقمشة، بدا الفارس متعجبًا لكنه حملها بصمت.
ولكي يبدو أنها خرجت بالفعل لشراء مواد، لم تتوقف ميلودي عن دخول المحال التجارية.
وخلال سيرها، كانت إحدى يديها ملتصقةٌ بكيس المعادن المعلق على خاصرتها، فيما تختار بالأخرى البضائع. وقد استغرب بعض التجار ذلك، لكنها لم يكن أمامها خيارٌ آخر.
وعندما دقّت أجراس الظهيرة، اتجهت ميلودي إلى النزل. وبطبيعة الحال، كانت هي الوحيدة من بين المجموعة التي بدت منهكةً تمامًا.
“هذا المكان كنت أقيم فيه سابقًا. أردت فقط إلقاء التحية وشرب شيء بارد. ماذا تريد أن تشرب؟ على حسابي!”
“أنا بخير، شكرًا.”
“وبقية الثلاثة؟”
وخلال الطريق إلى النزل، ظلت ميلودي تبحث بعينيها عن الفرسان الثلاثة الذين قيل أنهم يحمونها في الخفاء، لكنها لم ترَ لهم أثرًا، ولا حتى ظلًا، مما جعلها تتعجب من مكان اختبائهم.
“لا تقلقي بشأننا، تفضلي وادخلي.”
بعد بضع مرات من الرفض، لم تجد ميلودي سوى طلب كوب مشروب وجلست تتحدث مع صاحبة النزل.
“مر وقتِ طويل منذ رأيتكِ. كيف حالكِ؟”
كانت صاحبة النزل تتلقى الطلبات بوجه خالٍ من التعابير، لكنها حينها فقط تعرفت على ميلودي واتسعت عيناها.
“أأنتِ…..تلك التي جاءت بعربة الدوقية سابقًا.”
“نعم، صحيح.”
قد ينسى المرء وجه الزبون، لكن من الصعب نسيان عربة الدوقية.
وبعد أن احتست ميلودي شرابها وهي تتبادل الحديث مع صاحبة النزل، نهضت فجأة.
“لقد تعبتُ كثيرًا من المشي بعد غياب طويل عن ذلك. هل يمكن أن أستريح قليلًا قبل أن أغادر؟”
“ألن يكون من الأفضل أن تعودي إلى قصر الدوق؟”
“عليَّ شراء ثمار الساكا التي تُباع بكمية محدودة عند الخامسة. هلا توقظني بعد ساعتين؟”
“حسنًا، إذاً سأنتظر بالخارج.”
تحقق الفارس من الغرفة قبل أن يخرج، وعندها فقط استطاعت ميلودي أن تكون وحيدةً تمامًا.
“ترى…..ألم يصل بعد؟”
وعلى وقع خطواته التي ابتعدت، توجهت ميلودي إلى زاوية الغرفة واستخدمت أداة السحر الوهمية على نفسها، ثم مشت بخفة نحو الشرفة.
كانت الشرفات متلاصقة، وإن تجاوزت الدرابزين فسوف تصل إلى الغرفة المجاورة.
لكن حين همّت بالقفز أدركت أن الدرابزين مرتفعٌ نسبيًا. فارتجفت وهي تحاول الصعود عليه، وفي اللحظة التي كادت فيها أن تنزلق ويفقد جسدها توازنه،
“آ…..آه؟!”
ظنت أنها ستسقط من الطابق الثاني، لكن يدًا برزت فجأة وأمسكت بها.
“لم أكن أتوقع أنكِ ستأتين من هذا الطريق.”
كان ذلك أهفين. وبقوة جذب مفاجئة، وجدت ميلودي نفسها تهوي بين يديه.
“هل أنتِ بخير؟”
كان قلبها ينبض بقوة جراء صدمة من كادت أن تسقط، فأمسكت به بشدة وهي تلتقط أنفاسها.
“لقد…..لقد ظننت أنني سأموت. أعلم أنني لن أموت من الطابق الثاني، لكن لا بد أن شيئًا ما كان سينكسر…..أليس كذلك؟”
ظل أهفين واقفًا بصمت حتى استعادت هدوءها.
وحين عادت أنفاسها إلى طبيعتها، أحست بوضوح من خلال القماش الرقيق بثبات قوته. و قد كانت تكاد تغرق بين ذراعيه.
عندها أسرعت ميلودي بسحب يديها عن ذراعه وصدره.
الشرفة كانت بالكاد تتسع لوقوف شخصين، لذا ظل وجهه قريبًا منها.
وقد كان يرتدي زيًّا أسود خاصًا بالمحاربين، ومظهره من دون الدرع بدا غريبًا وكأنه شخصٌ آخر، أقل صرامةً وأقل مهابة، لكن ذلك جعل وسامته تبرز بشكل مدهش.
“أنا…..ظللت متمسكةً بك على ما يبدو.”
“لا بأس.”
قال ذلك بهدوء.
“لكن…..كيف عرفتني؟ هل تراني؟”
“بشكل باهت، نعم. لكن الأدق أنني أشعر بوجودكِ.”
عندما أطفأت ميلودي الأداة السحرية وكشفت عن نفسها، بدا أهفين متفاجئًا من قرب وجهها أكثر مما توقع، ثم ارتبك قليلًا ودخل الغرفة.
تبعت ميلودي خطاه بسرعة قبل أن يلاحظ الحراس، ودخلت الغرفة الصغيرة في النُزل، حيث لم يكن هناك مكانٌ للجلوس سوى السرير.
“أتود الجلوس؟”
“سأقف.”
“إذًا سأجلس…..أنا.”
ربما كان الإحراج بسبب المكان.
“مع ذلك، إن أردت استخدام القوة المقدسة، فسيكون الجلوس أكثر راحة لك…..آه، حقيبتي!”
تفقدت ميلودي حقيبتها بلهفة، ولحسن الحظ كانت لا تزال معلقةً على خصرها.
“لو أسقطتها، لكنت بكيت فعلًا اليوم.”
“ما هذا؟”
“خام معدني. هل يمكنكَ أن تملأه بالقوة المقدسة؟”
حتى على غطاء الحقيبة البالي، ظل الألماس متلألئًا.
ثم التقط أهفين الحجر الأزرق بجانبه.
“إنه حجرٌ لحفظ القوة المقدسة. هل تنوين صنع أداة سحرية؟”
“نعم. فكرت أن هذا قد يساعد من يخرجون لصيد الوحوش.”
بدت الدهشة على وجه أهفين.
“إذًا الأمر لأجل الناس.”
كان في الحقيقة لأجل شخص واحد، وربما أيضًا لأجل من يعيشون مختبئين خارج الحاجز.
لكنها، لعلمها أن أهفين لن يرحب بذلك، اكتفت بهز رأسها موافقة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 28"