في الفناء الخلفي، كانت الخادمات اللواتي وصلن أولًا متجمعاتٍ على شكل مجموعات صغيرة.
وحين رأين ميلودي، توقفن عن الصراخ والضحك وبدأن يتهامسن، ثم تفرقن بسرعة.
“لا تحزني كثيرًا، فقبل أيام قليلة، خرجتِ مع الدوق في العربة، وهذا جعل الرأي العام يزداد سوءًا. يقولون، كيف يمكن أن تكون زوجة دوق من عامة الناس؟ هذا غير مقبول.”
“أفهم ذلك..…”
أجابت ميلودي بلا روح، فلم يكن لديها طاقةٌ للاهتمام حتى برأي الخادمات.
“آنا، أنتِ لا تكرهينني، أليس كذلك؟”
“ولماذا تسألين عن أمر بديهي كهذا؟ هذا كله لأنكِ لا تتعرضين للشمس، فتصبحين مكتئبة.”
“صحيح، الشمس مهمة.”
“بالطبع، لذا لا تبقي في غرفتكِ طوال الوقت، عليكِ الخروج.”
“وربما ألمس ذراعه أيضًا، وأي مكانٍ آخر ليس مهماً لا تفكري به.”
قالت ميلودي أي كلام وهي تقبض على أصابعها التي شعرت بدغدغة.
“لن تتمكني من لمسه.”
“لماذا؟ لماذا؟ ماذا؟”
صرخت ميلودي بارتباك، ففوجئت آنا وسدت إحدى أذنيها بيد، وأشارت بالأخرى نحو مكان ما في الحديقة.
وقد كان هناك كلبٌ رمادي متسخ مربوط بحبل.
“إن اقتربتِ سيعضكِ.”
“يا للروعة! من أين جاء هذا الكلب؟”
“يبدو أن السيد روهان أحضره معه عندما عاد من خروجه بالأمس.”
كان الكلب قد دفن رأسه، الصغير كحبة البطاطس، بين ساقيه، واكتفى بالتحديق بخلسة نحو المارة من دون أن يتحرك.
وعندما حاولت ميلودي الاقتراب منه، منعتها آنا.
“مهلًا، كوني حذرة، قد يعضكِ. في الصباح وحده، سال دم أربعة أشخاص بسببه. الفرسان كانوا يطلقون عليه اسم غوبلن، ويقولون أنه وحشٌ صغير من وحوش مالاكار.”
“وأين يوجد غوبلن صغير ولطيف بهذا الشكل؟ إنهم سود وخشنو الجلد، وحجمهم مثلكِ تمامًا يا آنا.”
“أوه، لا أعلم ما هو، لكنه مقزز.”
تركت ميلودي آنا التي ارتعبت، ونظرت نحو الكلب، ولاحظت أثرًا أحمر تحت فرائه.
“هناك جرحٌ في رقبته.”
“السيد روهان قال أنه يبدو وكأنه ظل مربوطًا لفترة طويلة وتعرض للتعذيب.”
الكلب أظهر أنيابه حتى في وجه الخادم الذي كان يطعمه، لكن ما إن جاء اللورد روهان حتى أنزل ذيله وأخذ يهزه بين ساقيه.
“يبدو أنه يعرف من أنقذه.”
“حقًا.”
وحين ربّت روهان على رأسه، تقبّل الكلب لمسته بود، وكأن لم يكن يزمجر قبل قليل.
“لم يسمح لأحد بلمسه، وها هو ذاه…..هل أنت تحب السيد روهان؟”
“يبدو أنه كان يحب الناس في الأصل.”
وحين اقتربت آنا، عاد الكلب ليختبئ خلف قدمي روهان مظهراً أنيابه مجددًا.
“هل ستربيه هنا دائمًا؟”
هز روهان رأسه نفيًا ردًا على سؤال ميلودي.
“سأخرج مجددًا في مهمة صيد الوحوش، لذا يجب أن أجد له صاحبًا جيدًا قبل ذلك.”
“لكنّه اعتاد عليكَ بالفعل.”
“ما دام قد فتح قلبه لشخص واحد، فسوف يتقبل صاحبه التالي أيضًا. وسيدرك أن هناك الكثير من الناس الطيبين. الأمر صعبٌ في البداية فقط، لكن المرة الثانية تكون أسهل.”
هل ستكون الثانية سهلةً حقًا؟
فكرت ميلودي بجدية وهي تتنهد بينما تستمع لحديث آنا وروهان.
ربما كان السبب في أن ديونيس أراد منها أن تلمسه باستمرار، هو أنها أول شخص أخرجه من ألمه.
وإن كان الأمر كذلك، فقد تكون مهمتها أن تجعل ديونيس وليهيلين يقتربان بسرعة.
وبينما كانت ميلودي غارقةً في التفكير،
“آها، ها أنتِ هنا. لقد بحثت عنكِ طويلًا.”
كان غرسون هو من قطع سلسلة أفكارها المستمرة.
“تلك الأداة السحرية التي أصلحتِها، تصلح للاستعمال.”
“أعرف، ألم أقل لكَ ذلك؟”
مسح غرسون فمه وأخرج مخططًا مرسومًا بإتقان.
“هذا تصورٌ مبدئي لتابوت.”
“إنه متقن وجميل، حتى كبير الخدم سيعجبه.”
“هناك شابٌ تعلم فن النحت، وعندما يكتمل سيكون أجمل بكثير.”
تنحنح غرسون متعمدًا قبل أن يتابع.
“تلك المرة…..ما قصة صنع المحفة التي قلتِها؟”
ابتسمت ميلودي وهي تحرك شفتيها بانحناءة، ويبدو أن أداة السحر المخصصة للإصلاح قد أعجبته كثيرًا.
“إنها أداةٌ سحرية لضبط الحرارة بسهولة، حيث نقسم مراحل صيغة سحر النار إلى-”
“كفي عن الشرح، هل يمكنكِ صنعها أولًا؟”
“يمكنني صنعها قبل نهاية هذا الأسبوع. وأريدكَ أن تلقي نظرةً على هذا أيضًا.”
“ما هذا؟ سوار؟”
ما عرضته ميلودي كان جهازًا محمولًا لتعطيل الطاقة السحرية.
“أريد أن يكون متينًا لدرجة يتحمل ضربة سيف، وبما أنه سيلامس الجلد مباشرةً فليكن ناعمًا ومرنًا. أما المتانة فهي أمرٌ أساسي.”
ومع كل شرط كانت تذكره، كانت ملامح غرسون تتجهم أكثر فأكثر.
“سيستغرق صنعه ألف سنة إضافية، فمعدن كهذا لا وجود له في هذا العالم.”
لو لم يكن الأمر ممكنًا لما أحضرت ميلودي هذه المتطلبات، فأخرجت المواد التي حصلت عليها من الوحوش.
“هذه أجنحة وحش النيمفيا، وهي ريشة روح. انظر إلى هذا، مادةٌ تُستخدم في المعابد، وهو معدن مصنوع بمزج أجنحة النيمفيا مع الميثريل. عندما نستفيد من خصائص الوحش يمكننا إضفاء صفات إضافية على المعدن.”
“سآخذها لأفحصها أولًا، ثم نتحدث مجددًا. يبدو أني لن أرى وجه ابنتي لفترة.”
ورغم تذمره، جمع غرسون المواد التي سلمتها له بحرص.
“كم عمر ابنتكَ؟”
“أظنها بلغت الخامسة عشرة هذا العام.”
زفر غرسون بعمق ثم تابع.
“هل تعرفين ما الذي يعجب الفتيات في مثل هذا العمر؟”
“أنا…..أظن أني كنت أحب الأدوات السحرية.”
أجابته إجابةً لم تفده، فازدادت ملامحه قتامة.
“أنتِ أيضًا غريبة الأطوار. تخيلي أنني قبل أيام في ميلادها صنعت لها هديةً قضيت أربعة أيام كاملة في صنعها، لكنها لم تنظر إليها حتى.”
“وما الذي أهديتها إياه؟”
“فأسًا صغيرة، صنعتها خفيفةً لتضعها على خصرها وتحملها بسهولة. لكن ذهب الحديد هدرًا.”
فسألت آنا بوجه مذهول،
“أعطيتَ ابنتكَ فأسًا صغيرة؟”
“كانت تلعب بها جيدًا وهي صغيرة، لكنها الآن لا تنظر لأي سلاح حاد.”
“الأسلحة الحادة تُستخدم في العمل، أما الفتيات في مثل هذا العمر فيحببن التزين أكثر. ماذا لو أهديتها شيئًا جميلًا مثل دبوس شعر؟”
“ما الفائدة من دبوسٍ لا يُستعمل؟ هل تقصدين شيئًا على شكل فراشة أو ما شابه؟”
“هل أختاره أنا لك؟ هذه الأيام، ليست الفراشات هي الرائجة، بل الزهور هي الأكثر شعبية.”
“إن كان لديك وقت فراغ فافعلي ذلك، وعلى العموم إن احتجتِ أيضًا أي أداةٍ حادة فأخبِريني.”
حين كانت ميلودي تستمع لحديث آنا و غرسون، تدخّلت،
“هل يمكنني أن أهديها أداةً سحرية بدلًا من ذلك؟”
“همم، إن كان الأمر لا يضايقكِ فافعلي.”
عادت ميلودي إلى الورشة وبدأت بصنع أداة سحرية لفرد الشعر أو تجعيده، وصنعت واحدةً إضافية لآنا أيضًا.
ولأنها لم تصنع منذ زمن أداة سحرية بسيطة كهذه، استغرقت في العمل دون أن تشعر بمرور الوقت.
“آنا، هل يمكنكِ إيصال هذه إلى السيد غرسون؟ واحتفظي بالأخرى لكِ.”
“ما هذه؟”
“أداةٌ سحرية لتجعيد الشعر أو فرده، شاهدي.”
وحين جربتها ميلودي على شعر آنا، اتسعت عينا آنا دهشة، إذ انسدلت خصلات شعرها البنية المتموجة على كتفيها بسرعة.
“يا إلهي، أعجبتني كثيرًا.”
“كانت أكثر الأدوات طلبًا في مكان عملي السابق.”
“حتى عند لمسها لا تحرق، كم مرة أحرقت شعري وأنا أستخدم سيخًا محمىًّا لتجعيده. سأذهب فورًا لأعطي السيد غرسون.”
وبينما كانت آنا تهم بالخروج من الغرفة وهي في غاية الحماس، توقفت عند الباب ونظرت إلى ميلودي.
“هل يمكنني أنا أيضًا صنع شيء كهذا؟”
“بالطبع.”
بحثت ميلودي عن كتاب أساسيات الصيغ السحرية وناولته لآنا، لكن ما إن قلبت آنا بضع صفحات حتى أغلقت الكتاب على الفور.
__________________
استسلمت😭😭😭😭😭
الفصول كيوت و آنا تجنن 🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 26"