كانت ويني، كعادتها دائمًا، تحمل تحت عينيها هالات داكنة ووجهًا منهكًا من التعب.
و رغم أن موعد دوامها لم يحن بعد، إلا أنها كانت بالفعل في المعبد، مما يعني أنها قضت ليلةً أخرى في العمل.
‘سأكتفي بالتأكد فقط. أعلم أن والدي لا بد أن يكون خارج الحاجز، لكن…..سأطمئن فحسب.’
لو أن والدها دخل إلى الحاجز، لكانت القلادة قد تحولت إلى اللون الأصفر، لكن منذ اختفائه، لم يتغير لونها الأحمر ولو لمرة واحدة.
ومع ذلك، وحتى تنعم براحة البال لشهر كامل، قررت أن تأتي لتتأكد بنفسها.
“جئت للزيارة. لم يحدث شيءٌ غير عادي، صحيح؟”
“بل حدث، بالتأكيد. هناك إشاعةٌ تقول أن صانعة أدوات سحرية دخلت قصر الدوق.”
اتسعت عينا ميلودي بدهشة.
“هذه عني. كيف انتشرت تلك الإشاعة؟”
“يبدو أن إحدى السيدات النبيلات زعمت أنها رأت شبحًا بالقرب من قصر الدوق. فبدأ الناس يتهامسون بأن الدوق توقف عن زيارة المعبد، ثم فجأة عرفوا أنه زاره مؤخرًا. ويقال أنه أتى ليعقد عقدًا مع صانعة أدوات سحرية.”
كان مسار الشائعة غريبًا قليلًا، لكن كل ما قيل فيها كان صحيحًا.
“بما أن الدوق الوسيم أخذ صانعة أدواتٍ سحرية، بدأ النبلاء يتوافدون اليوم التالي ليأخذوا واحدةً هم أيضًا. ثلاثة منهم بالفعل أبرموا عقودًا.”
كان النبلاء، بعد سماعهم بالشائعة، يسعون للتعاقد مع أفضل صانعي الأدوات السحرية وأخذهم إلى قصورهم.
“وهل وافق المعبد على ذلك؟”
حين خرجت من هنا، كانت المسألة أشبه بالابتزاز، لذا سألت ميلودي بدهشة، فأومأت ويني برأسها.
“أجل. يبدو أنهم لا يرون فيه ضررًا. ففي النهاية، الجميع ما زال يعمل باسم المعبد. آه، ليس مثل حالتكِ، ليسوا مأخوذين بالكامل. بل يعملون في بيوت النبلاء عدة أيام في الأسبوع فقط. أما بقية الأيام فيبقون تابعين للمعبد. المعبد يجني عدة أضعاف من رواتبهم، ويمنحهم بعض المكافآت على الأداء. و على كل حال، لا يوجد من يعرف كيف يحقق أرباحًا كهذا المعبد.”
ثم تنهدت ويني قائلةً أن عدد العاملين انخفض فجأة، وصار عبء العمل لا يُطاق.
“هل أُلقي القبض على أي سحرةٍ جدد؟”
“مؤخرًا لا أحد. لهذا أظن أن فرسان التطهير ما زالوا يقيمون هنا في المعبد. و يمرّون أحيانًا من حين لآخر.”
كان ذلك مريحًا. فقد جاءت ميلودي فقط لسماع هذا الخبر، لذا لم يعد لديها شيء آخر تفعله في المعبد.
و عندما كانت تهمّ بالمغادرة.
“صحيح. كان من بينهم من يبحث عنكِ.”
“من فرسان التطهير؟ لأي سبب؟”
“قالوا أنه بسبب أداة سحرية صنعتِها.”
فرسان التطهير كانوا نخبةً من الفرسان يتمتعون بالقوة المقدسة، ويتقنون استخدام السيف. و مهمّتهم الأساسية كانت القبض على السحرة، والإشراف على أحجار الحاجز.
رغم أنها كانت تدرك أنهم لا يفعلون سوى تنفيذ أوامر المعبد، إلا أن ميلودي كانت تنفر منهم. ولهذا كانت تتجنبهم دائمًا أثناء عملها في المعبد.
و كانت قد أصلحت لهم أدوات سحرية في بضع مناسبات، لكن ذلك كان كل شيء.
“لو عادوا للسؤال عني، قولي أنني غادرت. و أنني لن أعود أبدًا.”
“قلت لهم ذلك. لكنهم ظلوا يتوسّلون ويكرّرون طلبهم أن نُعلمهم إن عدتِ.”
“ما الذي لم يُعجبهم في الأداة السحرية؟ مضى شهران وهم يبحثون عني؟”
“بالضبط، غريبٌ أمرهم.”
من غير الممكن أن تكون الأداة التي صنعتها فيها خلل.
بعض الناس كانوا ببساطة…..غريبين.
“ويني، ألم أقل لكِ أن تحضري أوامر الطلب؟ لماذا تماطلين؟”
صرخ رجلٌ خارجٌ من قسم تصنيع الأدوات السحرية في وجه ويني، ثم لمح ميلودي فابتسم لها ابتسامةً واسعة بشفاهه المشقوقة.
كان جسده منتفخ، ووجه متجهمٌ مليء بالمكر. إنه أونيلو ليروود.
ينتمي إلى عائلة ليروود النبيلة، وكان المدير الفعلي لقسم صناعة الأدوات السحرية. و لا أحد عيّنه رسميًا، بل نصّب نفسه بنفسه.
كان النبيل الوحيد في هذا المكان، فمعظم النبلاء كانوا يشعرون بالنفور من التعامل مع الوحوش، ولهذا فإن أغلب العاملين هنا كانوا من العامة الأذكياء.
ورغم أن الجميع في المعبد سواسية، إلا أن أحدًا لم يكن يجرؤ على معاملة أونيلو النبيل بلا احترام.
وميلودي لم تكن استثناء. فاضطرت لتتحمّل أوامره المجحفة وتكليفه لها بأعمال لا تخصّها.
لكن الأسوأ من كل ذلك، أنه كان يقتطع من راتبها بحجة “رسوم تدريب”، وحين كانت تعمل في المعبد، لم تستطع الاعتراض، لأنها كانت تخشى أن يُقبض على والدها.
“أوه، ألستِ تلك؟ فتاة قصر الدوق.”
كان اللقب الذي يستخدمه لمناداتها قد تغيّر فجأة، بعد أن كان يناديها سابقًا بألفاظ مهينة مثل “المعتوهة التي لا تعرف حتى رموز السحر”، أو “اليتيمة”، أو “لاجئة لا يُعرف أصلها”.
“كنت سأناديكِ على أي حال. لا يمكن أن تكوني قد طُردتِ من قصر الدوق بالفعل، أليس كذلك؟ سيكون هذا مزعجًا.”
قالها أونيلو ذلك وهو يقترب منها بتفاخر.
مظهره المفرط هذا في الترحاب كان مزعجًا بقدر ما كان احتقاره واستعلاؤه كذلك.
“كنت في طريقي للخروج للتو.”
“رائع. خذي هذا معكِ.”
ناولها شيئًا بنظرات تملؤها الترقب. وقد كانت أداةً سحرية على شكل قوس مقنطر.
“ما هذا؟”
“ما الذي تظنينه؟ إنه أداةٌ سحرية من صنعي. ألا تستطيعين تمييزها حتى؟ يبدو أن مستواكِ لا يزال بائسًا كما كان. ولهذا السبب لا تستطيعين حتى نسخ أداة سحرية واحدة بطريقةٍ صحيحة.”
لم تكن المشكلة في أنها لم تستطع تقليد الأداة التي أعطاها لها، بل في أن الصيغة السحرية المستخدمة فيها كانت غريبةً جدًا، وقد حاولت تصحيحها، لكنه لم يسمح بذلك في النهاية.
“أوصليه إلى سيدي الدوق. إنها مصممةٌ لقتل الوحوش.”
نظرت ميلودي إلى الأداة التي بين يديها. وقد كانت مصنوعةً بعناية على غير عادة أونيلو، لكن الصيغة السحرية المنقوشة عليها كانت سيئةً إلى حد يُدركه أي مبتدئ من النظرة الأولى.
“إن فكرتِ بالأمر، فهي لصالحكِ أيضًا.”
“ومن أين راودكَ هذا التفكير؟”
فكرة أن أونيلو، الذي كان ينظر إليها دائمًا كصرصور من حي فقير، يفعل شيئًا لأجلها كانت فكرةً مقززة.
سألته ميلودي وهي تشعر بالريبة، فأجابها بتفاخر،
“لايهم. فمستقبلكِ واضحٌ كالشمس. بمهارتكِ الرديئة، لا شك أن الدوق لن يرضى عنكِ، وسرعان ما سيطردكِ من قصره. وقد يُعاقبكِ أيضًا، بما أنه شخصٌ حاد الطباع! لذلك، قبل أن يحدث كل ذلك، قررت أن أُنقذكِ.”
“لكن هناك خللٌ في الصيغة السحرية.”
“أين؟! تباً! قلتُ لهم أن يتفقدوها جيدًا. لا فائدة منهم، حمقى عديمو الفائدة!”
دار أونيلو وهو يتمتم بالشتائم، فبدت وجوه الصناع الجدد ترتعش خوفًا.
كيف لا يستطيع مراجعة أبسط الصيغ بنفسه؟ هذا يوضح مدى تدني مستواه في السحر.
والأسوأ من هذا كله أن الخلل كان في التصميم نفسه منذ البداية.
فتلألأت عينا ميلودي ببرود قاتل.
“صانعو الأدوات السحرية قد يخطئون، لكن لا يجوز أن يكونوا حمقى. فحينها يُصاب الناس.”
“يا للعجب، أخيرًا تقولين شيئًا معقولًا. أصلحي الخطأ، ثم أوصلي هذه الأداة إلى سيدي الدوق. حتى حمقاءٌ مثلكِ تستطيع فعل هذا على الأقل، أليس كذلك؟ وقولي له أن زيارته كلما كانت أسرع، كان أفضل. فهو مجرد خردة سقطت من العرش الإمبراطوري، وسيقضي عمره يُسحق في حقول صيد الوحوش حتى يهلك. لكن رغم ذلك، أليس قصر الدوق أفضل من المعبد؟!”
رن صوته المتعجرف في أذنيها كطعنة. فطحنَت ميلودي أسنانها لا إراديًا.
هذا الرجل لا ينبغي له أن يعمل كصانع أدوات سحرية، لا في قصر الدوق ولا في أي مكان آخر. يجب أن يُمنع من صناعة الأدوات السحرية إلى الأبد.
وكانت تلك القوس المقنطرة فرصتها لتحقيق ذلك.
“هل يمكنكَ أن تُريني كيف تُستخدم؟ لأن سيدي الدوق سيتفقد الأداة، وسأحتاج إلى تقديم عرضٍ توضيحي له.”
“أعطني إياها، سأُريكِ بنفسي.”
_______________________
ارجفيه حطي فيها شي يزنطه ويفقع كرشته تكفيييين
المشكله مايعتبر ذاه اهانة للعائلة الإمبراطورية ؟ خرده؟ لاتسب يازباله
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 21"